الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[395]
وعن عبد الله بن عتبة بن مسعود قَالَ: سَمِعْتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقولُ: إنَّ نَاساً كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالوَحْيِ في عَهْدِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَإنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وإِنَّمَا نَأخُذُكُمُ الآن بما ظَهَرَ لَنَا مِنْ أعمَالِكُمْ، فَمَنْ أظْهَرَ لَنَا خَيْراً أمَّنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْء، اللهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أظْهَرَ لَنَا سُوءاً لَمْ نَأمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإنْ قَالَ: إنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ. رواه البخاري.
قال المهلّب: هذا إخبار من عمر عما كان الناس عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما صار بعده، ويؤخذ منه أن العدل من لم توجد منه ريبة.
50- باب الخوف
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة (40) ] .
الرهبة: الخوف، أي: خافون خوفًا معه تحرز فيما تأتون وتذرون.
وَقالَ تَعَالَى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج (12) ] .
أي: أن بطشه وانتقامه من أعدائه لشديد عظيم قوي.
قوله: {وَكَذَلِكَ} ، أي: ومثل ذلك الأخذ للأمم الماضين {أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} .
وَقالَ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} [آل عمران (28) ] .
أي: يخوفكم عقابه. وفي ذلك غاية التحذير.
قال الحسن البصري: من رأفته بهم حذَّرهم بنفسه.
وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ * مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس (34: 37) ] .
أي: يشغله عن شأن غيره.
وَقالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ} [الحج (1، 2) ] .
فيرهقهم هوله بحيث تطير قلوبهم، ويذهب تمييزهم.
وَقالَ تَعَالَى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن (46) ] .
أي: من خاف مقام ربه بين يديه للحساب، فامتثل أوامره، وترك نواهيه، فله جنتان، أي: لكل إنسان جنتان.
وفي الحديث المتفق عليه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» .
وعن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه في قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ، وفي قوله {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن (62) ] ، جنتان من ذهب للمقربين، وجنات من ورق لأصحاب اليمين.
وَقالَ تَعَالَى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور (25: 28) ] .
يقول تعالى: وأقبل أهل الجنة يتحادثون وهم على طعامهم وشرابهم، ويتساءلون عن أحوالهم في الدنيا، قالوا {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} ، خائفين من العذاب {فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} ، أي: عذاب النار، {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ} نخلص
له العبادة، {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} ، أي: اللطيف بعباده الصادق في وعده، {الرَّحِيمُ} بالمؤمنين.
وَالآيات في الباب كثيرة جداً معلومات والغرض الإشارة إِلَى بعضها وقد حصل:
وأما الأحاديث فكثيرة جداً فنذكر مِنْهَا طرفاً وبالله التوفيق:
[396]
عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: حدثنا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصادق المصدوق: «إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أربَعِينَ يَوماً نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. فَوَالَّذِي لا إلهَ غَيْرُهُ إنَّ أحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ فَيدْخُلُهَا، وَإنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذراعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ فَيعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
في هذا الحديث: إثبات القدر، وأن جميع ما في الكون من نفع أو ضر بقضاء وقدر.
وفيه: إيماء إلى عدم الاغترار بصور الأعمال، لأن الأعمال بالخواتيم، نسأل الله حسن الخاتمة.
[397]
وعنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «يُؤتَى بِجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» . رواه مسلم.
قوله: «يومئذٍ» ، أي: يوم يقوم الناس للحساب، ويشهد لهذا الحديث قوله تعالى:{كَلا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر (21: 24) ] .
[398]
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ لَرَجُلٌ يوضعُ في أخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ. مَا يَرَى أنَّ أَحَداً أشَدُّ مِنْهُ عَذَاباً، وَأنَّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَاباً» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قوله: «أهل النار» ، أي: الكفار، لأنهم أهلها الخالدون فيها أبدًا، وأما العصاة فإن الله يعذب فيها من يشاء منهم، ثم يدخله الجنة.
[399]
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مِنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيهِ، وَمنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيهِ، وَمنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ إِلَى حُجزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ إِلَى تَرْقُوَتِهِ» . رواه مسلم.
«الحُجْزَةُ» : مَعْقِدُ الإزار تَحْتَ السُّرَّةِ، وَ «التَّرْقُوَةُ» بفتح التاءِ وضم القاف: هي العَظمُ الَّذِي عِنْدَ ثَغْرَةِ النَّحْرِ، وَللإنْسَانِ تَرْقُوتَانِ في جَانبَي النَّحْرِ.
قوله: «منهم» ، أي: من أهل النار.
وفيه: أنّ عذاب بعضهم أشد من بعض، قال الله تعالى:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الأحقاف (19) ] .
[400]
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقُومُ النَّاس لِرَبِّ العَالَمينَ حَتَّى يَغِيبَ أحَدُهُمْ في رَشْحِهِ إِلَى أنْصَافِ أُذُنَيهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَ «الرَّشْحُ» : العَرَقُ.
قيل: سبب هذا العرق تراكم الأحوال وتزاحم حرّ الشمس والنار، كما جاء أنّ جهنم تدير أهل المحشر فلا يكون لأهل الجنة طريق إلا الصراط فيكون الناس في ذلك العرق على قدر أعمالهم.
[401]
وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: خطبنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خطبة مَا سَمِعْتُ مِثلها قطّ، فَقَالَ:«لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ، لَضحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيتُمْ كَثِيراً» فَغَطَّى أصْحَابُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَجُوهَهُمْ، وَلَهُمْ خَنَينٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: بَلَغَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ فَخَطَبَ فَقَالَ:
…
«عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَمْ أرَ كَاليَومِ في الخَيرِ وَالشَّرِّ وَلَوْ تَعْلَمونَ مَا أعلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً» فَمَا أتَى عَلَى أصْحَابِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ، غَطَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ.
«الخَنِينُ» بالخاءِ المعجمة: هُوَ البُكَاءُ مَعَ غُنَّة وانتِشَاقِ الصَّوْتِ مِنَ الأنْفِ.
في هذا الحديث: الحثُّ على البكاء، والتحذير من إكثار الضحك، واستحباب تغطية الوجه عند البكاء.
[402]
وعن المقداد رضي الله عنه قَالَ: سمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:«تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ» . - قَالَ سُلَيْم بنُ عامِر الراوي عن المقداد: فَوَاللهِ مَا أدْرِي مَا يعني بالمِيلِ، أمَسَافَةَ الأرضِ أَمِ المِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ العَيْنُ؟ -:«فَيكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أعْمَالِهِمْ في العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، ومنهم من يكون إِلَى ركبتيه، ومنهم مَنْ يَكُونُ إِلَى حِقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجَاماً» . وَأَشَارَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بيدهِ إِلَى فِيهِ. رواه مسلم.
الميل عند العرب: مقدار مدّ البصر من الأرض، وعند أهل الهيئة: ثلاثة آلاف ذراع، وعند المحدثين: أربعة آلاف ذراع. ولكن أهل الهيئة يقولون: الذراع اثنتان وثلاثون أصبعًا. والمحدثون يقولون: أربع وعشرون أصبعًا، واتفقوا على أن مقدار الميل ست وتسعون ألف أصبع فالمتحصل أربعة آلاف ذراع.
[403]
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ في الأرضِ سَبْعِينَ ذِراعاً، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
ومعنى «يَذْهَبُ في الأرضِ» : ينزل ويغوص.
قيل: سبب العرق في المحشر شدة كرب يوم القيامة وأهوالها.
[404]
وعنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إذْ سمع وجبة، فَقَالَ:«هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. قَالَ: «هذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ في النَّارِ مُنْذُ سَبْعينَ خَريفاً، فَهُوَ يَهْوِي في النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِها فَسَمِعْتُمْ وَجْبَتَهَا» . رواه مسلم.
الوجبة: السقطة مع الهدة، يقال: وجب الحائط ونحوه، أي سقط.
قال الله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج (36) ] .
وفي الحديث: أن الإنسان إذا سئل عما لا علم له به أن يكل العلم فيه إلى الله سبحانه وتعالى.
وفيه: أن قعر النار تحت الأرض السابعة.
[405]
وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أيْمَنَ مِنْهُ فَلا يَرَى إلا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أشْأَمَ مِنْهُ فَلا يَرَى إلا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلا يَرَى إلا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قوله: «ليس بينه وبينه ترجمان» ، المراد أن الله يكلمه بلا واسطة.
وفي الحديث: الحث على الصدقة، والاستكثار من الأعمال الصالحة.
[406]
وعن أَبي ذر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «إنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ، وأَسمعُ ما لا تَسمعُون، أطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوضِعُ أرْبَع أصَابعَ إلا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِداً للهِ تَعَالَى. والله لَوْ
تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بالنِّساءِ عَلَى الفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأرُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى» . رواه الترمذي، وَقالَ:(حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
وَ «أطَّت» بفتح الهمزة وتشديد الطاءِ و «تئط» بفتح التاءِ وبعدها همزة مكسورة، وَالأطيط: صوتُ الرَّحْلِ وَالقَتَبِ وَشِبْهِهِمَا، ومعناه: أنَّ
كَثرَةَ مَنْ في السَّماءِ مِنَ المَلائِكَةِ العَابِدِينَ قَدْ أثْقَلَتْهَا حَتَّى أطّتْ. وَ «الصُّعُدات» بضم الصاد والعين: الطُّرُقات: ومعنى: «تَجأَرُون» : تَستَغيثُونَ.
قوله: «لو تعلمون ما أعلم» ، أي: من عظمة جلال الله تعالى، وشدة انتقامه، «لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا» ، أي: خوفًا من سطوة الجبار سبحانه وتعالى.
وفيه: إيماء إلى أن المطلوب من العبد أنْ لا ينتهي به الخوف إلى اليأس والقنوط، بل يكون عنده بعض الرجاء فيعمل معه البر، ويكون عنده من الخوف ما ينزجر به عن الْمُخَالَفَة.
[407]
وعن أَبي برزة - براء ثُمَّ زاي - نَضْلَة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أفنَاهُ؟ وَعَنْ عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فيه؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفيمَ أنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسمِهِ فِيمَ أبلاهُ؟» . رواه الترمذي، وَقالَ:(حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
قوله: «لا تزول قدما عبد» ، أي: من موقفه للحساب حتى يسأل عن عمره فيما أفناه أفي طاعة أم معصية، وعن عمله فيم عمله لوجه الله تعالى خالصًا أو رياء وسمعة.
وعن ماله من أين اكتسبه، أَمِنْ حلال أو حرام؟ وفيما أنفقه أفي البر والمعروف أو الإسراف والتبذير؟ وعن جسمه فيما أبلاه أفي طاعة الله أو معاصيه؟ .
[408]
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قرأ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:
{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة (4) ] ثُمَّ قَالَ: «أتَدْرونَ مَا أخْبَارهَا» ؟ قالوا: الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ. قَالَ: «فإنَّ أخْبَارَهَا أنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلّ عَبْدٍ أَوْ أمَةٍ بما عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا تَقُولُ: عَملْتَ كَذَا وكَذَا في يَومِ كَذَا وكَذَا فَهذِهِ أخْبَارُهَا» . رواه الترمذي، وَقالَ:(حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
في هذا الحديث: دليل على أن الأرض تنطق بما عمل عليها، ونظيره، قوله تعالى:{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت (19: 21) ] .
[409]
وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أنْعَمُ! وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ، وَاسْتَمَعَ الإذْنَ مَتَى يُؤمَرُ بالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ» فَكَأنَّ ذلِكَ ثَقُلَ عَلَى أصْحَابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمْ: «
قُولُوا: حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ» . رواه الترمذي، وَقالَ:(حَدِيثٌ حَسَنٌ) .
«القَرْنُ» : هُوَ الصُّورُ الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى: {وَنُفِخَ في الصُّورِ} كذا فسَّره رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: «كيف أنعمُ» ، أي: كيف أطيب عيشًا، وقد قرب أمر الساعة.
وفيه: حث لأصحابه على الوصية لمن بعدهم بالتهيؤ لها.