الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدرته سبحانه ".
قلت: وعلى ضوء تفسيره للآية، نقول: إن اسم الإشارة في الحديث: "ذلك " يعود إلى ما أعطى الله عز وجل عبده من النعم الكثيرة التي لا يستحقها؛ فضلاً منه تعالى عليه، فلما قال ما قال مستكثراً ذلك عليه؛ قال تعالى:"ولكني على ذلك قادر"، فإذا فُسِّرَ بهذا اللفظ الأول أيضاً ولم يوقف عند ما فيه من مفهوم المخالفة، المشعر بأنه تعالى غير قادر على ما لا يشاء؛ على حد قوله تعالى:{لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} ونحوه من المفاهيم التي قامت الأدلة القاطعة على أنها غير مرادة، إذا فسر هذا اللفظ الأول بهذا الذي دل عليه اللفظ الثاني؛ استقام المعنى، ولم يبق أي إشكال إن شاء الله تعالى.
هذا ما عندي من علم، فإن أصبت؛ فمن الله، وإن أخطأت، فمني، وأستغفره تعالى من كل ذنب لي، ومن كان عنده فضل علم؛ فليتفضل به شاكرين له.
"الصحيحة"(7/ 1/345 - 353).
[1790] باب منه
[قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]:
«آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين. فترفع له شجرة، فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم! لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول: لا يا رب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب أدنني من هذه لأشرب من مائها، وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ - فيقول -: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها. ثم ترفع
له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين، فيقول: أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب أدخلنيها! فيقول: يا ابن آدم! ما يصريني منك؟ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب! أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ - فضحك ابن مسعود، فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ - فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر. (وفي رواية: قدير).
[قال الإمام]:
(تنبيه): دل قوله تعالى في آخر الحديث: " ولكني على ما أشاء قادر أو قدير " على خطأ ما جاء في التعليق على " العقيدة الطحاوية "(ص 20) نقلا عن بعض الأفاضل: "يجيء في كلام بعض الناس: وهو على ما يشاء قدير، وليس بصواب .. ". فأقول: بل هو عين الصواب بعد ثبوت ذلك في هذا الحديث، لاسيما ويشهد له قوله تعالى:{وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} (الشورى: 29) وذلك لا ينافي عموم مشيئته وقدرته تعالى كما توهم المشار إليه، والله أعلم.
"الصحيحة"(6/ 1/193 - 195).