الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديثي محض، فما تكلمت أنا، لكن الجواب عن الإشكال الذي ذكره الشيخ واضح جداً، هذا يعني مظهر من مظاهر عدل الله في خلقه حتى من القرناء يقتص منها للجمحاء، لكن ليس هذا لا يظهر إلا بهذه الصورة كما هو يقول لا.
"الهدى والنور"(734/ 53: 36: 00).
[1788] باب هل يفهم من قوله تعالى على لسان عيسى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} أنه قد يغفر للكفار
؟
سؤال: بالنسبة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث: «خمس صلوات كتبهن» ثم قال في آخره: «فأمره إلى الله» يعني قرنه بالمشيئة طبعاً، «إن شاء عذبه وإن شاء غفر له» (1).
قد يقول البعض بأن هذا مثل قول عيسى ابن مريم لربه عز وجل: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (المائدة:118). فما الجواب على هذا الإشكال؟
الشيخ: تريد أن تقول أن هذا القول يقوله الذين يكفرون تاركي الصلاة؟ (2).
مداخلة: أنا جاء الإشكال علي؟
الشيخ: سامحك الله، لا تحد تطول علينا الطريق، قل لي أريد هذا أو لا أريد؟
مداخلة: لا.
(1)"صحيح الجامع"(رقم 5553) ولفظ الحديث: خمس صلوات افترضهن الله عز وجل من أحسن وضوءهن وصلاتهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه.
(2)
حدث هذا النقاش في سياقٍ بحث مسألة "حكم تارك الصلاة".
الشيخ: من الذي يقول هذا الكلام إذاً.
مداخلة: إشكال أتى علي.
الشيخ: في الإشكال الذي عندك ولسه ما فهمناك، الذي قائم في ذهنك أن هذا الكلام يقوله قائل هو من الذين يقولون بتكفير تارك الصلاة مطلقاً؟
الشيخ: معليش، في الإشكال الذي عندك ولم نفهمه من بعد، فالذي قائم في ذهنك أن هذا الكلام يقوله قائل هو من الذين يقولون بتكفير تارك الصلاة مطلقاً.
مداخلة: لا أعلم.
الشيخ: أو العكس.
مداخلة: لا أعلم.
الشيخ: سنرى ما وراء الأكمة.
ما هو الإشكال، هل هو الذي طرحته لا أكثر؟
طيب أوضح لنا الإشكال، ما هو الشبه بين الآية التي حكاها الله عن عيسى، وبين هذا الحديث الذي نطق به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ ما الشبه بين الأمرين؟
مداخلة: إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، .. الآية.
الشيخ: لا نستفيد منك أن تؤيد الآية والحديث.
مداخلة: الإشكال هنا المشيئة، أنه هناك قال بمشيئة الله عز وجل إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم، وهناك قال:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} (المائدة:118)، فقرنها يعني بما يشاء ربنا عز وجل.
الشيخ: طيب لو تركنا آية عيسى الآن جانباً الإشكال ألا يزال قائماً عندك؟
مداخلة: ما فهمت.
الشيخ: لو تركنا آية عيسى جانباً، هل الإشكال يطيح، أنا أظن لا؟ قل لي أنت: بلى.
مداخلة: السؤال مش واضح.
الشيخ: سؤال من؟
مداخلة: السؤال الآن أوضح.
الشيخ: سؤالي أنا، طيب ما هو الجواب ما دام هو واضح.
مداخلة: السؤال
…
الشيخ:
…
ألا تتصور ليس في باله آية عيسى؟
مداخلة: ممكن.
الشيخ: افرض هو أنت، هل يطيح الإشكال؟
مداخلة: أنا أظن أنه يطيح.
الشيخ: أما أنا فأظن أنه لا يطيح، بالنسبة لإشكالك أنت لا يطيح، لماذا؟
لأنه سيرد الآن عليك سؤال، بغض النظر عن آية عيسى عليه السلام، أليس الله فعال لما يشاء.
مداخلة: بلا شك.
الشيخ: يدخل من يشاء، أو كما قال في صريح القرآن: {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ
وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} (البقرة:284)، هذا مش موجود في القرآن؟
مداخلة: نعم موجود.
الشيخ: هذا ألا يقوم مقام آية عيسى؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: فإذاً، سيظل إشكاله قائماً، ولو صرفت نظرك عن آية عيسى.
مداخلة: لكن هنا يختلف.
الشيخ: أكمل حديثي أنا ..
إلا إذا وجدت أن في آية عيسى معنى لا يوجد في مثل آية {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} وآيات كثيرة بمعنى أن المشيئة بإذن الله عز وجل، فما هو الفرق إن كان عندك فرق بين هذه الآية التي أنا ذكرتك بها الآن، وبين آية عيسى عليه السلام.
مداخلة: الفرق
…
أن الله سبحانه وتعالى خاطبه خاطبه بقوله: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي} (المائدة:116) .. إلى آخر الآيات، يسأله هل قال لهم أن يتخذوه إلهاً ..
مداخلة: يعني في متعين هنا، في قومه، الذين اتخذوه وأمه آلهة، هذا الفرق أظن هناك عامة تشمل المؤمنين والمسلمين الفاسقين وما إلى ذلك.
الشيخ: هذا هو، إذاً: هذا هو الفرق بين آية عيسى والآية الأخرى التي أتيت بها.
الآن من يذكر آية القائلين فيها .. لريثما [تأتي] هذه الآية .. ألفت النظر أن من الخطأ الاستدلال بشرائع من كانوا قبلنا، في الأمس القريب كنا نتكلم حول
الانتخابات، وأنها ليست شرعية، وتورط بعض الجماعات الإسلامية في الدخول في البرلمانات القائمة على الحكم بغير ما أنزل الله، فأحد الجالسين طرح إشكال يشبه إشكالك، فيقول هذا يوسف عليه السلام قال:{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف:55)، فإذاً هو كان حكاماً تحت سلطة حاكم وثني هو العزيز، فلماذا لا يجوز أن يدخل المسلمون البرلمانات هذه؟
أنا كان جوابي من ناحيتين أو أكثر:
الناحية الأولى: أن يوسف عليه السلام لم يدخل ولم يصل إلى ذاك المقام السامي بطريقة انتخابات غير مشروعة، وإنما الله عز وجل بحكمته البالغة ابتلاه بامرأة العزيز ووقع بينها وبينه ولا أقول بينه وبينها ما وقع، وكان من آثار ذلك أن ألقي في السجن، وكان من تفاصيل مكثه في السجن قصته مع الرجلين، أخيراً أحدهما قتل والآخر صار ساقياً للملك، وكما تعلمون رأى الملك تلك الرؤية، {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي في رُؤْيَايَ إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ، قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ، وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ، يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا في سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} (يوسف:43 - 46)، نقل فتوى هذه إلى الملك أعجبه وقال:{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي، قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف:55)، فيوسف عليه السلام ما سلك طريقاً ليصل إلى هدف وإلى مكان رفيع، ولا خطر في باله هذا الشيء، وإنما ربنا عز وجل قدر عليه هذه الحوادث المتعددة الأشكال حتى استطاع الملك بنفسه وجعله وزيراً على دولته فأخذ يحكم بشريعته بوحي ربه وليس بشريعة الكافر، هذا من جانب.
أما نحن اليوم فنطرق أبواباً شركية، أبواباً وثنية كفرية، حاشا ليوسف عليه السلام أن تخطر في باله أن يطرقها فضلاً عن أن يطرقها عملياً، الانتخابات كما تعلمون تتناسب مع النظم الكافرة التي ليس فيها مؤمن وكافر، الناس كلهم سواء عندهم، وليس فيهم رجل وامرأة، فللمرأة من الحق مثل ما للرجل إلى آخره، وعلى هذا فالانتخابات حينما تفتح أبوابها يدخل ويرشح نفسه فيها المؤمن والكافر، والرجل والمرأة، والصالح والطالح، وبالنتيجة ما ينتخب إلا شرار الخلق عادة، نحن هذا يناسبنا أن نسلك هذا الطريق الكافر، ونحتج على ذلك بمثل قصة يوسف عليه السلام وشتان ما بينها وبين واقع حياتنا الانتخابية اليوم، هذا قلته ثم أضفت إلى ذلك أخيراً، هذه شريعة من قبلنا، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول:«وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة» (1).
فإذاً: ليس من العلم في شيء أن ينزع طالب العلم مستدلاً بآية تتعلق بشريعة من قبلنا، إذا عرفنا هذه الحقيقة نعود الآن لنقول:
نحن نحتج الآن بما قال عيسى عليه السلام، وبعد أن عرفنا منبع الشبهة عندك نقول: هل تعلم أنه كان في شرع عيسى عليه السلام مثل ما في شرعنا من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48)، بحيث أنه لا يجوز في شريعتنا أن نطلب من ربنا أن يغفر لكفار أمتنا، هل كان هذا موجوداً في شريعة عيسى فيما تعلم؟
إذاً: الشبهة تسقط من أصلها.
مداخلة: قد يقع هنا أصل وهو أننا نعلم أنه لا يدخل الجنة مشرك.
(1)"صحيح البخاري"(رقم 427).
الشيخ: هذا في شرعنا.
مداخلة: ونص الآية ..
الشيخ: هذا العلم من أين أخذته؟
مداخلة: من ديننا.
الشيخ: طيب، فهل كان هذا في دين من قبلنا.
مداخلة: سياق الآيات التي تتحدث عن الآخرة.
الشيخ: الآيات في ديننا، هذه ما فيها خلاف.
مداخلة: أقول هي تتحدث عن أمر سيحصل لكل الأمم.
الشيخ: أنا أسألك هل كانت الأمم تعلم هذا الحكم؟ بمعنى آخر، هل كل ما نعرفه في شرعنا كان معروفاً فيمن قبلنا.
مداخلة: لا.
الشيخ: أليس قد قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} (البقرة:286)، حمله إصراً وإغلالاً، ولذلك جاء هذا الإسلام ليضع الأغلال التي كانت موضوعة من قبل، فحتى الأحكام الثقيلة التي ربنا عز وجل خففها عن هذه الأمة، كانت قائمة معروفة من قبل، فضلاً عن الأخبار الغيبية أنه ليس بعيد
…
خطرت في بالهم، لأنهم لا يعلمون إلا ما أنزل على أنبيائهم، فكون هذه حقيقة علمية عندنا ليس يلزم منه أنه حقيقة علمية عندهم، فعلى كل حال خذها قاعدة، الأصول المقطوع بها لا تعطل لشبهة تعرض على
الإنسان لمجرد نص حتى لو كان في شرعنا نحن، لأن هذا من باب {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (آل عمران:7)، يعني دائماً الإنسان يأخذ بالأصول الواضحة ويترك المتشابهات من الآيات أو الأحاديث النبوية، شو طلع عندك الآية هذه؟
مداخلة:
…
شيخنا، تعلمنا من هذيك المرة، قوله تعالى:{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (هود:106 - 107).
الشيخ: أيوه، هنا هذه الآية، وعلى كل حال من تمام الفائدة انظر كيف النص يختلف بالنسبة لأهل الجنة.
مداخلة: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (هود:108).
الشيخ: فالآن هذا الاستثناء هل ينافي آية عيسى عليه السلام، {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (المائدة:118)، فهنا بالنسبة للفريقين الذين سعدوا أهل الجنة والذين شقوا أهل النار، قال:{إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} اختلف علماء التفسير كثيراً في هذه الآية، لكن الظاهر والله أعلم أن ربط مصير الفريقين السعداء والأشقياء بمشيئة الله يلفت نظر عباد الله إلى أن كل ذلك ليس بحكم حاكم على الله، إنما هو بمشيئته وهو فعال لما يريد، فنستطيع أن نقول عيسى عليه السلام لما قال هذه الكلمة انطلق من هذا الملحظ، أنه أنت تفعل ما تشاء، حتى ولو كان يعني الذين أشركوا بالله عز وجل، فأنت فعال لما تريد. والله أعلم.
"الهدى والنور"(667/ 01: 57: 00) و (668/ 42: 00: 00)