الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما النظر فسأذكره قريبًا إن شاء الله .. فالتفسير الثاني أنه يتألم فمعنى ذلك: أن الميت إذا مات ما انقطعت علاقته مع الناس فهو يحس بهم ويتألم بألمهم، وهذا الكلام ليس صحيحًا؛ لأن الميت إذا مات انقطعت علاقته بهذه الحياة الدنيا فهو لا يسمع ولا يحس بشيء كما قال تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ في الْقُبُورِ} (فاطر:22) .. {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} (النمل:80).
فإذًا: الأموات لا يسمعون فكيف يقال: إن الميت إذا بكى أو ناح أهله عليه هو يحس ببكائهم ويتألم لألمهم، هذا المعنى مع مخالفته للحديث يعذب يوم القيامة فهو يخالف نصوص أخرى في الكتاب وفي السنة التي تدل على أن الميت لا يسمع ولا يحس، فإذًا: المعنى الأول هو المعنى الصحيح
…
"فتاوى رابغ"(1/ 00:07:48)
[1543] باب منه
السائل: شيخنا على ذكر موضوع
…
أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها حديث الميت، وهو الحديث الذي قد كثر الكلام فيه (1) وخاصة من أولئك العقلانيين الذين يجعلون النصوص حكماً على الشرع وما شابه ذلك.
الشيخ: يجعلون عقولهم.
مداخلة: عفواً، يجعلون عقولهم حكماً على الشرع، أقول هؤلاء شيخنا يلمزون من طرف خفي بأبي هريرة رضي الله عنه وروايته بسبب إنكار السيدة عائشة وردها.
(1) يريد حديث: «الميت يعذب ببكاء أهله عليه» .
الشيخ: أي نعم.
مداخلة: مع أن الحديث مروي عن عدد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فحينئذ هل نقول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أخطأت في التأويل أو في الرد أم نقول كما قلت في الحديث الأول أنها اعترضت على لفظ وردها وإلا فالألفاظ الأخرى جاءت تبين النياحة وما شابه ذلك.
الشيخ: ما في شك.
مداخلة: هو هذا.
الشيخ: أي نعم، يعني الحديث الذي أنكرته السيدة عائشة هنا غير الحديث الذي أنكرته هنا، الحديث الذي أنكرته صحيح بلا شك، «الميت يعذب ببكاء أهله عليه» ، وكون الرسول عليه السلام قال في بعض المناسبات أو الحوادث بالنسبة ليهودي مات فبكى أهله عليه، فهذا من باب أولى أن يطبق هذا الحديث عليه، لكن هذا لا ينفي ما رواه أولاً ابن عمر ثم ما رواه أبو ابن عمر ثم ما رواه المغيرة بن شعبة، كل هؤلاء الثلاثة من الصحابة اتفقوا على رواية الحديث الذي أنكرته السيدة عائشة، ولذلك فلا مجال للاعتماد عليها بالإنكار هنا، وبهذه المناسبة لا بد من أن نذكر شيئاً يفيد طالب العلم، ألا وهو:
ظاهر الحديث يتبادر منه أنه يخالف القاعدة الإسلامية المصرح بها في القرآن الكريم وغيره، أن لا تزر وازرة وزر أخرى، لماذا يعذب الميت ببكاء أهله عليه؟ هذا ليس من عمله وليس من صنعه، وليس أيضاً من سعيه، فاختلفت آراء العلماء في الإجابة على هذه المشكلة، جمهورهم قال هذا الحديث في ظاهره عام، لكن لا بد من تقييده أو تخصيصه بمن يعلم أنه إذا مات يبكي أهله عليه بكاء نياحة
وليس بكاء دمع، فمن كان بهذه المثابة ممن سيبكى عليهم فعليهم أن ينصحوا وأن يذكروا، فإن فعلوا ذلك لم يشملهم الحديث؛ لأنهم قاموا بالواجب، هذا هو التأويل الذي ذهب إليه الجماهير من العلماء، وهو الذي لا نرى له بديلاً، أما شيخ الإسلام رحمه الله فذهب إلى تأويل آخر، فقال: العذاب هنا ليس من عذاب النكال الذي يعذبه الإنسان في الآخرة أو في القبر، وإنما هو من باب السفر قطعة من العذب، فهذا مسافر لا يعذب بشيء يأتيه من غيره، وإنما هو بشيء نابع من نفسه، أي أن هذا الميت حينما يبكي أهله عليه يأسف على بكائهم عليه ويأسى، فإذاً العذاب هنا بمعنى الحزن، ليس بمعنى العذاب النكال، كان يمكن أن يقبل
من شيخ الإسلام هذا التأويل الناعم الجميل لولا زيادة استفدناها من حديث المغيرة بن شعبة حيث قال: الميت يعذب ببكاء أهله عليه يوم القيامة، فهذه الزيادة اضطرتنا أن نرجع إلى التأويل الأول.
هذا الذي أحببت أن أذكر به .. الميت لا يعلم بحال أهله.
الشيخ: هو هذا صحيح.
مداخلة: أي نعم.
الشيخ: أنا قلت هذا في بعض الكتابات، أن يقال أن الميت بالمعنى الذي ذكره ابن تيمية، معناه أن الميت عنده إحساس وعنده شعور من قريب ومن بعيد، الميت دفن مثلاً كما يقع اليوم مع الأسف كان مستوطناً في بلاد الكفر فدفن هناك، وأهله يبكون هنا، شو عرفه، بل شو عرفه لو بكوا حول قبره، انقطعت العلاقة بينه وبين الدنيا إطلاقاً، فهذا التأويل وهذا ليس بعيداً حقيقة عن مذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم؛ لأنهم يتوسعون في هذه الناحية، وهذا من توسعهم جاءهم، وهم يصرحون بأن الميت يحس بما قد يقع من حوله أو من أهله أو نحو ذلك،