الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1747] باب أثر ضعف الإيمان
بتقدير الله للرزق في حياة المسلمين
سؤال: [نحن في] الزمان الذي أختلط فيه الحابل بالنابل، والتبس فيه طريق الحرام بالحلال لا التباساً شرعياً، وإنما التباساً عرفياً، فأصبح من العسير جداً أنه نأتي نقول لهذا والله خطأ. وخاصة الآن يعني: عندما قَلَّت الأعمال وضعفت .. ، فمثلاً: يأتي واحد يسألك عن حكم العمل في البنك يقول لك بحثت بحثت ما وجدت عمل، واحد مثلاً يسألك عن حكم العمل في الشركة تعمل أو حسابات في البنوك.
وواحد يسألك عن التأمين، .. وهذه السيرة طبعاً يعني: خاصة الآن في كل الشركات والمدارس معظمها أنه العمل الرجال مع النساء، يعني: الرجل يعمل إلى جانب المرأة، وبخاصة في الشركات وبعض المؤسسات الاقتصادية والمالية، فهذه طبعاً دوائر الحكومة كما عندك قديم، لكن هذه الحقيقة طبعاً نحن نجيبهم على هذا، ونقولهم يعني: ما نعلم من هذا الحكم، لكن النقطة التي يوردوها لك: إنه والله يا أخي نحن الآن ما في عمل مثلاً،
ومتطلبات الحياة كثيرة، فماذا ترون يعني: بارك الله فيكم؟
الشيخ: أرى أن هذه لا تبرر ارتكاب ما نهى الله عنه، لكن المسألة في الحقيقة تدور بين من يعتقد أن هذه الأمور أو هذه الوظائف نهى الشارع الحكيم عنها، وبين من يجد من يفتيه بجوازها، ولذلك فالمسألة ليس من السهل أن نفتي الناس كل الناس بعدم جواز هذه الأمور؛ لأن كثيرين منهم قد أفتوا، وأبيح لهم وهذا أمر لا يخفى عليك، لكن نحن رأينا الشخصي لاشك أنه كل هذه الأمور ما دامت
تقوم على التعاون على المنكر، فهو منكر بنص القرآن الكريم:{وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة:2) هذا من جهة.
ومن جهة أخرى: المجتمع اليوم كما تعلم، وكما تدندن في كثير من خطبك: ليس ملتزماً للأحكام الشرعية، ومن أهمها: تقوى الله تبارك وتعالى، هذه التقوى التي تستلزم الإتيان بما أمر الله، والانتهاء عما نهى الله، فطلب الرزق أصبح اليوم جماهير المسلمين لا يفكرون مطلقاً فيما هو حلال، وفيما هو حرام، وإنما نحن بحاجة وكما قلت حكايةً عنهم أنه متطلبات العصر كثيرة وكثيرة، ولذلك نحن بدنا نكفي أنفسنا وأهلينا وذريتنا ونحو ذلك، لكن الواقع أن المبدأ القرآني الذي كان ينبغي أن يكون مسطوراً مغروزاً في القلوب فالشيطان أوحى إليهم بأن يعلقوها على الجدر، ويجعلوها لافتات جميلة الخط:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} (الطلاق:2، 3).
أما القلب فلا يشعر بأن هناك آية تنص على هذا الأمر الإلهي، فَهْم القضية الإلهية، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} (الطلاق:2، 3).
تجد هذه الظاهرة كما لا يخفى على الجميع منتشرة بين صدور جماهير المسلمين حتى المصلين منهم، وبصورة خاصة: الأغنياء منهم فما يسألك نعرف نحن أن الربا حرام، ووضع المال في البنك حرام، لكن أين نضع أموالنا؟ إذا وضعناها في بيوتنا كنا عرضةً في مالنا وفي ذواتنا للصوص والقتلة وسفاكي الدماء وو إلى آخره، هذا بلا شك كما لا يخفاك من تزيين الشيطان لعمل الإنسان المخالف لأوامر الرحمن.
ولذلك أنا أريد أن ندندن دائماً وأبداً مع هؤلاء المسلمين أن نربطهم مع تقوى
الله عز وجل، والخوف منه بكل تصرفاتهم وأن يتذكروا هذه الآية وما يتعلق بها من أحاديث تعتبر كالشرح لمضمون هذه الآية، فحين يقول قائلهم: وين نضع هذه الأموال؟ هو أبداً لا يتذكر: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (الطلاق:2) وأنا أقول: أمر مضحك كأن الواحد منكم يتصور بأنه سيرفع الراية على الجماهير أنه أنا مليونير، وهذه الملايين التي عندي واضعها في داري وفي المكان الفلاني، ولذلك هو سَيُغزى وسيقصد، يا أخي افعل الوسائل المشروعة وخبي مالك في مكان لا يطلع عليه إلا الله عز وجل، ثم أنت ومن قد تثق به من أهلك، فهذا السبب مشروع، لكن لا؛ هو إذا فعل ذلك تعطلت أعماله التجارية، وضاقت عليه وسائل الكسب بينما البنك ييسر له ذلك، وهذا بلا شك أن البنك ييسر المعاملات، ولكن لا ينبغي للمسلم أن يتورط، وأن يتبنى كل وسيلة، ولو كانت ميسرة لبعض أعماله إذا كانت ماذا؟ محرمة شرعاً.
فعلى هذا يجب أن نروي بهذه المناسبة، قصة ذلك الرجل الذي كان يمشي في الصحراء، فسمع صوتاً من السحاب اسق أرض فلان فوصل إلى أرض فلان، وإذا فيها رجل يعمل بالمسحات والأمطار تنزل في أرضه فقط، فعجب من ذلك، ولما سلم عليه والرجل عرف أنه ليس من أهل تلك البلاد، فما يدريك فيَّ؟ قال: سمعت في السحاب اسق أرض فلان، فعرفت أنك أنت الذي سخر لك السحاب، سخر لك السماء، فلمَ؟ قال كما هو شأن المتقين الخائفين من رب العالمين: هو ما يدري، ولكن عندي هذه الأرض أزرعها ثم أحصدها، وأجعلها ثلاثاً: ثلث أعيده للأرض، وثلث أنفقه على نفسي وأهلي، والثلث الآخر: أتصدق على الفقراء والمساكين قال له: بهذا (1).
(1)" صحيح الجامع"(2864)، " الصحيحة"(3/ 194)
فهنا نجد أن تقوى الله سخرت له السماء، وذاك الآخر سخر الله له البحر حينما جاء الأجل بوفاء الدين، ولم يستطع الوفاء، فأخذ خشبة ودك فيها مائة دينار، وجاء إلى ساحل البحر وقال بكل بساطة وبكل دروشة وهو بلا شك نحن اليوم صحيح مسلمين لكن غلبت علينا المادة من جهة، وضعف الإيمان بالغيب من جهة أخرى، لا نكاد نصدق بمثل هذه القصة، وهي في صحيح البخاري ونعتبر أنه هذا الإنسان ما هو طبيعي عقله، وأنا أشهد أيضاً كذلك، بل هو نفسه يشهد بأنه حينما اتصل مع صاحبه الدائن له تجاهل ما فعل كما تعلمون، تجاهل لماذا؟ لأنه إنسان عاقل عقله معه، يأتي وقد حشا مائة دينار في شعفة خشبه وما ندري طريق الدك يمكن تجيء موجة تضربها ويروح الدنانير كله لقاع البحر، رمى الخشبة وقال: يا رب أنت كنت الكفيل وأنت كنت الشهيد ورماها، وربنا عز وجل قادر على كل شيء، أمر الأمواج أن تأخذ هذه الخشبة إلى البلدة التي فيها الدائن، وقد خرج لاستقبال المدينة في اليوم الموعود ما جاء الرجل، لكن الخشبة تتقاذفها الأمواج بين يديه فمد يده إليها، وإذا هي ليست خشبة كالخشبات، أخذها إلى الدار ولما كسرها انهارت بين يديه مائة دينار ذهب أحمر، استغرب الرجل وسرعان ما عاد إليه المدين هنا يظهر للمدين عارف حاله أنه عامل دروشة عامل عمل غير منطقي، فمد يده ودفع له مائة دينار؛ لأنه افترض أن المائة الدينار تلك ما راح توصل، عمل غير طبيعي هنا كما يقولون اليوم ما وراء الطبيعة.
في الحقيقة القصة تعطينا عبر عظيمة جداً إن الطيور على أشكالها تقع، كلاهما قلوبهم صافية سواءً الدائن أو المدين، كان باستطاعة الدائن أن يأكل المائة الدينار ولا رقيب ولا عتيد، ولم يقل له أعطيه لك بواسطة البريد المستعجل كلام فاضي هذا، من أين يشهد؟ لكن هو مضطر أن الله عز وجل يعرف قال: والله أنا
خرجت في اليوم الموعود لاستقبالك فلما تأخرت وجدت الخشبة تتلاعب بين يدي، فأخذتها كسرتها وإذا فيها مائة دينار قال: والله أنا فعلت هذا؛ لأنه لما جاء اليوم الموعود وعرفت أني لا أستطيع أن أفي بالوعد، فأخذت الخشبة ونقرتها ووضعت فيها مائة دينار، وجئت إلى ساحل البحر قلت: يا رب أنت كنت الكفيل وأنت الشهيد قال: قد وفى الله عنك بارك الله لك في مالك، ورد له المائة الدينار (1).
بهذه التقوى نحن اليوم لا نجدها في صدور المسلمين، ولذلك تكثر الشكاوى من أين أعيش؟ ولا يستطيع أن يدبر حاله في هذا العصر وهم يعلمون جميعاً أن الكثير منهم كما أشرت في سؤالك بارك الله فيك أنه في عنده شيء من المال، لكن كيف ينميه ويجدده؟
"الهدى والنور"(233/ 07: 35: 00)
(1)" الصحيحة"(6/ 2/829).