الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عظيمة مرتفعة المقدار على الناس، ويجوز أَن تكون للمصاحبة أَي يوافقها على ما تريد من الاستعلاء.
قلت: ويشهد لهذا قوله تعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات (37: 39) ] .
73- باب حسن الخلق
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم (4) ] .
حسن الخلق: بسط الوجه وبذل المعروف، وكفُّ الأذى. وقال علي: الخلق العظيم آداب القرآن. وقال صلى الله عليه وسلم: «بُعثت لأُتمِّم مكارم الأخلاق» .
وقال تَعَالَى: {وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران (134) ] الآية.
أي: إذا ثار بهم الغيظ كظموه وعفوا عمَّن أساء إليهم.
قال الثوري: الإِحسان أن تُحسن إلى المسيء.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث أُقسم عليهنَّ: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوا إلا عِزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه» .
[621]
وعن أنس رضي الله عنه قال: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أحْسَنَ النَّاس خُلُقاً. متفقٌ عَلَيْهِ.
كان حسن الخلق غريزة في النبي صلى الله عليه وسلم جبله الله عليها، واكتسابًا من القرآن، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:«أَدبني ربي فأَحسن تأديِبِي» .
[622]
وعنه قَالَ: مَا مَسِسْتُ دِيبَاجاً وَلا حَرِيراً ألْيَنَ مِنْ كَفِّ
…
رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلا شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ أطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَقَدْ خدمتُ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سنين، فما قَالَ لي قَطُّ: أُفٍّ، وَلا قَالَ لِشَيءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَه؟ وَلا لشَيءٍ لَمْ أفعله: ألا فَعَلْتَ كَذا؟. متفقٌ عَلَيْهِ.
قوله: (ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وورد في حديث آخر: أَنه شعث الكف والقدمين، فقيل: إن اللين بحسب أَصل الخلقة والخشونة لعرض عمل.
وفي الحديث: كمال خلقه صلى الله عليه وسلم وتسليمه للقدر.
[623]
وعن الصعب بن جَثَّامَةَ رضي الله عنه قَالَ: أهديتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حِمَاراً وَحْشِيّاً، فَرَدَّهُ عَلَيَّ، فَلَمَّا رأى مَا في وجهي، قَالَ:«إنّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلا أنّا حُرُمٌ» . متفقٌ عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: الحكم بالعلامة، لقوله:(فلما رأى ما في وجهي) .
وفيه: جواز رد الهداية لعلة، والاعتذار عن ردها تطيبًا لقلب المهدي.
[624]
وعن النَّوَاس بنِ سمعان رضي الله عنه قَالَ: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن البِرِّ وَالإثم، فَقَالَ:«البِرُّ: حُسنُ الخُلقِ، والإثمُ: مَا حاك في صدرِك، وكَرِهْتَ أن يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» . رواه مسلم.
البر: الطاعة، والإِثم: المعصية، حسن الخلق يقتدر به صاحبه على فعل المحاسن وترك المساوئ، والإِثم يذم صاحبه، والنفس بطبعها تحب المدح، وتكره الذمَّ.
[625]
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قَالَ: لَمْ يكن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَاحِشاً وَلا مُتَفَحِّشاً، وكان يَقُولُ:«إنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلَاقاً» . متفقٌ عَلَيْهِ.
الفحش: ما يشتد قبحه من الأَقوال والأَفعال. والتفحش: تكلّف ذلك، أي: ليس ذا فحش في كلامه وأَفعاله.
وقوله: «إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا» . لأَن حسن الخلق يدعو إِلى المحاسن، وترك المساوئ.
[626]
وعن أَبي الدرداءِ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أثْقَلُ في مِيزَانِ العبدِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وَإنَّ الله يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيَّ» . رواه الترمذي، وقال:(حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
«البَذِيُّ» : هُوَ الَّذِي يتكلَّمُ بِالفُحْشِ ورديء الكلامِ.
في هذا الحديث: فضيلة حسن الخلق، لأَنه يورث لصاحبه محبة الله، ومحبة عباده.
وفيه: قبح الفحش والبذاءة، لأَنه يورث البغض من الله وعباده.
[627]
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «تَقْوَى اللهِ وَحُسنُ الخُلُقِ» ، وَسُئِلَ عَنْ أكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ:«الفَمُ وَالفَرْجُ» . رواه الترمذي، وقال:
…
التقوى تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه.
[628]
وعنه، قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكْمَلُ المُؤمنينَ إيمَاناً أحسَنُهُمْ خُلُقاً، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ» . رواه الترمذي، وقال:(حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
كلما كان العبد أَحسن أَخلاقًا كان أَكمل إيمانًا.
وقوله: «وخياركم خياركم لنسائهم» . وذلك بالبشاشة وطلاقه الوجه، وكف الأَذى، وبذل الندى، والصبر على إيذائها. وفي رواية:«إِن أكمل المؤمنين إيمانًا أَحسنهم خلقًا وألطفهم بأهله» .
[629]
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ» . رواه أَبُو داود.
في هذا الحديث: فضيلة حسن الخلق، وأَنه يبلغ صاحبه أَعْلى الدرجات. وبسط الوجه، وبذل الندى، وكف الأذى.
[630]
وعن أَبي أُمَامَة الباهِليِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنَا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَض الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ، وَإنْ كَانَ مُحِقّاً، وَبِبَيْتٍ في وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ، وَإنْ كَانَ مَازِحاً، وَبِبَيْتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ» . حديث صحيح، رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
«الزَّعِيمُ» : الضَّامِنُ.