الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1606] باب ذكر بعض من أنكر خروج المهدي
[قال الإمام]:
أخطأ ابن خلدون خطأً واضحًا حيث ضعف أحاديث المهدي كلها، ولا غرابة في ذلك؛ فإن الحديث ليس من صناعته
…
وتورَّط بكلامه بعض أفاضل المعاصرين فصرَّح بأن خروج المهدي خرافة، هدانا الله وإياه لقول الحق واتّباعه.
"تخريج أحاديث فضائل الشام"(ص 44).
[1607] باب ذكر بعض من أنكر عقيدة
المهدي وعيسى وبيان خطئهم
[قال الإمام في مقدمة كتابه "قصة المسيح الدجال ونزول عيسى" مبينًا الأسباب التي دفعته لتصنيفه]:
ومما شجعني على ذلك الأمور الآتية:
الأول: شك كثير ممن ينتمون إلى العلم - بل وإلى الدعوة إلى الإسلام؛ فضلاً عن غيرهم ممن لا ثقافة إسلامية عندهم من الشباب المثقف وغيرهم من العوام - في عقيدة نزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وقتله للدجال في آخر الزمان، حتى لقد قام في نفسي أن كثيراً من الطلاب المتخرجين من جامعة الأزهر هم من هؤلاء الشاكِّين - إن لم يكونوا من المنكرين لها - وقد عرفت ذلك من مناقشتي لبعضهم شفهيّاً، ومن اطلاعي على فتاوى بعضهم في ذلك، وتعليقات آخرين منهم على بعض الكتب.
ومن أشهر هؤلاء الشيخ (محمد عبده)؛ فإنه يقول في حديث نزول عيسى
عليه السلام تارة: بأنه حديث آحاد! وهذا حسب علمه بالحديث، وهو من أبعد العلماء المعاصرين عنه في نقدي، وتارة يتأوَّلُ نزولَهُ وحكمَهُ في الأرض بِغَلَبَة روحِهِ وسِرِّ رسالتِهِ على الناس، وهو ما غلب في تعليمه من الأمر بالرحمة والمحبة والسلم
…
حكاه السيد رشيد رضا في "تفسيره"(3/ 317)؛ ومع أنه رده عليه بقوله عقبه:
"ولكن ظواهر الأحاديث الواردة في ذلك تأباه"؛ فإنه رد هذا الاستدراك بقوله عقبه أيضاً:
"ولأهل هذا التأويل أن يقولوا: إن هذه الأحاديث قد نقلت بالمعنى كأكثر الأحاديث، والناقل للمعنى ينقل ما فهمه. وَسُئِلَ (يعني: محمد عبده) عن المسيح الدجال وقتل عيسى له؟ فقال: إن الدجال رمز للخرافات والدجل والقبائح التي تزول بتقرير الشريعة على وجهها
…
"!
ومن الغريب أن هذا التأويل سبقه إليه مدّعي النبوة " ميرزا غلام أحمد القادياني الهندي"، وكرره في كتبه ورسائله، وما أشبه هذا التأويل بتأويله لآيات كثيرة في القرآن؛ يحرِّفها ويستدل بها على نبوته؛ كتأويله لقوله تعالى في عيسى:{ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} (الصف:6)؛ فزعم أنه المقصود بقوله: [أحمد]! وله من مثل هذا الشيء الكثير، وفي غاية السخف؛ كما قال السيد رشيد نفسه في صدد الرد عليه في موضع آخر من "تفسيره"(6/ 58)، فقال فيه:
"وقد جرى على طريقة أدعياء المهدوية من شيعة إيران - كالبهاء والباب - في استنباط الدلائل الوهمية على دعوته من القرآن؛ حتى إنه استخرج ذلك من سورة الفاتحة! وله في تفسيرها كتاب في غاية السخف يدعي أنه معجزة له!!
فجعلها مبشرة بظهوره، وبأنه هو مسيح هذه الأمة! ".
قال السيد رشيد عقبه:
"وإنما فتح على هذه الأمة هذا الباب الغريب من أبواب تأويل القرآن، وتحريف ألفاظه عن المعاني التي وضعت لها إلى معان غريبة لا تشبهها ولا تناسبها؛ أولئك الزنادقة من المجوس وأعوانهم الذين وضعوا تعليم فرق الباطنية؛ فراجت حتى عند كثير من الصوفية".
قلت: فما الفرق بين تأويل هؤلاء الباطنية للقرآن؛ وتأويل القاديانية و (محمد عبده) ومن تَبِعَهُ لأحاديث النزول والدجال بذلك التأويل الباطل بداهة؟! وكيف سكت عليه السيد رشيد رحمه الله؛ بل تأول لهم تأويلاً جديداً بأن الأحاديث نُقِلَتْ بالمعنى؟! وليت شعري! هل ذلك يستلزم رد ما صح روايته عن الصحابة من المعاني فضلاً عما تواتر عنهم؟!
مثلاً: إذا تواتر عن الصحابة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن شيء كلحوم الحمر الإنسية؛ فهذا رواية بالمعنى قطعاً، فهل ذلك يستلزم رد هذا المعنى الذي رووه من النهي بطريقٍ ما من طرق التأويل؛ بحيث يُعطل هذا النَّهي ويصير كأنه لم يرد مطلقاً؟! اللهم! إن هذا لهو الضلال المبين، ونسأل الله تعالى أن يحمينا منه.
وإليك مثالاً آخر من أمثلة التأويل الذي بُلِيَ به بعض الكتاب المعاصرين من الأزهريين: قال الشيخ "محمد فهيم أبو عبية" في تعليقه على " نهاية البداية والنهاية"(1/ 71):
"هل بقي عيسى عليه السلام حتى الآن حيّاً؟ وسينزل إلى الأرض ليجدد الدعوة إلى دين الله بنفسه؟ أم أن المراد بنزول عيسى هو انتصار دين
الحق، وانتشاره من جديد على أيدٍ مُخْلِصةٍ تعمل على تخليص المجتمع الإنساني من الشرور والآثام؟ رأيان (!) ذهب إلى كل منهما فريق من العلماء (!).
وهذا هو ما يقال بالنسبة إلى الدجال: هل هو شخص من لحم ودم ينشر الفساد، ويهدد العباد، ويملك وسائل الترغيب والترهيب والإفساد؛ حتى يقيّض له عيسى عليه السلام فيقتله؟ أم إنه رمز لانتشار الشر، وشيوع الفتنة، وضعف نوازع الفضيلة، تهبُّ عليه ريح الخير المرموز إليها بعيسى عليه السلام، فتذهبه وتقضي عليه، وتأخذ بيد الناس إلى محجة الخير ومنهج العدل والتديّن؟ "! (1).
قلت: ولا يكتفي هذا الأزهري "الفهيم" بهذا التعطيل لنصوص السنة وتأويلها - على طريق الرمز الذي هو مذهب الباطنية الملحدة؛ كما سبق حكايته عن السيد رشيد رضا نفسه - بل إنه يوهم القراء بأن هذا التعطيل هو رأي لبعض العلماء يقابل الرأي الأول! والحقيقة أنه لم يقل به أحد ممن له ذكر بالعلم في أهل الحديث والسنة، وإنما قال به بعض الخوارج والمعتزلة من الفرق الضالة؛ قال القاضي عياض:
"في هذه الأحاديث حجة لأهل السنَّة في صحة وجود الدجال، وأنه شَخْصٌ مُعَيَّنٌ يبتلي الله به العباد، ويُقَدِّرُه على أشياء؛ كإحياء الميت الذي يقتله
…
وظهور الخصب، والأنهار والجنة والنار، واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء فتمطر، والأرض فتنبت
…
، وكل ذلك بمشيئة الله، ثم يعجزه، فلا يقدر على قتل الرجل ولا غيره، ثم يبطل أمره، ويقتله عيسى ابن مريم، وقد خالف في ذلك بعض الخوارج والمعتزلة والجهمية؛ فأنكروا وجوده، وردوا الأحاديث الصحيحة"!
(1) وذكر نحو هذا (ص147). [منه].
قلت: وهذا هو بعينة ما فعله هذا الأزهري (الفهيم) وبعض شيوخه - تبعاً لسلفهم من الخوارج والمعتزلة؛ وأخيراً القاديانية كما سبق - تارة بطريق التشكيك في صحة الأحاديث بزعم أنها آحاد - كما فعل الشيخ (محمود شلتوت) في بعض مقالاته؛ تبعاً للشيخ (محمد عبده) كما سبق -وتارة بطريق التأويل والتعطيل كما فعل هذا (الفهيم)! وهو وإن كان اقتصر في كلامه السابق على حكاية الرأيين - بزعمه- دون أن يحدد موقفه بوضوح منها؛ فإنه إنما فعل ذلك تمويهاً وتدليساً على القراء، وإعداداً لنفوسِهم لِتَقََبُّلِ ما سيرجحه هو فيما بعد! فاسمع إليه وهو يقول في تعليقه على الفقرة الآتية (12 - أبو أمامة، 14 - السياق): (1)"يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب ":
"اختلف العلماء في الكتابة هنا: هل هي حقيقة؛ أم أنها كناية عن الأمارات الدالة على صاحبها؟ وأن القراءة معناها أن تلهم النفس المؤمنة بإشراقها ما يبصرها الحقيقة دون امتراء
…
ولعل هذا التأويل هو الأقرب وهو الأسلم"! (2).
هكذا قال هذا "الفهيم" متجاهلاً نص الإمام النووي وغيره على خلاف ترجيحه؛ قال الحافظ في"الفتح"(13/ 85):
"قال النووي: الصحيح الذي عليه المُحقِّقون أن الكتابة المذكورة حقيقة، جعلها الله علامة قاطعة بكذب الدجال، فيظهر الله المؤمن عليها، ويخفيها على من أراد شقاوته".
قال الحافظ: "وحكي عياض خلافاً، وأن بعضهم قال: هي مجاز عن سمة
(1) هذا عزو لموضع هذه الفقرة من كتاب " قصة المسيح الدجال"، وسيأتي مثله.
(2)
وذكر نحو هذا (ص148). [منه].
الحدوث عليه، وهو مذهب ضعيف".
ثم لا يكتفي ذاك (الفهيم) بترجيحه لذلك التأويل الباطل؛ بل إنه يجزم به بعد عدة صفحات؛ فيقول (ص118):
"اختلاف ما روي من الأحاديث في مكان ظهور الدجال
…
يشير إلى أن المقصود بالدجال الرمز إلى الشر واستعلائه
…
"!
وهذا هو الذي جزم به في تصديره للكتاب؛ فقال (ص6):
"ثم سرنا مع القائلين بأن ظهور المهدي ونزول عيسى عليهما السلام هما رمزان لانتصار الخير على الشر، وأن الدجال رمز لاستشراء الفتنة، واستيلاء الضلال فترة من الزمان
…
"!
قلت: وهذا " الفهيم" هو رئيس بعثة الأزهر الشريف بـ (لبنان)؛ كما طبع ذلك تحت اسمه على طُرّة الكتاب.
ولقد أساء جدًّا في تعليقاته على الكتاب المذكور إلى مؤلِّفه وكتابه من جهة؛ وإلى الحديث النبوي من جهة أخرى؛ مما يدل على جهله البالغ به! فإنه قطع بتضعيف أحاديثَ صحيحة؛ لعدم اتِّساع قلبه لها! ولم يسبقه إلى ذلك أحد من أهل - العلم - كحديث الجساسة؛ انظر (ص6 و96 و101)، وقد رواه مسلم، وحديث المهدي (ص37) - غير مبال بتصحيح المؤلف ابن كثير لبعضها (ص42 و43)؛ بل جزم بوضع حديث آخر رواه مسلم في "صحيحه"(ص 58 - 59)! أما إساءته إلى الكتاب والمؤلف؛ فهي أنه وضع في صلب الكتاب عناوين من عنده دون أن ينبّه على ذلك، وبعضها على خلاف طريقة المؤلف؛ باعتباره من أئمة الحديث الذين يؤمنون بالنصوص المتعلقة بأشراط الساعة دون تأويل لها؛ كما يفعل المبتدعة من المعتزلة وغيرهم، وهذا "الفهيم" قد أبان في تعليقاته
المشار إليها؛ أنه سلك سبيلهم حذو القذة بالقذة، فها هو مثلاً قد وضع من عند نفسه عنواناً في صلب الكتاب (ص116):"حديث يجب صرفه عن ظاهره إلى التأويل"!
وضعه فوق حديث مسلم في قتل الدجال للمؤمن وإحيائه إياه؛ (انظر فقرة: 17 و18 - أبو أمامة).
وعنوان آخر وضعه على الأحاديث الواردة في ابن صياد بعضها في البخاري! فقال (ص104): "مرويات مرفوضة؛ لأنها لا تصدق عقلاً، وليس بمعقول صدورها عن الرسول عليه السلام ".
كأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عند هذا "الفهيم" ينبغي أن لا يتكلم بأمور غيبية لا مجال للعقل إلا أن يسلِّم بها، وعلى ذلك فالإيمان بالغيب الذي هو التصديق لا وجود له في نفسه!!
ووضع عنواناً على حديث تعذيب المصورين (2/ 50): "عذاب المصورين المجسمين يوم القيمة "!
وبالجملة؛ فهذه العناوين التي وضعها من عند نفسه في ثنايا الكتاب؛ مع أنها تنافي الأمانة العلمية؛ فهي - في الوقت نفسه - تدل على مبلغ علم هذا "الفهيم"، والخسارة التي لحقت بالناشرين للكتاب مادةً ومعنى؛ حيث إن تعاليقه المذكورة قد غيرت معالم الكتاب، وجعلته بهذا العناوين والتعاليق كتاباً آخر ليس هو كتاب الحافظ ابن كثير!
"قصة المسيح الدجال"(ص 9 - 16).