الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1694] باب منه
[قال الإمام مبيناً أهمية التجمع والتقارب في المجالس]:
حينما يكون الجمع جمعاً كثيراً مباركاً ويكونون متفرقين ومبتعدين عن مجلس الشيخ المزعوم أنه شيخ قد يكون حقاً وقد يكون كذباً، فأنا أقول بهذه المناسبة أن هذا التفرق وهذا التوسيع لدائرة الحلقة خلاف السنة، أما من حيث التفرق فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل المسجد يوماً فرآهم متفرقين فقال لهم:«مالي أراكم عزين» (1) بالعين والزاي أي متفرقين، وقد وصل اهتمام الرسول عليه السلام بالنهي عن التفرق في المكان وعن ابتعاد الناس بعضهم عن بعض إلى درجة أنه نهاهم عن ذلك حتى في الصحراء، حتى في السفر فقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد قوي عن أبي ثعلبة الخشني قال: كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزلنا في الوديان والشعاب فقال لنا يوماً: «إنما تفرقكم هذا في الوديان والشعاب من عمل الشيطان» (2) قال أبو ثعلبة: «فكنا بعد ذلك إذا نزلنا في مكان اجتمعنا، أي انضم بعضنا إلى بعض حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا» ، ولذلك التقارب في الجلوس وعدم ابتعاد الناس بعضهم عن بعض وهو اقتراب من الجنة بسبب تعاطي الأسباب التي تؤدي إلى الجنة، أنا أقتبس هذا من مثل قوله عليه السلام:«من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة» (3) ومن قوله عليه السلام وهو حديث عجيب قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إن ربك ليعجب من أقوام يُجرون إلى الجنة في السلاسل» .
(1)"صحيح مسلم"(رقم996).
(2)
"صحيح الجامع"(رقم2352).
(3)
"صحيح الجامع"(رقم6297).
يقول أهل العلم: يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الحديث الأسرى الذين يقعون في أيدي المسلمين فيجرونهم مغللين في السلاسل إلى بلاد الإسلام، وهناك يوزعون حسب التقسيم الشرعي للمكاسب والغنائم على الغانمين، فيدخلون بيوت المسلمين وهم بعد أن كانوا مغللين يصبحون شبه أحرار، أقول شبه؛ لأنهم في الواقع من حيث حرية العمل حتى بقاء أحدهم على دينه الباطل كانوا أحراراً، لكنهم لا يزالون أرقاء، إلا أن الله عز وجل بما أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من الأحكام التي وجهها إلى أتباعه عليه السلام من العناية والوصاية الطيبة بالأسرى وبالعبيد صار هؤلاء العبيد كأنهم أحرار، وحسبكم في هذا الصدد دلالة قوله عليه السلام:«أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون» إلى آخر الحديث الذي لا أذكره الآن بتمامه، الشاهد أن هؤلاء الأسرى دخلوا حياة جديدة غير الحياة التي كانوا يحيونها وهم أحراراً دخلوا حياة جديدة وهم عبيد، ولكنهم في حياتهم خير مما كانوا عليه وهم كانوا أحراراً، ذلك لأنهم تداخلوا مع المسلمين في بيوتهم، في أسواقهم، في مساجدهم .. فعرفوهم وعرفوا أخلاقهم، وعرفوا تأثير دينهم في تربيتهم عن كثب وعن قرب، فتجلى لهم عملياً ما هو دين الحق فآمنوا غير مكرهين، وآمنوا بقلوبهم بوازع من شخصهم وليس كأولئك الذين يؤمنون رغم أنوفهم إما خلاصاً من القتل إذا ما وقفوا أمام الدعوة الإسلامية، أو خلاصاً من دفع الجزية عن يد وهم صاغرون .. أما هؤلاء قد أسلموا طواعية وبإخلاص من قلوبهم ودخلوا في الإسلام ولا شك أن من دخل في الإسلام دخل الجنة بسلام إلى هذه الحقيقة -التي لو أراد الإنسان أن يشرحها شرحاً مبسطاً موسعاً لكان من ذلك كتاب-، إلى هذه الحقيقة أشار عليه السلام في الحديث السابق:«إن ربك ليعجب من أقوام يُجرون إلى الجنة في السلاسل» فإذاً الأسباب التي تكون مشروعة فهي