الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت قوله عليه السلام: «تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» إذاً تنزهوا من البول هذا شيء صغير رشاش من البول يصيب البدن أو الثياب، وهذا يقع فيه كثير من الناس وخاصة الذين ابتلوا بلباس البنطلون يا أبا عبد الله هذه مصيبة الدهر؛ لأنه هذا البنطلون لا يساعد على التنزه من البول هذه حقيقة، ولذلك كما قال أيضاً في الحديث الآخر وهو أصح من الأول رواه البخاري ومسلم في صيحيحهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:«أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبرين فقال: أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير» هنا الشاهد «بلى إنه كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول» وفي رواية: «لا يستتر من البول وأما الآخر فكان يسعى بالنميمة» ثم أمر عليه الصلاة والسلام أن يؤتى إليه بعذق من نخيل فشقه شقين ووضع على كل قبر شقاً فسألوه عن هذا فقال: «لعل الله أن يخفف عنهما ما داما رطبين» .
"الهدى والنور"(331/ 03: 16: 00).
[1536] باب هل وضع أغصان رطبة على
القبر يخفف عن الميت في القبر
؟
[قال الإمام]:
يظن كثير من الناس وقد تسمعون هذا الظن من بعض الخاصة من الناس، العادة الجاهلية اليوم وبخاصة في الأعياد من وضع الأغصان الرطبة على القبور زعماً منهم إنه هذا ينفع الميت، هيهات هيهات؛ لا ينفع الميت إلا ما قدم من عملٍ صالح، أو ما خلَّف من بعده من آثاره الصالحة، كما قال تعالى:{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} (يس:12)، وشرح ذلك الرسول عليه السلام في قوله:«إذا مات الإنسان» وفي رواية: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع
به أو ولد صالح يدعو له»، فإذا مات الميت ما أحد يستطيع أن يفيده إطلاقاً إلا عمله الصالح وإلا كما قلنا ما خلَّف من بعده من آثار لعمل له صالح كما تدل الآية والحديث، وإلا بإمكاننا أن نستثني استثناء آخر ويجب أن يظل هذا قائماً في أذهاننا وإلا دعاء يدعو به المسلم لمسلم ميت فيستجيب الله لهذا الدعاء فينتفع به ذلك الميت، ولكن هذا أمر غيبي لا يجوز لنا أن نتكل عليه لا في حياتنا ولا بعد وفاتنا بمعنى: أن نؤمل أننا إذا متنا أن يمر بنا رجل صالح فيدعو لنا فيغفر الله لنا هذا في عالم الغيب، ولذلك المثل يقول: عصفور في اليد ولا عشرة في الشجرة، فإذاً:{وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة:94)، فهذا الغصن الرطب الندي لا يفيد الميت إطلاقاً، أما ما فعله الرسول عليه السلام فهذه معجزة وكرامة من الله كما جاء في رواية في صحيح مسلم من حديث جابر أن الله عز وجل قبل شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المقبور ما دام الغصن رطباً.
فإذاً: علة انتفاع الميت الذي وضع الرسول عليه الصلاة والسلام الغصن على قبره ليس هو الرطوبة والنداوة الموجودة بالغصن، وإنما العلة هو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا وقبل الله منه دعاءه بحق الميت، ولكن ليس إلى يوم يبعثون، وإنما ما دام الغصن رطباً فإذاً هذا هو معنى الحديث ونستفيد منه أن الشيء الذي لا يهتم به المسلم مثل استغابة أخيه المسلم في المجلس، أو عدم الاهتمام بالتنزه من رشاش البول فذلك من الأسباب الموجبة لعذاب القبر، ونسأل الله عز وجل أن يعيذنا وإياكم من عذاب القبر.
"الهدى والنور"(331/ 03: 16: 00).