الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يطفئ حريق المعصية.
وأحسن ما حمل عليه حديث الأمر بالوضوء من القهقهة في الصلاة
(1)
هذا الوجه، فإن القهقهة في الصلاة معصية فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مَن فعلها بأن يحدث وضوءًا يمحو به أثرها. ومنه حديث علي عن أبي بكر:«ما مِن مُسْلم يذنب ذنبًا ثمّ يتوضأ ويصلي ركعتين إلا غفر الله له ذنبَه»
(2)
.
4 -
باب من روى أن لا يُنتفع من الميتة بإهاب
515/ 3964 - عن عبد الله بن عُكَيم قال: قرئ علينا كتابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض جُهينة، وأنا غلامٌ شاب:«أن لا تَستمتِعُوا من المَيتةِ بإهابٍ ولا عَصَبٍ» .
قال أبو داود: فإذا دبغ لا يقال له إهاب، إنما يسمَّى: شَنًّا وقِربة، قال النضر بن شُمَيل: يسمَّى إهابًا ما لم يُدبَغ.
وأخرجه الترمذي وحسّنه والنسائي وابن ماجه
(3)
.
ويُروى عن ابن عُكَيم عن أشياخٍ له هذا الحديث
(4)
.
(1)
روي مسندًا من حديث أنس وأبي هريرة وجابر وغيرهم، وكلها واهية. والصواب أنه من مرسل أبي العالية، ومراسيل غيره من التابعين ترجع إليه، فالحديث ضعيف لا يصح. انظر طرق الحديث وعللها في «سنن الدارقطني» (باب أحاديث القهقهة في الصلاة وعللها)(601 - 661)، و «الكامل» لابن عدي (3/ 166 - 170).
(2)
أخرجه أحمد (2)، وأبو داود (1521)، والترمذي (406) وحسَّنه، والنسائي في «الكبرى» (10175)، وصححه ابن حبان (623)، واختاره الضياء (1/ 82 - 86).
(3)
أبو داود (4127، 4128)، والترمذي (1729)، والنسائي (4249 - 4251)، وابن ماجه (3613).
(4)
أخرجه ابن حبان (1279)، والطحاوي في «معاني الآثار» (1/ 468) و «مشكلها» (3241).
وقال الترمذي أيضًا: وسمعت أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لِما ذُكِر فيه: «قبل وفاته بشهرين» ، وكان يقول: كان هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ترك أحمد بن حنبل هذا الحديث لمّا اضطربوا في إسناده.
وقد حكى الخلّال في كتابه أن أحمد توقّف في حديث ابن عكيم لمّا رأى تزلزل الرواة فيه. وقال بعضهم: رجع عنه
(1)
.
وقال النسائي
(2)
: أصح ما في هذا الباب ــ في جلود الميتة إذا دبغت ــ حديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة.
قال ابن القيم رحمه الله: وقال أبو الفَرَج ابن الجوزي
(3)
: حديث ابن عكيم مضطرب جدًّا، فلا يقاوم الأول
(4)
.
واختلفت مسالك الفقهاء
(5)
في حديث ابن عُكَيم وأحاديث الدباغ
(6)
،
(1)
هذه الفقرة من «الاعتبار» للحازمي (ص 57)، وكان المنذري قد صرّح بنقله عنه، فحذف المؤلف العزو إليه.
(2)
عقب الحديث (4251).
(3)
في «إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ من الحديث» (ص 21).
(4)
هذا النقل عن ابن الجوزي كان قد نقله المنذري في «المختصر» بأتم منه بين كلام الخلال والنسائي، فلمّا أخَّره المؤلف إلى ما بعد كلام النسائي مراعاةً للترتيب الزمني ظنّ المجرّد أنه من زيادات المؤلف على كلام المنذري، وليس كذلك وإنما اختصره وأخّره فقط.
(5)
ط. الفقي: «واختلف مالك والفقهاء» ، وهو غير محرر في الأصل، وكأن الناسخ كان كتب كذلك ثم أصلحه إلى ما أُثبِت.
(6)
وقد سبقت أحاديث الدباغ عند أبي داود والمنذري في «باب في أهب الميتة» ، منها حديث ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا دُبغ الإهاب فقد طَهُر» . أخرجه أبو داود (4123) ومسلم (366).
فطائفة قدمت أحاديث الدباغ عليه لصحتها وسلامتها من الاضطراب، وطعنوا في حديث ابن عكيم باضطرابه وبإرساله
(1)
.
وطائفة قدَّمت حديث ابن عكيم لتأخُّره وثقةِ رواته، ورأوا أن هذا الاضطراب لا يمنع الاحتجاج به. وقد رواه شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم، فالحديث محفوظ.
قالوا: ويؤيده ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن افتراش جلود السباع والنمور، كما سيأتي
(2)
.
وطائفة عَمِلت بالأحاديث كلها، ورأت أنه لا تعارض بينها، وحديث ابن عُكَيم إنما فيه النهي عن الانتفاع بأُهُب الميتة ــ والإهاب هو الجلد الذي لم يدبغ، كما قاله النضر بن شميل، وقال الجوهري
(3)
: الإهاب الجلد ما لم يدبغ، والجمع: أُهُب ــ
وأحاديث الدباغ تدل على الاستمتاع بها بعد الدباغ، فلا تنافي بينهما.
وهذه الطريقة حسنة لولا أن قوله في حديث ابن عكيم: «كنتُ رخَّصتُ
(1)
وممن طعن فيه ابن معين كما في رواية ابن محرز (1/ 123).
(2)
عند أبي داود والمنذري في «باب في جلود النمور» ، وفيه عدّة أحاديث، منها الحديث الطويل في وفود المقدام بن معديكرب على معاوية وفيه أن المقدام قال لمعاوية: أنشدك بالله، هل تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لُبْس جلود السباع والركوب عليها؟ قال: نعم.
(3)
«الصحاح» (1/ 89).
لكم في جلود الميتة، فإذا أتاكم كتابي فلا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب»، والذي كان رُخِّص فيه هو المدبوغ، بدليل حديث ميمونة
(1)
.
وقد يجاب عن هذا من وجهين:
أحدهما: أن هذه الزيادة لم يذكرها أحد من أهل السنن في هذا الحديث، وإنما ذكروا قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تنتفعوا من الميتة
…
» الحديث، وإنما ذكرها الدارقطني
(2)
،
وقد رواه خالدٌ الحذَّاء وشعبة عن الحَكَم فلم يذكرا: «كنت رخصت لكم» ، فهذه اللفظة في ثبوتها شيء.
والوجه الثاني: أن الرخصة كانت مطلقةً غير مقيدة بالدباغ، وليس في حديث الزهري ذكر الدباغ، ولهذا كان ينكره ويقول: «يُستمتَع بالجلد على
(1)
عند أبي داود (4120) ولفظه: عن ابن عباس عن ميمونة قالت: أُهدي لمولاة لنا شاةٌ من الصدقة فماتت، فمرّ بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«ألا دبغتُم إهابَها واستنفعتُم به؟» الحديث. وقد أخرجه مسلم (363/ 100) من هذا الوجه. وهو عند البخاري (1492، 2221، 5531، 5532) ومسلم (363/ 101) من مسند ابن عباس بلفظ: «هلّا استمتعتم بإهابها؟» ونحوه دون التقييد بالدباغ، وسيأتي الكلام عليه.
(2)
لعله ذكرها في «الغرائب والأفراد» ، انظر:«أطرافها» (2/ 121). وأخرجها الطبراني في «الأوسط» (104) بإسناده ضعيف، فيه فضالة بن المفضل بن فضالة، قال أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (7/ 79): لم يكن بأهل أن يُكتب عنه العلم!
وأخرجها أيضًا الخطيب في «تلخيص المتشابه» (665) من طريق قرة بن سليمان الجهضمي، عن هشام بن حسّان، عن مطر الورّاق، عن الحكم، عن عبد الله بن عُكيم. قرّة بن سليمان ضعيف الحديث كما قال أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (7/ 131)، ومطر الورّاق ليس ممن يُحتَمَل منه التفرد بهذه الزيادة دون شعبة وخالد الحذّاء.
كل حال»
(1)
. فهذا هو الذي نهى عنه أخيرًا، وأحاديث الدباغ قسم آخر لم يتناولها النهي وليست بناسخة ولا منسوخة، وهذه أحسن الطرق.
ولا يعارض ذلك نهيه عن جلود السباع، فإنه نهى عن ملابستها باللُّبس والافتراش كما نهى عن أكل لحومها؛ لِما في أكلها ولبس جلودها [ق 219] من المفسدة. وهذا حكم ليس بمنسوخ، ولا ناسخ أيضًا، وإنما هو حكم ابتدائي رافع لحكم الاستصحاب الأصلي.
وبهذه الطريق تتألف السنن، وتستقر كل سنة منها في مستقرها، وبالله التوفيق.
* * *
(1)
قول الزهري أسنده أحمد (3452) وأبو داود (4122) من طريق عبد الرزاق ــ وهو في «مصنفه» (185) ــ، عن معمر، عنه.
وقد اختلف عن الزهري في ذكر الدباغ في حديث ابن عباس، فذكره عنه ابنُ عيينة [مسلم (363/ 100)]، وعُقيل، والزُّبَيدي، وسليمان بن كثير [الدارقطني (98، 101، 102)]؛ وخالفهم مالك [النسائي (4235)]، ومعمر [أبو داود (4121)]، ويونس [خ (1492)، م (363/ 101)]، والأوزاعي [ابن حبان (1282)]، وصالح بن كيسان [خ (2221)، م (363/ 101)]، فلم يذكروه عن الزهري، وروايتهم أشبه، فإن الزهري قد أنكره كما سبق.