الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}.
وأما تأويلها، بل تعطيلها - كما فعل غلام أحمد القادياني الذي كان ادعى النبوة - بأن المراد بالدجال: الديانة المسيحية الباطلة، أو المبشَّرون بها - كما في كثير من كتبه، ومنها "إعجاز المسيح"(ص 27 - 30) -؛ فذلك واضح البطلان، لا يحتاج إلى بيان.
"أصل صفة الصلاة"(3/ 1005).
[1605] باب تواتر أحاديث المهدي
والرد على من أنكر عقيدة المهدي
[قال الإمام تحت عنوان]:
حول المهدي (1)
كتب بعض القراء الأفاضل إلى هذه المجلة [أي مجلة التمدن] يقول:
«قرأت في الأجزاء (8، 9، 10) بحثاً قيماً عن المهدي كتبه الأستاذ ناصر الدين الألباني في باب "الأحاديث الضعيفة والموضوعة" وقد كنا قررنا واعتقدنا قبلاً ما كتبه الأستاذ الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره "المنار"(9 - 499 - 504) وكذلك ما كتبه الأستاذ محمد عبد الله السمان في كتابه "الإسلام المصفى" وإنني متيقن بأن الأستاذ ناصر الدين له علم بما كتباه، فلذلك أرجو الأستاذ أن يطالع ما كتباه مرة ثانية، ويكتب في المهدي مقالاً ضافياً فإن فيما كتباه ما يخالف
(1) مقال نشره الألباني في {مجلة التمدن الإسلامي)) (22/ 642 - 646)، بواسطة"مقالات الألباني". [منه]
ما كتبه الأستاذ ناصر الدين تمام المخالفة (1).
أقول في الجواب عن ذلك:
نعم لقد كنت على علم بما كتبه الشيخ رشيد رحمه الله وكذا بما كتبه الأستاذ السمان في كتابه الذي أسماه "الإسلام المصفى"! وأنا أجزم بخطأ ما كتباه في هذه المسألة لا سيما الأخير فإنه لا علم عنده، ولذلك أَنْكَر مسائل أخرى هي أقوى ثبوتاً من هذه المسألة، مثل: خروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، وشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة، فإن هذه المسائل الثلاث أدلة ثبوتها مقطوع بها لورود الأحاديث المتواترة بتأييدها، ومع ذلك لم يتورع حضرة الأستاذ السمان من إنكارها! وقد سبقه إلى شيء من ذلك السيد رشيد رحمه الله فإنه طعن في أحاديث الدجال، ونزول عيسى عليه السلام، مع أنها أحاديث صحيحة متواترة، كما صرح بذلك علماء هذا الشأن كالحافظ ابن حجر وغيره، ولا مجال الآن لبيان ذلك فإلى مناسبة أخرى - إن شاء الله تعالى -.
أما مسألة المهدي فليعلم أن في خروجه أحاديث كثيرة صحيحة، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة، وأنا مورد هنا أمثلة منها ثم معقب ذلك بدفع شبهة الذين طعنوا فيها فأقول:
الحديث الأول: حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً:
(1) التمدن الإسلامي: نشرنا في الجزأين 35 و36 من المجلد 16 كلمة للعلامة الأستاذ محمد الخضر حسين (شيخ الأزهر السابق) بعنوان نظرة في أحاديث المهدي ختمها بقوله: والخلاصة أن في أحاديث المهدي ما يُعدَّ في الحديث الصحيح
…
وأشار إلى أنه ليس من الصواب إنكار الحق من أجل ما ألصق به من باطل. [منه]
رواه أبو داود (2/ 207)، والترمذي، وأحمد، والطبراني في الكبير والصغير، وأبو نعيم في "الحلية"، والخطيب في "تاريخ بغداد" من طرق عن زر بن حبيش عن ابن مسعود. وقال الترمذي:"حسن صحيح" والذهبي: "صحيح" وهو كما قالا.
وله طريق آخر عند ابن ماجة (2/ 517) عن علقمة عن ابن مسعود به نحوه، وسنده حسن.
الحديث الثاني: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعاً نحوه.
وله عنه طريقان:
أخرج الأول أبو داود وأحمد، وإسناده صحيح، وأخرج الآخر ابن ماجة وأحمد، وإسناده حسن.
الثالث: عن أبي سعيد الخدري، وله طريقان أيضاً.
الأول: أخرجه الترمذي، وابن ماجه، والحاكم، وأحمد، وحسنه الترمذي، وقال الحاكم:"صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
وأخرج الطريق الثاني أبو داود، والحاكم وصححه، وسنده حسن.
الرابع: عن أم سلمة، وقد ذكرت لفظه وتخريجه عند الكلام على الحديث الثمانين من المقال العاشر من "الأحاديث الضعيفة".
وبقية الطرق قد ذكرها العلماء في كتب خاصة فليراجعها من أراد زيادة الاطلاع (1) وقد قال صديق حسن خان في "الإذاعة".
" الأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياته كثيرة جداً تبليغ حد التواتر وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد، وقد اضجع القول فيها ابن خلدون في كتابه " العبر وديوان المبتدأ والخبر " حيث قال: يحتجون في الباب بأحاديث خرجها الأئمة، وتكلم فيها المنكرون لذلك، وعارضوها ببعض الأخبار، وللمنكرين فيها من المطاعن، فإذا وجدنا طعناً في بعض رجال الإسناد بغفلة أو سوء حفظ أو ضعف أو سوء رأي تطرق ذلك إلى صحة الحديث وأوهن منها. إلى آخر ما قال، وليس كما ينبغي فإن الحق الأحق بالاتباع، والقول المحقق عند المحدثين المميزين بين الدار والقاع، أن المعتبر في الرواة ورجال الأحاديث أمران لا ثالث لهما الضبط والصدق، دون ما اعتبره أهل الأصول من العدالة وغيرها فلا يتطرق الوهن إلى صحة الحديث بغير ذلك ".
ثم قال صديق خان:
"وأحاديث المهدي بعضها صحيح، وبعضها ضعيف، وأمره مشهور بين الكافة من أهل الإسلام على مر الأعصار، وأنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت النبوي يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل
(1) مثل: "العرف الوردي في أخبار المهدي " للسيوطي، و" الإذاعة لما كان وما يكون بين يدين الساعة " لصديق خان، ونحوها. [منه].
الدجال، ويأتم بالمهدي في صلاته إلى غير ذلك، وأحاديث الدجال وعيسى أيضاً بلغت مبلغ التواتر ولا مساغ لإنكارها كما بين ذلك القاضي العلامة الشوكاني رحمه الله في "التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح "، قال (يعني الشوكاني):"والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها: خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول، وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضاً لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك. انتهى. وقد جمع السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير اليماني الأحاديث القاضية بخروج المهدي وأنه من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنه يظهر في آخر الزمان ثم قال: ولم يأت تعيين زمنه إلا أنه يخرج قبل خروج الدجال. انتهى "
شبهات حول أحاديث المهدي:
هذا ثم إن السيد رشيد أو غيره لم يتبعوا ما ورد في المهدي من الأحاديث حديثاً حديثاً، ولا توسعوا في طلب ما لكل حديث منها من الأسانيد، ولو فعلوا لوجدوا فيها ما تقوم به الحجة حتى في الأمور الغيبية التي يزعم البعض أنها لا تثبت إلا بحديث متواتر! ومما يدلك على ذلك أن السيد رشيد- رحمه الله ادعى أن أسانيدها لا تخلو عن شيعي! مع أن الأمر ليس كذلك على إطلاقه، فالأحاديث الأربعة التي أوردتها ليس فيها رجل معروف بالتشيع، على أنه لو صحت هذه الدعوى لم يقدح ذلك في صحة الأحاديث لأن العبرة في الصحة إنما هو الصدق والضبط، وأما الخلاف المذهبي فلا يشترط في ذلك كما هو مقرر في علم مصطلح الحديث ولهذا روى الشيخان في صحيحيهما لكثير من الشيعة
وغيرهم من الفرق المخالفة واحتجا بأحاديث هذا النوع.
وقد أعلها السيد بعلة أخرى وهي التعارض! وهذه علة مدفوعة لأن التعارض شرطه التساوي في قوة الثبوت، وأما نصب التعارض بين قوي وضعيف فمما لا يسوغه عاقل منصف، والتعارض المزعوم من هذا القبيل، وقد أوردت بعض الأمثلة على ذلك في المقال الذي سبقت الإشارة إليه فليراجعه من شاء.
وقد يُعلُّ بعض الناس هذه الأحاديث وكذا أحاديث نزول عيسى عليه السلام بِعلة أخرى، وهي أنها كانت - بزعمهم - سبباً لحمل المسلمين على الاتكال عليها، وانتظار خروج المهدي، ونزول عيسى عليهما السلام، وعلى ترك الأخذ بأسباب الحياة والقوة والمنعة، ويظنون أن معالجة هذه المشكلة إنما هي بإنكار أحاديثهما! وهذا خطأ يشبه معالجة المعتزلة للآيات المتشابهات، والأحاديث التي في معناها، فإنهم اشتهروا بتأويلهم للآيات وردهم للأحاديث الصحيحة التي من هذا القبيل حرصاً منهم - كما زعموا- على التنزيه ودفعاً للتشبيه! وأما أهل السنة فكانوا يؤمنون بهذه الآيات والأحاديث على ظاهرها، ولا يفهمون من ذلك تشبيهاً أو ما لا يليق بالله تعالى.
وكذلك القول في أحاديث المهدي، فإنه ليس فيها ما يدل بل ما يشير أدنى إشارة إلى أن المسلمين لا نهضة لهم ولا عز قبل خروج المهدي، فإذا وجد في بعض جهلة المسلمين من يفهم ذلك منها، فطريق معالجة جهله أن يُعَلَّمَ ويُفَهَّمَ أنَّ فَهْمَهُ خَطَأٌ، لا أن نرد الأحاديث الصحيحة بسبب سوء فهمه إياها!
ومن شبهات بعض الناس أن عقيدة المهدي قد استغلها بعض الدجالين، فادعوا المهدوية لأنفسهم وشقوا بسبب ذلك صفوف المسلمين وفرقوا بينهم، ويضربون على ذلك الأمثلة الكثيرة آخرها غلام أحمد القادياني دجال الهند،
ونحن نقول إن هذه الشبهة من أضعف الشبهات، وفي رأيي أن حكايتها تغني عن ردها، إذ أن من المسلَّم به أن كثيراً من الأمور الحقة يستغلها من ليس أهلاً لها، فالعلم مثلاً يدعيه بعض الأدعياء وهو في الواقع من الجهلاء، فهل يليق بعاقل أن ينكر العلم بسبب هذا الاستغلال؟! بل إن بعض الناس فيما مضى ادعى الألوهية فهل طريقة الرد عليه وبيان كذبه يكون بإنكار الألوهية الحقة؟!
ومثال آخر: يفهم بعض المسلمين اليوم من عقيدة "القضاء والقدر " الجبر وأن الإنسان الذي قدّر عليه الشر مُجبر على ارتكابه، وأنه لا اختيار له فيه، وقع في هذا الفهم الخاطئ غير قليل من أهل العلم، ونحن مع جماهير العلماء الذين لا يشكون في صحة عقيدة القضاء والقدر وأنها لا تستلزم الجبر مطلقاً، فإذا أردنا أن نصحح ذلك الفهم الخاطئ الملصق بهذه العقيدة الحقة، أفيكون طريق ذلك بإنكارها مطلقاً كما فعل المعتزلة قديماً وبعض أذنابهم حديثاً؟! أم السبيل الحق الاعتراف بها لأنها ثابتة في الشرع ودفع فهم الجبر منها؟ لا شك أن هذا السبيل هو الصواب الذي لا يخالف فيه مسلم البتة، فكذلك فلتعالج عقيدة المهدي، فنؤمن بها كما جاءت في الأحاديث الصحيحة، ونبعد عنها ما ألصق بها بسبب أحاديث ضعيفة واهية خبيثة، وبذلك نكون قد جمعنا بين إثبات ما ورد به الشرع والإذعان لما يعترف به العقل السليم.
وخلاصة القول: إن عقيدة خروج المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه صلى الله عليه وآله وسلم يجب الإيمان بها لأنها من أمور الغيب، والإيمان بها من صفات المتقين كما قال تعالى:{الم، ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ} . وإن إنكارها لا يصدر إلا من جاهل أو مكابر. أسأل الله تعالى أن يتوفانا على الإيمان بها وبكل ما صح في الكتاب والسنة.
"مقالات الألباني"(ص 105 - 110).