الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَلَكَ فَجّاً غَيْرَ فَجِّكَ» .
والأحاديثُ في الإباحة كثيرةٌ، وقد ذكرتُ جملةً مِنْ أطْرَافِهَا في كتاب (الأذكار) .
قال البخاري: باب من أثنى على أخيه بما يعلم.
وقال سعد: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة، إلا لعبد الله بن سلام، وذكر حديث ابن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر في الإزار ما ذكر، قال أبو بكر: يا رسول الله، إنَّ إِزاري يسقط من إحدى شقَّيه. قال:«إِنَّك لست منهم» .
قال الحافظ: قوله: باب من أثنى على أخيه بما يعلم، أي فهو جائز، ومستثنى من الذي قبله، والضابط: أن لا يكون في المدح مجازفة، ويؤمن على الممدوح الإعجاب والفتنة.
361- باب كراهة الخروج من بلد وقع فيها الوباء
فراراً منه وكراهة القدوم عليه
قال الله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء (78) ] .
وقال تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة (195) ] .
في هاتين الآيتين: شاهد لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض، فلا تقدموا عليه. وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه» .
[1791]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشَّامِ حَتَّى إذا كَانَ بسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ - أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ وأصْحَابُهُ - فَأخْبَرُوهُ أنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ.
قَال ابن عباس: فقال لي عمر: ادْعُ لِي المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأخْبَرَهُمْ أنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بالشَّامِ، فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَرَجْتَ لأَمْرٍ، وَلا نَرَى أنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعضهم: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وأصْحَابُ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلا نَرَى أنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الوَبَاء. فقال: ارْتَفِعُوا عَنِّي. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي الأَنْصَارَ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَاسْتَشَارَهُمْ، فَسَلَكُوا سَبيلَ المُهَاجِرينَ، وَاخْتَلَفُوا كاخْتِلَافِهِمْ، فقال: ارْتَفِعُوا عَنِّي.
ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي مَنْ كَانَ ها هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُريشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الفَتْحِ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ، فَقَالُوا: نَرَى أنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ، وَلا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الوَبَاءِ، فَنَادَى عُمَرُ رضي الله عنه في النَّاسِ: إنِّي مُصَبحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأَصْبِحُوا عليْهِ، فقال أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: أفِراراً مِنْ قَدَرِ الله؟ فقالَ عُمرُ رضي الله عنه: لو غَيْرُكَ قَالَهَا يا أبا عبيدَةَ! - وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلَافَهُ - نَعَمْ، نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ إلى قَدَرِ اللهِ، أرَأيْتَ لَو كَانَ لَكَ إبِلٌ، فَهَبَطَتْ وَادِياً لَهُ عُدْوَتَانِ، إحْدَاهُمَا خَصْبَةٌ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيسَ إنْ رَعَيْتَ الخصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ، وَإنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللهِ؟ قَالَ: فَجَاءَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ رضي الله عنه وَكَانَ مُتَغَيِّباً في بَعْضِ حاجَتِهِ، فقالَ: إنَّ عِنْدِي من هَذَا علماً، سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:«إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بأرْضٍ فَلا تَقْدِمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأرْضٍ وَأنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِراراً مِنْهُ» فحمِدَ اللهَ تَعَالَى عمرُ رضي الله عنه وانصَرَفَ. متفق عَلَيْهِ.
و «العُدْوَة» : جانِب الوادِي.
[1792]
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأرْضٍ، وأنْتُمْ فِيهَا، فَلا تَخْرُجُوا مِنْهَا» . متفق عَلَيْهِ.
قال البخاري: ما يذكر في الطاعون، وذكر حديث أسامة وابن عباس.
قال الحافظ: قوله: «لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه» ، هم: خالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو ابن العاص. وكان أبو بكر قد قسم البلاد بينهم، وجعل أمر القتال إلى خالد، ثم رده عمر إلى أبي عبيدة.
وكان عمر قسم الشام أجنادًا: الأردن جند، وحمص جند، ودمشق جند، وفلسطين جند، وقنسرين جند، وجعل على كل جند أميرًا. ومنهم من قال: إن قنسرين كانت مع حمص، فكانت أربعة، ثم أفردت قنسرين في أيام يزيد بن معاوية، إلى أن قال:
وفي هذا الحديث: جواز رجوع من أراد دخول بلدة فعلم أن بها الطاعون، وأن ذلك ليس من الطيرة، وإنما هو من منع الإِلقاء إلى التهلكة.
وقال البخاري أيضًا: باب من خرج من أرض لا تلائمه، أي: لا توافقه. وذكر فيه قصة العرنيين.
قال الحافظ: وكأنه أشار إلى أن الحديث الذي أورده في النهي عن الخروج من الأرض التي وقع فيها الطاعون ليس على عمومه، وإنما هو مخصوص بمن خرج فرارًا مِنْه.
وأَيَّد الطحاوي صنيع عمر بقصة العرنيين، فإن خروجهم من المدينة كان