الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1781] باب هل الإيمان بأن الله قد قدر الأرزاق
يوجب التكاسل والتواكل
؟
[سئل الإمام]:
فضيلة الشيخ، قرأت في كتاب صغير حديثاً يقول «خذ من القرآن ما شئت لما شئت» فهل هذا الحديث صحيح؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
[فأجاب]: هذا الحديث: «خذ من القران ما شئت لما شئت» (1) حديث مشتهر على بعض الألسنة ولكنه -مع الأسف الشديد- من تلك الأحاديث التي لا أصل لها في السنة، ولذلك فلا يجوز روايته ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم هذا المعنى الواسع الشامل لا يصح ولا يثبت مطلقاً في شريعة الإسلام: «خذ من القران ما شئت لما شئت» فمثلاً إن أنا جلست في عقر داري، ولا أعمل في مهنتي وصنعتي، وأطلب الرزق من ربي أن ينزله علي من السماء لأني اخذ من القران لهذا! من يقول هذا؟!
هذا كلام باطل، ولعله من وضع أولئك الصوفية الكسالى الذين طُبعوا على الجلوس والسكن فيما يسمونها بالرباطات، ينزلون فيها وينتظرون رزق الله ممن يأتيهم به من الناس، علماًً أن هذا ليس من طبيعة المسلم، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ربى المسلمين جميعاً على علو الهمة، وعلى عزة النفس، فقال عليه الصلاة والسلام «اليدُ العليا خير من اليد السفلى، فاليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة» (2).
ويُعجبني بهذه المناسبة مما كنت قرأته فيما يتعلق ببعض الزهاد من الصوفية
(1) الضعيفة (557). [منه].
(2)
البخاري (1429) واللفظ له - مسلم (1033).
- ولا أطيل في ذلك، فقصصهم كثيرة وعجيبة:-
زعموا أن أحدهم خرج سائحاً ضارباً في الأرض بغير زاد، فوصل الأمر إلى أنه كاد أن يموت جوعاً، فبدت له من بعيد قرية، فأتى إليها، وكان اليوم يوم الجمعة، وهو بزعمه خرج متوكلاً على الله، فلكيلا ينقض بزعمه توكله المزعوم، لم يظهر شخصه للجمهور الذي في المسجد، وإنما انطوى على نفسه تحت المنبر، لكيلا يشعر به أحد، لكنه كان يحدث نفسه لعل أحداً يُحس به، وهكذا خطب الخطيب خطبته، وهو لم يُصل مع الجماعة! فبعد أن انتهى الإمام من الخطبة والصلاة، وبدأ الناس يخرجون زرافات ووحداناً من أبواب المسجد، حتى شعر الرجل بأن المسجد كاد يخلو من الناس، وحينئذٍ تُقفل الأبواب، ويبقى وحيداً في المسجد من غير طعام ولا شراب، فلم يسعه إلا أن يتنحنح ليثبت وجوده للحاضرين، فالتفت بعض الناس، فوجدوه قد تحول كأنه عظم من الجوع والعطش، فأخذوه وأغاثوه.
وسألوه: من أنت يا رجل؟!
قال: أنا زاهد متوكل على الله.
قالوا: كيف تقول: متوكل على الله، وأنت كدت أن تموت؟! ولو كنت متوكلاً على الله لما سألت، ولما نبهت الناس إلى وجودك بالنحنحة، حتى تموت بذنبك؟!
هذا مثال إلى ما يؤدي به مثلُ هذا الحديث «خذ من القرآن ما شئت لما شئت» . والخلاصة: أن هذا الحديث لا أصل له.
"كيف يجب علينا أن نفسر القرآن"(ص5 - 7).