الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العمر، ولا تعارض عند التحقيق بين هذا وبين قوله تعالى:{فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} ولبسط هذا موضع آخر.
"الضعيفة"(1/ 330 - 331).
[1778] باب تأويل قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} وبيان علاقة ذلك بالقضاء والقدر
[قال الإمام]:
اعلم أن المفسرين اختلفوا اختلافاً كثيراً في تفسير آيتي (الرعد): {لكل أجل كتاب. يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} على أقوال كثيرة، استوعبها الشوكاني في "الفتح"، وذكر بعضها ابن جرير، ثم ابن كثير، واختار هذا ما هو أقرب للسياق؛ فقال:"أي: لكل كتاب أجل، يعني: لكل كتاب أنزله الله من السماء مدة مضروبة عند الله، ومقدار معين، فلهذا: (يمحو الله ما يشاء): منها: (ويثبت)؛ يعني: حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلوات الله وسلامه عليه".
فالمحو والإثبات فيهما خاص بالأحكام في الكتب المتقدمة أو في الشريعة المحمدية، ينسخ منها ما يشاء، ويثبت ما يشاء.
وهو يلتقي مع ما رواه ابن جرير (16/ 485) وغيره بسند فيه ضعف عن ابن عباس: {يمحو الله ما يشاء} ، قال:
من القرآن؛ يقول: يبدل الله ما يشاء فينسخه، ويثبت ما يشاء فلا يبدله. {وعنده أم الكتاب} ، يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب، الناسخ والمنسوخ،
وما يبدل، كل ذلك في كتاب.
وقد وجدت ما يقويه من رواية عكرمة عن ابن عباس، من وجهين عن عكرمة:
الأول: رواه يزيد النحوي عنه ابن عباس؛ في قوله: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} ، وقال: {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل
…
} الآية، وقال:{يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} ؛ فأول ما نسخ من القرآن القِبلة
…
الحديث.
رواه النسائي أواخر "الطلاق"، وأبو داود مختصراً.
وإسناده حسن؛ كما هو مبين في "الإرواء"(7/ 161/ 2080).
والآخر: رواه سليمان التيمي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ في قول الله عز وجل: {يمحو الله ما يشاء} ، قال: من أحد الكتابين؛ هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت. {وعنده أم الكتاب} ؛ أي: جملة الكتاب.
رواه ابن جرير (16/ 480،481)، والحاكم (2/ 349). وقال:"صحيح غريب". ووافقه الذهبي.
قلت: وفي رواية لابن جرير (16/ 491) من طريق علي عن ابن عباس: {وعنده أم الكتاب} ، يقول: وجملة ذلك عنده في أم الكتاب؛ الناسخ والمنسوخ، وما يبدل وما يثبت، كل ذلك في كتاب.
وفي سنده انقطاع وضعف.
ثم اعلم أنه - وإن كان المحو والإثبات في الآية خاصاً بالأحكام الشرعية؛
كما تقدم -؛ فليس في الشرع ما ينفيهما في غيرها، بل إن ظواهر بعض النصوص تدل على خلاف ذلك؛ كمثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر» ؛ وهو حديث حسن مخرج في "الصحيحة"(154). وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره (وفي بعض الطرق: في آجله)؛ فليصل رحمه» . متفق عليه، وهو مخرج في المصدر السابق برقم (276).
وقد صح عن ابن عباس أنه قال: لا ينفع الحذر من القدر، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر.
أخرجه الحاكم (2/ 350). وقال: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.
إذا عرفت ما تقدم؛ فاعلم أن المحو المذكور والزيادة في الرزق والعمر؛ إنما هو بالنسبة للقضاء أو القدر المعلق، وأما القضاء المبرم المطابق للعلم الإلهي؛ فلا محو ولا تغيير، كما كنت شرحت ذلك في تعليقي على "مختصر مسلم" للمنذري (ص 470)؛ فراجعه فإنه هام!
ثم رأيت القرطبي قد أشار إلى ذلك في تفسيره "الجامع"، فقال (5/ 332): "والعقيدة: أنه لا تبديل لقضاء الله، وهذا المحو والإثبات مما سبق به القضاء، وقد تقدم أن من القضاء ما يكون واقعاً محتوماً - وهو الثابت -، ومنه ما يكون مصروفاً بأسباب - وهو الممحو - والله أعلم.
قال الغزنوي (1): وعندي: أن ما في اللوح خرج عن الغيب؛ لإحاطة بعض
(1) قلت: الظاهر أنه عالي بن إبراهيم بن إسماعيل الغزنوي، الملقب بـ (تاج الشريعة)، فقيه
حنفي مفسر، له " تفسير التفسير "، أبدع فيه؛ كما قال غير واحد، توفي سنة (582)؛ كما في "الأعلام". [منه].