المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب في ذراري المشركين - تهذيب سنن أبي داود - ط عطاءات العلم - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العتاق

- ‌ في المكاتَب يؤدِّي بعض كتابته فيعجِز أو يموت

- ‌ باب فيمن أعتق نصيبًا له من مملوك

- ‌ باب من ذكر السعاية في هذا الحديث

- ‌ باب فيمن روى أنه لا يُستَسعى

- ‌ باب فيمن ملك ذا رحم مَحْرَم منه

- ‌ باب عتق أمهات الأولاد

- ‌ باب فيمن أعتق عبدًا له مال

- ‌ باب أي الرقاب أفضل

- ‌كتاب الحمّام

- ‌ باب التعرِّي

- ‌كتاب اللباس

- ‌ ما جاء في الأقبية

- ‌ باب في الحُمرة

- ‌ باب ما جاء في إسبال الإزار

- ‌ باب من روى أن لا يُنتفع من الميتة بإهاب

- ‌كتاب الترجّل

- ‌ باب في إصلاح الشعر

- ‌ باب ما جاء في خضاب السواد

- ‌كتاب الخاتم

- ‌ باب ما جاء في ترك الخاتم

- ‌ باب في الذهب للنساء

- ‌كتاب الفتن

- ‌ ذكر الفتن ودلائلها

- ‌كتاب المهدي

- ‌كتاب الحدود

- ‌ باب في المحاربة

- ‌ باب في الحد يُشفَع فيه

- ‌ باب إذا سرق مرارًا

- ‌ باب الرجم

- ‌ باب في المرأة التي أُمِر برجمها من جُهَينة

- ‌ باب الرجل يزني بمحارمه

- ‌كتاب الديات

- ‌ باب ترك القَوَد بالقسامة

- ‌قاعدة الشرع: أن اليمين تكون في جَنْبةِ أقوى المتداعِيَين

- ‌ باب لا يُقاد المسلم بالكافر

- ‌ باب القصاص من اللطمة

- ‌ باب عفو النساء

- ‌ باب الدية كم هي

- ‌ باب في دية الذمي

- ‌ باب لا يُقتصَّ من الجرح قبل الاندمال

- ‌ باب من اطَّلع في بيت قوم بغير إذنهم

- ‌كتاب السنة

- ‌ باب افتراق الأمة بعد نبيها

- ‌ باب النهي عن الجدال

- ‌ باب في الخلفاء

- ‌ باب في فضل الصحابة

- ‌ باب في التخيير بين الأنبياء

- ‌ باب في رد الإرجاء

- ‌ باب في القدَر

- ‌ باب في ذَراريِّ المشركين

- ‌ باب في الرد على الجهمية

- ‌ باب في الرؤية

- ‌ باب في القرآن

- ‌ باب في الشفاعة

- ‌ باب الحوض

- ‌ باب في المسألة وعذاب القبر

- ‌ باب الميزان

- ‌ باب في قتال الخوارج

- ‌كتاب الأدب

- ‌ باب في الحلم وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ باب في حسن الخلق

- ‌ باب في الرجل يقوم للرجل عن مجلسه

- ‌ باب الهدي في الكلام

- ‌ باب في تنزيل الناس منازلهم

- ‌ باب كفارة المجلس

- ‌ باب الرجل يضع إحدى رجليه على الأخرى

- ‌ باب مَن ردّ عن مسلم غيبة

- ‌ باب النهي عن سب الموتى

- ‌ باب الحسد

- ‌ باب اللعن

- ‌ باب في تغيير الأسماء

- ‌ باب في حفظ المنطق

- ‌ باب صلاة العَتَمة

- ‌ باب من الرخصة في ذلك

- ‌ باب في المزاح

- ‌ باب ما جاء في الشِّعر

- ‌ باب الرؤيا

- ‌ باب ما جاء في تشميت العاطس

- ‌ بابٌ كم يشمَّت العاطس

- ‌ باب فيمن عطس ولم يحمد الله

- ‌ باب ما يقول إذا أصبح وأمسى

- ‌ باب في الصبي يولد فيؤذَّن في أذنه

- ‌ في الوسوسة

- ‌ في التفاخر بالأحساب

- ‌ باب إخبار الرجل بمحبته

- ‌ باب في برّ الوالدين

- ‌ باب فضل من عال يتيمًا وحق الجار

- ‌ باب في حق المملوك

- ‌ باب في إفشاء السلام

- ‌ باب السلام على أهل الذمة

- ‌ باب في المصافحة

- ‌ باب ما جاء في القيام

- ‌ في قُبلة [اليد]

- ‌ باب جعلني الله فداك

- ‌ في الرجل يقوم للرجل

- ‌ باب في قتل الأوزاغ

الفصل: ‌ باب في ذراري المشركين

8 -

‌ باب في ذَراريِّ المشركين

561/ 4546 - عن ابن عباس ــ وهو عبد الله ــ رضي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِل عن أولاد المشركين، فقال:«الله أعلمُ بما كانوا عاملين» .

وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي

(1)

.

562/ 4547 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ: يا رسول الله، ذَراريُّ المؤمنين؟ فقال:«مِن آبائهم» ، فقلت: يا رسول الله، بلا عمل؟ قال:«الله أعلم بما كانوا عاملين» ، قلت: يا رسول الله، فذرَارِي المشركين؟ قال:«مِن آبَائهِم» ، قلت: بلا عمل؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين»

(2)

.

قال ابن القيم رحمه الله: حديث عائشة: «قلت يا رسول الله

» من رواية عبد الله بن أبي قَيس مولى غُطَيف

(3)

عنها، وليس بذاك المشهور

(4)

.

(1)

أبو داود (4711)، والبخاري (6591)، ومسلم (2660)، والنسائي (1951، 1952).

(2)

«سنن أبي داود» (4712)، وكذا أخرجه أحمد (24545)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 58)، من طرق عن عبد الله بن أبي قيس، عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

كذا في الأصل، وظنّه محقق ط. المعارف تصحيفًا، وليس كذلك إذ هو هكذا في «المسند» (24545)، و «التاريخ الكبير» للبخاري (5/ 173)، و «الثقات» لابن حبان (5/ 44)، و «العلل المتناهية» (2/ 443)، والأصول الخطية من «الإصابة» (7/ 201 - الهامش)، ولعله هو الصواب. وفي مطبوعة كلٍّ من «الجرح والتعديل» (5/ 140)، و «تهذيب الكمال» (4/ 246)، و «تهذيب التهذيب» (5/ 365):«عطيّة» ، وكذا هو في موضعٍ من «الإصابة» (7/ 187). وهو الذي أَثبته محقق ط. المعارف.

(4)

كذا قاله ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 444)، ولعل المؤلف صادر عنه، وفي إعلال ابن الجوزي الحديثَ به نظر، فإن عبد الله بن أبي قيس وثَّقه العجلي والنسائي وابن حبان، وقال أبو حاتم الرازي:«صالح الحديث» ، وأخرج له مسلم.

ص: 206

ورواه عمر بن ذَرّ عن يزيد بن أبي أمية: أن البراء بن عازب

(1)

أرسل إلى عائشة يسألها عن الأطفال؟ فقالت:

الحديث. هكذا قال مسلم بن قتيبة عن عمر

(2)

، وقال غيره: عن عمر بن ذر عن يزيد عن رجل عن البراء

(3)

.

وأما ما رواه أبو عَقِيل يحيى بن

(4)

المتوكل عن بُهَيَّة عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المسلمين: أين هم؟ قال: «في الجنة» ، وسألته عن

(1)

كذا في الأصل والطبعتين، وكذا في «طريق الهجرتين» (2/ 847) و «أحكام أهل الذمة» (2/ 1095)، وهو وهم وخطأ، والصواب:«عن يزيد بن أمية أن عازبًا» ، كما في «التاريخ الكبير» (8/ 319)، و «العلل المتناهية» (2/ 442). وعازب هذا ليس والد البراء، بل والدُ غُطيفٍ مولى عبد الله بن أبي قيس مِن فوق، فهو «غُطَيف بن عازب بن عُفَيف» ، وقيل: إن عازبًا وعُفيفًا اسمان لأبيه، فقد روى البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 173) أنه كان اسمه «عازبًا» وسمّاه النبي صلى الله عليه وسلم «عُفيفًا». والظاهر أن قوله:«أن عازبًا أرسل إلى عائشة» أيضًا وهم من بعض الرواة في اسم المرسِل، فإن المرسَل هو عبد الله بن أبي قيس، والذي أرسله هو مولاه غُطيف بن عازبٍ، لا أبوه عازب، والله أعلم. وانظر:«الإصابة» (7/ 201).

(2)

أخرجه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 442) من هذا الطريق. و «مسلم» هكذا في الأصل و «العلل» ، وهو خطأ وصوابه:«سَلْم» كما يتبيّن بمراجعة كتب الرجال، وشرحه يطول. وأخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (8/ 319) من طريق أبي نُعيم (الفضل بن دكين) عن عمر بن ذر به.

(3)

أخرجه البخاري في «التاريخ» (8/ 320) من طريق عبد الله بن داود الخُرَيبي، عن عمر بن ذر به. قال البخاري:«والأول أصح» ، يعني رواية أبي نعيم عن عمر السابقة.

(4)

في الأصل: «عن ابن» ، تصحيف، وهو على الصواب في «أحكام أهل الذمة» (2/ 1092) و «طريق الهجرتين» (2/ 846) للمؤلف.

ص: 207

أولاد المشركين أين هم يوم القيامة؟ قال: «في النار» ، فقلت: لم يدركوا الأعمال، ولم تجرِ عليهم الأقلام؟ قال:«ربك أعلم بما كانوا عاملين، والذي نفسي بيده، لو شئتِ أسمعتك تَضاغِيَهم في النار»

(1)

= فحديث واهٍ، يُعرَف به واهٍ، وهو أبو عَقِيل.

563/ 4548 - وعنها رضي الله عنها قالت: أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بصَبي من الأنصار يُصلِّي عليه، قلتُ: يا رسولَ الله، طُوبى لهذا، لم يعمل شرًا ولم يدرِ به، فقال:«أَوَ غير ذلكِ يا عائشة؟ إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلًا، وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلًا، وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم» .

وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه

(2)

.

564/ 4549 - وعن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مولودٍ يُولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه ويُنصِّرانه، كما تَناتَجُ الإبلُ من بهيمةٍ جَمعاءَ، هل تُحِسُّ فيها مِن جدْعَاءَ؟» قالوا: يا رسول الله أفرأيت مَن يموت وهو صغير؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» .

وأخرجه البخاري ومسلم

(3)

بمعناه من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.

565/ 4550 - وعن ابن وهب ــ وهو عبد الله ــ قال: سمعت مالكًا قيل له: إن أهل الأهواء يحتجُّون علينا بهذا الحديث، قال مالك: احتجَّ عليهم بآخره:

(1)

أخرجه أحمد (25743) مختصرًا، وابن عدي في «الكامل» (2/ 71، 7/ 206)، ومن طريقه ابنُ الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 422)، من طرق عن أبي عَقيل به.

(2)

أبو داود (4713)، ومسلم (2662)، والنسائي (1947)، وابن ماجه (82).

(3)

أبو داود (4714)، والبخاري (1359)، ومسلم (2658).

ص: 208

«قالوا: أرأيتَ مَن يموت وهو صغير؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين»

(1)

.

566/ 4551 - وعن حجَّاج بن المنهال، قال: سمعت حمَّاد بن سلمة يُفسِّر حديثَ: «كل مولودٍ يولَد على الفطرة» قال: هذا عندنا حيث أخذَ الله عليهم العهد في أصلابِ آبائهم، حيث قال:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]

(2)

.

567/ 4552 - وعن عامر ــ وهو الشَّعبي ــ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الوائدةُ والموءودة في النار» . قال يحيى ــ وهو ابن زكريا بن أبي زائدة ــ قال أبي: فحدثني أبو إسحاق ــ يعني السبيعي ــ: أن عامرًا حدثه بذلك عن علقمة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

.

568/ 4553 - وعن أنس ــ وهو ابن مالك رضي الله عنه ــ أن رجلًا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال:«أبوك في النار» ، فلما قَفَّى قال:«إن أبي وأباكَ في النار» .

وأخرجه مسلم

(4)

.

(1)

«سنن أبي داود» (4715).

(2)

«سنن أبي داود» (4716).

(3)

«سنن أبي داود» (4717). وفي إسناده اضطراب واختلاف كما في «علل الدارقطني» (794)، والأشبه: عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه، كما عند أحمد (15923) والنسائي في «الكبرى» (11585)، وحسَّن ابن كثير إسناده في «تفسيره» (الإسراء: 15)، وقال المؤلف في «طريق الهجرتين» (2/ 849): لا بأس به. وانظر فيه (2/ 862) وفي «أحكام أهل الذمة» (2/ 1121) وجه كون الموءودة في النار.

(4)

أبو داود (4718) ومسلم (203).

ص: 209

569/ 4554 - وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرَى الدَّم» .

وأخرجه مسلم

(1)

بطوله. وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه

(2)

من حديث صفية بنت حُيَيٍّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم في كتاب الصيام.

570/ 4555 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُجالِسُوا أهل القَدَر ولا تفاتحوهم» الحديث

(3)

، وقد تقدم.

قال ابن القيم رحمه الله: هذا ما ذكره أبو داود في الباب.

حديث: «كل مولود يولد على الفطرة

» لفظ «الصحيحين»

(4)

فيه: «ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، وأبواه يهودانه

» الحديث.

وفي لفظ آخر

(5)

: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويُشرِّكانه» ، فقال رجل: أرأيت يا رسول الله، لو مات قبل ذلك؟ قال:«الله أعلم بما كانوا عاملين» .

وفي لفظ آخر

(6)

: «ما من مولود يولد إلا وهو على الملة» .

(1)

أبو داود (4719) ومسلم (2174).

(2)

البخاري (2038)، ومسلم (2175)، والنسائي في «الكبرى» (3343)، وابن ماجه (1779)، وتقدّم في «سنن أبي داود» (2470) ولم يتقدّم معنا في التجريد.

(3)

«سنن أبي داود» (4720)، وتقدّم فيه في «باب في القدر» (4710). وإسناده ضعيف، وإنما يصحّ نحوه موقوفًا على بعض التابعين كأبي قلابة وغيره.

(4)

البخاري (1359، 4775، 6599)، ومسلم (2658/ 22).

(5)

«صحيح مسلم» (2658/ 23).

(6)

«صحيح مسلم» (2658/ 23).

ص: 210

وفي لفظ آخر

(1)

: «على هذه الملة حتى يُبِينَ عنه لسانه» .

وفي لفظ آخر

(2)

: «ليس مِن مولود يولد إلا على هذه الفطرة، حتى يعبّر عنه لسانه» .

وفي لفظ آخر

(3)

: «من يولد يولد على [هذه] الفطرة» .

وفي لفظ آخر

(4)

: «كل إنسان تَلِده أمُّه على الفطرة، وأبواه بعدُ يُهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجِّسانه، فإن كانا مسلمين فمسلم» .

وهذه الألفاظ كلها في «الصحيحين» إلا لفظ «الملة» فهو لمسلم، وكذا لفظ:«يُشرِّكانه» له أيضًا، وكذا قوله:«حتى يُعبّر عنه لسانه» ، وكذا لفظ:«فإن كانا مسلمين فمسلم» لمسلم وحده.

[ق 240] وإنما سقنا هذه الألفاظ لنبين بها أن الكلام جملتان، لا جملة واحدة، وأن قوله:«كل مولود يولد على الفطرة» جملة مستقلة، وقوله: «أبواه يهودانه

» إلى آخره جملة أخرى. وهو يبين غلط من زعم أن الكلام جملة واحدة، وأن المعنى: كل مولود يولد بهذه الصفة فأبواه يهودانه، وجعل الخبر عند قوله «يهودانه» إلى آخره. وألفاظ الحديث تدل على خطأ هذا القائل، وتدل أيضًا على أن الفطرة هي فطرة الإسلام، ليست الفطرة العامة التي فُطِر عليها من الشقاوة والسعادة، لقوله:«على هذه الفطرة» ، وقولهِ:«على هذه الملة» .

(1)

بالرقم السابق.

(2)

بالرقم السابق.

(3)

«صحيح مسلم» (2658/ 24)، وما بين الحاصرتين منه.

(4)

«صحيح مسلم» (2658/ 25).

ص: 211

وسياقه أيضًا يدل على أنها هي المراد، لإخباره بأن الأبوين هما اللذان يغيّرانها، ولو كانت الفطرة هي فطرة الشقاوة والسعادة في قوله

(1)

: «على هذه الفطرة» لكان الأبوان مقرِّرَين

(2)

لها.

ولأن قراءةَ قوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30] عقب الحديثِ

(3)

صريحٌ في أن المراد بها فطرةُ الإسلام.

ولأن تشبيهَ المولود في ولادته عليها بالبهيمة الجمعاء ــ وهي الكاملة الخلق ــ، ثم تشبيهَه إذا خرج عنها بالبهيمة التي جَدَعها أهلُها فقطعوا آذانها

(4)

= دليل على أن الفطرة هي الفطرة المستقيمة السليمة، وما يطرأ على المولود من التهويد والتنصير بمنزلة الجدع والتغيير في ولد البهيمة.

ولأن الفطرة حيث جاءت مطلقةً معرَّفة باللام لا يراد بها إلا فطرة التوحيد والإسلام، وهي الفطرة الممدوحة، ولهذا جاء في حديث الإسراء لمّا أخذ النبي صلى الله عليه وسلم اللبن قيل له:«أصبتَ الفطرة»

(5)

، ولمّا سمع النبي صلى الله عليه وسلم المؤذن يقول: الله أكبر الله أكبر، قال:«على الفطرة»

(6)

. وحيث جاءت

(1)

في الأصل والطبعتين: «لقوله» ، ولعله تصحيف ما أثبت فإن المعنى عليه.

(2)

في الطبعتين: «مقدرين» خلافًا للأصل وعكسًا للمعنى المقصود.

(3)

قرأها أبو هريرة رضي الله عنه كما في البخاري (1359، 4775) ومسلم (2658/ 22).

(4)

في الطبعتين: «أذنها» خلافًا للأصل.

(5)

أخرجه البخاري (3437) ومسلم (168، 164) من حديث أبي هريرة وحديث أنس رضي الله عنهما.

(6)

أخرجه مسلم (382) من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 212

الفطرة في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فالمراد بها فطرة الإسلام لا غير، ولم يجئ قط في كلامه مرادًا بها فطرة الشقاوة وابتداءُ الخِلقة في موضع واحد.

ولفظ الحديث يدل على أنه غير منسوخ وأنه يستحيل فيه النسخ كما قال بعضهم، لأنه خبر محض، وليس حكمًا يدخل تحت الأمر والنهي، فلا يدخله نسخ.

وأما حديث عائشة في قصة الصبيّ من الأنصار، فرده الإمام أحمد

(1)

وطعن فيه، وقال: من يشك أن أولاد المسلمين في الجنة؟! وقال أيضًا: إنهم لا اختلاف فيهم.

وأما مسلم فأورده في «صحيحه» كما تقدم.

ومن انتصر للحديث وصححه يقول: الإنكار من النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة إنما كان لشهادتها للطفل المعيّن بأنه في الجنة، كالشهادة للمسلم المعين، فإن الطفل تبع لأبويه، فإذا كان أبواه لا يُشهد لهما بالجنة، فكيف يُشهد للطفل التابع لهما؟ والإجماع إنما هو على أن أطفال المسلمين من حيث الجملة مع آبائهم، فيجب الفرق بين المعين والمطلق.

(1)

كما في «كتاب أهل الملل والردّة» من «الجامع» للخلال (1/ 66 - 68) ، و «المنتخب من علل الخلّال» لابن قدامة (ص 53)، وذلك أنه رواه طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة، وطلحة ضعّفه أحمد وأنكر عليه هذا الحديث. وله طريق أخرى ــ كما عند مسلم (2662/ 30) ــ عن عائشة بنت طلحة، ولكن يرى أحمد أن مردّها أيضًا إلى طلحة بن يحيى. انظر:«العلل» برواية عبد الله (1380).

ص: 213

وفي «صحيح أبي حاتم»

(1)

من حديث عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذراريُّ المؤمنين يكفلهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم في الجنة» .

وقد روى البخاري في «صحيحه»

(2)

عن سمرة بن جندب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحد منكم رؤيا» ، قال: فيَقُصُّ عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال لنا ذات غداة: «أتاني الليلة آتيان

» فذكر حديث الرؤيا بطوله إلى أن قال: «فأتينا على روضة مُعتَمَّة

(3)

مِن كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولًا في السماء، وإذا حولَ الرجل أكثرُ ولدانٍ رأيتهم قط

»، وقال فيه:«وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأما الولدان الذين حوله فكلُّ مولود مات على الفطرة» ، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وأولاد المشركين» .

وفي «الصحيحين»

(4)

عن ابن عباس: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال:«الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم» .

(1)

برقم (7446)، وأخرجه أيضًا أحمد (8324)، والحاكم (2/ 370) وقال:«صحيح الإسناد» ، مع أن في إسناده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وهو ضعيف، ولكن قد صحّ عن أبي هريرة نحوه من وجه آخر أخرجه ابن أبي شيبة (12052) والحاكم (1/ 384) على اختلاف في رفعه ووقفه، والصواب الوقف كما قال الدارقطني في «العلل» (2211)، ويثبت له حكم الرفع لأنه مما لا مجال للرأي فيه، ويشهد له أيضًا حديث سمرة الآتي.

(2)

برقم (7047).

(3)

أي كثيرة النبات وطويلته.

(4)

البخاري (1383)، ومسلم (2660) واللفظ له.

ص: 214

وفي «الصحيحين»

(1)

عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرًا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانًا وكفرًا» .

وفي «الصحيحين»

(2)

عن الصعب بن جثّامة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدار من المشركين يُبَيَّتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم، فقال:«هم منهم» . وفي لفظ

(3)

لهما: «هم من آبائهم» .

وهذه الأحاديث لا تَناقض بينها، بل يصدّق بعضها بعضًا. وقد اختلف العلماء في الأطفال على ثمانية أقوال

(4)

:

أحدها: الوَقْفُ فيهم وتركُ الكلام في مستقرهم، ويوكل علمهم إلى الله تعالى. قال هؤلاء: وظواهر السنن وأجوبة النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس وأبي هريرة تدل على ذلك، إذ وَكَل عِلمَهم إلى الله وقال:«الله أعلم بما كانوا عاملين» .

قالوا: وقد روى ابن حبان في «صحيحه»

(5)

من حديث جرير بن حازم

(1)

البخاري (4301) ومسلم (2661) واللفظ له.

(2)

البخاري (3012)، ومسلم (1745).

(3)

البخاري (3013)، ومسلم (1745/ 28).

(4)

وقد بحث المؤلف هذه المسألة في الطبقة الرابعة عشرة من طبقات المكلفين في كتابه «طريق الهجرتين» (2/ 840 - 877)، كما عقد فصلًا طويلًا في كتابه «أحكام أهل الذمّة» (2/ 1086 - 1158) وذكر فيه لأهل العلم عشرة مذاهب في المسألة.

(5)

برقم (6724)، ومن طريقه الضياء في «المختارة» (13/ 3)، وأخرجه أيضًا الفريابي في «القدر» (ص 174 - 175)، والحاكم (1/ 33)، والبيهقي في «القدر» (445)، من طرق عن جرير بن حازم به.

قال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين ولا نعلم له علّة» . بلى له علّة، وهي أنه خالف هؤلاء الرواةَ عن جرير مَن هو أثبت منهم كوكيع وأبي أسامة ويزيد بن هارون، فرووه عن جرير بن حازم فوقفوه على ابن عباس من قوله. ولذا قال البيهقي: إن المرفوع ليس بمحفوظ، وإن الموقوف هو الصحيح. والموقوف قد أخرجه عبد الله في «السنة» (846)، والفريابي (ص 175)، والخطابي في «الغريب» (2/ 465)، والبيهقي في «القدر» (446 - 448).

ص: 215

قال: سمعت أبا رجاء العطاردي قال: سمعت ابن عباس يقول وهو على المنبر: قال [ق 241] رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أمر هذه الأمة مؤَامًّا

(1)

ــ أو مقارِبًا ــ، ما لم يتكلموا في الوِلدان والقدر». قال أبو حاتم: الولدان أراد به أطفال المشركين.

وفيما استدلت به هذه الطائفة نظر، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يُجِبْ فيهم بالوقف، وإنما وكل عِلْمَ ما كانوا يعملونه لو عاشوا إلى الله، وهذا جواب عن سؤالهم:«كيف يكونون مع آبائهم بغير عمل؟» وهو طرف من الحديث.

(1)

كذا في الأصل و (هـ)، وهو الصواب، وفي ط. الفقي:«قوامًا» ، وفي ط. المعارف وبعض مصادر التخريج:«مواتيًا» ، وفي مطبوعة «صحيح ابن حبان» (الإحسان - ط. الرسالة) وبعض المصادر الأخرى:«موائمًا» ، وكلّ ذلك تحريف، وقد جاء رسمه على الصواب في «التقاسيم والأنواع» (4878) ط. ابن حزم، و «المختارة» ، والنسخة الخطّية من «السنة» لعبد الله.

قال الخطابي: «قوله: مؤامًّا ــ مثقّلة الميم ــ أي مقاربًا، من قولِك: أمر أَمَم: أي قصدٌ قريب، ونظرتُ إليه من أمم: أي مِن قُرب. وقال بعض أهل اللغة: أمم هو ما بين القرب والبُعد» . «غريب الحديث» (2/ 465)، وانظر:«الفائق» (1/ 58) و «النهاية» (مأم). قلت: ويتأيّد الصواب برواية الفريابي: «لا يزال أمر هذه الأمة أَمَمًا

»، أي قصدًا ووسطًا.

ص: 216

ويدل عليه حديث عائشة الذي ذكره أبو داود في أول الباب، والنبي صلى الله عليه وسلم وَكَل العلمَ بعملهم إلى الله، ولم يقل:«الله أعلم حيث يستقرون وأين يكونون» . فالدليل غير مطابق لمذهب هذه الطائفة.

وأما حديث ابن عباس في المنع من الكلام فيهم، ففي القلب من رفعه شيء

(1)

، وبالجملة فإنما يدل على ذم من تكلّم فيهم بغير علم، أو ضَرَب الأحاديث فيهم بعضها ببعض، كما فعل الذين أنكر عليهم كلامَهم في القَدَر. وأما من تكلم فيهم بعلمٍ وحقٍّ فلا يُذم.

القول الثاني: إن أطفال المشركين في النار. وهذا مذهب طائفة، وحكاه القاضي أبو يعلى روايةً عن أحمد

(2)

، قال شيخنا

(3)

: وهو غلط منه على أحمد، وسبب غلطه أن أحمد سئل عنهم فقال: هم على الحديث، قال القاضي: أراد حديث خديجة إذ سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أولادها الذين ماتوا قبل الإسلام فقال: «إن شئتِ أسمعتك تضاغيهم في النار»

(4)

. قال شيخنا

(5)

:

(1)

زاد المؤلف في «أحكام أهل الذمة» (2/ 1090) فقال: «والناس إنما رووه موقوفًا عليه، وهو الأشبه» ، وقد سبق تفصيل ذلك في التخريج.

(2)

واختارها وبالغ ابنُه القاضي أبو الحسين فضمّن هذا القول في جزئه في «الاعتقاد» (ص 34)!

(3)

انظر: «مجموع الفتاوى» (24/ 372)، و «درء التعارض» (8/ 398).

(4)

هذا لفظ حديث بُهيّة عن عائشة، وقد سبق، وأما حديث خديجة فلفظه:«هما في النار» . أخرجه عبد الله في زيادات «المسند» (1131)، ولا يصح، في إسناده جهالة وانقطاع. وأخرجه أبو يعلى (7077) من طريق آخر، وفيه انقطاع أيضًا. انظر:«تفسير ابن كثير» (الإسراء: 15)، و «سير أعلام النبلاء (2/ 113)، و «الضعيفة» (5791).

(5)

انظر: «منهاج السنة» (2/ 306)، و «درء التعارض» (8/ 398 - 399).

ص: 217

وهذا حديث موضوع، وأحمد أجلّ من أن يحتج بمثله، وإنما أراد حديث عائشة:«الله أعلم بما كانوا عاملين» .

والقول الثالث: إنهم في الجنة. واحتج هؤلاء بحديث سمرة الذي رواه البخاري.

واحتجوا بقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، وبقوله:{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [الملك: 8 - 9]، فهذا دليل على أن كل فوج يُلقى فيها لا بد وأن يكونوا قد جاءهم النذير وكذبوه، وهذا ممتنع في حق الأطفال.

واحتجوا بقوله تعالى لإبليس: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85]، قالوا: فإذا امتلأت منه ومن أتباعه لم يبق فيها موضع لغيرهم.

واحتجوا بقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، قالوا: فالله تعالى لا يعذب أحدًا إلا بذنبه، فالنار دار عدله لا يُدخِلها أحدًا إلا بعمل، وأما الجنة فدار فضله يُدخِلها بغير عمل، ولهذا ينشئ للفضل الذي يبقى فيها أقوامًا يُسكِنُهموه.

وأما الحديث الذي ورد في بعض طرق البخاري

(1)

: «وأما النار فينشئ الله لها خلقًا يسكنهم إياها» فغلط من الراوي انقلب عليه لفظه، وإنما هو:

(1)

برقم (7449) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 218

«وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا» ، وقد ذكره البخاري

(1)

، وسياق الحديث يدل على ذلك.

قالوا: وأما حديث عائشة والصعب بن جَثَّامة

(2)

، فليس فيه أنهم في النار، وإنما فيه أنهم «من آبائهم» تبع لهم في الحكم وأنهم إذا أصيبوا في البيات لم يُضمَنوا بديةٍ ولا كفارة، وهذا ظاهر في حديث الصعب

(3)

. وأما حديث عائشة فقد ضعفه غير واحد

(4)

.

قالوا: وحديث خديجة باطل لا يصح.

والقول الرابع: إنهم بين الجنة والنار، إذ لا معصية لهم توجب دخول النار، ولا إسلام يوجب لهم دخول الجنة.

وهذا أيضًا ليس بشيء، فإنه لا دار للقرار إلا الجنة والنار، وأما الأعراف فإن مآل أصحابها إلى الجنة، كما قاله الصحابة

(5)

.

والقول الخامس: إنهم تحت المشيئة، يجوز أن يعذبهم وأن ينعمهم،

(1)

برقم (4850) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه مسلم (2846/ 36) أيضًا. وأخرجاه أيضًا من حديث أنس؛ البخاري (7384)، ومسلم (2848).

(2)

في الأصل و (هـ) وط. الفقي: «الأسود بن سريع» ، وهو سبق قلم كما نبّه عليه محقق ط. المعارف، لأن الذي سبق بهذا اللفظ هو حديث الصعب بن جثّامة المتفق عليه، وأما حديث الأسود فهو في الامتحان يوم القيامة، وسيأتي في كلام المؤلف.

(3)

الأصل و (هـ) وط. الفقي: «الأسود» ، وهو سبق قلم كما سبق.

(4)

ضعّفه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» كما سبق بيانه والنظر فيه.

(5)

كحذيفة وابن عباس وعبد الله بن الحارث. انظر: «تفسير الطبري» (10/ 212 وما بعدها).

ص: 219

وأن يعذب بعضًا وينعم بعضًا. وهذا قول كثير من المثبتين للقدر، وقول الجبرية ونفاة التعليل والحكم.

والقول السادس: إنهم ولدان أهل الجنة وخَدَمهم، وقد روي في ذلك حديث لا يثبت

(1)

.

والقول السابع: إن حكمهم حكم الآباء في الدنيا والآخرة، فلا حكم لهم غير حكم آبائهم. فكما هم معهم تبع في الدنيا فكذلك

(2)

في الآخرة.

والقول الثامن: إنهم يُمتحنون في الآخرة، فمن أطاع منهم أدخله الجنة، ومن عصى عذّبه.

وقد روي في هذا من حديث الأسود بن سريع وأبي هريرة وغيرهما مرفوعًا

(3)

، وهي أحاديث يشد بعضُها بعضًا.

(1)

عن أنس وسمرة بن جندب. أما حديث أنس فأخرجه البزار (7466، 7467)، وأبو يعلى (4090)، والطبراني في «الأوسط» (5355) من طريقين؛ من طريق يزيد الرقاشي، ومن طريق زيد بن علي بن جدعان، كلاهما عن أنس. والحديث بمجموعهما محتمل للتحسين. وله طريق ثالث عن أنس عند الطبراني في «الأوسط» (2972) لكنه واهٍ بمرة.

وأما حديث سمرة فأخرجه البزار (4516) والطبراني في «الكبير» (7/ 244) و «الأوسط» (2045)، من طريق عباد بن منصور، عن أبي رجاء، عن سمرة. وعبّاد ضعيف، والمحفوظ حديث عوف الأعرابي، عن أبي رجاء، عن سمرة في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيمَ في روضة وحوله الولدان الذين ماتوا على الفطرة، فقيل: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال:«وأولاد المشركين» . أخرجه البخاري، وقد سبق.

(2)

الأصل: «كذلك» ، والمثبت من (هـ).

(3)

«مرفوعًا» من (هـ). ولفظ حديث الأسود وأبي هريرة: «أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هَرِم، ورجل مات في فترة

» ثم ذكر احتجاجهم على الله، فامتحانه إياهم. أخرجه أحمد (16301، 16302) ــ ومن طريقه الضياء في «المختارة» (4/ 255) ــ من طريق معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة، عن الأحنف بن قيس، عن الأسود؛ وقال معاذ: وحدثني أبي، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة.

حديث الأسود صححه ابن حبان (7356)، على أن فيه انقطاعًا بين قتادة والأحنف. وحديث أبي هريرة صحح البيهقي إسناده في «الاعتقاد» (ص 185) و «القضاء والقدر» (645). وروي عن أبي هريرة من وجه آخر موقوفًا عليه. أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (1/ 374) بإسناد صحيح.

وفي الباب حديث أنس ومعاذ وأبي سعيد الخدري، وفي حديثهم ذكر المولود الهالك صغيرًا، وهو الشاهد لما نحن فيه، ولكن أسانيدها ضعيفة، وأمثلها حديث أبي سعيد. انظر:«طريق الهجرتين» (2/ 867 - 872)، و «السلسلة الصحيحة» (2468).

ص: 220

وهذا أعدل الأقوال، وبه يجتمع شمل الأدلة وتتفق الأحاديث في هذا الباب. وعلى هذا فيكون بعضهم في الجنة كما في حديث سمرة، وبعضهم في النار كما دل عليه حديث عائشة. وجواب النبي صلى الله عليه وسلم يدل على هذا، فإنه قال:«الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم» . ومعلوم أن الله لا يعذبهم بعلمه فيهم ما لم يقع معلومه، فهو إنما يعذب من يستحق العذاب على معلومه، وهو متعلَّق علمه السابق فيه، لا على علمه المجرّد، وهذا العلم يظهر معلومه في الدار الآخرة.

وفي قوله: «الله أعلم بما كانوا عاملين» إشارة إلى أنه سبحانه كان يعلم ما كانوا عاملين لو عاشوا، وأن من يطيعه وقت الامتحان [ق 242] كان يطيعه لو عاش في الدنيا، ومن يعصيه حينئذ كان ممن يعصيه لو عاش في الدنيا. فهو دليل على تعلُّق علمِه بما لم يكن لو كان كيف كان يكون.

ص: 221