الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في هذا الحديث: الحث على التمسك بالقرآن والتحريض على العمل به والاعتصام به.
وفيه: تأكيد الوصاية بأهل البيت، والعناية بشأنهم وإكرامهم.
[347]
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن أَبي بكر الصديق رضي الله عنه مَوقُوفاً عَلَيهِ - أنَّهُ قَالَ: ارْقَبُوا مُحَمداً صلى الله عليه وسلم في أهْلِ بَيْتِهِ. رواه البخاري.
معنى «ارقبوه» : راعوه واحترموه وأكرموه، والله أعلم.
في أثر أبي بكر رضي الله عنه دليل على معرفة الصحابة رضي الله عنهم بحق أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيرهم واحترامهم، فمن كان من أهل البيت مستقيمًا على الدين متبعًا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان له حقّان: حق الإسلام وحق القرابة.
44- باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل
وتقديمهم عَلَى غيرهم ورفع مجالسهم وإظهار مَزِيَّتِهِم
التوقير: التبجيل.
قَالَ الله تَعَالَى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} [الزمر (9) ] .
أي: لا يستوي الموحد والمشرك، والعالم والجاهل، ولا القانت والعاصي، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص (28) ] .
[348]
وعن أَبي مسعودٍ عقبةَ بن عمرو البدري الأنصاري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «يَؤُمُّ القَوْمَ أقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ الله، فَإنْ كَانُوا في القِراءةِ سَوَاءً، فأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإنْ كَانُوا في السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً،
فَإنْ كَانُوا في الهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأقْدَمُهُمْ سِنّاً، وَلا يُؤمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلْطَانِهِ، وَلا يَقْعُدْ في بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلا بِإذْنهِ» . رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ: «فَأقْدَمُهُمْ سِلْماً» بَدَلَ «سِنّاً» : أيْ إسْلاماً. وفي رواية: «يَؤُمُّ القَومَ أقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، وَأقْدَمُهُمْ قِراءةً، فَإنْ كَانَتْ قِرَاءتُهُمْ سَوَاءً فَيَؤُمُّهُمْ أقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإنْ كَانُوا في الهِجْرَةِ سَواء، فَليَؤُمُّهُمْ أكْبَرُهُمْ سِنّاً» .
والمراد «بِسلطانهِ» : محل ولايتهِ، أَو الموضعِ الَّذِي يختص بِهِ «وتَكرِمتُهُ» بفتح التاءِ وكسر الراءِ: وهي مَا ينفرد بِهِ من فِراشٍ وسَريرٍ ونحوهِما.
قال القرطبي: تأول أصحاب الحديث بأن الأقرأ في الصدر الأول هو الأفقه، لأنهم كانوا يتفقهون مع القراءة، فلا يوجد قارئ إلا وهو فقيه، وكان مِنْ عُرْفهم تسمية الفقهاء بالقراء. وقد قَدَّمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الصدِّيقَ على أُبَيّ مع قوله:«أقرؤكم أُبَيّ» .
وفي الحديث: فضل الهجرة.
[349]
وعنه قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا في الصَّلاةِ، ويَقُولُ:«اسْتَوُوا وَلا تَخْتَلِفُوا، فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِني مِنْكُمْ أُولُوا الأحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» . رواه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لِيَلِني» هُوَ بتخفيف النون وليس قبلها ياءٌ، وَرُوِيَ بتشديد النُّون مَعَ يَاءٍ قَبْلَهَا. «وَالنُّهَى» : العُقُولُ. (وَأُولُوا الأحْلام) : هُم البَالِغُونَ، وقَيلَ: أهْلُ الحِلْمِ وَالفَضْلِ.
في الحديث: تقديم الأفضل فالأفضل إلى الأمام لأنه أولى بالإكرام، ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف، فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام عن السهو والغلط.
[350]
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «لِيَلِني مِنْكُمْ أُولُوا الأحْلام وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ثَلاثاً «وَإيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الأسْوَاق» . رواه مسلم.
هيشات الأسواق: المنازعة، والخصومات واللغط، وارتفاع
…
الأصوات.
[351]
وعن أَبي يَحيَى، وقيل: أَبي محمد سهلِ بن أَبي حَثْمة - بفتح الحاءِ المهملة وإسكان الثاءِ المثلثةِ - الأنصاري رضي الله عنه قَالَ: انطَلَقَ عَبدُ اللهِ بنُ سهْلٍ وَمُحَيِّصَة بن مَسْعُود إِلَى خَيْبَرَ وَهِيَ يَومَئذٍ صُلْحٌ، فَتَفَرَّقَا، فَأتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عبدِ اللهِ بنِ سهل وَهُوَ يَتشَحَّطُ في دَمِهِ قَتِيلاً، فَدَفَنَهُ، ثُمَّ قَدِمَ المَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبدُ الرحمن بنُ سهل وَمُحَيِّصَةُ وحوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، فَذَهَبَ عَبدُ الرحمن يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ:«كَبِّرْ كَبِّرْ» وَهُوَ أحْدَثُ القَوم، فَسَكَتَ، فَتَكَلَّمَا، فَقَالَ: «أتَحْلِفُونَ وتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ؟
…
» وذكر تمام الحديث. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «كَبِّرْ كَبِّرْ» معناه: يتكلم الأكبر.
في الحديث: استحباب تقديم أهل الفضل والسنِّ، ولو كان الحق للصغير.
[352]
وعن جابر رضي الله عنه أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُد يَعْنِي في القَبْرِ، ثُمَّ يَقُولُ:«أيُّهُما أكْثَرُ أخذاً للقُرآنِ؟» فَإذَا أُشيرَ لَهُ إِلَى أحَدِهِمَا قَدَّمَهُ في اللَّحْدِ. رواه البخاري.
في الحديث: تقديم الأكثر حفظًا للقرآن على ما دونه في القبر للحاجة، وكذلك غيره، قال الله تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة (11) ] .
[353]
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أرَانِي فِي المَنَامِ أتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَاءنِي رَجُلانِ، أحَدُهُما أكبر مِنَ الآخرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأصْغَرَ، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتهُ إِلَى الأكْبَرِ مِنْهُمَا» . رواه مسلم مسنداً، ورواه البخاري تعليقاً.
في الحديث: تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام، وهذا ما لم يترتب القوم، فإن ترتبوا فالسنة تقديم الأيمن.
وفيه: جواز استعمال سواك الغير بإذنه.
[354]
وعن أَبي موسى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِنْ إجْلالِ اللهِ تَعَالَى: إكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ القُرآنِ غَيْرِ الغَالِي فِيهِ،
وَالجَافِي عَنْهُ، وَإكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِط» . حديث حسن رواه أَبُو داود.
فيه: إكرام هؤلاء الثلاثة مما يرضاه الله تعالى ويثيب عليه.
[355]
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قَالَ: قَالَ
…
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرنَا، وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبيرِنَا» . حديث صحيح رواه أَبُو داود والترمذي، وَقالَ الترمذي:(حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .
وفي رواية أبي داود: «حَقَّ كَبيرِنَا» .
فيه: الوعيد لمن لا يرحم الصغير، ولا يُجلّ الكبير، وذوي القدر.
[356]
وعن ميمون بن أَبي شَبيب رحمه الله: أنَّ عائشة رضي الله عنها مَرَّ بِهَا سَائِلٌ، فَأعْطَتْهُ كِسْرَةً، وَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَيهِ ثِيَابٌ وَهَيْئَةٌ، فَأقْعَدَتهُ، فَأكَلَ، فقِيلَ لَهَا في ذلِكَ؟ فقَالتْ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «أنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ» . رواه أبو داود. لكن قال: ميمون لم يدرك عائشة. وقد
…
ذكره مسلم في أول صحيحه تعليقاً فقال: وذكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم، وَذَكَرَهُ الحَاكِمُ أَبُو عبد الله في كتابه «مَعرِفَة عُلُومِ الحَديث» . وَقالَ:«هُوَ حديث صحيح» .
فيه: الحضّ على مُرَاعَاة مقادير الناس، ومراتبهم، ومناصبهم وتفضيل بعضهم على بعض، فلا يقصر بالرجل العالي القدر عن درجته، ويعطي كل ذي حق حقه.
وهذا الحديث: مما أدَّب به النبي صلى الله عليه وسلم أمته من التعظيم والإكرام لذوي القدر.
[357]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بنُ حِصْن، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمرُ رضي الله عنه وَكَانَ القُرَّاءُ أصْحَاب مَجْلِس عُمَرَ وَمُشاوَرَتِهِ، كُهُولاً كاَنُوا أَوْ شُبَّاناً، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أخيهِ: يَا ابْنَ أخِي، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأمِيرِ، فَاسْتَأذِنْ لِي عَلَيهِ، فاسْتَأذَن له، فَإذِنَ لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: هِي يَا ابنَ الخَطَّابِ، فَواللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلا تَحْكُمُ فِينَا بالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ رضي الله عنه حَتَّى هَمَّ أنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أميرَ المُؤْمِنينَ، إنَّ الله تَعَالَى قَالَ لِنَبيِّهِ صلى الله عليه وسلم:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} . وَإنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ. واللهِ مَا جَاوَزَهاَ عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عليه، وكَانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى. رواه البخاري.
في هذا الحديث: تقديم أولي الفضل على من عداهم، وإن كانوا دونهم في السن والنسب.
وفيه: أنه ينبغي لولي الأمر مجالسة القراء، والفقهاء، ليذكروه إذا
…
نسي، ويعينوه إذا ذكر.
وفيه: الحلم عن الجهال والصبر على أذاهم.
قال جعفر الصادق: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية.
[358]
وعن أَبي سعيد سَمُرة بنِ جُندب رضي الله عنه قَالَ: لقد كنت عَلَى عَهْدِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم غُلاماً، فَكُنْتُ أحْفَظُ عَنْهُ، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنَ القَوْلِ إلا أنَّ ها هُنَا رِجَالاً هُمْ أسَنُّ مِنِّي. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.