الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الديات
1 -
باب ترك القَوَد بالقسامة
(1)
535/ 4358 - عن سعيد بن عبيد الطائي، عن بُشَير بن يسار، زعم أن رجلًا مِنَ الأنصار يقال له: سَهْل بن أبي حَثْمة أخبره: أن نفرًا من قومه انطلقوا إلى خَيْبرَ فتفرقوا فيها، فوجدوا أحدَهم قتيلًا، فقالوا للذين وجدوه عندهم: قتلتم صاحبنا، فقالوا: ما قتلنا ولا علمنا قاتلًا، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم:«تأتوني بالبينة على مَن قتل؟» قالوا: ما لَنا بَيِّنَة، قال:«فيحلفون لكم؟» قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم أن يُبْطِلَ دَمَه، فَوَدَاه مائةً من إبل الصدقة.
وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
(2)
، ولم يذكر مسلم لفظ الحديث.
قال ابن القيم رحمه الله: وذكر النسائي
(3)
من حديث عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن ابن مُحَيِّصة الأصغر أصبح قتيلًا على أبواب خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ق 224]«أقم شاهدين على من قتله أدفعْه إليك بِرُمَّته» ، قال: يا رسول الله: أين أصيب شاهدين؟ وإنما أصبح قتيلًا على أبوابهم، قال:«فتحلف خمسين قسامةً؟» قال: يا رسول الله، وكيف أحلف على ما لا أعلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فتستحلف منهم خمسين قسامة؟» فقال: يا رسول الله كيف نستحلفهم وهم اليهود؟ فقَسَم رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته عليهم وأعانهم بنصفها.
(1)
في الأصل: «باب ترك القسامة بالقَوَد» ، مقلوب، والتصحيح من «السنن» .
(2)
أبو داود (4523)، والبخاري (6898)، ومسلم (1669/ 5)، والنسائي (4719).
(3)
في «المجتبى» (4720)، و «الكبرى» (6896) وفيها قوله الآتي عقب الحديث.
قال النسائي: لا نعلم أحدًا تابع عمرو بن شعيب على هذه الرواية، ولا سعيدَ بن عبيد على روايته عن بُشَير بن يسار، والله أعلم.
وقال مسلم
(1)
: رواية سعيد بن عُبَيد غلط ويحيى بن سعيد أحفظ منه
(2)
.
وقال البيهقي
(3)
: هذا يحتمل أن لا يخالف رواية يحيى بن سعيد عن بشير، وكأنه أراد بالبينة هنا أيمان المدعِين مع اللَّوْث كما فسره يحيى بن سعيد، أو طالبهم بالبينة كما في رواية سعيد بن عبيد، فلما لم يكن عندهم بينة عرض عليهم الأيمان كما في رواية يحيى بن سعيد، فلما لم يحلفوا ردّها على اليهود كما في الروايتين جميعًا. ويدل على ما ذكره البيهقي حديثُ النسائي عن عمرو بن شعيب.
والصواب رواية الجماعة الذين هم أئمة أثبات أنه بدأ بأيمان المدَّعِين، فلما لم يحلفوا ثنَّى بأيمان اليهود. وهذا هو المحفوظ في هذه القصة وما سواه وهْم، وبالله التوفيق.
536/ 4361 - وعن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يَسار، عن رجال من الأنصار: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود ــ وبدأ بهم ــ: «يَحْلِفُ منكم خمسون رجلًا» ، فأبَوا، فقال للأنصار:«اسْتَحِقُّوا» . قالوا: نحلِفُ على الغَيبِ يا
(1)
في كتابه «التمييز» (ص 138)، والمؤلف صادر عن «معرفة السنن» (12/ 176).
(2)
رواية يحيى بن سعيد عن بُشير بن يسار أخرجها البخاري (6142) ومسلم (1669/ 1) وأبو داود (4520)، وفيها أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالمدَّعين أن يقسموا خمسين يمينًا، وليس فيها أنه صلى الله عليه وسلم سألهم البيّنة، على خلاف رواية سعيد بن عبيد عن بُشير.
(3)
في «المعرفة» (12/ 176 - 177)، وبنحوه في «السنن» (8/ 120).
رسول الله؟! فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ديةً على يهود لأنه وُجِد بين أظهرهم
(1)
.
قال بعضهم: وهذا ضعيف لا يُلتفَت إليه.
وقد قيل للإمام الشافعي رحمه الله
(2)
: فما منعك أن تأخذ بحديث ابن شهاب؟ قلت: مرسل، والقتيل أنصاري، والأنصاريون بالعناية أولى بالعلم به من غيرهم إذا
(3)
كان كلٌّ ثقة، وكلٌّ عندنا بنعمة الله ثقة.
قال ابن القيم رحمه الله: وهذا الحديث له علة، وهي أن معمرًا انفرد به عن الزهري، وخالفه ابن جريج وغيره، فرووه عن الزهري بهذا الإسناد بعينه عن أبي سلمة وسليمان عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرّ القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها بين ناس من الأنصار في قتيل ادَّعَوه على اليهود. ذكره البيهقي
(4)
. والقسامة في الجاهلية كانت قسامةَ الدم.
وفي قول الشافعي: «إن حديث ابن شهاب مرسل» نظر، والرجال من الأنصار لا يمتنع أن يكونوا صحابة، فإن أبا سلمة وسليمان كل منهما من
(1)
«سنن أبي داود» (4526).
(2)
كما في «اختلاف الحديث» (10/ 296 - مع الأم) له، وعنه البيهقي في «المعرفة» (12/ 181) و «السنن» (8/ 121).
(3)
في مطبوعة «المختصر» و «المعرفة» : «إذ» ، ولعل المثبت من «اختلاف الحديث» و «سنن البيهقي» أشبه.
(4)
في «المعرفة» (12/ 181)، وقد أخرجه مسلم (1670) من طريق ابن جريج وصالح بن كيسان ويونس بن يزيد، ثلاثتهم عن الزهري به. وأخرجه أحمد (16598) والبيهقي في «السنن» (8/ 122) من طريق عُقيل عن الزهري به.
التابعين، قد لقي جماعة من الصحابة، إلا أن الحديث غير مجزوم باتصاله لاحتمال كون الأنصاريين من التابعين والله أعلم.
قال البيهقي
(1)
: وأصح ما روي في القتل بالقسامة وأعلاه بعد حديث سهل ما رواه عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: حدثني خارجة بن زيد بن ثابت قال: قَتَل رجل من الأنصار وهو سكران رجلًا آخر من الأنصار من بني النجار في عهد معاوية، ولم يكن على ذلك شهادة إلا لَطْخ وشبهة. قال: فاجتمع رأي الناس على أن يَحلِف ولاة المقتول ثم يُسلَّم إليهم فيقتلوه. قال خارجة بن زيد: فركبنا إلى معاوية وقصصنا عليه القصة، فكتب معاوية إلى سعيد بن العاص
…
فذكر الحديث وفيه: فقال سعيد: أنا منفّذ كتابَ أمير المؤمنين، فاغْدُوا على بركة الله، فغدَونا عليه، فأسلمه إلينا سعيد بعد أن حلفنا عليه خمسين يمينًا
(2)
.
وفي بعض طرقه
(3)
: وفي الناس يومئذ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن فقهاء الناس ما لا يحصى، وما اختلف اثنان منهم أن يحلف ولاة المقتول ويقتلوا أو يَستَحْيُوا، فحلفوا خمسين يمينًا وقتلوا، وكانوا يخبرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالقسامة.
وأما حديث محمد بن راشد عن مكحول: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقضِ
(1)
في «معرفة السنن» (12/ 20 - 21).
(2)
أسنده البيهقي بعد أن ذكره معلّقًا عن ابن أبي الزناد، وأخرجه أيضًا ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (15/ 390)، وأخرجه البخاري في «التاريخ الأوسط» (2/ 741) من وجه آخر عن ابن أبي الزناد مختصرًا.
(3)
أخرجه البيهقي في «الكبرى» (8/ 127) وعلّقه في «المعرفة» (12/ 21).
في القسامة بِقَوَد
(1)
، فمنقطع.
وأما ما رواه الثوري في «جامعه»
(2)
عن عبد الرحمن عن القاسم بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب قال: «القسامة توجب العقل ولا تُشيط الدم» ، فمنقطع موقوف.
وأما حديث الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استحلف اليهود خمسين يمينًا، ثم جعل عليهم الدية
(3)
، فلا يحل لأحد معارضة رواية الأئمة الثقات بالكلبي وأمثاله.
وأما حديث عمر بن صُبْح
(4)
عن مقاتل بن حيان عن صفوان عن ابن المسيب عن عمر في قضائه بذلك، وقوله:«إنما قضيت عليكم بقضاء نبيكم صلى الله عليه وسلم»
(5)
، فلا يجوز أيضًا معارضة الأحاديث الثابتة بحديث من أجمع علماء الحديث على ترك الاحتجاج به، وهو ابن صُبْح الذي لم يُسفر صباحُ صِدقه في الرواية.
(1)
أخرجه أبو داود في «المراسيل» (ص 219)، ومن طريقه البيهقي (8/ 129).
(2)
كما في «المعرفة» (12/ 22)، ومن طريق الثوري أخرجه عبد الرزاق (18286) والبيهقي في «الكبرى» (8/ 129). وأخرجه ابن أبي شيبة (28409) من طريق وكيع عن عبد الرحمن المسعودي به.
(3)
أخرجه البيهقي في «الكبرى» (8/ 123)، والكلبي متروك متّهم بالكذب.
(4)
في الطبعتين هنا وفي الموضع الآتي: «صبيح» ، خطأ مخالف للأصل.
(5)
أخرجه الدارقطني (3354)، ومن طريقه البيهقي في «الكبرى» (8/ 125). قال الدارقطني:«عمر بن صُبح متروك الحديث» . وقد رماه إسحاق بن راهويه وابن حبان وغيرهما بالوضع.
وأما حديث سفيان بن عيينة عن منصور عن الشعبي أن عمر بن الخطاب كتب في قتيلٍ وُجِد بين خَيْوان
(1)
ووَادِعة: أن يقاس ما بين الفريقين، فإلى أيهما كان أقرب أخرج منهم خمسين رجلًا حتى يوافوه بمكة، فأدخلهم الحجر فأحلفهم، ثم قضى عليهم بالدية، فقالوا: ما وَقَتْ أموالُنا أيمانَنا، ولا أيمانُنا أموالَنا، فقال عمر:«كذلك الأمر» ، وفي لفظ قال عمر: «حقنتُ
(2)
بأيمانكم دماءَكم، ولا يُطَلُّ
(3)
دم امرئ مسلم»
(4)
= فقال
(1)
رُسم في الأصل بالراء، فتحرّف في ط. الفقي إلى:«جِيزان» والتصويب من مصادر التخريج. وخيوان ووادعة من مخاليف اليمن. انظر: «المسالك والممالك» لابن خُرْداذْبُهْ (ص 136 - 137). وهما اليوم يتبعان محافظة عَمْران شمال صنعاء.
(2)
كذا في الأصل والطبعتين وله وجه، وفي مصادر التخريج:«حقنتُم» .
(3)
أي لا يذهب هدَرًا.
(4)
أخرجه الشافعي في «الأم» (8/ 31 - 32)، ومن طريقه البيهقي في «المعرفة» (12/ 16) و «السنن» (8/ 124). وأخرجه عبد الرزاق (18266، 18267)، وابن أبي شيبة (28391، 28430) من طرق أخرى عن الشعبي مختصرًا. وإسناده منقطع، لأن الشعبي لم يُدرك عمر.
وأخرجه ابن أبي شيبة (28390)، والطحاوي في «معاني الآثار» (3/ 201)، من حديث أبي إسحاق عن الحارث بن الأَزْمَع الهَمْداني الوادعي عن عمر، والحارث قد أدرك الواقعة، وهو مخضرم من كبار التابعين، وثقه العجلي وابن حبان. وفي «العلل» لابن المديني ــ كما في «تهذيب التهذيب» (8/ 66) ــ ما يدلّ على أن أبا إسحاق لم يسمعه من الحارث، وإنما سمعه من مجالد عن الشعبي عن الحارث. وعلى هذا صحّت رواية الشعبي المرسلة عن عمر، لأن الواسطة بينهما الحارث بن الأزمع.
وأخرجه عبد الرزاق (18266) من رواية الحكم بن عتيبة، عن الحارث بن الأزمع مختصرًا، والظاهر أن الحكم لم يُدرك الحارث، ولعله أخذه عن الشعبي عنه، والله أعلم.
الشافعي
(1)
وقد قيل له: هذا ثابت عندك؟ قال: لا، إنما رواه الشعبي عن [ق 225] الحارث الأعور
(2)
، والحارث مجهول، ونحن نروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإسناد الثابت أنه بدأ بالمدَّعِين، فلمَّا لم يحلفوا قال:«فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا» ، وإذ
(3)
قال: «فتبرئكم» لم يكن عليهم غرامة، ولما لم يقبل الأنصار أيمانهم وداه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولم يجعل على يهود شيئًا والقتيل بين أظهرهم.
وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة
(4)
عن ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول: سافرت إلى خَيوان ووادِعة
(5)
ثلاثًا وعشرين سفرة أسألهم عن حكم عمر بن الخطاب في القتيل وأحكي لهم ما روي عنه، فقالوا: إن هذا لشيء ما كان ببلدنا قط. قال الشافعي: والعرب أحفظ شيء لأمرٍ كان.
(1)
كما في «الأم» (8/ 32)، وعنه البيهقي في «المعرفة» (12/ 16) و «السنن» (8/ 124).
(2)
كذا في الأصل و «الأم» وفي كتابي البيهقي، ولا إخاله ــ والله أعلم ــ إلا تحريفًا عن «الحارث بن الأزمع» ، كما يظهر بالنظر في التخريج المذكور آنفًا، ويؤيده أن الشافعي وصفه هنا بأنه مجهول، وهذا لا يَصدُق على الأعور فإنه من مشاهير أصحاب عليّ رضي الله عنه على ضعفٍ فيه، ويستحيل أن يكون الشافعي يجهله، كيف وقد روى في «الأم» من طريقه عن عليٍّ عدة أحاديث، وفي موضع (5/ 217) ضعّف واحدًا منها بأنه:«لا يُثبِت أهلُ الحديث مثلَه» ، وهذا إشارة منه إلى ضعف الأعور وطعن أهل العلم فيه. ويظهر أنه تحريف قديم في «الأم» وأنه كان هكذا في نسخته التي وقعت للبيهقي، لأنه راح ينقل عَقِبه طعن الشعبي في الأعور بأنه كان كذّابًا.
(3)
في الأصل ومطبوعة «الأم» : «وإذا» ، والتصويب من «السنن الكبرى» و «المعرفة» .
(4)
كما في «معرفة السنن» (12/ 19).
(5)
في الأصل: «حيران ووداعة» كلاهما تصحيف.