الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد رُوي: «الأول فالأول» ، ورُوي:«الأَولى فالأَولى» بفتح الهمزة
(1)
، أي الأقرب فالأقرب، وهو أولى، وبه يتبين معنى الحديث. وأصل الحجز: المنع، ومنه الحاجز بين الشيئين، و «ينحجزوا» مطاوع حجزته فانحجز، وهو يدل على حاجز بينهم، وهو عفوُ مَن له الدم، فإنه إذا عفا وجب عليهم أن ينحجزوا، لأن صاحب الدم قد عفا، وهذا العفو [عن]
(2)
الحق يستحقه الأولى فالأولى من المقتول وإن كان امرأةً، فإذا عفت وهي أولى بالمقتول فقد حجز عفوُها بينهم، ولا يجوز للرجال الأباعد بعد ذلك الطلب بدمه، وقد عفا عنه الأولى منهم.
فقد اتضح بحمد الله وجهه، وأسفر صبحُ معناه. وعلى هذا فيكون «الأولى فالأولى» فاعلُ فعلٍ دلَّ عليه المذكور، أي يحجز بينهم الأولى فالأولى، وإن كان امرأةً. وترجمة أبي داود تشعر بهذا، والله أعلم.
5 -
باب الدية كم هي
542/ 4379 - وعن خِشْف بن مالك الطائي، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في دِيَةِ الخطأ عشرون حِقَّة، وعشرون جَذَعة، وعشرون بنت مخاض، وعشرون ابنةَ لبون، وعشرون بني مخاض ذكر» .
وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه
(3)
، وقال الترمذي: لا نعرفه مرفوعًا
(1)
هكذا أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (2/ 492)، وعلّقه البخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 118) عن حصن به.
(2)
زيادة لازمة ليستقيم الكلام.
(3)
أبو داود (4545)، والترمذي (1386)، والنسائي في «المجتبى» (4802) و «الكبرى» (6977)، وابن ماجه (2631)، كلهم من طريق الحجاج بن أرطاة، عن زيد بن جُبير، عن خشف به. قال النسائي: الحجاج بن أرطاة ضعيف لا يُحتج به.
إلا من هذا الوجه، وقد رُوي عن عبد الله موقوفًا.
وقال أبو بكر البزار
(1)
: وهذا الحديث لا نعلمه روي عن عبد الله مرفوعًا إلا بهذا الإسناد. هذا آخر كلامه.
وذكر الخطابي
(2)
: أن خشف بن مالك مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث.
وعدل الشافعي عن القول به لما ذكرنا من العلة في راويه، ولأن فيه بني مخاض، ولا مدخل لبني مخاض في شيء من أسنان الصدقات؛ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة القسامة أنه ودَى قتيل خيبر بمائة من إبل الصدقة
(3)
، وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض.
وقال الدارقطني
(4)
: «هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث» ، وبسط الكلام في ذلك وقال:«لا نعلمه رواه إلا خِشف بن مالك عن ابن مسعود، وهو رجل مجهول لم يروِ عنه إلا زيد بن جبير» .
ثم قال: «لا نعلم أحدًا رواه عن زيد بن جبير إلا حجاج بن أرطاة، والحجاج فرجل مشهور بالتدليس وبأنه يحدث عمن لم يَلْقَه ولم يسمع منه» ، ثم ذكر أنه قد اختلف فيه على الحجاج بن أرطاة.
وقال البيهقي
(5)
: وخِشف بن مالك مجهول، واختلف فيه على الحجاج بن
(1)
عقب الحديث (1922).
(2)
«معالم السنن» (6/ 346).
(3)
سبق في «باب ترك القَوَد بالقسامة» .
(4)
عقب الحديث (3364) وما بعده.
(5)
«معرفة السنن» (12/ 104).
أرطاة، والحجاج غير محتج به. والله أعلم.
وقال المَوْصِلي
(1)
: خِشف بن مالك ليس بذاك، وذكر له هذا الحديث.
قال ابن القيم رحمه الله: وهذا الحديث قد رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «في الخطأ أخماسًا: عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنت مخاض، وعشرون بني مخاض» . ذكره البيهقي
(2)
.
قال: وكذلك رواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله
(3)
، وعن منصور عن إبراهيم عن عبد الله
(4)
.
وكذلك رواه أبو مجلز عن أبي عبيدة عن عبد الله
(5)
.
(1)
هو ابن عمّار (ت 242)، له مؤلف في «العلل ومعرفة الرجال» لم يصلنا.
(2)
في «المعرفة» (12/ 102 - 104)، والنقل الآتي كله منه.
(3)
أخرجه وكيع في «مصنفه» ــ كما في «سنن البيهقي» (8/ 74) ــ، وعنه ابن أبي شيبة (27285). وأخرجه الدارقطني (3363) من طريق وكيع عن سفيان به، لكن فيه «بني لبون» مكان «بني مخاض» ، فغلّط البيهقي رواية الدارقطني واعتبرها وهمًا منه، ثم ذكر أنه رآه في كتاب ابن خزيمة أيضًا:«بني لبون» ، فقال الحافظ:«فانتفى أن يكون الدارقطني غيّره، فلعل الخلاف فيه مِن فوق» . «التلخيص» (4/ 21 - 22).
(4)
أخرجه وكيع في «مصنفه» ، وعنه ابن أبي شيبة (27286). وأخرجه الدارقطني (3365) بالخلاف السابق في لفظه.
(5)
أخرجه الكوسج في «مسائله» (2/ 214) عن الإمام أحمد بإسناده، والبيهقي في «السنن الكبرى» (8/ 75).
وأخرجه الطبري في «تفسيره» (7/ 324)، والدارقطني (3361، 3362)، إلا أن فيه:«بنو لبون» بدل «بنو مخاض» .
قال البيهقي: فهذا الذي قاله عبد الله بن مسعود في السن أقل مما حكاه الشافعي عن بعض التابعين، واسم الإبل يقع عليه، وهو قول صحابي فقيه، فهو أولى بالاتباع.
قال: ومن رغب عنه احتج بحديث سهل بن أبي حثمة في القسامة: «فوداه النبي صلى الله عليه وسلم بمائة من إبل الصدقة» ، وليس لبني المخاض مدخل في فرائض الصدقات.
قال: وحديث القسامة وإن كان في قتل العمد، ونحن نتكلم في دية الخطأ، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يثبت ذلك القتل عليهم وداه بدية الخطأ متبرعًا بذلك.
وعلَّل حديث ابن مسعود بأنه منقطع، لأن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة. قال يعقوب بن سفيان
(1)
: حدثنا بندار، حدثنا أمية بن خالد، حدثنا شعبة قال: كنت عند أبي إسحاق الهمداني فقيل له: إن شعبة يقول: إنك لم تسمع من علقمة شيئًا؟ فقال: صدق.
وأما أبو عبيدة فلم يسمع من أبيه، قال شعبة عن عمرو بن مُرَّة: سألت أبا عبيدة تحفظ من أبيك شيئًا؟ قال لا
(2)
.
ثم ذكر تعليل حديث خِشْف بن مالك المرفوع.
(1)
في «المعرفة والتأريخ» (2/ 109، 562)، ومن طريقه أسنده البيهقي في «معرفة السنن» (12/ 103).
(2)
أسنده أحمد في «العلل» لابنه (456)، والبيهقي من طريقين عن شعبة.
ومراد البيهقي بقولِ
(1)
: «إن ما في حديث ابن مسعود أقل مما حكاه الشافعي عن بعض التابعين، والأخذ به أولى» = أن الشافعي قال في رواية الربيع
(2)
(3)
، ففي ذلك دليل على أن دية الخطأ الذي لا يخلطه عمد مخالِفة لهذه الدية، وقد اختلف الناس فيها، فأُلزِمُ القاتلَ مائةً من الإبل بالسُّنَّة، ثم ما لم يختلفوا فيه، فلا ألزمه من أسنان الإبل إلا أقلَّ ما قالوا يلزمه، لأن اسم الإبل يلزم الصغار والكبار، فدية الخطأ أخماس: عشرون ابنة مخاض، [ق 230] وعشرون ابنة لبون، وعشرون بني لبون ذكور، وعشرون حِقَّة، وعشرون جَذَعة.
أخبرنا مالك
(4)
عن ابن شهاب وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وبلغه عن سليمان بن يسار، أنهم كانوا يقولون ذلك».
فهذا الذي ألزمه البيهقي لأجله أن يقول بما قاله ابن مسعود= لوجهين، أحدهما: أنه أقل مما قاله هؤلاء، والثاني: أنه قول صحابي من فقهاء
(1)
كذا في الأصل، وهو صحيح، أي: بقولِ هذا المقال.
(2)
«الأم» (7/ 278).
(3)
أخرجه أحمد (4583، 6533، 15388)، وأبو داود (4588)، والنسائي (4791 - 4800)، وابن حبان (6011)، على أوجه مختلفة في إسناده، واختلف أئمة العلل في الأصح منها، على أن الحديث قد قواه ابن خزيمة في قصة له مع المزني، وصححه ابن حبان وابن القطان وقال:«ولا يضره الخلاف» . انظر: «العلل» لابن أبي حاتم (1389)، وللدارقطني (2874)، و «السنن الكبرى» للبيهقي (8/ 44 - 45)، و «بيان الوهم» (5/ 409 - 410)، و «البدر المنير» (8/ 355 - 360).
(4)
وهو في «الموطأ» (2467).
الصحابة، فالأخذ به أولى من قول التابعين.
وأما تعليله بما ذكر فضعيف، فإنه قد روي من وجوه متعددة عن ابن مسعود، إذا جُمِع بعضُها إلى بعض قوي مجموعُها على دفع العلة التي عُلِّل بها. وقد ثبت عن إبراهيم أنه قال: إذا قلتُ: قال عبد الله، فهو ما حدثني به جماعة عنه، وإذا قلت: حدثني فلان عن عبد الله، فهو الذي سميت
(1)
. وأبو عبيدة شديد العناية بحديث أبيه وفتاويه، وعنده من ذلك من العلم ما ليس عند غيره
(2)
. وأبو إسحاق وإن لم يسمع من علقمة، فإمامته وجلالته وعدم شهرته بالتدليس
(3)
تمنع أن يكون سمعه من غير ثقة فيعَدَّ إسقاطُه تدليسًا للحديث.
وبعد، ففي المسألة مذهبان آخران:
أحدهما: أنها خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنت لبون؛ أرباعًا. حكاه الشافعي
(4)
فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان، عن أبي إسحاق، [عن
(1)
أسنده ابن سعد في «الطبقات» (8/ 390)، والترمذي في «العلل الصغير» (1/ 277 - شرح ابن رجب)، ويعقوب بن سفيان في «المعرفة والتأريخ» (2/ 609) بإسناد صحيح إلى إبراهيم.
(2)
انظر: «شرح علل الترمذي» (1/ 298)، و «مجموع الفتاوى» (6/ 404).
(3)
وهذا لا يعني أنه لم يكن يدلس قط، بل كما قال البيهقي:«ربّما دلس» . «السنن الكبرى» (1/ 202). وانظر: «ذكر المدلسين» للنسائي (ص 122)، و «المجروحين» (1/ 86)، و «تعريف أهل التقديس» (المرتبة الثانية).
(4)
في «الأم» (8/ 444)، وعنه البيهقي في «المعرفة» (12/ 102). وأخرجه أبو داود (4553)، والدارقطني (3374) من طريقين آخرين عن سفيان به.