الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالله تبارك وتعالى.
العمل بالإيمان عمل قلبي ليس كما يظن بعض الناس أنه لا علاقة له بالعمل، لا الإيمان أولاً، لا بد من أن يتحرك القلب بالإيمان بالله ورسوله، ثم لا بد أن يقترن مع هذا الإيمان الذي وقر في القلب أن يظهر .. على البدن والجوارح، لذلك فقوله تبارك وتعالى:{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل:32)، نص قاطع صريح بأن دخول الجنة ليس بمجرد الأماني كما قال تعالى:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (النساء:123)، من يعمل خيراً يجز به، من يعمل سوءاً يجز به، كما قال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} (الزلزلة:8).
"الهدى والنور"(11ب/ 00:07:24)
[1776] باب كيف الجمع بين الأحاديث المصرحة بأن هناك أسباباً شرعية لإطالة العمر، وبين قوله تعالى:{ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها}
[روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال]:
(منكر).
[قال الإمام]:
أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" من طريق الوليد بن عبد الملك ابن عبيد الله بن مسرح: حدثنا سليمان بن عطاء عن مسلمة بن عبد الله عن عمه أبي مشجعة
بن ربعي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ذكرنا [زيادة العمر] عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال:
…
فذكره.
نقلته من "تفسير ابن كثير"(7/ 54)، ووقع فيه أخطاء كثيرة في رجال إسناده، صححتها من كتب الرجال، ويبدو لي أن في أول متنه سقطاً لعله قولهم:
قوله تعالى: {وما يعمر من معمر
…
} الآية، أو نحوه.
ثم تحققت من ذلك كما يأتي.
وسكت عن إسناده ابن كثير، وهو إسناد ضعيف مظلم مسلسل بالمجهولين:
1 -
أبو مشجعة هذا؛ لم يذكروا له راوياً غير ابن أخيه مسلمة بن عبد الله؛ وقال الحافظ: "مقبول"؛ يعني: عند المتابعة، وإلا؛ فهو لين الحديث.
2 -
مسلمة بن عبد الله الجهني؛ قال دحيم:"لم يرو عنه أحد نعرفه غير الشعيثي". وقال الحافظ أيضاً: "مقبول".
3 -
سليمان بن عطاء - وهو ابن قيس القرشي - متفق على تضعيفه، بل قال ابن حبان في "الضعفاء والمجروحين" (1/ 329):"روى عن مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه أبي مشجعة بن ربعي أشياء موضوعة لا تشبه حديث الثقات، فلست أدري؛ التخليط فيها منه أو من مسلمة ابن عبد الله؟! ".
وأما الوليد بن عبد الملك؛ فقال ابن أبي حاتم (4/ 2/ 10) عن أبيه:"صدوق".
وذكر أنه روى عنه أبوه، وكذا أبو زرعة، ورواية هذا عنه توثيق منه له؛ كما هو معروف عنه.
فآفة الحديث ممن فوقه.
وقد أخرجه من طريقه أيضاً: ابن حبان، وابن عدي (ق 160/ 1)، والطبراني في "الأوسط"(1/ 190/ 2 - مصورة الجامعة)؛ وفي روايتهم ما أشرت إليه من السقط في "تفسير ابن كثير".
وهذا الحديث مما فات السيوطي؛ فلم يورده في "الجامع الكبير"، بل ولا في "الدر المنثور" في تفسير الآية: {وما يعمر من معمر
…
}! وإنما أورد فيها الحديث الآتي بعده، ولم يورده أيضاً في آخر سورة (المنافقون) في قوله تعالى:{ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون} وهو بها أليق وألصق، وهي بمعنى الطرف الأول من الحديث.
وأما سائره؛ فمنكر لا شاهد له، بل هو مخالف لبعض الأحاديث الصحيحة المصرحة بأن هناك أسباباً شرعية لإطالة العمر؛ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره (وفي رواية: أجله)؛ فليصل رحمه» ؛ أخرجه الشيخان من حديث أنس، وله شواهد خرجت بعضها في "صحيح أبي داود" (1486). وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«حسن الخلق وحسن الجوار؛ يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار» . أخرجه أحمد بسند صحيح؛ كما تراه مبيناً في "الصحيحة"(519).
وقد يظن بعض الناس أن هذه الأحاديث تخالف الآية السابقة: {ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها
…
}، وغيرها من الآيات والأحاديث التي في معناها! والحقيقة؛ أنه لا مخالفة؛ لأن الأحاديث المذكورة آنفاً إنما تتحدث عن مبدأ الأخذ بالأسباب، ولا تتحدث عما سبق في علم الله الأزلي من الآجال المحددة؛ فإن علم الله تعالى لا يتغير ولا يتبدل؛ تماماً كما هو الشأن في الأعمال الصالحة والطالحة، والسعادة والشقاوة، فالآيات والأحاديث التي تأمر بالإيمان
والعمل الصالح، وتنهى عن نقيضهما لا تكاد تحصى، وفي بعضها يقول الله تعالى:{ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} ، وقد ذكر العلماء المحققون أن الباء في هذه الآية؛ إنما هي باء السببية، فذلك كله لا ينافي ما سبق في علم الله تعالى من السعادة والشقاوة، بل إنما هما أمران متلازمان: السعادة مع العمل الصالح، والشقاوة مع العمل الطالح. وهذا صريح في قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها» . أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "تخريج السنة"(175 - 176).
فانظر كيف أن نهاية الأمر كان مقروناً بالعمل دخول الجنة والنار. فكما أنه لا يقال: إن العمل ليس سبباً للدخول؛ فكذلك لا يقال: إن صلة الرحم وغيرها ليست سبباً لطول العمر بحجة أن العمر محدود؛ فإن الدخول أيضاً محدود: {فريق في الجنة وفريق في السعير} .
وما أحسن وأجمل جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حدث أصحابه بقوله: «ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة» . فقالوا: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «اعملوا؛ فكل ميسر لما خلق له: أما من كان من أهل السعادة؛ فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة؛ فييسر لعمل أهل الشقاوة» . ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى
…
} إلى قوله: {فسنيسره للعسرى} . أخرجه الشيخان.
وجملة القول: أن الله تبارك وتعالى جعل لكل شيء سبباً، فالعمل الصالح سبب لدخول الجنة، والعمل السيئ لدخول النار، فكذلك جعل بعض الأخلاق