الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه ومنعه من تبعيض الحرية في جميعهم وكمّلها في اثنين، فأي منافاة في هذا لحديث السعاية؟ بل هو حجة على من يبعّض العتق في جميعهم، فإنه إن لم يَقُل بالسعاية نقض أصلَه، وإن قال بها وأعتق الجميع ناقض الحديث صريحًا، ولا اعتراض بمناقضته على حديث أبي هريرة في السعاية.
وأما حديث ابن عمر، فهو الذي نذكره في هذا الباب:
4 -
باب فيمن روى أنه لا يُستَسعى
488/ 3785 - عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من أعتق شِركًا له في مملوك أُقيم عليه قيمة العَدْلِ، فأعطَى شُرَكاءَه حِصَصَهم، وأُعتِق عليه العبدُ، وإلا فقد عَتَق منه ما عَتَق» .
وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه
(1)
.
489/ 3786 - وعن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه. قال: وكان نافع ربما قال: «فقد عتق منه ما عتق» ، وربما لم يَقُله.
490/ 3787 - وفي رواية: قال ــ يعني أيوب ــ: فلا أدري هو في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو شيء قاله نافع: «وإلا عتق منه ما عتق» ؟
وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
(2)
.
491/ 3788 - وعن عبيد الله ــ وهو ابن عمر ــ عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعتَقَ شِرْكًا من مملوك له، فعليه عِتقُه كُلِّه،
(1)
أبو داود (3940)، والبخاري (2522)، ومسلم (1501/ 1)، والنسائي في «الكبري» (4937)، وابن ماجه (2528). وهو في «الموطأ» (2240).
(2)
أبو داود (3941، 3942)، والبخاري (2491، 2524)، ومسلم (1501/ 49)(ج 3/ 1286)، والترمذي (1346)، والنسائي في «الكبرى» (4935، 4936).
إن كان له ما يبلغ ثمنه، وإن لم يكن له مال عَتَق نصيبُه».
وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
(1)
.
492/ 3789 - وعن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى إبراهيم بن موسى. يعني حديثَ عبيد الله الذي قبله.
وأخرجه مسلم والنسائي، وذكره البخاري تعليقًا
(2)
.
وفي حديث النسائي: قال يحيى: لا أدري شيئًا كان مِن قِبَله يقوله، أم شيئًا في الحديث:«فإن لم يكن عنده فقد جاز ما صنع» ؟
وذكر مسلم أيضًا عن يحيى نحوه.
493/ 3790 - وعن جُويرية ــ وهو ابن أسماء ــ عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمعنى مالك، ولم يذكر «وإلا فقد عتق منه ما عتق»
(3)
.
وقال بعضهم: أيوب قد شَكَّ في قوله: «فقد عتق منه ما عتق» على ما تقدم.
قيل له: شكُّ الشاك لا يؤثر في رواية من لم يشك، لاسيما إذا كان الذي لا يشك أحفظَ من الشاك. وقد رواه الإمام مالك رضي الله عنه عن نافع، كما قدمناه، ولم يشك. وقد رواه أيضًا عبيد الله بن عمر العمري عن نافع، كما قدمناه، ولم يشك.
وقد رواه أيضًا: جرير بن حازم عن نافع، وفيه «وإلا فقد عتق منه ما عتق» ولم
(1)
أبو داود (3943)، والبخاري (2523)، ومسلم (1501/ 48)(ج 3/ 1286)، والنسائي في «الكبرى» (4925 - 4930).
(2)
أبو داود (3944)، ومسلم (1501/ 48)(ج 3/ 1286)، والنسائي في «الكبرى» (4938 - 4940)، والبخاري عقب الحديث (2525) معلَّقًا.
(3)
«سنن أبي داود» (3945). وهو عند البخاري (2503) أيضًا.
يشك. وأخرجه مسلم في «صحيحه»
(1)
.
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه
(2)
: لا أحسب عالمًا بالحديث ورواتِه يشك في أن مالكًا أحفظ لحديث نافع من أيوب، لأنه كان ألزم له من أيوب. ولمالك فضل حفظه لحديث أصحابه خاصة. ولو استويا في الحفظ فشك أحدهما في شيء لم يشك فيه صاحبه= لم يكن في هذا موضع لأن يُغَلَّط به الذي لم يشك. إنما يغلَّطُ الرجل بخلاف من هو أحفظ منه، أو يأتي بشيء في الحديث يَشْرَكه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ منه، ثم هم عدد وهو منفرد. وقد وافق مالكًا في زيادة:«وإلا فقد عتق منه ما عتق» يعني غيره من أصحاب نافع.
وقال البيهقي: وقد تابع مالكًا على روايته عن نافع: أثبتُ آل عمر في زمانه وأحفظهم: عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب. هذا آخر كلامه.
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: وزاد فيه بعضهم: «ورَقَّ منه ما رَق» .
وهذا الحديث ــ الذي أشار إليه الإمام الشافعي ــ أخرجه الدارقطني في «سننه»
(3)
.
(1)
برقم (1501/ 49)(ج 3/ 1286).
(2)
في «اختلاف الحديث» (10/ 305 - مع الأم)، ونقله البيهقي في «السنن الكبرى» (10/ 278) و «معرفة السنن» (14/ 395) والمؤلف صادر عنه.
(3)
برقم (4219) من طريق إسماعيل بن مرزوق الكعبي، عن يحيى بن أيوب الغافقي، عن عبيد الله بن عمر وإسماعيل بن أمية ويحيى بن سعيد، (ثلاثتهم) عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ:«ورقَّ ما بقي» .
وهذه الزيادة لا تصحّ، فإن إسماعيل هذا ليس بالمشهور ولم يوثقه غير ابن حبّان، ويحيى بن أيوب في حفظه شيء، والحديث مروي من طرق كثيرة عن عبيد الله دون هذه الزيادة.
وقال في كتاب «الأفراد»
(1)
: تفرد به إسماعيل بن مرزوق عن يحيى بن أيوب عنه. يعني عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. هذا آخر كلامه.
وإسماعيل هذا مُرادي مصري، كنيته أبو يزيد، روى عنه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم.
ويحيى بن أيوب احتج به مسلم واستشهد به البخاري.
قال ابن القيم رحمه الله: قالوا: وقد قال البخاري
(2)
: أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر.
وقال أيوب السختياني: كانت لمالك حلقة في حياة نافع
(3)
.
وقال ابن المديني: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يقدِّم على مالك أحدًا
(4)
.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين: مالك أحب إليك في نافع، أو عبيد الله بن عمر؟ قال: مالك، قلتُ: فأيوب السختياني؟ قال: مالك
(5)
.
(1)
كما في «أطرافه» لابن طاهر (1/ 582).
(2)
أسنده عنه الحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص 235)، والخطيب في «الكفاية» (2/ 460 - 461)، والمؤلف صادر عن «معرفة السنن» (14/ 396) هنا وفي النقول الآتية.
(3)
أسنده البيهقي في «الكبرى» (10/ 279)، وابن عبد البر في «التمهيد» (1/ 64).
(4)
أسنده يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (2/ 138)، والبيهقي (10/ 279).
(5)
أسنده البيهقي (10/ 279) من طريق أبي الحسن العَنَزي الطرائفي ــ وهو صدوق ــ عن الدارمي. ويخالفه ما رواه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/ 327) عن يعقوب بن إسحاق الهروي قال: أخبرنا عثمان بن سعيد الدارمي قال: قلت ليحيى بن معين: مالك أحب إليك عن نافع أو عبيد الله؟ فقال: كلاهما، ولم يفضّل. وكذا رواه زكريا بن أحمد البلخي عن الدارمي في «تاريخ ابن معين» (ص 151).
هذا ما يتعلق برواية عثمان الدارمي عن ابن معين، وإلا فقد ثبت عند ابن أبي حاتم (1/ 16) من رواية أبي بكر بن أبي خيثمة وإسحاق بن منصور عن ابن معين أنه جعل مالكًا أثبت في نافع من أيوب وعبيد الله.
وقال الإمام أحمد ويحيى بن معين: كان مالك من أثبت الناس في حديثه
(1)
.
قال الشافعي
(2)
لمناظره في المسألة ــ وقد احتج عليه بحديث أبي هريرة في الاستسعاء ــ: وعلينا أن نصير إلى أثبت الحديثين؟ قال: نعم، قلت: فمع حديث نافع حديثُ عمران بن حصين بإبطال الاستسعاء. فقال بعضهم نناظرك في قولنا وقولك. فقلت: أوَ للمناظرة موضع مع ثبوت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بِطَرْح الاستسعاء في حديث نافع وعمران؟ قال: إنا نقول: إن أيوب قال: إنما قال نافع: «فقد عتق منه ما عتق» وربما لم يقله، وأكبر ظني أنه شيء كان يقوله نافع برأيه. فذكر ما تقدم من حفظ مالك وترجيح حديثه على أيوب.
قال أصحاب السعاية: مالك ومن معه رووا الحديث كما سمعوه، ولا ريب أن نافعًا كان يذكر هذه الزيادة متصلةً بالحديث، فأداه أصحابه كما سمعوه يذكرها.
(1)
أسنده البيهقي (10/ 279).
(2)
في «اختلاف الحديث» (10/ 304 - 305)، والمؤلف صادر عن «معرفة السنن» (14/ 395).
وأما أيوب فاطلع على زيادة علمٍ لم يذكروها ولا نفوها، وإنما أدَّوا لفظ نافع كما سمعوه يسوق الحديث سياقة واحدة فأدوا ما حفظوه، وأيوب اطلع على تفصيلٍ وتمييزٍ في الحديث، فكلهم صادق في روايته، والحكم لمن فصّل وميّز. وهذا الشك منه هو عين الحفظ، فإنه سمع كما سمعه الجماعة وفصّل الزيادة وميّزها، فقال:«أكبر ظني أنه شيء كان يقوله نافع برأيه» ، وسمعه مرة أو مرارًا يذكره متصلًا بالحديث، فشك هل هو من قوله أو من قول النبي صلى الله عليه وسلم؟
وإنما يفيد تقديمُ عبيد الله ومالك عليه في الحفظ أن لو خالفهم، فإذا أدّى ما أدَّوه وروى ما رووه بعينه واطلع على زيادة لم يذكروها، كان الأخذ بروايته أولى، لأنهم لم يقولوا: قال نافع: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وإلا فقد عتق منه ما عتق» ، وإنما أدرجوها في الحديث إدراجًا كما سمعوه، وفصل أيوب هذا الإدراج فحفظ شيئًا لم يحفظوه.
قالوا: وعلى تقدير الجزم بأنها من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا تُناقِض حديث الاستسعاء، فإنّ قوله:«وإلا فقد عتق منه ما عتق» معناه: وإن لم يكن لمعتق البعض مال يبلغ ثمن باقيه عَتَق من العبد بإعتاقه القدرُ الذي أعتقه. وأما الجزء الباقي فمسكوت عنه ولم يذكر حكمه، فجاء بيان ذكر حكمه في حديث أبي هريرة، فتضمَّن حديث أبي هريرة ما في منطوق حديث ابن عمر وزيادة بيان ما سكت عنه، ولا تنافي بين الحديثين.
وهذا ظاهر على أحد القولين، لأن باب السعاية أنه لا يَعتِق جميعه بعتق الشريك، وإنما يعتق بعد الأداء بالسعاية بخلاف الجزء الذي قد أعتقه، فإنه قد تنجّز عتقُه، وعِتقُ الجزء الآخر منتظَر موقوف على أداء ما استسعي عليه
كالكتابة. ومعلوم أن قوله: «وإلا فقد عتق منه ما عتق» لا ينافي عتقه بالسعاية على هذا الوجه.
فغاية حديث ابن عمر أن يدل بمفهومه، فإن قوله:«عتق ما عتق» منطوقه وقوع العتق في الجزء المباشَر به، ومفهومه انتفاء هذا العتق عن الجزء الآخر، والمفهوم قد يكون فيه تفصيل، فيعتق في حال ولا يعتق في حال. وكذا يقول أصحاب السعاية في أحد قولَيهم
(1)
: يعتق بأداء السعاية ولا يتنجَّز عتقه قبلها.
قالوا: وعلى هذا فقد وفَينا جميع الأحاديث مقتضاها، وعملنا بها كلها، ولم نترك بعضها لبعض.
قالوا: وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى امتناع الشركة بين الله وعبده في رقبة المملوك بقوله: «ليس لله شريك»
(2)
، وهذا تعليل لتكميل الحرية، ولهذا أخرج الجزء المملوك عن مالكه قهرًا إذا كان الشريك المُعتِق موسِرًا، لرغبته في تكميل الحرية المنافية للشركة بين الله وعبده في رقبة المملوك. فإيجاب السعاية على العبد لتكميل حريته إذا كان قادرًا عليها أولى، لأن الشارع إذا أوجب على غير مالكه أن يَستفِكَّ بقيّتَه مِن الرق الذي هو أثر الكفر، فلأن يوجِب على العبد أن يستفكّ بقية رقبته مع كسبه وقدرته [ق 215] على تخليص نفسه أولى وأحرى.
وهذا في غاية الوضوح، وهو شبه الأسير إذا قَدَر على تخليص نفسه