الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَحدها: - وهو أَشْهَرُها؛ قاله النَّضْر بن شُمَيْل والأئِمَّة بعْدَهُ - أَن معناه: والشر لا يُتَقَرّبُ {بِهِ} إٍلَيْكَ.
والثاني: لا يَصْعَدُ إليْك، إنما يصْعدُ الكَلِمُ الطّيّبُ.
والثالث: لا يُضاف إِلَيْك أَدباً، فلا يُقال: يا خالِق الشرِّ، وإِن كان خالقه، كما لا يقال: يا خالِق الخنازير، وإِن كان خالِقها.
والرابع: ليس شراً بالنِّسبة إِلى حكْمَتكَ، فإنك لا تَخْلُقُ شَيْئاً عبثاً".
"تحقيق الكلم الطيب"(ص 100).
[1767] باب منه والكلام على بطلان مذهبي القدرية والجبرية
سؤال: ما أدري يا شيخ كيف التوفيق يا شيخ بين حديث: «أركان الإيمان ستة: الإيمان بالقدر خيره وشره» ، وبين قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:«والشر ليس إليك» ، كيف يفهم هذا الشر يا شيخ؟
الشيخ: نسبي، الشر بالنسبة إلينا لا بالنسبة لربنا؛ لأن أفعال الله عز وجل كلها خير، ويمكن تقريب المسألة بمثال مع التذكير بأن لله المثل الأعلى هذا أولاً، وثانياً: التذكير بمبدأ قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11)، فتقدير الله عز وجل هو خلق وتصرف منه عز وجل، يتوافق تماماً مع كل الصفات التي منها: القدرة والإرادة والعدالة والحكمة، فحينما نحن نرى شراً يقع، فهذا كما قال:{ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (الأنعام:96).
فالمثال الذي أريد أن أقرب به هذه المسألة الإيمانية: إذا رأيت طبيباً يقطع
عضواً من مريضٍ ما فلا شك أنك تستنكر عمله إذا كنت لا تعرف أن هذا الطبيب أولاً ماهر في طبابته، وثانياً: عادل في تنفيذه لطبه، كذلك إذا رأيت حاكماً يضرب إنساناً أو يجلده، فستقول: بأن هذا شر، لكن إذا عرفت أنه يضربه بحق انقلب المفهوم السابق الذي كان في ذهنك وهو أنه شر إلى أنه ليس بشر، وهذا نحن بين بعضنا البعض فما بالك بالنسبة للخالق الذي لا يقاس به شيء إطلاقاً؟!
ولذلك فنحن نقول في موضوع القضاء والقدر: الأصل فيه الإيمان الصادق الصحيح، وحينما يجري نقاش بين المعتزلة والجبرية، حيث إن كلاً من الفريقين يقف بعيداً جداً عن الآخر، وكلاهما على طرفي نقيض؛ لأنهم يحكمون عقولهم دون أن يلاحظوا دون ما ذكرت آنفاً من أن الله عز وجل لا يضرب له الأمثال، وأنه تبارك وتعالى ليس كمثله شيء، فالمعتزلة يلتقون مع الجبرية في رأي واحد، لكن الفرق بين الفريقين: أن المعتزلة حينما يعملون عقلهم في ذلك الرأي يجدونه لا يلتقي مع العدالة الإلهية، فيفرون منه، أما الجبرية فيستقرون عليه ويطمئنون إليه، ما هو؟
إذا قيل: بأن الإنسان مقدر عليه كل عمل يأتيه، سواء كان خيراً أو شراً، التقى الفريقان: أن هذا يعني أنه جبر للإنسان على أن يفعل الخير أو الشر، فالتقيا في هذا كلاهما، لكن المعتزلة فروا قالوا: لو كان الأمر كذلك لم يبق هناك حكمة لله عز وجل أولاً في أن يأمر بالخير وينهى عن الشر، وثانياً: أن يجزي على الخير خيراً وعلى الشر شراً، أن يجزي على الخير جنة وعلى الشر ناراً، يقول المعتزلة: التقدير مع التكليف لا يلتقيان، إذاً فروا إلى قولهم: لا قدر، الجبرية ظلوا على رأيهم: أن معنى كون لله عز وجل قدر على الإنسان الخير أو الشر أنه مجبور، وظلوا عليه.
فأخذ كلاً من الفريقين يرد الباطل الذي في كل منهما: الباطل في المعتزلة
إنكارهم للقدر، الباطل في الجبرية تشبثهم بالقدر وإثبات الجبر، وهو إيمان باطل؛ ولذلك الأمر كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يؤخذ الصواب من كل من الفريقين ويترك لهم الضلال، يؤخذ من الجبرية إيمانهم بالقدر؛ لأنه حق، ويترك لهم القول بالجبر؛ لأنه باطل، ويؤخذ من المعتزلة قولهم: أن الجبر باطل، وينكر عليهم إنكارهم للقضاء والقدر.
فالشاهد: فكل من الفريقين تمسك بحق ورد باطلاً؛ والسبب: أنهم أرادوا أن يعقدوا هذه الصفة الإلهية التقدير الإلهي: وكل شيء بقدر، ما قال عليه السلام:«كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس» (1)، أرادوا أن يفهموا التصرف الإلهي بعقولهم المحدودة فوقعوا في الضلال، أولئك أنكروا القدر؛ لأنهم لم يستطيعوا أن يوفقوا بين الإيمان بالقدر وبين الإيمان بأن الإنسان مختار، وهؤلاء أنكروا اختيار الإنسان؛ لأنهم لم يستطيعوا أن يوفقوا بين اختيار الإنسان وبين القدر الإلهي.
فلذلك القصد من هذا الكلام: أن المؤمن يستعمل عقله وفكره إلى حد، وبخاصة فيما يتعلق بالصفات الإلهية، ومن ذلك القدر، فهو لا يستطيع أن يحل مشكلة القدر أو بالمعنى الصحيح: عقيدة القدر، بحيث أنه يفهمه ويخضعه لعقله، لا بد من إجمال، ولا بد من التسليم.
فالاختيار الذي أنكره الجبرية هذا إنكار للأمور البدهية، وكما أقول أنا في مثل هذا البحث، أنا الآن أتكلم معكم: من الذي يشك بأني أتكلم مختاراً؟ وإذا عاند أحدهم وقال لي: أنت تتكلم غير مختار، أصمت، إذن أنا أتكلم باختياري
(1)"صحيح الجامع"(رقم 8660)" الصحيحة"(2/ 542).
وأصمت باختياري هذه مكابرة وجحد للحقائق البدهية، لماذا ينكرون هذه الحقائق البدهية؟
يا أخي مكتوب هذا مسجل، نعم مسجل ولا شك ولا ريب، ومسجل بعلم وعدل وحكمة.
وأنا أضرب مثلاً لقتل الخطأ وقتل العمد، فهذا القتل وذاك كلاهما مقدر مكتوب في اللوح المحفوظ ولا شك، ولا يقبل تأويلاً ولا تحويلاً، ولكن كيف كتب؟ كيف قدر؟
حينما نقول: قتل العمد وقتل الخطأ بلا شك نذكر مع قتل الخطأ عدم وجود الإرادة البشرية، قتل ولكنه ما أراد القتل، أما قتل العمد كما يقولون اليوم في لغة القانون: قتل عن سابق عزم وتصميم وتخطيط، فأنا أضرب مثلاً لهذين النوعين من القتل: رجل خطط لقتل رجل من ذويه على رأس الجبل، ووضع الخطة الدقيقة للغدر به وقتله، فصعد الجبل في ليلة لا قمر فيها -كما يقال- فقتله، آخر صعد الجبل لأمر ما للنزهة، فزلت به القدم، وهناك شخص فصدمه فانقلب يتدحرج حتى وصل قتيلاً إلى سفح الجبل، ذاك قاتل وهذا قاتل، فمن الذي يقول هذا كهذا؟! كلاهما مقدر.
إذاً: يجب أن نفكر أن القدر الإلهي كما ألمحت في أول كلامي مقرون بالصفات الإلهية الأخرى، منها العلم ومنها الحكمة، فإذا انكشف الغطاء لنا وكنا من قبل لا نعلم شيئاً عن صفة هذين القتلين، لكن بعد أن وقعت الواقعة عرفنا أن الأول قتل عن سابق علم وتصميم وتخطيط، أما الآخر فزلت به القدم صدم شخصاً فانقلب هذا الشخص يتدحرج ميتاً، انكشف الأمر أن القتل الأول عمد