الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
باب من ذكر السعاية في هذا الحديث
486/ 3783 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن أَعتَق شقيصًا في مملوكِه، فعليه أن يُعتِقَه كُلَّه إن كان له مالٌ، وإلا اسْتُسعِيَ العبدُ غيرَ مَشقُوقٍ عليه» .
وأخرجه الباقون
(1)
.
487/ 3784 - وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أعتق شِقْصًا له ــ أو شَقيصًا له ــ في مملوك فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال قوِّمَ العبد قيمةَ عدل، ثمَّ استُسْعِي لِصاحبه في قِيمَتِه غيرَ مشقوق عليه»
(2)
.
قال أبو داود: ورواه رَوحُ بن عُبادة عن سعيد بن أبي عَروبة، لم يذكر السعاية. ورواه يحيى بن سعيد وابن أبي عدي عن سعيد بن أبي عروبة، لم يذكرا فيه السعاية
(3)
. ورواه يزيد بن زُريع عن سعيد فذكر فيه السعاية.
(1)
أخرجه أبو داود (3937)، والنسائي في «الكبرى» (4946)، من طريق أبان بن يزيد العطار عن قتادة به.
وأخرجه البخاري (2492، 2527)، ومسلم (1503)، والترمذي (1348)، والنسائي في «الكبرى» (4943 - 4945)، وابن ماجه (2527)، من طرق عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
وأخرجه البخاري (2504، 2526) ومسلم (1503/ 4) من طريق جرير بن حازم عن قتادة به.
(2)
«سنن أبي داود» (3938) من طريق يزيد بن زريع ومحمد بن بِشر، كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
(3)
كذا في «المختصر» ، وظاهر عبارة أبي داود في «السنن» أنهما ذكرا فيه السعاية، وذلك أن أبا داود ذكر روايتهما عقب الحديث السابق ــ وفيه ذكر السعاية ــ ثم قال:«بإسناده ومعناه» .
وقال البخاري
(1)
: رواه شعبة
(2)
عن قتادة، فلم يذكر السعاية.
وقال الخطابي
(3)
: اضطرب سعيد بن أبي عروبة في السعاية: مرة يذكرها، ومرة لا يذكرها، فدل على أنها ليست من متن الحديث عنده. وإنما هو من كلام قتادة وتفسيرِه وتقييدِه على ما ذكره همام وبيَّنه
(4)
.
ويدل على صحة ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما
(5)
، وقد ذكره أبو داود في الباب الذي يليه.
وقال الترمذي
(6)
: وروى شعبة هذا الحديث عن قتادة، ولم يذكر فيه أمر السعاية.
وقال النسائي
(7)
: أثبتُ أصحاب قتادة: شعبةُ وهشام الدَّسْتُوائي وسعيد بن
(1)
كما في «العلل الكبير» للترمذي (ص 204 - 205).
(2)
في مطبوعة «مختصر المنذري» : «سعيد» ، تحريف.
(3)
«معالم السنن» (5/ 398 - 399).
(4)
يشير إلى ما أخرجه هو في «المعالم» (5/ 396 - 397) من طريق ابن المنذر ــ وهو في «الأوسط» (7/ 515) ــ، والدارقطني (4222)، والبيهقي (10/ 282)، والخطيب في «الفصل للوصل المدرج في النقل» (1/ 358 - 359)، كلهم من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ عن همّام عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة: أن رجلا أعتق شقصًا من مملوك فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه وغرّمه بقية ثمنه. قال همام: فكان قتادة يقول: إذا لم يكن له مال استسعى.
(5)
وفيه بدل الاستسعاء: «وإلا فقد عَتَق منه ما عَتَق» . والحديث متفق عليه، وسيأتي.
(6)
عقب الحديث (1348).
(7)
ليس في «السنن الكبرى» المطبوعة، والجملة الأخيرة منه في «تحفة الأشراف» (9/ 302).
أبي عروبة، وقد اتفق شعبةُ وهشام على خلاف سعيد بن أبي عروبة، وروايتهما ــ والله أعلم ــ أولى بالصواب عندنا. وقد بلغني أن همّامًا روى هذا الحديث عن قتادة فجعل الكلام الأخير قوله:«وإن لم يكن له مال استُسعي العبد غير مشقوق عليه» قولَ قتادة.
وقال عبد الرحمن بن مهدي
(1)
: أحاديث همَّام عن قتادة أصحُّ مِن حديث غيره، لأنه كتبها إملاء.
وقال الدارقطني
(2)
: روى هذا الحديث شعبة وهشام عن قتادة ــ وهما أثبت ــ فلم يذكرا فيه الاستسعاء، ووافقهما همام وفَصَل الاستسعاء من الحديث فجعله من رأي قتادة. وسمعتُ أبا بكر النيسابوري
(3)
يقول: ما أحسنَ ما رواه همام وضبطه؛ فصَلَ قولَ قتادة.
وقال ابن عبد البر
(4)
: والذين لم يذكروا السعاية أثبتُ ممن ذكرها
(5)
.
قال ابن القيم رحمه الله: وقال الإمام أحمد
(6)
: ليس في الاستسعاء ثبتٌ عن
(1)
أسنده البيهقي عنه في «السنن الكبرى» (10/ 282).
(2)
في «التتبّع» برقم (25)، وبنحوه في «السنن» عقب الحديث (4220) وفيه قول شيخه أبي بكر النيسابوري الآتي.
(3)
هو الحافظ الفقيه عبد الله بن محمد بن زياد بن واصل (ت 324). قال الدارقطني: «لم نر أحفظ منه للأسانيد والمتون، وكان يعرف زيادات الألفاظ في المتون» . انظر لترجمته: «تاريخ بغداد» (11/ 339)، و «تاريخ الإسلام» (7/ 491).
(4)
في «الاستذكار» (7/ 313).
(5)
كلام المنذري على حديثي الباب من (هـ)، وفيه تصرف يسير من المؤلف.
(6)
انظر: «مسائله» رواية عبد الله (ص 396)، ورواية أبي داود (ص 293)، والمؤلف صادر عن «المغني» (14/ 359).
النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث أبي هريرة يرويه ابن أبي عروبة، وأما شعبة وهشام الدَّسْتُوائي فلم يذكراه
(1)
، وحدث به معمر
(2)
ولم يذكر فيه السعاية.
وقال أبو بكر المرُّوذي
(3)
: ضعّف أبو عبد الله حديث سعيد.
وقال الأثرم
(4)
: طعن سليمان بن حرب في هذا الحديث وضعَّفه.
وقال ابن المنذر
(5)
: لا يصح حديث الاستسعاء، وذكر همّام أن ذكر الاستسعاء من فُتيا قتادة، وفرّق بين الكلامين الذي هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول قتادة، قال بعد ذلك: فكان قتادة يقول: «إن لم يكن له مال استُسعِيَ العبد» .
وقال ابن عبد البر
(6)
أيضًا: حديث أبي هريرة يدور على قتادة، وقد اتفق شعبة وهشام وهمّام على ترك ذكره، وهم الحجة في قتادة، والقول
(1)
في الأصل وط. المعارف: «يذكره» ، خطأ.
(2)
كذا في الأصل و «المغني» ، والذي عند عبد الرزاق (16717) من رواية معمر عن قتادة، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، أنه ذكر فيها السعاية. فلعل معمرًا اضطرب فيه فذكر السعاية مرة، ولم يذكرها مرة، على أني أخشى أن يكون تصحَّف كلام الإمام أحمد في «المغني» وأن الصواب:«ابن عمر» بدل «معمر» . انظر: «مسائل أحمد» برواية عبد الله (ص 396).
(3)
كما في «المغني» (14/ 360).
(4)
كما في «المغني» (14/ 359).
(5)
في «الإشراف» (8/ 85 - 86)، والمؤلف صادر عن «المغني» (14/ 360).
(6)
ط. الفقي: «ابن المنذر» تحريف. وكلام ابن عبد البر في «التمهيد» (14/ 273، 276)، والمؤلف صادر عن «المغني» (14/ 360).
قولهم فيه عند جميع أهل العلم بالحديث إذا خالفهم غيرهم.
وقال الشافعي
(1)
: سمعت بعض أهل النظرِ والقياسِ
(2)
منهم والعلمِ بالحديث يقول: لو كان حديث سعيد بن أبي عروبة في الاستسعاء منفردًا لا يخالفه غيره ما كان ثابتًا، يعني: فكيف وقد خالفه شعبة وهشام؟ قال الشافعي
(3)
: وقد أنكر الناسُ حِفظ سعيد.
قال البيهقي
(4)
: وهذا كما قال، فقد اختلط سعيد بن أبي عروبة في آخر عمره حتى أنكروا حفظه. وقال يحيى بن سعيد القطان: شعبة أعلم الناس بحديث قتادة، ما سمع منه وما لم يسمع، وهشام أحفظ، وسعيد أكثر. قال البيهقي: فقد اجتمع هاهنا شعبة مع فضل حفظه وعلمه بما سمع قتادة
(5)
وما لم يسمع، وهشام
(6)
مع فضل حفظه، وهمام مع صحة كتابته وزيادة معرفته بما ليس من الحديث= على خلاف ابن أبي عروبة ومن تابعه في إدراج السعاية في الحديث. وفي هذا ما يُضعِّف ثبوتَ الاستسعاء بالحديث.
(1)
في «اختلاف الحديث» (10/ 304 - مع الأم)، ونقله البيهقي في «المعرفة» (14/ 393) ــ والمؤلف صادر عنه ــ و «الكبرى» (10/ 281).
(2)
كذا في الأصل، وفي «المعرفة» و «الكبرى» (21/ 336 - ط. هجر):«والتديّن» ، وفي «اختلاف الحديث»:«والدين» ، وفي الطبعة الهندية من «الكبرى»:«والتدبّر» .
(3)
في «القديم» ، كما في «معرفة السنن» (14/ 393).
(4)
«معرفة السنن» (14/ 394 - 395).
(5)
في مطبوعة «معرفة السنن» : «سمع من قتادة» ، والظاهر أن «من» مقحمة.
(6)
من بعد قوله: «هشام» قبل سطرين إلى هنا ساقط من الأصل لانتقال النظر، واستدرك من (هـ).
فهذا كلام هؤلاء الأئمة الأعلام في حديث السعاية.
وقال آخرون: الحديث صحيح، وتَرْكُ ذكرِ شعبة وهشام للاستسعاء لا يقدح في رواية من ذكرها، وهو سعيد بن أبي عروبة، ولا سيما فإنه أكبر أصحاب قتادة ومِن أخصّهم به، وعنده عن قتادة ما ليس عند غيره من أصحابه، ولهذا أخرجه أصحاب «الصحيحين» في «صحيحيهما» ، ولم يلتفتا إلى ما ذُكر في تعليله.
وأما الطعن في رواية سعيد عن قتادة ولو لم يخالَف، فطعن ضعيف، لأن سعيدًا عن قتادة حجة بالاتفاق، وهو من أصح الأسانيد المتلقاة بالقبول التي أكثرَ منها أصحابُ «الصحيحين» وغيرهم، فكيف ولم ينفرد سعيد عن قتادة بالاستسعاء، بل قد رواه عن قتادةَ جريرُ بن حازم، وناهيك به!
قال البخاري في «صحيحه»
(1)
: بابٌ إذا أعتق نصيبًا في عبد وليس له مال استُسعي العبدُ غيرَ مشقوق عليه، على نحو الكتابة. حدثني أحمد بن أبي رجاء، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت قتادة، ح
(2)
وحدثنا مسدد، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نَهِيك، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من أعتق نصيبًا ــ أو شقيصًا ــ في مملوك، فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال، وإلا قُوِّم عليه فاستُسعِيَ غيرَ مشقوق عليه» . قال البخاري: وتابعه
(1)
مبوّبًا على الحديثين (2526، 2527).
(2)
هذا التحويل لا يوجد في شيء من روايات البخاري المذكورة في النسخة اليونينية، وإنما فيها إكمال السند عن قتادة وذكر طرف الحديث:«من أعتق شقيصًا من عبد» ، ثم الإسناد الثاني: «حدثنا مسدد
…
» إلخ. وعليه أُصلح النص في ط. الفقي.
حجاج بن حجاج وأبان وموسى بن خلف عن قتادة، اختصره شعبة.
وقال النسائي في «سننه»
(1)
: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك، حدثنا أبو هشام، حدثنا أبان، حدثنا قتادة، حدثنا النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من أعتق شقيصًا له في عبد، فإن عليه أن يُعتِق بقيته إن كان له مال، وإلا استُسْعيَ العبد، غيرَ مشقوق عليه» .
فقد برئ سعيد من عهدة التفرد به، فهؤلاء خمسة رووه عن قتادة: سعيد، وجرير بن حازم، وأبان، وحجاج بن حجاج، وموسى بن خلف.
ثم لو قُدّر تفرد سعيد به لم يضره، وسعيد وإن كان قد اختلط في آخر عمره، فهذا الحديث من رواية يزيد بن زُرَيع وعَبْدة وإسماعيل والجِلَّة عن سعيد
(2)
، وهؤلاء أعلم بحديثه. ولم يرووا عنه إلا ما كان قبل اختلاطه، ولهذا خرّج أصحاب الصحيح حديثهم عنه. فالحديث صحيح محفوظ بلا شك.
وقد رواه مسلم في «صحيحه»
(3)
، كما ذكره البخاري من رواية
(1)
«الكبرى» (4946).
(2)
رواه يزيد بن زريع [البخاري (2527)]، وعبدة بن سليمان [النسائي (4943)]، وإسماعيل ابن عليّة [مسلم (1503/ 3)]، وابن المبارك [البخاري (2492)]، ويحيى بن سعيد القطان [أحمد (10107)]، ويزيد بن هارون [أحمد (7468)]، وعبد الله بن بكر السهمي [الدارقطني (4224)] في آخرين، وعامّة هؤلاء ممن روى عنه قبل الاختلاط.
(3)
برقم (1503/ 4).
جرير بن حازم.
وأما تعليله برواية همام، وأنه ميَّز كلام قتادة من المرفوع، قال أبو بكر الخطيب في كتاب «الفَصْل»
(1)
له: رواه أبو عبد الرحمن المقرئ عن همام، وزاد فيه ذكر الاستسعاء وجعله من قول قتادة، وميَّزه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
=فهذا علة لو كان الذي رفعه دون همام، وأما إذا كان مثلَه وأكثر عددًا منه فالحكم لهم. والله أعلم.
وقد عورض حديث أبي هريرة في السعاية بحديث عمران بن حصين، وحديث ابن عمر
(2)
.
أما حديث عمران، فقال الشافعي
(3)
في مناظرته لبعض أصحاب أبي حنيفة في المسألة: «ومع حديث نافعٍ حديثُ عمران بن حصين بإبطال الاستسعاء» ، ومراده بذلك: أن الرجل لما أعتق الستة المملوكين لم يُكمّل النبي صلى الله عليه وسلم عِتقَهم بالسعاية، بل أعتق ثُلُثَهم ولم يَسْتسعِ باقيهم.
وهذا لا يعارض حديث الاستسعاء، فإن الرجل أعتق العبيد، وهم كل [ق 214] التركة، وإنما يملك التبرُّع في ثلثها، فكمّل النبي صلى الله عليه وسلم الحريةَ في عبدَين مقدارَ الثلث، وكأنهما هما اللذان باشرهما بالعتق؛ والشارع حَجَر
(1)
(1/ 350).
(2)
سيأتي حديث ابن عمر في الباب الآتي، وأما حديث عمران فهو ما رواه مسلم (1668) وغيره أن رجلًا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثًا، ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأَرَقَّ أربعة.
(3)
«اختلاف الحديث» (10/ 304 - مع الأم).