الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض، فهي في اعتقادي ذرة من جهنم {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} (ق:30) الأرض في الحدود المعروفة اليوم جغرافياً والمعروف بالنسبة للسنة أو الشريعة أنها طبقات بعضها فوق بعض نظرياً لا يمكن أن تكون هي مقر جهنم، فإذا أضفنا هذه إلى الحقيقة السابقة:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} (إبراهيم:48) لا يمكن أن تكون الأرض هي مقر جهنم، ولذلك نخرج بنتيجة وهي: أنه ليس فقط لا يجب في اعتقاد هذه العقيدة، بل لا يجوز اعتقادها؛ لأنها غير قائمة على دليل شرعي ملزم، ولو بحديث صحيح آحادي ..
" الهدى والنور"(300/ 32: 00: 00)
[1708] باب شرح حديث:
«لن تمسه النار إلا تحلة القسم» والكلام على سماع الموتى
[قال الإمام]:
يسأل سائل هنا عن معنى قوله عليه السلام في الحديث السابق: «لن تمسه النار إلا تحلة القسم» هذا الحديث يشير إلى قوله تبارك وتعالى في الآية الكريمة: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} (مريم:71) إلا واردها .. وإن منكم: قسم من الله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (مريم:71) اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في معنى الورود المقصود في هذا الحديث على ثلاثة أقوال: الورود بطرف النار، كما يقال: أورد الإبل الحوض، والمعنى الثاني: المرور على الصراط، من فوق النار، والمعنى الثالث وهو لا ينافي الثاني: الدخول في النار؛ لأن المرور في الصراط هو دخول في النار، فقوله تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (مريم:71) أي: داخلها، لا فرق بين مؤمن وكافر، كلهم جميعًا من الإنس
والجن لا بد لهم من هذا الدخول، لكن بعد أن يتحقق هذا القسم الإلهي من الدخول هناك بعد ذلك سرعان ما يتميز الصالح من الطالح .. الصالح لائق بدخول الجنة .. الطالح لائق بدخول النار.
ويفسر هذا الكلام حديث أذكره لما فيه من بيان وتفصيل، لكن لا بد لي من أن أقرن بذلك أن هذا الحديث لم يصح من حيث إسناده؛ لأنه على شهرته ينبغي أن نذكره تنبيهًا على ضعفه لكن معناه مقبول في حدود ما جاء من الأدلة، ذلك الحديث يرويه بعض التابعين من المجهولين وهو العلة، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه لقيه في طريقه قال: كنا في مجلس ذكرت فيه هذه الآية: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (مريم:71) قال: فاختلفنا وذكر الأقوال الثلاثة، فما كان من جابر كما تقول الرواية على ضعفها: إلا أن وضع أصبعيه في أذنيه وقال: صمتا .. صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا يبقى بر ولا فاجر إلا ويدخلها ثم تكون بردًا وسلامًا على المؤمنين كما كانت على إبراهيم» إذًا: هذا الدخول المذكور في هذه الآية والمفسر أيضًا في حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «» لا يدخل النار أحد من أهل بدر وأصحاب الشجرة، قالت: كيف هذا يا رسول الله والله عز وجل يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (مريم:71)؟!».
هنا ملاحظة ومهمة من حيث أنها تساعد طالب العلم على فهم النصوص الشرعية: نجد هنا السيدة حفصة رضي الله عنها كأنها تريد أن تقول: إن الذي تقوله يا رسول الله خلاف ما أفهم من الآية، فكيف التوفيق بين هذه الآية حسب فهمي - أي: حفصة - وبين ما تقول يا رسول الله؟ فقال لها بكل هدوء ولطف كما هو شأنه عليه السلام وديدنه، قال: اقرئي ما بعدها: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ
فِيهَا جِثِيًّا} (مريم:72) ما هي الفائدة؟ الفائدة: أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذا سمع قولًا وما أنكره كان ذلك دليلًا على صحته في نفسه، ولكن يمكن أن يدخل فيه تخصيصًا وتقييدًا ما يخطر على بال المتكلم تلك الكلمة والتي أقره الرسول عليه السلام عليها ولكنه يدخل فيها تقييدًا أو تخصيصًا، هذه فائدة مهمة جدًا قد يغفل عنها بعض أهل العلم، ولا بأس من أن أضرب لكم مثلًا:
وقع في عدم الانتباه لهذه النكتة الفقهية الدقيقة الإمام أبو محمد بن حزم صاحب كتاب: "المحلى"، الكتاب العظيم، وكتاب:"الإحكام في أصول الأحكام" وغيره من الكتب، لقد ألف رسالة في إباحة الملاهي عامة، من الآلات الموسيقية والأغاني وما شابه ذلك، وكان مما استدل به على ما ذهب إليه في تلك الرسالة الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي يوم عيد وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، وتضربان عليه بدف، لما دخل أبو بكر قال: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! استفهام استنكاري طبعًا، دعهما فإن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا.
الشاهد: أن الإمام ابن حزم احتج بهذا الحديث على جواز الضرب بالدف والغناء به؛ لأن الرسول عليه السلام أقر الجاريتين، لكن فاته ما أردت التنبيه عليه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر أبا بكر الصديق على قوله السابق الذكر: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟! لقد سمى أبو بكر الضرب على الدف والغناء به سماه ماذا؟ مزمار الشيطان، ما أنكر الرسول عليه السلام ذلك عليه بل أقره كما أقر حفصة على قولها في الآية هكذا.
وكذلك كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أدخل على استدلال حفصة قيدًا كانت غافلة عنه، كذلك تمامًا فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع صاحبه في الغار أبي بكر الصديق أيضًا لفت نظره كأنه يقول له: إن الأمر كما تقول أنت يا أبا بكر لكن هو استثناء قد فات، دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا، فإذا نحن جمعنا بين إقرار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر على قوله: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! وبين قوله له: دعهما، فإن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا، خرجنا بنتيجة أن مزامير الشيطان لا تجوز ويكفي في النهي عنها النسبة إلى الشيطان، لكن هذا الحكم مستثنى منه الضرب بالدف في يوم العيد وممن؟ من الجاريتين، فجمعنا بين إقرار الرسول لأبي بكر وبين قوله له، وخرجنا بنتيجة معاكسة تمامًا للنتيجة التي ذهب إليها أبو محمد ابن حزم رحمه الله، حيث أخذ قول الرسول عليه السلام ولم يتنبه لإقرار الرسول لقول أبي بكر: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!
عندك شيء؟
مداخلة: يقولون أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقر مزمار الشيطان في بيته؟!
الشيخ: أنا أجبتك على هذا بارك الله فيك! نحن نقول: الأصل في آلات الطرب أنها من مزامير الشيطان، لكن استثنى الشارع الحكيم من أن يكون مزمارًا للشيطان في هذا الوقت المعين، فالأصل أنه مزمار الشيطان في غير يوم العيد، أما في يوم العيد فليس مزمارًا للشيطان، فلا منافاة والحمد لله.
هذا أيضًا لعله من المفيد أن نذكر أيضًا بمثال آخر وهو مهم جدًا من حيث الحياة الفكرية التي يحياها اليوم العالم الإسلامي جله الذين يعتقدون بأن الموتى يسمعون، الموتى يسمعون ويحتجون على ذلك بحجج كثيرة ولسنا نحن في هذا
الصدد إلا فيما يتعلق بلفت النظر إلى أن الرسول عليه السلام إذا أقر على شيء فهو حق، ويجب الاستفادة بذلك.
وهنا نذكر غزوة بدر وحينما أهلك الله عز وجل صناديد قريش وألقوا في قليب بدر، ثم جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن وضعت الحرب أوزارها فوقف على القليب ونادى أولئك الكفار الموتى القتلى بأسمائهم: يا فلان بن فلان لقد وجدت ما وعدني ربي حقًا، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا؟ قال عمر - هنا الشاهد - قال: يا رسول الله! إنك لتنادي أجسادًا لا أرواح فيها، ماذا نفهم نحن من قول عمر هنا؟ نفهم نحو ما فهمنا من كلمة أبي بكر هناك، ومن كلمة حفصة هناك، نفهم أن عمر بن الخطاب يرى أن الموتى لا يسمعون، ولذلك هو يستغرب ويتعجب لمناداة الرسول عليه السلام لهؤلاء الموتى يقول: يا فلان بن فلان .. إلى آخره بأسمائهم: إني وجدت ما وعدني ربي حقًا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا؟ هذه المناداة تنافي كما أنا أفهم - وهو حق إن شاء الله - ما كان تلقاه عمر بن الخطاب تعليمًا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الموتى لا يسمعون، يكفي في ذلك القرآن الكريم:{إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} (النمل:80) كذلك قوله عز وجل: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ في الْقُبُورِ} (فاطر:22) طبعًا الآيتان فيهما كلام من حيث التفسير، لكن خلاصة الكلام فيهما لا يتنافى أبدًا مع هذه الحقيقة الشرعية، وهي: أن الموتى لا يسمعون، هذه الحقيقة هي التي كان عمر بن الخطاب تلقاها من قبل وتعلمها من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك أصبح عنده إشكال: كيف هو لقننا هذا العلم ثم هو يناديهم؟! فماذا كان موقف الرسول عليه السلام؟ كان موقفه منهم كما كان موقفه من أبي بكر ومن حفصة، أقرهم جميعًا على ما قالوا، لكن أدخل على كلامه قيدًا لا يعرفونه؛ لأنهم لا يوحى إليهم كما يوحى إليه، فلقد أقر الرسول عليه السلام عمر بن الخطاب على كلمته هذه، ومعنى هذا: أنه يقول له: صدقت
فالموتى لا يسمعون، لكن هؤلاء يسمعونني، ولذلك قال له في الجواب بلسان عربي مبين:«ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» أي: هؤلاء يسمعونني فأنت يا عمر الذي تلقيته مني حق وصواب، لكن اعلم أن هنا معجزة وكرامة خاصة لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم حيث أسمعهم صوته، ومن شأنهم أنهم لا يسمعون لم؟ لأنهم موتى.
ويؤكد هذا المعنى أن الإمام أحمد رحمه الله روى هذه القصة بإسناده الصحيح في المسند أن عمر قال: والموتى لا يسمعون، أيضًا جاء الجواب كما سمعتم: ما قال له: لا، أنت مخطئ الموتى يسمعون لو كان هو مخطئًا، لكنه أقره على هذه العبارة الصريحة، ولكن أدخل في ذلك قيدًا، وهو: الموتى لا يسمعون إلا هؤلاء.
ولذلك جاء في صحيح البخاري في هذه القصة من طريق قتادة عن أنس بن مالك، هذه القصة التي رويناها باستثناء رواية الإمام أحمد مروية في الصحيحين، ومن طريق قتادة، قال قتادة: أحياهم الله له فأسمعه صوته تبكيتًا تحقيرًا ونكايةً منه.
إذًا: هذا الانتباه لإقرار الرسول عليه السلام لكلام الصحابي هذا معناه: أن كلام الصحابي حق لكن ينظر هل أدخل عليه الرسول عليه السلام شيئًا من التخصيص أو التقييد فيضاف إليه فنخرج بنتيجة سليمة بالمائة مائة، فالموتى لا يسمعون إلا هؤلاء سمعوا، وآلات الطرب لا تجوز بخاصة الدف إلا في يوم العيد، والناس كلهم لا بد أن يدخلوا النار كما فهمت حفصة من الآية ولكن يختلفون من صالح يمر مرورًا إلى الترنزيت كما يقولون اليوم إلى الجنة، أما الكفار فيلبثون فيها أحقابًا، نعم.
"فتاوى الإمارات"(1/ 00:41:10)