الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الحافظ: هو حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل. وفي معناه التنجيم، والضرب بالحصا، وغير ذلك مما يتعاطاه العرافون من استطلاع الغيب.
والكهانة: ادّعاء علم الغيب، كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب، والأصل فيه استراق الجني السمع من كلام الملائكة، فيلقيه في أُذن الكاهن.
والكاهن: لفظ يطلق على العرّاف، والذي يضرب بالحصا، والمنجم، ويطلق على من يقوم بأمر آخر، ويسعى في قضاء حوائجه.
وقال الخطابيِّ: الكهنة: قوم لهم أذهان حادة، ونفوس شريرة، وطباع نارية، فأَلِفَتْهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الأمور، وساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه.
304- باب النهي عن التَّطَيُّرِ
فِيهِ الأحاديث السابقة في الباب قبله.
الطَّيَرَة: هي التشاؤم بالشَّيْء.
قال الحافظ: وأصل التطيُّر أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر، فإن رأى الطير طار يمنة تيمَّن به، واستمر. وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع. وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير فيعتمدها، فجاء الشرع بالنهي عن ذلك، وكانوا يسمونه: السانح والبارح. فالسانح: ما ولاك ميامنه. والبارح: بالعكس. وكانوا يتيمَّنون بالسانح، ويتشاءمون بالبارح؛ لأنَّه لا يمكن رميه إلا بأن ينحرف إليه.
وليس في شيء من سنوح الطير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه، وإنما هو
تكلف بتعاطي ما لا أصل له، إذْ لا نطق للطير ولا تميز. وقد كان بعض عقلاء الجاهلية ينكر الطير ويتمدح بتركه.
قال شاعر منهم:
??
…
الزجر والطير والكهان كلهم
…
مضللون ودون الغيب أقْفال
وقال آخر:
??
…
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى
…
ولا زاجرات الطير ما الله صانع
وكان أكثرهم يتطيَّرون ويعتمدون على ذلك، ويصح معهم غالبًا لتزيين الشيطان ذلك، وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين.
وقد أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أنس رفعه: «لا طيرة، والطيرة على من يتطير» .
وأخرج عبد الرازق عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«ثلاثة لا يَسْلَمُ منهن أحد: الطيرة، والظن، والحسد، فإذا تطيرت فلا ترجع، وإذا حسدت فلا تبغِ، وإذا ظننت فلا تحقق» . انتهى ملخصًا.
[1674]
وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُني الفَألُ» قالُوا: وَمَا الفَألُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ» . متفق عَلَيْهِ.
[1675]
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ. وإنْ كَانَ الشُّؤمُ في شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ، وَالمَرْأَةِ، والفَرَسِ» . متفق عَلَيْهِ.
قال البخاري: باب لا عدوى. وذكر حديث ابن عمر، وأنس.
وحديث أبي هريرة: «لا توردوا الممرض على المُصِحِّ» . وحديثه أيضًا: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى» . فقام أعرابي فقال: أرأيت الإبل تكون في الرمال أمثال الظباء، فيأتيها البعير الأجرب فتجرب؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فمن أعدى الأول» .
وقال أيضًا: باب الجذام. وذكر حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر، وفِرَّ من المجذوم كما تفر من الأسد» .
قال الحافظ: وأخرج مسلم من حديث عمرو بن الشريد الثقفي عن أبيه، قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنا قد بايعناك فارجع» .
قال عياض: اختلفت الآثار في المجذوم، فجاء ما تقدم عن جابر: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أكل مع مجذوم، وقال:«ثقةً بالله، وتوكلاً عليه» . قال: مذهب عمر وجماعة من السلف إلى الأكل معه، ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ.
والصحيح الذي عليه الأكثر ويتعين المصير إليه أنْ لا نسخ، بل يجب الجمع بين الحديثين، وحملِ الأمر باجتنابه والفرارِ منه على الاستحباب والاحتياط، والأكل معه على بيان الجواز.
وقال القرطبي: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيراد الممرض على المصح، مخافةَ الوقوع، فيما وقع فيه أهل الجاهلية من اعتقاد العدوى، أو مخافة تشويش النفوس، وتأثير الأوهام، وهو نحو قوله:«فِرَّ من المجذوم فرارك من الأسد» . وإنْ كنا نعتقد أنَّ الجذام لا يُعْدي، لكنا نجد في أنفسنا نفرة وكراهية لمخالطته،
حتى لو أكره إنسان نفسه على القرب منه وعلى مجالسته لتأذّت نفسه بذلك، فحينئذ فالأولى للمؤمن أنْ لا يتعرض إلى ما يحتاج فيه إلى مجاهدة، فيجتنب طرق الأوهام، ويباعد أسباب الآلام، مع أنه يعتقد أنْ لا ينجي حذرٌ من قدر. والله أعلم. انتهى ملخصًا.
قوله: «لا عدوى، ولا طيرة، ويعجبني الفأل» . قالوا: وما الفأل؟ قال: «كلمة طيبة» . «وإنْ كان الشؤم في شيء، ففي الدار، والمرأة، والفرس» .
قال الشارح: خص هذه الثلاث بالذكر لطول ملازمتها، ولأنها أكثر ما يتطير به الناس، فمن وقع في نفسه منها شيء تركه، واستبدل به غيره.
[1676]
وعن بُريْدَةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لا يَتَطَيَّرُ. رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
قوله: كان لا يتطير، أي: من أي شيء، بل يتوكل على الله.
[1677]
وعن عُروة بن عامر رضي الله عنه قال: ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: «أحْسَنُهَا الفَألُ. وَلا تَرُدُّ مُسْلِماً فإذا رَأى أحَدُكُمْ ما يَكْرَهُ، فَليْقلْ: اللَّهُمَّ لا يَأتِي بِالحَسَناتِ إلا أنْتَ، وَلا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إلا أنْتَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِكَ» . حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح.
قال البخاري: باب الفأل. وذكر حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا طيرة. وخيرها الفأل» . قالوا: وما الفأل يا رسول الله؟! قال:
…
«الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم» .
وحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى، ولا طيرة، ويعجبني الفأل الصالح، الكلمة الحسنة» .
قال الحافظ: وأخرج ابن ماجة بسند حسن عن أبي هريرة رفعه: كان يعجبه الفأل، ويكره الطيرة.
وأخرج الترمذي من حديث حابس التميمي أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
…
«العين حق، وأصدق الطيرة الفأل» .
قال الخطابي: الفرق بين الفأل والطيرة. أنَّ الفأل من طريق حُسن الظن بالله، والطيرة لا تكون إلا في السوء، فلذلك كُرهت.
قال ابن بطال: جعل الله في فطر الناس محبة الكلمة الطيبة، والأنس بها، كما جعل فيهم الارتياح بالنظر الأنيق، والماء الصافي، وإنْ كان لا يملكه، ولا يشربه.
وأخرج الترمذي وصححه من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج لجاجته يعجبه أنْ يسمع يا نجيح، يا راشد.
وأخرج أبو داود بسند حسن عن بريدة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملاً يسأل عن اسمه، فإذا أعجبه فرح به، وإن كره اسمه رؤي كراهة ذلك في وجهه.
وقال الطيبي: معنى الترخص في الفأل، والمنع من الطيرة، لو رأى شيئًا