الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 -
باب في المسألة وعذاب القبر
587/ 4586 - وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القَبْر ولمَّا يُلْحَدْ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنَّما على رؤوسنا الطَّير، وفي يده عودٌ يَنْكُت به الأرض، فرفع رأسه فقال:«استعيذوا بالله من عذاب القبر ــ مرتين أو ثلاثًا ــ» . زاد في حديث جرير ــ وهو ابن عبد الحميد ــ هاهنا: وقال: «وإنه لَيَسْمَعُ خَفْق نعالهم إذا ولَّوا مُدبِرين، حين يقال له: يا هذا، من رَبك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟» .
قال هنّاد ــ وهو ابن السري ــ: «ويأتيه مَلَكان فيُجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ قال: فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما يُدريكَ؟ فيقول: قرأتُ كتابَ الله فآمنت به وصدَّقت» . زاد في حديث جرير: «فذلك قول الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
…
} الآية [إبراهيم: 27]».
ثم اتفقا ــ يعني جرير بن عبد الحميد وأبا معاوية الضرير
(1)
ــ قال: «فينادي منادٍ من السماء: أن صَدَق عَبدِي، فَأَفرِشُوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، وألبسوه من الجنة، قال: فيأتيه من رَوْحِها وطيبها، قال: ويُفتح له فيها مَدَّ بَصَره. قال: وإن الكافر ــ فذكر موته ــ، قال: وتُعاد روحُه في جسده، ويأتيه ملكان، فيُجلسانه فيقولان: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي، فأفرِشُوه من النار، وألبِسوه من
(1)
كذا فسّر المنذري ثاني الاثنين في قول أبي داود: «اتفقا» ، والظاهر من صنيع أبي داود في ذِكر اختلاف الألفاظ في الحديث أنه قصد: جريرًا وهنَّادًا، وإن كانت رواية هنّاد هي عن أبي معاوية الضرير. وانظر إسناد الحديث عند تخريجه.
النار، وافتحوا له بابًا إلى النار. قال: فيأتيه من حَرِّها وسَمومها. قال: ويُضيَّق عليه قبرُه حتى تختلف فيه أضلاعه». زاد في حديث جرير: قال: «ثم يُقيَّضُ له أعمَى أبْكَم معه مِرْزَبةٌ
(1)
من حديد، لو ضُرب بها جبلٌ لصار تُرابًا، قال: فيضربه بها ضربةً يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلَين، فيصير ترابًا، قال: ثم تعاد فيه الروح»
(2)
.
وأخرجه النسائي وابن ماجه مختصرًا، وقد تقدم في كتاب الجنائز مختصرًا
(3)
.
وفي إسناده المِنْهال بن عمرو، وقد أخرج له البخاري في «صحيحه» حديثًا واحدًا
(4)
، وقال يحيى بن معين: ثقة، وقال الإمام أحمد: تَرَكه شعبة على عمد
(5)
، وغمزه يحيى بن سعيد وحكى عن شعبة أنه تركه
(6)
. وقال ابن عدي
(7)
: والمنهال بن عمرو هو صاحب حديث القبر ــ الحديثَ الطويل ــ، رواه
(1)
المرزبة (بتخفيف الباء أو تشديدها»: المطرقة الكبيرة التي تكون للحدّاد.
(2)
«سنن أبي داود» (4753)، قال: نا عثمان بن أبي شيبة نا جرير ح ونا هناد بن السَّري نا أبو معاوية ــ وهذا لفظ هنّاد ــ؛ عن الأعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء.
(3)
النسائي في «المجتبى» (2001) و «الكبرى» (2139)، وابن ماجه (1548، 1549)، وأبو داود (3212).
(4)
أي مرفوعًا، برقم (3371)، وإلا فقد أخرج له حديثًا آخر موقوفًا على ابن عباس في التفسير (سورة حم السجدة)، وأخرج له في متابعة معلقة عقب الحديث (5515).
(5)
انظر: «الجرح والتعديل» (8/ 357).
(6)
انظر: «الكامل» (6/ 330)، و «التعديل والتجريح» للباجي (2/ 760) والمنذري صادر عنه.
(7)
«الكامل» (6/ 330).
عن زاذان عن البراء، ورواه عن منهال جماعة.
قال ابن القيم رحمه الله: وقال أبو حاتم البُسْتي
(1)
: خبر الأعمش عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء سمعه الأعمشُ عن الحسن بن عُمَارة
(2)
عن المنهال بن عمرو، وزاذان لم يسمع من البراء، فلذلك لم أخرجه.
فذكر له علتين: انقطاعه بين زاذان والبراء، ودخول الحسن بن عمارة بين الأعمش والمنهال.
وقال أبو محمد بن حزم
(3)
: ولم يروِ أحد في عذاب القبر أن الروح تُردّ إلى الجسد، إلا المنهال بن عمرو وليس بالقوي، وقد قال تعالى:{وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28]، فصحّ أنهما حياتان وموتتان فقط، ولا تُردّ الروح إلا لمن كان ذلك آية له كمن أحياه
(4)
عيسى عليه السلام، وكل من جاء فيه بذلك نص.
ولم أعلم أحدًا طعن في هذا الحديث إلا أبا حاتم البستي وابن حزم، ومجموع ما ذكراه ثلاث علل، إحداها: ضعف المنهال، والثانية: أن الأعمش لم يسمعه من المنهال، والثالثة: أن زاذان لم يسمعه من البراء. وهذه علل واهية جدًّا.
(1)
في «صحيحه» عقب الحديث (3117).
(2)
وهو ساقط متروك الحديث.
(3)
في «المحلّى» (1/ 22).
(4)
في الأصل وط. المعارف: «أحيا» بدون ضمير النصب، والمثبت من ط. الفقي موافق للمحلَّى.
فأما المنهال بن عمرو فروى له البخاري في «صحيحه» ، وقال يحيى بن معين والنسائي: المنهال ثقة، وقال الدارقطني: صدوق، وذكره ابن حبان في «الثقات»
(1)
.
والذي اعتمده أبو محمد بن حزم في تضعيفه أن ابن أبي حاتم
(2)
حكى عن شعبة أنه تركه، وحكاه أحمد عن شعبة. وهذا لو لم يذكر
(3)
سبب تركه لم يكن موجِبًا لتضعيفه، لأن مجرد ترك شعبة له لا يدل على ضعفه، فكيف وقد قال ابن أبي حاتم: إنما تركه شعبة لأنه سمع في داره صوتَ قراءةٍ بالتطريب.
ورُوي عن شعبة قال: أتيت منزل المنهال فسمعتُ صوتَ الطنبور فرجعت
(4)
.
فهذا سبب جرحه، ومعلوم أن شيئًا من هذا لا يقدح في روايته، لأن غايته أن يكون عالمًا به مختارًا له، ولعله متأول فيه، فكيف وقد يمكن أن لا يكون ذلك بحضوره ولا إذنه ولا علمه؟! وبالجملة فلا يُردّ حديثُ الثقات بهذا وأمثاله.
وأما العلة الثانية، وهي أن بين الأعمش فيه وبين المنهال: الحسن بن
(1)
انظر «تهذيب الكمال» (7/ 239)، وترجمته ساقطة من مطبوعة «الثقات» .
(2)
«الجرح والتعديل» (8/ 357).
(3)
في الطبعتين: «نذكر» ، ولا يساعده السياق.
(4)
أسنده العقيلي في «الضعفاء» (6/ 102) بإسناد صحيح عن وهب بن جرير عن شعبة، وفيه أن وهبًا قال له:«هلّا سألتَه؟ فعسى كان لا يعلم» .
عمارة، فجوابها: أنه قد رواه عن المنهال جماعة، كما قاله ابن عدي
(1)
؛ فرواه عبد الرزاق
(2)
عن معمر عن يونس بن خَبّاب
(3)
عن المنهال، ورواه حماد بن سلمة عن يونس عن المنهال
(4)
= فبطلت العلة من جهة الحسن بن عمارة، ولم يضرّ دخول الحسن شيئًا.
وأما العلة الثالثة: وهي أن زاذان لم يسمعه من البراء، فجوابها من وجهين: أحدهما: أن أبا عوانة الإسفراييني رواه في «صحيحه»
(5)
وصرح فيه بسماع زاذان له من البراء فقال: «سمعت البراء بن عازب» فذكره.
(1)
وقد سبق كلامه عند المنذري، وبنحوه قال أبو نعيم الأصبهاني كما نقله شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (5/ 439).
(2)
في «المصنف» (6735)، وعنه أحمد (18614)، ثم من طريقه الحاكم (1/ 39)، وفيه ذكر أن الملائكة يعرجون بالروح فيقول الله تعالى:«ارجعوه .. » . وإسناده لا بأس به في المتابعات، فإن يونس بن خبّاب صدوق على لين فيه، ومن كذّبه فلرأيه فإنه كان شيعيًّا غاليًا.
(3)
في الطبعتين: «حباب» بالحاء المهملة، خطأ.
(4)
لم أجده من هذا الطريق، والظاهر أن قوله:«حماد بن سلمة» سهو أو سبق قلم، والصواب «حمّاد بن زيد» ، فإن عبد الله أخرجه في «مسند أبيه» (18615) وفي «السنة» (1422) من طريق حمّاد بن زيد عن يونس به، وأخرجه أيضًا ابن ماجه (1548) والروياني (389) من طريق حماد بن زيد عن يونس به مختصرًا بذكر طرف منه، ولم يُذكر في ترجمة يونس بن خباب أن حماد بن سلمة روى عنه.
وقد روي من طرق أخرى عن المنهال، وفي أكثرها نظر. انظرها في «المعجم الأوسط» للطبراني (3499، 7417، 9474)، و «مستدرك الحاكم» (1/ 39 - 40).
(5)
ليس في القدر المطبوع منه، وجاء التصريح بالسماع أيضًا عند أحمد (18535) وأبي داود (4754) والحاكم (1/ 38، 39).
والثاني: أن ابن منده
(1)
رواه عن الأصمّ: حدثنا الصَّغاني
(2)
حدثنا أبو النضر، حدثنا عيسى بن المسيب، عن عدي بن ثابت، عن البراء، فذكره.
فهذا عدي [ق 258] بن ثابت قد تابع زاذان. قال ابن منده: ورواه أحمد بن حنبل، ومحمود بن غيلان، وغيرهما عن أبي النضر.
ورواه ابن منده
(3)
أيضًا من طريق محمد بن سلَمة عن خُصَيف الجزَري، عن مجاهد، عن البراء.
قال أبو موسى الأصبهاني
(4)
: «هذا حديث حسن مشهور بالمنهال عن زاذان» ، وصححه أبو نعيم
(5)
والحاكم وغيرهما.
(1)
في «كتاب الروح والنفس» ، كما في «مجموع الفتاوى» (5/ 442 - 444) لشيخ الإسلام و «كتاب الروح» للمؤلف (1/ 130 - 133)، وأخرجه أيضًا الطبري في «تهذيب الآثار» (2/ 500 - مسند عمر)، وابن الأعرابي في «معجمه» (788)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (391) كلهم من طريق الصَّغاني به. وفيه: «ثم يُصعد به إلى السماء فيفتح له
…
فيقول الرب عز وجل ردوا عبدي إلى مضجعه». وإسناده لا بأس به في المتابعات، فإن عيسى بن المسيب صدوق ليس بالقوي.
(2)
في الأصل وط. الفقي: «الصنعاني» خطأ، وفي ط. المعارف:«الصاغاني» ، وهو وجه صحيح في هذه النسبة، وقد سبق تقريره.
(3)
في «كتاب الروح والنفس» ، كما في «كتاب الروح» للمؤلف (1/ 134 - 136) وساق لفظه، وفيه: «ثم عرجا به إلى الجنة فتفتح له أبواب السماء
…
فيقول الله عز وجل: رُدُّوا روح عبدي إلى الإرض
…
». وإسناده لا بأس به في المتابعات، فإن خصيفًا صدوق يُعتبر به على سوء حفظه.
(4)
نقله عنه المنذري في «المختصر» (7/ 144).
(5)
انظر: «مجموع الفتاوى» (5/ 439)، وممن صححه ابن منده في «كتاب الإيمان» له (2/ 965).
وأما ما ظنه أبو محمّد من معارضة هذا الحديث لقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} الآية [البقرة: 28]، وأنهما حياتان وموتان
(1)
لا غير= فجوابه: أنه ليس في الحديث أنه يحيا حياة مستقرة في قبره، والحياتان المذكورتان في الآية هما اللتان ذُكرا
(2)
في قوله تعالى: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11]، وهاتان حياتان مستقرتان، وأما رد الروح إليه في البرزخ للسؤال فردٌّ عارض لا يتّصل به حياةٌ تُعَدّ حياةً ثالثة
(3)
، فلا معارضة بين الحديث والقرآن بوجه من الوجوه، وبالله التوفيق.
وفي «الصحيحين»
(4)
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك، حتى يبعثك الله يوم القيامة» .
وفي «صحيح مسلم»
(5)
عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن لا تَدافنوا لدعوتُ الله أن يُسمعكم من عذاب القبر» . وفي «صحيحه»
(6)
أيضًا عن زيد بن ثابت قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه، إذ حادت به فكادت تُلقيه. وإذا أَقْبُرٌ ستة ــ أو خمسة أو أربعة ــ فقال:
(1)
في الطبعتين: «موتتان» خلافًا للأصل.
(2)
كذا في الأصل، والوجه:«ذُكرَتا» .
(3)
في الطبعتين: «بعد حياة ثالثة» ، تحريف أضاع المعنى وأفسد الكلام.
(4)
البخاري (1379) ومسلم (2866).
(5)
برقم (2868).
(6)
برقم (2867).
«من يعرف أصحاب هذه الأَقْبُر؟» فقال رجل: أنا، قال:«فمتى مات هؤلاء؟» قال: ماتوا في الإشراك، فقال:«إنّ هذه الأمة تُبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يُسمعكم عذابَ القبر الذي أسمع منه» ، ثم أقبل علينا بوجهه فقال:«تعوذوا بالله من عذاب النار» ، فقالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، قال:«تعوّذوا بالله من عذاب القبر» ، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال:«تعوّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن» ، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال:«تعوّذوا بالله من فتنة الدجال» ، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال.
وفي «الصحيحين»
(1)
عن أبي أيوب قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما غربت الشمس فسمع صوتًا فقال: «يهودُ تُعَذّب في قبورها» .
وفي «صحيح مسلم»
(2)
عن أم خالد أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يتعوّذ من عذاب القبر.
وقد تقدم حديث أبي هريرة المتفق عليه: «إذا تشهد أحدكم في صلاته فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب القبر، وعذاب جهنم
…
» الحديث.
وفي «الصحيحين»
(3)
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان
…
» الحديث.
(1)
البخاري (1375) ومسلم (2869).
(2)
كذا، وهو سهو أو سبق قلم، فإن الحديث ليس فيه، بل في «صحيح البخاري» (6364).
(3)
البخاري (218، 1361، 1378، 6052)، ومسلم (292).
وفي «الصحيحين»
(1)
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الدعوات: «اللهم إني أعوذ من فتنة النار وعذاب النار، وفتنة القبر وعذاب القبر
…
» الحديث.
وفي «الصحيحين»
(2)
عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العَجْز والكسل، والجُبْن والهَرَم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، ومن شرِّ فتنة المحيا والممات» .
وفي «الصحيحين»
(3)
عن عمرة أن يهودية أتت عائشة تسألها. فقالت: أعاذك الله من عذاب القبر، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله يُعذَّب الناس في القبور؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عائذا بالله
…
» فذكر الحديث، وفيه: ثم رفع وقد تجلّت الشمس فقال: «إني رأيتكم تفتنون في القبور كفتنة الدجال» ، فكنتُ أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يتعوذ من عذاب النار وعذاب القبر.
وفي لفظ للبخاري: فرجع ضحًى
…
فقال ما شاء الله أن يقول، ثم أمرهم أن يتعوّذوا من عذاب القبر.
وفي «الصحيحين»
(4)
عن أسماء بنت أبي بكر قالت: خَسفت الشمسُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلتُ على عائشة وهي تصلي، فقلت: ما شأن الناس يصلون؟ فأشارت برأسها إلى السماء، فقلت: آية؟ قالت: نعم، فأطال
(1)
البخاري (6368، 6375 - 6377)، ومسلم (589)(ج 4، ص 2078).
(2)
البخاري (2823، 6367)، ومسلم (2706/ 50).
(3)
البخاري (1049، 1055)، ومسلم (903).
(4)
البخاري (86، 184، 922، 1053)، ومسلم (905).
رسول الله صلى الله عليه وسلم القيام جدًّا، حتى تجلّاني الغَشْي، فأخذت قِربةً من ماء، فجعلت أصب على رأسي ــ أو على وجهي ــ من الماء. قالت: فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد، ما من شيء لم أكن رأيته إلا قد رأيتُه في مقامي هذا حتى الجنةَ والنار، وإنه قد أوحي إلي
(1)
: أنكم تُفتنون في قبوركم قريبًا ــ أو مثل ــ فتنة المسيح الدجال ــ لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء؟ ــ فيُؤتى أحدكم
(2)
فيقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو المُوقن ــ لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء ــ فيقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وأطعنا (ثلاث مرات)، فيقال له: قد كنّا
(3)
نعلم أنك تؤمن به، فنَمْ صالحًا، وأما المنافق أو المرتاب ــ لا أدري: أي ذلك قالت أسماء ــ فيقول: لا أدري، سمعتُ الناس يقولون شيئًا فقلتُ».
وفي «صحيح ابن حبان»
(4)
من حديث أبي عبد الرحمن الحُبُليّ عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله [ق 259] عليه وسلم ذكر فتَّانَي القبر، فقال عمر رضي الله عنه: أتُردُّ علينا عقولنا يا رسول الله؟ فقال: «نعم كهيئتكم
(1)
في الأصل: «إليكم» ، وفي الهامش:«لعله: إلي» ، وهو على الصواب في (هـ).
(2)
الأصل: «أحدهم» ، والتصحيح من (هـ) و «الصحيحين» .
(3)
«كنّا» من (هـ) و «الصحيحين» .
(4)
برقم (3115)، وأخرجه أحمد (6603) وابن عدي في «الكامل» (2/ 450)، والطبراني في «الكبير» (14/ 81)، كلهم من طريق حُيي بن عبد الله المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي به. وإسناده لا بأس به في الشواهد والمتابعات، وإلا فحُيَي ليس بالقوي. انظر:«ميزان الاعتدال» (1/ 623 - 624).
اليوم»، قال: فبِفِيه الحجر!
(1)
.
وفي «صحيحه»
(2)
أيضًا من حديث سعيد المَقْبُري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قُبِر أحدكم ــ أو الإنسان ــ أتاه ملَكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المنكر والآخر: النكير، فيقولان له: ما كنتَ تقول في هذا الرجل (لمحمد صلى الله عليه وسلم)؟ فهو قائل ما كان يقول، فإن كان مؤمنًا قال: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، فيقولان له: إنّ كنا لنعلم إنك لتقول
(3)
ذلك، ثم يُفسَح له في قبره سبعون ذراعًا في سبعين ذراعًا، ويُنوّر له فيه، فيقال له: نَمْ نومة العروس لا يوقظه إلا أحبُّ أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجَعه ذلك.
وإن كان منافقًا قال: لا أدري، كنت أسمع الناس يقولون شيئًا فكنت أقوله، فيقولان له: إن كنا لنعلم أنك تقول ذلك، ثم يقال للأرض: الْتَئِمي عليه، فتلتَئِم عليه حتى تختلف فيها أضلاعُه، فلا يزال معذّبًا حتى يبعثه الله
(1)
بفِيه الحجر: دعا عليه بالسوء، والمراد هنا استعظام تيك الحال التي يُفتن فيها الميت.
(2)
برقم (3117)، وأخرجه الترمذي (1071)، وابن أبي عاصم في «السنة» (890)، كلهم من طريق عبد الرحمن بن إسحاق المدني، عن سعيد المقبري به.
الحديث صحيح، وهذا إسناد حسن، فإن عبد الرحمن بن إسحاق من رجال مسلم، لكن فيه كلام يسير من قِبل حفظه، ولذا قال الترمذي:«حسن غريب» ، وقد توبع، تابعه محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة بنحوه، وسيأتي.
(3)
ط. الفقي: «أنك تقول» سقطت اللام، وفي ط. المعارف:«أنك لتقول» استُدركت اللام ولكن بقيت همزة «إنك» مفتوحة، وهو خطأ، فإن أفعال القلوب إذا عُلّق عنها باللام وجب كسر «إن» بعدها نحو قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} .
من مضجَعه ذلك».
وفي «صحيحه»
(1)
أيضًا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124]، قال:«عذاب القبر» .
وفي «صحيحه»
(2)
أيضًا عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل الميت القبر مُثِّلَت له الشمس عند غروبها، فيقول: دَعُوني أصلي» .
وفي «صحيحه»
(3)
أيضًا عن أم مُبشِّر قالت: دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
(1)
برقم (3119)، وأخرجه الحاكم (1/ 381) موقوفًا، والبيهقي في «إثبات عذاب القبر» (57، 58) مرفوعًا؛ كلهم من طريق حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. إسناده حسن، وهو مختصر من حديث طويل مروي من طرق عن محمد بن عمرو به، وفيه: «ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، وتلك المعيشة الضنك التي قال الله عز وجل
…
»، وسيأتي بتمامه.
(2)
برقم (4272)، وأخرجه ابن ماجه (4272)، وابن أبي عاصم في «السنة» (893)، والضياء في «المختارة» ــ كما في «سير النبلاء» (13/ 280 - 281) ــ، كلهم من طريق إسماعيل بن حفص الأُبُلِّي، عن أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي سفيان به. تفرّد به إسماعيل وليس مشهورًا بالثقة، بل امتنع أبو حاتم أن يقول فيه: لا بأس به، وغيره يروي حديث فتنة القبر عن أبي بكر بن عياش فلا يذكرون فيه تمثّل الشمس للميت، كما عند أحمد (14547) وابن أبي عاصم في «السنة» (892) وأبي يعلى (2316)، وكذلك لم يذكره أبو الزبير عن جابر، كما عند عبد الرزاق (6744) وأحمد (14722)، وإنما ثبت ذلك من حديث أبي هريرة (وسيأتي)، فلعل إسماعيل وهم فيه فقلب إسناده.
(3)
برقم (3125)، وأخرجه أحمد (27044)، وابن ابي شيبة (12159)، وابن أبي عاصم في «السنة» (901) كلهم من طريق الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أم مبشّر. إسناده جيّد، إلا أن أبا سفيان خالفه أبو الزبير فرواه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يذكر فيه أم مبشّر، أخرجه أحمد (14152) وغيره، وأيًّا ما كان فالحديث صحيح على كلا التقديرين.
وأنا في حائط من حوائط بني النجار، فيه قبور منهم، وهو يقول:«استعيذوا بالله من عذاب القبر» ، فقلت: يا رسول الله، وللقبر عذاب؟ قال: «وإنهم لَيعذَّبُون في قبورهم
(1)
، تسمعه البهائم».
وفي «صحيحه»
(2)
أيضًا عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن المؤمن في قبره لفي روضةٍ خضراءَ، ويُرْحَب له في قبره سبعين ذراعًا، ويُنوّر له كالقمر ليلة البدر، أتدرون فيما أنزلت هذه الآية: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}؟ أتدرون ما المعيشة الضنك؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «عذاب الكافر في قبره، والذي نفسي بيده إنه ليُسلّط عليه تسعة وتسعون تِنِّينًا، أتدرون ما التنين؟ سبعون حيّة لكل حية سبع
(3)
رؤوس يَلْسَعونه ويَخدِشونه إلى يوم يبعثون». فيه دراج أبو السَّمْح عن ابن
(4)
(1)
بعده في (هـ): «عذابًا» ، وليس في «صحيح ابن حبّان» .
(2)
برقم (3122)، وأخرجه الطبري (16/ 198)، وابن أبي حاتم (كما في تفسير ابن كثير)، من طريقين عن درّاج، عن عبد الرحمن بن حُجَيرة، عن أبي هريرة.
درّاج ليس بالقوي وروى مناكير كثيرة، ولذا قال الحافظ ابن كثير: رفعه منكر جدًّا. وأخرجه البزار (9407) من طريق آخر عن ابن حجيرة، إلا أن فيه الواقدي وهو ساقط متروك الحديث.
(3)
في الطبعتين: «تسع» تصحيف.
(4)
في الأصل و (هـ): «أبي» تصحيف.
حجيرة عن أبي هريرة.
وذكر أبو حاتم
(1)
أيضًا قصة التسعة والتسعين تِنِّينًا من حديث درّاج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي «صحيحه»
(2)
أيضًا من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الميت إذا وضع في قبره إنه يَسمع خَفْق نعالهم حين يُولّون عنه، فإن كان مؤمنًا كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة
(3)
والمعروف والإحسان إلى الناس عند رِجلَيه، فيؤتى من قِبَل رأسه فتقول الصلاة: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام: ما قِبَلي
(1)
في «صحيحه» (3121)، وأخرجه أحمد (11334)، والدارمي (2857)، وغيرهم من طريق سعيد بن أبي أيوب عن درّاج به، فإما أن درّاجًا اضطرب فيه فرواه مرّة عن ابن حُجيرة عن أبي هريرة (كما سبق)، ومرّة عن أبي الهيثم عن أبي سعيد، أو أن سعيد بن أبي أيوب وهم بسلوك الجادّة عن درّاج، فإن أكثر روايته هي عن أبي الهيثم عن أبي سعيد، وعلى كلٍّ فالحديث ضعيف لضعف درّاج. والذي صحّ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال في تفسير المعيشة الضنك: عذاب القبر، يُضيَّق عليه حتى تختلف أضلاعه. أخرجه الطبري (16/ 197) موقوفًا.
(2)
برقم (3113)، وأخرجه ابن أبي شيبة (12188)، وهشام بن عمّار في «حديثه» (6)، والطبري في «تفسيره» (13/ 662)، والطبراني في «الأوسط» (2630)، والحاكم (1/ 379 - 381)، والبيهقي في «إثبات عذاب القبر» (67)، من طرق عن محمد بن عمرو به، إلا أنهم اختلفوا في رفعه ووقفه، والخطب يسير فإنه مما لا مجال للرأي فيه، فالموقوف منه في حكم المرفوع.
(3)
في الأصل و (هـ): «الصلاة» ، تصحيف، وسيأتي على الصواب بعد أسطر.
مدخل، ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فِعْلُ الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قبلي مدخل. فيقال
(1)
له: اجلس، فيجلس قد مُثِّلت له الشمس وقد أُدنيت للغروب، فيقال له: أرأيتَك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه؟ وماذا تشهد به عليه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولون: إنك ستفعل، أخبِرْنا عما نسألك عنه، أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه؟ وماذا تشهد عليه؟ قال: فيقول: محمد أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقال له: على ذلك حَيِيتَ، وعلى ذلك متّ، وعلى ذلك تُبعث إن شاء الله، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة، فيقال: هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها، فيزداد غبطة وسرورًا، [ثم يُفتح له باب من أبواب النار فيقال له: هذا مقعدك منها وما أعدّ الله لك فيها لو عصيتَه، فيزداد غبطة وسرورًا]
(2)
، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعًا وينوّر له فيه، ويعاد الجسد لِما بُدِئ منه
(3)
، فتُجعل نسمته في النَّسَم الطيب، وهي طير تَعْلُقُ في شجر الجنة
(4)
(1)
في الأصل: «فيقول» تصحيف، وهو على الصواب في (هـ) ..
(2)
ما بين الحاصرتين سقط من الأصل لانتقال النظر.
(3)
بعده عند ابن أبي شيبة والطبري: «مِن التراب» .
(4)
أي: تأكل من ثمارها. يقال: عَلَقت البهائمُ من الشجر، تَعْلُق، عَلْقًا وعُلوقًا، إذا تناولت بأفواهها من ورق الشجر، وكذلك الطير من الثَّمَر. انظر:«التاج» (26/ 185).