الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1725] باب فناء نار العصاة وبقاء نار الكفار
[قال الإمام]:
اعلم أن النار في الآخرة ناران: نار تفنى ونار تبقى أبداً لا تفنى، فالأولى هي نار العصاة المذنبين من المسلمين، والأخرى نار الكفار والمشركين، هذا خلاصة ما حرره ابن القيم في " الوابل الصيب " وهو الحق الذي لا ريب فيه، وبه تجتمع الأدلة، فلا تغتر بما ذكره الشارح هنا [أي شارح الطحاوية]، وابن القيم في " شفاء العليل " و" حادي الأرواح " مما قد ينافي هذا الذي لخصته؛ فإنهما لم يتبنيا ذلك، وليس فيه أي دليل صريح صحيح يدل على فناء نار الكافرين، والله تعالى كما قال في أهل الجنة:{لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين} (الحجر: 48) قال مثله في الكافرين: {وما هم بخارجين من النار} (البقرة: 167). وما روي عن عمر وغيره لا يصح إسناده كما بينته في تعليقي على " الشرح "[أي شرح الطحاوية] ثم في " الأحاديث الضعيفة " المجلد الثاني (606 - 607).فتنبه.
"التعليق على متن الطحاوية"(ص85 - 87).
[1726] باب هل يقول ابن تيمية وابن القيم بفناء النار
؟
سؤال: السؤال هو أننا نعلم أن شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى يعني أَجَلّ من أن يسقطوا في مسألة يعني انتشرت لاسيما مسألة فناء النار، فهل صحيح هذه الدعوى صحت في كتبهم أم تراجع عنها أم كيف؟ أريد جواب في هذا الأمر؟
الشيخ: القول بفناء النار زلة من زلات ابن تيمية، وأظنك إذا كنت مقدراً لعلم ابن تيمية بل لشخصه وعلمه وصلاحه، أنك سوف لا تكفر به إذا ما قلنا لك بأنه
ليس بنبي معصوم، أليس كذلك؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: حسناً، قوله بفناء النار قد قال ذلك، وهذه زلة لا ينبغي أن يتابع بل ولا أن يقلد فيها، وظني أنه رجع عنها، ظني -انتبه! - وإنما جاءني هذا الظن من كلام لتلميذه ابن القيم الجوزية؛ لأني أظن من متابعتي لأقوال الشيخ وآرائه وأحكامه، ومتابعتي لهذه الأشياء من تلميذه أيضاً أن التلميذ أتبع كما يقال لشيخه من ظله، مفهوم إلى هنا؟ فقلما نجد ابن القيم يخالف ابن تيمية، وحق له ذلك؛ لأن ابن تيمية رجل يعني جمع من العلم والصواب ما لا يحيط به كثير من كبار العلماء.
فلما رأيت ابن القيم الجوزية ذكر في كتابه «الوابل الصيب في الكلم الطيب» أو «شرح الكلم الطيب» وهذا مشكوك فيه، يقول: النار ناران فنار تفنى ونار تبقى، النار التي تفنى هي نار الفساق من المؤمنين المسلمين، والنار التي لا تفنى هي نار الكفار، فإذاً ممكن أن يكون هذا الذي صرح به ابن القيم هو رأي ابن تيمية الذي انتهى إليه، لكن ما وقفنا على رأي ابن تيمية هذا الأخير من كلامه أو من قلمه إنما وجدنا بقلم تلميذه ابن القيم الجوزية رحمه الله.
وهذا له يعني أمثلة كثيرة وكثيرة جداً،
…
حديث: «من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار» (1).
ابن تيمية في فتاواه «مجموعة الفتاوى» له كلام جيد بمناسبة هذا الحديث من جهة وله كلام غير جيد من جهة أخرى، الكلام الجيد هو يقول: أنه لم يكن من عادة السلف الصالح ولا من عادة الخلفاء الراشدين أن يقوم بعضهم للقادم قيام
(1)"الصحيحة"(1/ 2627).
إكرام وتعظيم، لم يكن هذا من عادتهم ولذلك فهو يقول: ينبغي على الخلف أن يقتدي بالسلف في كل شيء ومن ذلك هذه المسألة.
ثم يستثني وهذا من فقهه وحكمته يقول: لكن إذا كان المسلم يعيش في جو اعتاد الناس هذا القيام وفهمتم أي قيام أعني بهذا الكلام، رجل دخل شيخ مثلاً، لو دخل علينا الآن شيخ كبير لا شك أن بعضكم سيقوم له إكراماً وتعظيماً، وهذا موجود في أكثر البلاد الشامية.
فيقول ابن تيمية: السنة عدم القيام، لكن إذا كان المسلم في جو اعتادوا مثل هذا القيام وإذا لم يقم يخشى أن يقع في نفس الحاضرين أو الداخل شيء من البغض والحقد ضد هذا الجالس الذي لم يقم، هنا يرى ابن تيمية القيام، وهذا داخل في باب دفع المفسدة الكبرى بالصغرى، قاعدة هذه فقهية عظيمة، الخطأ أين؟ يقول: هو ليس هذا القيام هو المقصود بقوله عليه السلام: «من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار» ، قال: لأن المقصود بهذا الحديث هو القيام للقاعد يعني الملك جالس والوزراء والحاشية كلهم قيام على طريقة ما جاء في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري لما أصيب عليه السلام في عضده ولم يستطع صلاة الظهر قائماً فصلى قاعداً، فصلى الناس خلفه قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا، فجلسوا، بعد الصلاة قال لهم:«كدتم آنفاً أن تفعلوا فعل فارس بعظمائها يقومون على رؤوس ملوكهم» ، الملك قاعد وهم قائمون.
قال ابن تيمية حديث: «من سره أن يتمثل الناس له قياماً» ، إلى آخر الحديث قال: المقصود به أن يقوموا وهو جالس، هذا خطأ، والدليل على هذا الخطأ إذا تذكرتم معي القصة التي ذكرتها آنفاً دخل معاوية على رجلين عبد الله بن عامر
وعبد الله بن الزبير قام الأول ولم يقم الآخر فنهى القائم، معاوية ما كان جالساً قاعداً فعلى العكس تماماً، هو دخل وهم كانوا قاعدين فقام أحدهما فأنكر عليه بهذا الحديث.
فوجدت ابن القيم الجوزية يقول هذا الكلام نفسه يرد يعني ما قاله ابن تيمية نفسه، فأنا أظن الحالة هذه أن ابن تيمية كتب هذا الكتاب في الفتاوى لأن هذه الفتاوى ليست تأليفه، جمعها الجامع وقد أحسن بذلك من مختلف المخطوطات والرسائل وإلى آخره، فممكن أن يكون هذا الجواب من ابن تيمية أو هذا البيان من ابن تيمية كان في أول نشأته العلمية يعني.
لكن تلميذه ابن القيم صاحبه إلى آخر رمق من حياته بين أن هذا المعنى خطأ وليس هو ابن تيمية الذي وقع في هذا، سبقه إلى ذلك مثلاً غيره من الشراح للحديث، والذين يتكلمون على غريب الحديث منهم ابن الأثير مثلاً في النهاية، فسره وهو قاعد، هذا خلاف الحديث، فحملوا حديث معاوية على حديث جابر بينما لكل منهما محله يختلفان تماماً.
فيمكن إذاً كما هو المثال في هذا الحديث أن ابن تيمية فسر هذا التفسير الخطأ تلميذه ابن القيم فسره التفسير الصواب، أنا في غلبة ظني أنه أخذه من شيخه متى؟ بعد أن فسر الشيخ الحديث بخلاف التفسير الصواب، كذلك في مسألة فناء النار، فابن القيم يُفَصِّلُ ويبين أن النار التي تفنى هي نار المسلمين الفساق، أما نار الكفار فخالدين فيها أبداً كما جاء في كثير من الآيات الكريمة.
"الهدى والنور"(591/ 38: 02: 00)