الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1808] باب بيان سبب خطأ الجبرية والقدرية في أبواب القضاء والقدر باب
[قال الإمام]:
عقيدة الجبر
…
نشأت عند الجبرية من غلوهم في الإيمان بالقضاء والقدر، وفهمها أو فهمهم لهذه العقيدة فهماً خاطئاً، فاستلزموا من هذه العقيدة الجبر، فقالوا بلازمه في زعمهم أنه كما جاء في بعض أشعارهم:
ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له
…
إياك إياك أن تبتل بالماء
فهذا يصور عقيدة الجبرية، فمن أين جاءت الجبرية؟ من الإيمان بالقضاء والقدر مع الفهم الخاطئ، فعالج هذا الخطأ الفريق الآخر وهو: المعتزلة قالوا: لا سبيل لنا إلى إبطال الجبر إلا بما اتكئوا عليه من الإيمان وهو القدر؛ إذاً: لا قدر، كلاهما على طرفين نقيض، وكلاهما على مذهب أبي نواس: وداوني بالتي كانت هي الداء، وأنا أرى أن كثيراً من العقائد يساء فهمها فتعالَج على هذا المذهب المنحرف عن الحق، وقد يقع في مثل هذا كثير من كبار العلماء المشهورين، يدفعهم في ذلك إساءة العامة وربما بعض الخاصة فهم العقيدة الصحيحة فيضربون سوء الفهم بضرب العقيدة الصحيحة.
لاشك أنكم تعلمون أن من العقائد الصحيحة التي توارثها الخلف عن السلف: الإيمان بنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، ويقترن معه الإيمان بخروج المهدي، نعم.
نعود إلى أصل المسألة عن القدر، فكيف عالجت المعتزلة الجبر معالجة سيئة وذلك لما لم يستطيعوا أن يفهموا القدر الإلهي فهماً لا يستوجب الجبر، بل
هم شاركوا الجبريين في فهمهم للقدر؛ بأنه يستلزم الجبر، والجبر باطل وما لزم منه باطل فهو باطل، وإذاً: لم يجدوا وسيلة أعني بطبيعة الحال المعتزلة بمحاربة الجبر إلا بنفس عقيدة القدر، وهم لاشك ما يستطيعون وإن كانوا ضلالاً فهم مؤمنون بكتاب الله عز وجل، لا يستطيعون أن ينكروا القدر كلفظ مذكور في القرآن الكريم في غير ما آية لا يستطيعون أن ينكروا ذلك وإلا خرجوا من الدين، لكنهم وهكذا شأن كل الفرق الضالة الذين انحرفوا عن الكتاب والسنة أنهم يؤمنون بألفاظ الكتاب، ولا يؤمنون بمعانيها، فما [أنكروا] القدر، ولكنهم تأولوا القدر بما يساوي العلم كما يفعلون في كثير من الآيات المتعلقة بالصفات الإلهية، فهم مثلاً: ينكرون أن يكون الله تبارك وتعالى له صفة السمع والبصر، وهم يعلمون مثل قول رب العالمين آية التنزيه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى:11) فهم لا يستطيعون أن ينكروا هاتين الصفتين أنه سميع وبصير إلا بالطريقة ذاتها التي أنكروا فيها القدر ألا وهو: التأويل بل هو التعطيل فقالوا: السميع البصير يعني: العليم.
فكذلك أولوا القدر بمعنى ماذا؟ العلم. مع أنه كما لا يخفاكم العلم صفة ذاتية، أما التقدير الإلهي فصفة فعل، نعم من صفات الأفعال، فهم خلطوا بين هذه الصفة الذاتية وبين الصفة العملية لماذا هذا الخلط؟ ليضربوا الجبر، ولكن أصابهم كما يقول المثل في بعض البلاد: كانوا تحت المطر صاروا تحت المزراب
…
والشاعر العربي القديم - كما تعلمون - يقول:
أوردها سعد وسعد مشتمل
…
ما هكذا يا سعد تورد الإبل
أي: [يحب] الجمع بين الصفات الإلهية كلها والمشتقة من كتاب الله
وأحاديث رسول الله ولا يجوز ضرب بعضها ببعض، أو إنكار بعضها على
حساب البعض.
ما أحسن ما قال ابن القيم رحمه الله في هذه المناسبة:
العلم قال الله قال رسوله
…
قال الصحاب ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
…
بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها
…
حذراً من التعطيل والتشبيه
وهذا هو الموقف العادل لا تعطيل ولا تشبيه، وإنما هو الإيمان على ما أراد الله عز وجل بهذه الآية وأحاديث الرسول عليه السلام التي تثبت الصفات الإلهية.
فالشاهد: أعود إلى ما كنت انتهيت إليه أن كثيراً من العلماء حينما يريدون أن يعالجوا بعض الانحرافات التي أصابت الجماهير قديماً وحديثاً: إنما يعالجون بانحراف مثله أو بأخطر منه، وضربت على ذلك مثلاً عقيدة نزول عيسى عليه السلام.
أنا أذكر جيداً أنني حينما نشأت في طلب العلم أني انتفعت بالسيد رشيد رضا وبمجلته المنار خاصة انتفاعاً كثيراً، بل أعتقد أنه لم يكن المفتاح الذي فُتِح لي به طريقة السلف إلا هذه المجلة، أي نعم.
لكن وجدت في كثير فيما بعد من مقالاته: أنه انحرف في قليل أو كثير مما جاءت به السنة، والسبب في ذلك: أنه كان ابتلي بمن يسمون بالقاديانية تعرفونهم؟
مداخلة: هؤلاء القاديانية؟
الشيخ: نعم القاديانية الذين يسمون أنفسهم بالأحمديين.
مداخلة: غلام أحمد
…
الشيخ: الغلام غلام أحمد القادياني.
مداخلة: نعم.
الشيخ: فهم معروفون عند أهل السنة بالقاديانية وهم: يفرون من هذه النسبة إلى النسبة الأحمدية فهم يقولون: نحن أحمديون، ولهم هدف خبيث بالفرار من تلك النسبة إلى هذه، لأن النسبة الأولى إنما هي نسبة إلى البلدة التي خرج منها نبيهم الكذاب هذا الغلام أحمد القادياني وهي قاديان.
وينتسبون إلى أحمد لأن غلام أحمد القادياني ليس اسمه أحمد وإنما هو غلام، غلام أحمد وهذا أسلوب في اللغة الهندية تفسيره: خادم أحمد، فهو ليس أحمد وإنما هو خادم أحمد.
والمقصود بأحمد هو: نبينا عليه الصلاة والسلام، والأعاجم لهم مثل هذه النسبات افتخاراً بانتسابهم للرسول عليه السلام.
فغلام أحمد هكذا عرف الرجل ولكنه لما ادعى المهدوية، ثم ادعى النبوة فحمل على نفسه بعض النصوص الشرعية من الكتاب والسنة جرها جراً على نفسه مثل: قوله تعالى: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (الصف:6) من هذا أحمد؟! هو محمد لا، هو أحمدهم هذا، وبناءً على ذلك حتى يصح له جر هذه الآية وحملها على ذاته غَيَّرَ اسمه في مؤلفاته، أنا هذا درسته شخصياً؛ لأني ابتليت بمجادلة القاديانية بدمشق سنين طويلة.
فهو كان يكتب اسمه في مؤلفاته ميرزا غلام أحمد أي: خادم أحمد بن
عبد الله بن عبد المطلب، فحذف ميرزا غلام أحمد فقال: أحمد؛ لكي يضلل الناس أن هذه الآية تعنيني أنا وأنا اسمي أحمد، أما محمد النبي المبعوث رحمة للعالمين اسمه: محمد وليس اسمه أحمد، هكذا أوهم المضللين به، أي نعم.
ولذلك فهو إتماماً لإضلال شيخهم لهم يبينون للعالم بأنهم أحمديون ليسوا منتسبين لأحمد بن عبد الله هذا ابن عبد المطلب، وإنما لأحمد بس هذا الكذاب.
هؤلاء كالمعتزلة، بل وأشد إغراقاً في الضلال؛ لأنهم ينكرون ما هو معلوم من الدين بالضرورة، يؤمنون بكل الكتاب ولكن لفظاً وليس معنىً، ولا يخفى على أهل العلم أن اللفظ في كل الكلام فضلاً عن الكلام الإلهي ليس مقصوداً بذاته، وإنما هو وسيلة للمعاني، وكما يقال: الألفاظ قوالب المعاني، فما الفائدة إذا آمن مؤمنٌ ما، بآية ما ثم لف ودار عليها واستخرج لها من ضلاله معنى لا صلة لهذا المعنى باللفظ القرآني، هكذا كل الفرق الضالة شأنهم مع القرآن الذين لم يعلنوا الخروج عن الإسلام، وإنما لا يزالون يدعون أنهم مسلمون ونؤمن بالقرآن.
القاديانيون هكذا مثالهم يؤمنون بألفاظ القرآن في كثير من نصوصه،
ولكنهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه كما حكى ربنا ذلك في القرآن الكريم
عن اليهود.
هم يعتقدون مثلاً: بأن باب النبوة مفتوح بعد محمد عليه الصلاة والسلام على رغم مثل قوله تبارك وتعالى في القرآن: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40).
هم لا ينكرون أنه خاتم النبيين، لكنهم ينكرون كما أنكرت المعتزلة القدر، وأنكروا الصفات الإلهية ونحو ذلك، فهم يقولون: خاتم النبيين ليس معنى
آخرهم، وإنما خاتم النبيين كالخاتم في الأصبع، فهو زينتهم، هذا موقفهم من القرآن، ما موقفهم من الأحاديث المتواترة، في أنه لا نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام؟ ما استطاعوا تأويله حرفوه كما حرفوا القرآن، وما لم يستطيعوا نسفوه نسفاً فقالوا: هذا مخالف للقرآن.
من أشهر الأحاديث التي تثبت أن لا نبي بعده عليه السلام حديث: مخاطبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعلي حينما سافر إلى تبوك غازياً، وترك علياً في المدينة، وبكى
علي فأنسه عليه السلام بقوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا
نبي بعدي» (1).
قالوا: هذا حديث صحيح، لكن ما فهمتموه جيداً، «لا نبي بعدي» أي: معي، أما بعده يعني: بعده في نبي، هذا، وهذا مثال آخر يعني كيف يحرفون الكلم من بعد مواضعه.
مداخلة: يستدلون أن هارون كان مع موسى.
الشيخ: نعم.
مداخلة: لهم ذكاء مع ضلالهم يعني.
الشيخ: إيه ذكاء، لكنه ذكاء بدون عقل ما يفيد شيئاً أبداً.
مداخلة: ذكاء يجعلهم ضلالاً.
الشيخ: ولذلك حكى ربنا عز وجل في القرآن الكريم عن الكفار المشركين: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك:10).
(1)"صحيح البخاري"(رقم 4154) ، ومسلم (رقم 6370).
لذلك الذكاء شيء والعقل شيء: أنا جعلت الاستطراد طويل جداً، يعني: كنت أتكلم عن السيد رشيد رضا، وأنني استفدت منه، لكن رأيت منه بعض الانحرافات منها: بسبب رده على القاديانية، والقاديانيون يدعون من دعاويهم الباطلة أن ميرزا غلام أحمد القادياني هو عيسى المبشر به في الحديث، وهذا أيضاً من تآويلهم الباطلة، «لينزلن فيكم عيسى ابن مريم حكماً عدلاً» (1) نعم ليس المقصود عيسى، وإنما المضاف محذوف تقديره مثيل عيسى، لف ودوران من هو هذا المثيل؟ ميرزا غلام أحمد القادياني، فالسيد رشيد رضا رحمه الله كأنه شعر أنه ما استطاع أن يقيم الحجة عليهم حجة دامغة قاهرة إلا بالتشكيك في أحاديث نزول عيسى عليه السلام من أجل ماذا؟ يقلص الجمهور المتأثر بالقاديانية لا عيسى ولا مهدي.
لذلك قلنا بالنسبة إليه مع فضله وعلمه:
أوردها سعد وسعد مشتمل
…
ما هكذا يا سعد تورد الإبل
وأنا كتبت في بعض ما كتبت من المؤلفات والكتب: أن السبيل في كل هذه الأمثلة وسواها ليس هو التأويل الذي هو أخو التعطيل، وإنما هو فهم النصوص فهماً جيداً من المسلمين حتى لا يقعوا في انحراف سلبي أو إيجابي.
نعود إلى مسألة القدر وهي مشكلة المشاكل في الواقع من يوم وجدت المعتزلة إلى اليوم.
المعتزلة يقولون: إذا قلنا: إن الله عز وجل قدر على الإنسان الإيمان والكفر،
(1)"صحيح البخاري"(رقم 3264).
والخير والشر فهذا معناه أنه مجبور لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً! إذاً: ما المخرج عندهم؟ لا قدر إذاً: ماذا نقول في الآيات التي أثبتت القدر؟ نؤولها بالمعنى الذي سمعته: العلم، لكن ما استفادوا شيئاً من هذا الإنكار؛ لأنه لا فرق بين كل المؤمنين الذين يؤمنون بالعلم الإلهي، وبين أكثر المؤمنين الذين يؤمنون أيضاً بالقدر
الإلهي من حيث المشكلة التي أوردها المعتزلة لا فرق بين العقيدتين: عقيدة الإيمان بالعلم الإلهي الأزلي والإيمان بالقدر الإلهي لا فرق من حيث المشكلة، ما هي المشكلة؟ قالوا: إذا قلنا إن الله قَدَّرَ وكتب الإيمان والكفر والخير والشر لزمنا الجبر.
كذلك نقول نحن: لاشك ولا ريب عند كل المؤمنين بالقدر الإلهي أنه وفق العلم الإلهي، كذلك الكتابة الإلهية على مراحلها المتعددة كما شرح ذلك الإمام ابن القيم في كتابه العظيم المسمى ماذا؟ الحكمة والتعليل.
مداخلة: شفاء الغليل.
الشيخ: شفاء الغليل (1)، نعم أحسنت.
فهناك مراحل للكتابة كل هذه الكتابة، الكتابة الأولى والأخيرة التي والولد في بطن أمه بطبيعة الحال على وفق ماذا؟ العلم الإلهي.
فإذاً: الإشكال الذي أوردوه لا يزال قائماً بمعنى: حذفنا الآن من أذهاننا ما حذفوه هم من عقائدهم وهو: القدر الإلهي طوينا عنه صفحة مؤقتاً.
كذلك الكتابة الإلهية، وأن نتفق معهم هناك على العلم أو هم يتفقون معنا،
(1) كذا، والصواب «شفاء العليل» ، بالعين المهملة.
طيب. سبق في العلم الإلهي أن فلاناً سيكفر هل يمكن أن يتغير العلم الإلهي؟! طبعاً لا.
مداخلة: لا يتغير.
الشيخ: طيب. الكتابة الإلهية تتغير؟! لا.
القدر الإلهي يتغير؟ لا. فما الذي استفدتموه من قولكم: لا قدر واضح؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: إذاً: يجب الإيمان بكل ما جاء من العلم والكتابة والقدر وتأويل ذلك بما يتفق مع الأدلة الأخرى.
فما استفادوا شيئاً من إنكارهم القدر بحجة أنه إذا كان القدر لا يتغير فإذاً: صار المكلف مجبوراً نقول لهم: هل العلم الإلهي يتغير؟ سيقولون: العلم الإلهي ما يتغير.
مداخلة: لا يتغير.
الشيخ: نعم. فسيكون من جوابهم: أنه لا يتغير، إذاً: هل سبق في العلم الإلهي أن فلاناً سعيد، فلاناً شقي؟! فمن قولهم: أنه أحاط بكل شيء علماً إذاً: لا يتغير فما جوابكم عن العلم الإلهي الذي لا يتغير فهو جوابنا عن القدر الإلهي الذي لا يتغير، هذا كما لا يخفاكم جواب جدلي.
مداخلة: إي والله جدلي.
الشيخ: لكنه حق، لكن عندي جواب آخر: ما سبق في العلم الإلهي أو في القدر الإلهي هو بلا شك يوافق ما سيقع لا يختلف قيد شعرة، وإذا كان الأمر
كذلك فنحن نرد على كل من الفريقين المعتزلة وخصومهم الجبرية، جواب يشمل الفريقين معاً، ثم نعود على الجبرية بتفصيل لا يحتاجه المعتزلة، إنهم معنا في أن العلم الإلهي يعرف الوقائع على حقائقها الجلية، ونحن نعلم من واقع المكلفين أن أعمالهم وحياتهم فيها ما هم مختارون ضرورة، وما هم مجبورون أيضاً.
نبدأ بعمل القلب، عمل القلب مجبورون فيه؛ لأنه من خلق الله الذي ليس للبشر فيه خيرة، ولذلك إذا شاء الله عز وجل عطل هذه الحركة بإماتة صاحبها.
كذلك نقول في كون زيد من الناس طويلاً وآخر قصير بليداً نحيلاً وو
…
إلى آخر ما هنالك.
هنا يصدق قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (القصص:68).
لكن هناك أمور أخرى تتعلق بهذا الإنسان المجبور من هذه الزاوية، هناك أمور أخرى تصدر منه باختياره، فالآن أنا أتكلم، وأنتم تصغون وأحياناً تتكلمون أيضاً معنا، هل أنتم يا معشر المعتزلة الجبرية لهم خطاب آخر قلنا آنفاً، أنتم معشر المعتزلة تقولون أننا نحن الآن في هذا الكلام مختارون أم مجبرون؟ سيكون من قولهم: مختارون، طيب في الحال الأولى أو الأمثلة الأخرى: مختارون أم مجبورون؟ يعني: في كون حركات القلب، وهذا إنسان طويل وآخر قصير، وأبيض وأسمر وأسود إلى آخره، مختارون أم مجبورون؟ ما يستطيعون أن يقولوا مختارون.
إذاً: هذا الواقع بقسميه بصورتيه سبق في علم الله عز وجل، سبق في علم الله عز وجل.
العلم يشملهما الصورتين.
ننزل الآن إلى ما أنكرتم من القدر، القدر يشملهما أيضاً؛ لأننا قلنا أن القدر الإلهي وفق العلم الإلهي، فما في اختلاف بينهما من حيث أنه يكتشف الواقع على حقيقته يكتشفان الواقع على حقيقته قبل وقوعه، فمن هذه الحيثية القدر مطابق لماذا؟ للعلم الإلهي.
إذاً: أين الإشكال إذا كان ما قدره الله من القسم الأول فأنا لا أسأل عنه؛ لأني لا إرادة لي، كون واحد أسود فاحم قد يعير الأبيض بسواد بشرته مثلاً، لكن لا يعير؛ لأنه هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه.
لكن أنا إذا انحرفت أو شتمت أعير لماذا؟ لأنه من القسم الآخر.
مداخلة: في إرادة يعني؟
الشيخ: نعم في إرادة، فإذاً: ما هو الإشكال في إنكاركم القدر، والقدر يكتشف الواقع بقسميه؟!
نحن آنفاً ضربنا القسم الأول؛ لأنه واضح لا جدل فيه إطلاقاً وهو مفهوم لدى الجميع.
الآن نضرب مثلاً في أعمالنا نحن التي تصدر من جوارحنا: إنسان رمى عصفوراً فأصاب إنساناً فقتله هذا.
مداخلة: قتل خطأ.
الشيخ: قتل خطأ، لكن بفعل ماذا؟ بإنسان.
مداخلة: أي نعم.
الشيخ: ليس فعل الإله مباشرة كما هو القسم الأول.
مداخلة: أي نعم.
الشيخ: هذا مقدر أم، عفواً لا أقول للمعتزلة مقدر؛ سبق في العلم الإلهي هذا أنه عمل وَلَّا لا؟
مداخلة: سبق.
الشيخ: ولذلك كان من العدل الإلهي أنه لن يؤاخذه في الآخرة؛ لأنه
قتله خطأ.
طيب. كذلك نحن نقول: نحن المؤمنين بالقدر الإلهي القدر الإلهي سجل عليه هذا الخطأ، هذا القتل خطأً، ولذلك ما يؤاخذني لكن إنسان آخر فنقول: إنسان آخر، وفي ليلة لا قمر فيها ترصد خصماً له، وتهيأ لقتله فرماه بالبندقية أو طعنه بخنجره، هل يستوي هذا وذاك؟
مداخلة: لا.
الشيخ: لا يستويان مثلاً.
مداخلة: هذا متعمد.
الشيخ: نعم هذا متعمد، وكما يقولون في القضاء اليوم عن سابق ماذا؟ تصميم وإصرار.
الشيخ: كلاهما الصورتان سبقتا في العلم الإلهي بلا شك، لأنه أحاط بكل شيء علماً، فما المانع يا معتزلة أن يكون هذا العلم الإلهي سجل في اللوح المحفوظ فكان قدراً، فالقدر إذاً: يحيط بالواقع على حقيقته إن كان جبراً لا
مؤاخذة، وإن كان اختياراً فهنا مؤاخذة، فلماذا تخشون من القول بالقدر؟ واضح هذا الجواب، هذا الجواب ملزم بالإيمان بالقدر.
كذلك الجواب الأول، لكن ذاك جواب جدلي وهذا مؤكد لذاك الجواب، على هذا يجب أن تعالج كل العقائد الإسلامية الصحيحة منها: قضية نزول عيسى عليه السلام أشكل الأمر على السيد رشيد رضا رحمه الله ومنه استقينا نحن هذا المنهج السلفي والحديثي، وأشكل على كثير من علماء الأزهر كشلتوت وأمثاله، أنكروا عقيدة نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان لماذا؟ قالوا: لأن كثيراً من الناس ادعوا العيسوية، وهذا غلام أحمد القادياني كثير منهم ادعوا المهدوية وجاركم هناك في السودان المهدوي هذا معروف، وفي التاريخ الإسلامي كثير ممن ادعى ماذا؟ العيسوية وادعى المهدوية، إذاً: سداً لباب هذه الدعوات الباطلة
…
نضيع [على] الناس
…
عقيدة نزول عيسى عليه السلام وخروج المهدي، هذا خطأ، ونعالج الخطأ بخطأ مثله وشر منه، فأنا قلت في بعض ما كتبت رداً على أمثال هؤلاء أنا أخشى ما أخشى أن يأتي يوم يعالج فيه بعضهم الإلهية فينكرها؛ لأن الفراعنة ما انتهوا بعد، فبعضهم يدعي الإلوهية، فلنريح الناس من هذه الدعوة وهي أبطل الباطل ما في إلوهية وانتهت المشكلة هل هذا يصلح مع الردود الصحيحة؟
نحن نقول أخيراً: نزول عيسى عقيدة صحيحة آمن بها السلف وتبعهم الخلف على هدى من ربهم، لكن ليس في الأحاديث ولا في أحاديث المهدي عليهما السلام أن على المسلمين ألا يعملوا لإسلامهم ولعزة دينهم حتى ينزل عيسى ويخرج المهدي، ما يوجد في هذه الأحاديث كلها ما يشعر بهذا الفهم الخاطئ الذي وقع فيه بعض المسلمين، ولذلك أنكر بعض المصريين هذه
الأحاديث من أجل يزيحوا العثر بزعمهم من طريق عامة المسلمين فما في فائدة لا ينزل عيسى ويخرج المهدي، هذا فهمه خطأ كما فهم الجبريون من القدر ووراهم المعتزلة ثم أنكروا الجبر، وأنكروا معه القدر.
ما دام لا يوجد في الأحاديث الصحيحة التي نزلت في عيسى عليه السلام، وفي خروج المهدي ما يشعرنا بالتواكل على مجيئهما إذاً: يجب علينا أن نعمل؛ لأن عيسى إن نزل وجد الأرض مهيئة لقائد يقودهم، وإذا نزل عيسى عليه السلام والمسلمون كما هم اليوم - أنا أقول هذا الكلام مؤمن به - سوف لا يستطيع عيسى أن يجمع المسلمين في لحظة، في يوم وليلة يجمع المسلمين الصالحين منهم بطبيعة الحال حول قيادته؛ لأنه سوف لا يكون في اعتقادي أحلم وأقدر على جمع قلوب الناس حوله من نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو لبث في قومه عشرين سنة، وحتى استطاع أن أوجد هذه النواة التي غذاها الله عز وجل بِقَوَّتِهِ وعلمه ثم امتدت ظِلالها كما تعلمون من التاريخ الإسلامي.
فإذاً: عيسى عليه السلام يجب ألا نتصور أنه ينزل إلى الأرض إلا وقد هيئت له لقبوله، إذاً: ينبغي أن نفهم أحاديث النزول والخروج؛ على أنها تحض المسلمين على العمل لإعادة الإسلام إلى مجده الغابر، لا أن ينتظروا عيسى والمهدي ليعيد لهم المجد الغابر، إذا آمنا هكذا فما المشكلة من أحاديث عيسى عليه السلام وخروج المهدي؟ لا إشكال أبداً دائماً المشاكل تأتي من سوء فهم النصوص، وهذه الحقيقة نقطة مهمة جداً في العالم الإسلامي من حيث إنهم أساءوا فهم بعض النصوص فأساؤوا فهم نصوص أخرى.
ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً وإياكم للفهم الصحيح عن الله ورسوله.
مداخلة: يا شيخ
…
ابن خلدون يتكلم عن أحاديث المهدي ما رأيكم في أحاديث المهدي يقول: إنها ضعيفة كلها.
الشيخ: أولاً: لا يخفاكم أن ابن خلدون هو مؤرخ وحكيم في التاريخ وليس عالماً بالحديث، وما أردت أن أقول ليس متخصصاً في الحديث، بل هو ليس عالماً في الحديث.
مداخلة: يعني: أبعد من هذا.
الشيخ: هو هكذا، ثم من قرأ كتابته في تاريخه أو في مقدمة تاريخه حول أحاديث المهدي يجد هناك في بعض الأحاديث اعترافاً بالصحة لهذا البعض، ولذلك فيخطئ كثيراً من الكتاب الذين كتبوا في هذه القضية ومنهم: شيخ قطر إذا سمعتم به.
مداخلة: القرضاوي
الشيخ: لا المحمود هذا.
مداخلة: الشيخ الكبير.
الشيخ: يخطئ كثيراً كهذا الشيخ حين يعزوا إلى ابن خلدون أنه ضعف كل أحاديث المهدي، فهذا خطأ ليس فقط على الحديث النبوي، بل وخطأ آخر على ابن خلدون المؤرخ.
ثم علم الحديث في الواقع فيه دقائق هي التي صرفت كثيراً من العلماء عن الاشتغال بالحديث؛ لأنه يتطلب جهداً ودأباً قد لا يستطيعه أكثر النفوس، ولو كانوا من أهل العلم والفضل.
أضرب لك مثلاً بين عالم يكتب بحثاً علمياً وكاتب يكتب مقالة أدبية كم
الفرق بينهما؟
مداخلة: الفرق شاسع.
الشيخ: شاسع جداً الذي يكتب مقالة أدبية، الأفكار المخزونة في ماذا؟ مخه وفكره يسير قلمه لا يحتاج أن يراجع هذه الكتب التي يسميها بعض الناس ظلماً الكتب الصفراء
…
، لا يحتاج.
بينما الذي يريد أن يكتب ويحرر مقالة علمية خاصة في آخر الزمان الذين علمهم كأمثالنا في سطورهم وليس في صدورهم هؤلاء بحاجة أن يراجعوا على الأقل يتثبتوا، أما ذاك الكاتب ما يحتاج إلى مراجعة أبداً، يكتب يشحبر -يقولوا عندنا في الشام- يعني بالقلم الأسود.
النسبة التي ذكرتها بين الكاتب العالم، والكاتب الأديب هي النسبة بين العالم المحدث المتخصص في الحديث والعالم يحتاج إلى صبر ومراجعة كثيرة وكثيرة جداً لماذا؟ لأن كثيراً من الأحاديث هي من القسم الذي يسميه علماء الحديث صحيح لغيره، حسن لغيره.
صحيح لغيره وحسن لغيره، أحد العلماء كالترمذي مثلاً إذا قال في حديث ما حديث حسن، وهذا من الغرائب واللطائف التي لا يتنبه لها أكثر العلماء بل وكثير من المحدثين إذا قال الترمذي في حديث: حسن، يعني: إسناده ضعيف أسمعتم بهذا؟ إذا قال في حديثٍ ما: حديث حسن يعني: أن إسناده ضعيف.
مداخلة: لم يصل إلى درجة الصحة يعني ....
الشيخ: إذا قال الترمذي في حديث ما حديث حسن يعني: إسناد الحديث الذي حسنه الترمذي إسناده ضعيف كيف هذا؟ هذا اصطلاح، على خلاف ما إذا