الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم، فسمّاه إبراهيم وحنَّكه بتمرة»، زاد البخاري:«ودعا له بالبركة، ودفعه إلي» ، وكان أكبرَ ولدِ أبي موسى.
13 -
باب في حفظ المنطق
623/ 4809 - عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا يقولنَّ أحدُكم: الكَرْم، فإنَّ الكَرْمَ الرَّجلُ المسلم، ولكن قولوا: حَدائقُ الأعناب»
(1)
.
وقد أخرجه مسلم في «صحيحه»
(2)
من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُسمُّوا العنبَ الكرم، فإن الكرمَ الرجلُ المسلم» .
وأخرجه البخاري ومسلم في «صحيحيهما»
(3)
من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بمعناه.
وأخرج مسلم
(4)
من حديث وائل بن حُجر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: العنب والحَبْلة» .
قال ابن القيم رحمه الله: العرب سَمَّت شجر العنب كَرْمًا لكرَمه، والكرَم: كثرة الخير والمنافع والفوائدِ وسهولةُ تناولها من الكريم، ومنه قوله تعالى:{فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [لقمان: 10]، وفي آية أخرى:{مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: 5]، فهو كريم في مخبره، بهيج في منظره، وشجر العِنَب قد جمع وجوهًا من ذلك:
منها: تذليل ثمره لقاطفه.
ومنها: أنه ليس دونه شوك يؤذي مُجتنيه.
ومنها: أنه ليس بممتنع على من أراده لعلوّ ساقه وصعوبته [ق 265] كغيره.
ومنها: أن الشجرة الواحدة تَحمل منه مع ضَعْفها ودقّة ساقها أضعافَ ما تحمله غيرُها.
ومنها: أن الشجرة منه إذا قُطِع أعلاها أخلفت من جوانبها وفروعها، والنخلة إذا قطع أعلاها ماتت ويَبِست جملةً.
ومنها: أن ثمره يؤكل قبل نضجه، وبعد نضجه، وبعد يُبْسه.
ومنها: أنه يُتخذ منه من أنواع الأشربة الحُلْوة والحامضة كالدِّبْس والخَل ما لا يُتّخذ من غيره، ثم يُتّخذ من شرابه من أنواع الحلاوة والأطعمة والأقوات ما لا يتخذ من غيره، وشرابُه الحلال غذاءٌ وقُوت ومنفعة وقوة.
ومنها: أنه يُدّخر يابسه قوتًا وطعامًا وأُدمًا.
ومنها: أن ثمره قد جمع نهاية المطلوب من الفاكهة من الاعتدال، فلم يُفْرط إلى البرودة كالخَوخ وغيره، ولا إلى الحرارة كالتمر، بل هو في غاية الاعتدال، إلى غير ذلك من فوائده.
فلما كان بهذه المنزلة سمَّوه كَرْمًا، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الفوائد والثمراتِ والمنافعَ التي أودعها الله قلب عبده المؤمن مِن البر وكثرة الخير= أعظمُ من فوائد كَرْم العنب، فالمؤمن أولى بهذه التسمية منه.
فيكون معنى الحديث على هذا: النهي عن قَصْر اسم الكرم على شجر العنب، بل المسلم أحقُّ بهذا الاسم منه.
وهذا نظير قوله: «ليس الشديد بالصُّرَعة، ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب»
(1)
، أي مالك نفسه أولى أن يُسمّى شديدًا من الذي يصرع الرجال.
(2)
، أي هذا أولى بأن يقال له مسكين من الطوّاف الذي تسمونه مسكينًا.
ونظيره في المُفْلِس
(3)
والرَّقُوب
(4)
وغيرهما.
(1)
أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609) من حديث أبي هريرة. وعلّقه البخاري أيضًا في «باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الكرم قلب المؤمن» ليفسّر به الحديث على نحو ما هنا، وعلّق في الباب أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم:«إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة» ، وسيذكره المؤلف لاحقًا.
(2)
أخرجه البخاري (1476، 1479، 4539)، ومسلم (1039) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
يشير إلى حديث: «أتدرون ما المفلس؟
…
إن المفلس من أمتي مَن يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا
…
» الحديث. أخرجه مسلم (2581) عن أبي هريرة، وعلّقه البخاري مختصرًا في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الكرم قلب المؤمن» .
(4)
وهو حديث ابن مسعود مرفوعًا: «ما تَعدّون الرقوب فيكم؟» قلنا: الذي لا يُولَد له، قال:«ليس ذاك بالرَّقوب، ولكنه الرجل الذي لم يقدّم من ولده شيئًا» . أخرجه مسلم (2608).
ونظيره قوله: «ليس الواصلُ بالمكافئ ولكنّه الذي إذا قُطِعَت رَحِمُه وصلها»
(1)
، وإن كان هذا ألطف من الذي قبله.
وقيل في معنى النهي وجه آخر، وهو: قصد النبي صلى الله عليه وسلم سلب هذا الاسم المحبوب للنفوس التي يلذ لها سماعه عن هذه الشجرة التي تُتّخذ منها أم الخبائث، فيسلُبها الاسم الذي يدعو النفوس إليها، ولا سيما فإن العرب قد تكون سمَّتها كرْمًا لأن الخمر المتخذةَ منها تحث على الكرَم وبذل المال، فلما حرّمها الشارع نفى اسم المدح عن أصلها، وهو «الكَرْم» كما نفى اسم المدح عنها، وهو «الدواء» ، فقال:«إنها داء، وليست بدواء»
(2)
. ومَن عرف سرّ تأثير الأسماء في مسمّياتها نُفرةً وميلًا عرف هذا، فسلبها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاسم الحسن، وأعطاه من هو أحق به منها، وهو قلب المؤمن.
ويؤكد المعنى الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم شبّه المسلم بالنخلة
(3)
لما فيها من المنافع والفوائد، حتى إنها كلَّها منفعة، لا يذهب منها شيء بلا منفعة حتى شوكها، ولا يسقط عنها لباسُها وزينتها كما لا يسقط عن المسلم زينته، فجذوعها للبيوت والمساكن والمساجد وغيرها، وسَعَفها للسقوف وغيرها، وخُوصها للحُصُر والمكاتل والآنية وغيرها، ومَسَدُها للحِبال وآلات الشد والحلّ وغيرها، وثمرها يؤكل رطبا ويابسًا، ويُتخذ قوتًا وأُدمًا، وهو أفضل المخرج في زكاة الفطر تقرّبًا إلى الله وطهرةً للصائم، ويتخذ منه ما يتخذ
(1)
أخرجه البخاري (5991).
(2)
أخرجه أحمد (18859) ــ واللفظ له ــ، ومسلم (1984) من حديث وائل بن حُجْر رضي الله عنه.
(3)
في حديث ابن عمر المتفق عليه. البخاري (61، 2209، 6122) ومسلم (2811).
من شراب الأعناب، ويزيد عليه بأنه قُوت وحده بخلاف الزبيب، ونواه علف للإبل التي تحمل الأثقال إلى بلدٍ لا يُبْلَغ إلا بشقّ الأنفس، ويكفي فيه أن نواه يُشترى به العنب، فحَسْبك بثَمَرٍ
(1)
نواه ثَمَن لغيره!
وقد اختلف الناس في العنب والنخل: أيهما أفضل وأنفع؟ واحتجت كل طائفة بما في أحدهما من المنافع
(2)
.
والقرآن قد قدّم النخيل على الأعناب في موضع
(3)
، وقدم الأعناب عليه في موضع
(4)
، وأفرد النخل عن الأعناب
(5)
، ولم يفرد العِنَب عن النخيل
(6)
.
وفصل الخطاب في المسألة أن كلَّ واحد منهما في الموضع الذي يكثر فيه ويقلّ وجودُ الآخر أفضل وأنفع، فالنخيل بالمدينة والعراق وغيرهما أفضل وأنفع من
(1)
في الأصل والطبعتين: «بتمرٍ» ، والمثبت أوفق للسياق.
(2)
وقد ذكر المؤلف هذه المسألة أيضًا في «طريق الهجرتين» (2/ 808) و «مفتاح دار السعادة» (2/ 656).
(3)
وذلك في سور: البقرة (266)، والأنعام (99)، والنحل (11، 67)، والإسراء (91)، والمؤمنون (19)، ويس (34).
(4)
وذلك في سور: الرعد (4)، والكهف (32)، وعبس (28 - 29).
(5)
وذلك في سور: الأنعام (141)، والشعراء (148)، وق (10)، والرحمن (11، 68).
(6)
أي في سياق ذكر ما يكون في الدنيا، وإلا ففي نعيم الآخرة قد أُفرِد العنب عن النخيل بالذكر؛ قال تعالى:{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا} .