الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والله تبارك وتعالى سهل لكل أمة لأخذ بأسباب الحياة من الرزق وطول العمر وغير ذلك ولم يخصها بقوم دون قوم، ولذلك نجد كثيراً من الأمم التي كانت متأخرة في مضمار الرقي أصبحت في مقدمة الأمم رقياً وثروةً كاليابان، وغيرها، فليس من المعقول أن يحكم الشارع الحكيم على أمة كالزنج بالفقر ويطبعهم بطابع قصر العمر، مع أنهم بشر مثلنا وهو يقول:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم} .
وقصر العمر وقلة الرزق ليسا من التقوى في شيء كما يشير إلى ذلك الحديثان المذكوران، بل إنهما ليصرحان أن خلافهما وهما الغنى وطول العمر من ثمار التقوى، فإذن أي أمة أخذت بأسباب طول العمر وسعة الرزق لاسيما إذا كانت من النوع الشرعي فلا شك أن الله تبارك وتعالى يبارك لها في عمرها ورزقها، لا فرق في ذلك بين أمة وأمة، للآية السابقة:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} .
وخلاصة القول: إن هذا الحديث موضوع متناً لعدم اتفاقه مع القواعد الشرعية العادلة التي لا تفرق بين أمة وأمة أو قوم وقوم. ولذلك ما كنت أو د للسيوطي أن يورده في " الجامع الصغير " وإن كان ليس في إسناده من هو معروف بالكذب أو الوضع، ما دام أن الحديث يحمل في طياته ما يشهد أنه موضوع والله أعلم.
"الضعيفة"(2/ 155 - 156).
[1775] باب منه
السؤال: بالنسبة لإطالة العمر .. ، هل يعني يطول عمر الإنسان إذا كان وصل الرحم
…
الشيخ: .. سؤالك مفهوم لكن هو خطأ؛ لأنه ما دام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يطيل العمر، فلماذا معنى السؤال: هل يطيل العمر؟
مداخلة:
…
الشيخ: أنا قلت لك سلفاً فلا تستعجل علي، قلت قصدك مفهوم، لكن السؤال خطأ، لو قلت مثلاً: سمعنا من بعض الناس أو بعض العلماء وبعض المشايخ أنهم يفسرون طول العمر هنا بغير ما يدل عليه ظاهر الحديث، كان أليق وآدب بالنسبة لكلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الصريح، لا سيما وهناك حديث آخر وهو منه أشهر وأصح، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«من أحب أن ينسأ له في أجله، ويوسع له في رزقه؛ فليصل رحمه» ، من عجائب التأويلات التي لا يكاد ينقضي عجبي صدور ذلك من بعض أهل العلم، تأويلهم لهذا الحديث والذي قبله؛ لأنهم يقولون: ليس المقصود إطالة العمر حقيقة، وإنما المقصود المباركة في عمر هذا الإنسان، ولماذا يتأولون هذا التأويل؟ يتأولون هذا التأويل بحجة هي قائمة على تأويلهم؛ ذلك لأنهم يقولون: لأن العمر محدود، والرزق مقسوم، وهذا مصرح في الأحاديث التي فيها أن الجنين قبل أن ينفخ فيه الروح ويأتي الملك ينفخ فيه الروح يسأل ربه عن سعادته وشقاوته، وأجله ورزقه، فيكتب، يقول: فإذاً العمر محدود، والرزق مقسوم، فكيف يقال: إن العمر يطول والرزق يتوسع، يوسع عليه، لذلك تأولوه بذلك التأويل.
وموضع تعجبي هو أنه لا يمكن لمسلم أن يقول فيه ما تأولوه به إلا ما يقوله فيما تأولوه.
أي: البركة نفسها هي أيضاً محدودة ومقسومة معلقة في اللوح المحفوظ لا تتغير ولا تتبدل، فما هي الفائدة من قولنا أن المقصود هو البركة في العمر، والبركة في الرزق، والبركة في الرزق والعمر هذه حقيقة، وكثيراً من الناس كما تعلمون يأتيهم الرزق الواسع ولكن ما بين عشية وضحاها يصبحوا صفر اليدين.
صحيح هذه قضية البركة، لكن نقول: لماذا تأويل طول العمر وسعة الرزق بالبركة، والبركة أيضاً محددة، أيضاً لم نستفد شيئًا من هذا التأويل فراراً من الإشكال الذي أوردوه على أنفسهم، أي في تأويلهم وهكذا يقال لهم: مكانك راوح
…
لا نتقدم إطلاقاً.
فما الجواب الصحيح؟
الجواب الصحيح هو ما جاء في الحديث صراحة، أي: الرزق يوسع على صاحبه بالخلق الحسن، والواصل لأقاربه، وعمره يطول، وكيف ذلك والعمر محدد؟
الجواب بسيط جداً لو كنتم تعلمون جواب السعادة والشقاوة، السعادة والشقاوة أليست محددة أيضاً؟
طبعاً، قد قيل للرسول صلى الله عليه وآله وسلم:«أعمالنا هذه عن سابق؟ عن قدر ماضٍ أم الأمر أنف؟ قال: لا، بل عن قدر ماض. قالوا له: ففيم العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، ومن كان من أهل الجنة فسيعمل بعمل أهل الجنة، ومن كان من أهل النار فسيعمل بعمل أهل النار، وتلا قوله تبارك وتعالى:: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (الليل: 5 - 10)» (1) ما معنى الحديث والآية؟
(1)"البخاري"(رقم 4661) وكرره مراراً، ولفظه عن علي رضي الله عنه: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بقيع الغرقد في جنازة فقال: {ما منكم إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعدة من النار} فقالوا يا رسول الله أفلا نتكلم؟ فقال: اعملوا فكل ميسر، ثم قرأ:{فأما من أعطى واتقي .. } ، وأخرجه "مسلم"(رقم 6901).
معنى الحديث والآية أن السعادة والشقاوة كل منهما مرتبط في علم الله عز وجل، والذي سجل في اللوح المحفوظ العمل الصالح مع السعادة، والعمل الطالح مع الشقاوة.
إذا عرفنا أن السعادة مرتبطة بالعمل الصالح، والشقاوة مرتبطة أيضاً بالعمل الطالح، وعرفنا أن كلاً من العمل الصالح والعمل الطالح سببان محققان للسعادة أو الشقاوة، هذه حقيقة لا خلاف فيها بين المسلمين أبداً.
إذاً: إذا كان العمل الصالح هو سبب السعادة، والعمل الطالح سبب الشقاوة فصلة الرحم وحسن الخلق سبب في طول العمر والسعة في الرزق، أي: أن الحديثين السابقين ذكراً وهما: «حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويطيلان في الأعمار» والحديث الآخر: «من أحب أن ينسأ له في أجله ويوسع له في رزقه فليصل رحمه» يتحدثان في دائرة الأسباب، ما سبب السعادة؟ سبق، العمل الصالح. وما سبب الشقاوة؟ العمل الطالح.
…
الحديثان يتحدثان عن سبب سعة الرزق وطيلة العمر، قال: حسن الجوار وصلة الأرحام.
فنحن لا ندري ما الذي كتب على الإنسان أسعادة أم شقاوة؟! لكن العمل هو الذي يدرينا، ولذلك جاء في الحديث الصحيح أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«كيف بي أن أعلم أنني أنا مسلم أو مؤمن أو محسن؟ قال: سل جيرانك فإن أحسنوا الثناء عليك فأنت مسلم، وإن أساءوا الثناء عليك فأنت غير مسلم» (1) أو كما قال عليه السلام.
إذاً: الأعمال هي مرتبطة مع القدر الغائب عنا، ولذلك قال تعالى في الآية
(1)"صحيح الجامع"(رقم 277)" الصحيحة"(3/ 317).
السابقة: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} أي: الجنة. {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5 - 10]، وكما أن رجلاً لا أقول مسلماً، وكما أن رجلاً عاقلاً لا يستطيع أن يقول: أنا أترك أسباب الصحة، وأترك أسباب القوة والسعادة الدنيوية بحجة أنه إن كان الله مقدر لي الصحة والسعادة الدنيوية ستأتيني هذه السعادة ولو أنا ما اتخذت سبب من الأسباب، لا أحد يقول بهذا.
والآن تجد الناس الأشقياء الفاسدين سلوكاً وأخلاقاً يأخذون بأسباب السعادة الدنيوية والصحة البدنية؛ لأنهم يعلمون يقيناً أن هذه الصحة لا بد لها من اتخاذ الأسباب، كذلك يقال تماماً بالنسبة للسعادة الأخروية، إذا المسلم يريد أن يكون سعيداً فعلاً فعليه أن يضع نصب عينيه الآية السابقة:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5 - 10].
إذاً: الحديث الأول والثاني على ظاهرهما تماماً.
«من أحب أن ينسأ له في أجله ويوسع له في رزقه فليصل رحمه» أي: صلة الرحم سبب شرعي لسعة الرزق وطول العمر، لكن النتيجة مخبأة عنا وغير معلومة لدينا كالسعادة والشقاوة تماماً، لكن كما أن السعادة والشقاوة لها أسباب، كذلك طول العمر وسعة الرزق لها أسباب، لا فرق بين هذه الأسباب وبين تلك الأسباب، ويكفي في إثبات أثر السببية في السعادة الأخروية أن نتذكر قول الله تبارك وتعالى:{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل:32) هذه الباء هنا سببية، يعني: بسبب عملكم الصالح وأعظم الأعمال الصالحة هي الإيمان كما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأله رجل قال: عن أفضل الأعمال؟ قال: الإيمان