الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1476] باب منه
سؤال: بالنسبة لموضوع الموتى حديث أن الميت يسمع قرع النعال .. ما صحة الحديث؟
الشيخ: أولًا: هذا حديث صحيح؛ لأنه مخرج في صحيح البخاري: «إذا وضع الميت في قبره وانصرف الناس عنه إنه ليسمع قرع نعالهم وهم عنه مدبرون» هذا الحديث صحيح، لكن هذا كذاك، أي: هذا مستثنى من القاعدة العامة؛ لأنه يقول: "حين" فهو ليس في كل حين يسمع، نفس الحديث يعطيك تخصيص ولا يعطيك العموم، يسمع قرع نعالهم حين .. حين ما معنى حين؟ يعني: وقت، {حين يولون عنه مدبرين} لكن هل يعني الحديث أن الموتى كلما مر المرء من المقابر فهو
…
بسمع قرع النعال؟!
مداخلة: ألا يحمل على وجه البلاغة يعني: مثلًا في الإعلانات ..
الشيخ: ما هو الذي يحمل يا أخي حدد كلامك.
مداخلة: حتى أنهم يسمعون قرع نعالهم مثلًا في إعلان عن شقة ما هو مقبول؟ شقة ترى البحر، هي لا ترى البحر ولكنها في موضع يسمح لمن فيها برؤية البحر، فهنا المعنى يحمل على أنهم .. أن الصوت يصل إليهم، لو أن حيًا في مكانهم لسمع قرع النعال.
الشيخ: أما قرع النعال ما يسمعون؟
مداخلة: نعم؟
الشيخ: يعني: في النهاية تعني أنهم لا يسمعون قرع النعال؟
مداخلة: أنا أتصور والله أعلم ..
الشيخ: أنا أسألك حتى أفهم منك، تعني: أنهم لا يسمعون قرع النعال؟
مداخلة: قد يحمل المعنى على هذا والله أعلم.
الشيخ: وقد لا يحمل، ما الذي تستفيده من القدقدة؟ ثم أنا أذكر السائل وسائر الحاضرين بقاعدة لغوية مهمة جدًا: إذا دار الأمر بين التقدير وعدمه فالأصل عدم التقدير، بعبارة أخرى: إذا أمكننا أن نفسر العبارة أو الجملة العربية من كلام الله أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أي جملة عربية إذا أمكننا أن نفسرها على الحقيقة، فلا يجوز تفسيرها على المجاز إلا إذا قامت القرينة الشرعية أو العقلية فحينذاك يقال: وجدت القرينة التي تضطرنا إلى تفسير الآية أو الحديث أو الجملة العربية على المجاز وليس على الحقيقة لكن إذا دار الأمر بدون وجود قرينة بين تفسير الجملة على الحقيقة أو على المجاز فالأصل الحقيقة وليس المجاز، وإلا فسدت اللغة وفسدت استعمالها بين الناس، إذا قال قائل: جاء الأمير، فهل يجوز للسامع أن يفهم جاء خادم الأمير؟ وهذا تعبير عربي معروف بتقدير مضاف محذوف، لا يجوز؛ لأنه ليس هناك ما يضطر السامع أن يتأول قول القائل: جاء الأمير يعني: لا ليس الأمير وإنما جاء خادمه، أو جاء نائبه أو أو إلى آخره، لو فتح هذا الباب لفسد التفاهم بين الناس باللغة العربية.
ومن هنا كان من رد العلماء والفقهاء على غلاة الصوفية الذين يقولون من جهة بما يعرف عند العلماء بوحدة الوجود، والذين يتكلمون بعبارات صريحة في الكفر وفي وحدة الوجود فيأتي المدافعون عن أولئك الصوفية بالباطل فيتأولون كلامهم تأويلًا يتفق في نهاية المطاف مع الشريعة، فنحن نقول لهؤلاء بهذه
الطريقة: لا يمكن أن نقول أن هذا الكلام كفر، حتى قلت مرة لبعضهم: ائتني بأي جملة هي كفر في ظاهر العبارة وأنا على طريقتك أجعلها توحيدًا خالصًا؟ طريقته ما هي؟ تأويل النصوص، مثلًا مما قال قائلهم المغرق في الضلال:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة
يتكلفون في تأويل: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا، أي: إلا إلى هنا .. إلى هنا .. إلى: حرف جر، ما هذا التأويل؟! ولذلك مثل هذا التأويل يمكن إجراؤه على أي عبارة، مثلًا أنا أقول: لو قال قائل: [فرعون] خلق السموات والأرض، ما رأيكم في هذا الكلام يجوز أو لا يجوز؟ طبعًا بالإجماع لا يجوز، لكن أنا أجعله توحيدًا بطريقة الصوفية، وهو رب [فرعون]، هذا معروف في اللغة تقدير مضاف محذوف، على حد قوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} (يوسف:82) اسأل القرية ماذا؟ حيطانها .. شجرها؟ لا، إنما أهلها، كذلك العير، لكن هذا المضاف المحذوف، الأسلوب العربي نفسه يوحي به إلى السامع فإن أحدًا لا يتساءل يا ترى! المقصود هنا
…
القرية؟ لا، ولذلك تسمية هذا التعبير في اللغة العربية أن هذا مجاز مما يدفعه ابن تيمية رحمه الله في رسالته الخاصة بالحقيقة والمجاز، يقول: تسمية هذه العبارة خاصة بأنها مجاز من باب حذف المضاف هذا اصطلاح طارئ، وإلا فالعرب ما كانوا يفهمون من هذه العبارة إلا معنًى واحدًا هو الذي يسمونه بالمجاز بحذف المضاف.
كذلك مثلًا في الأسلوب العربي: سال الميزاب، على طريقة المتأخرين في تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز، حقيقة هذه العبارة: سال الميزاب، يعني: الميزاب من شدة الحرارة ذاب وصار سائلًا سال الميزاب، لكن مَن مِن العرب إذا سمع هذه العبارة يتبادر إلى ذهنه المعنى الذي يسمونه حقيقة، فيقولون: لا، هنا
المقصود المجاز، هذا المعنى الذي يسمونه مجازًا في هذا المثال هو المعنى الحقيقة المراد منه، سال الميزاب، يعني: سال ماء الميزاب، مثل {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (يوسف:82) تمامًا، وهكذا أمثلة كثيرة يذكرها ابن تيمية.
منها مثلًا: جرى النهر، النهر هو الأخدود الذي يجري فيه الماء فحينما يقول العربي: جرى النهر، لا هو يعني جرى الأخدود نفسه بدون ماء ولا السامع منهم من العرب يفهم إلا الذي أراده، أي: جرى ماء النهر، إذًا: تسمية هذه التعابير بأنها مجاز يقول ابن تيمية: هذا خطأ، المجاز هو الذي يخرج المعنى الظاهر من العبارة إلى معنى آخر لوجود قرينة، لكن هنا لا معنى آخر إلا معنى واحد محدد هو اسأل القرية، يعني: أهلها .. سال الميزاب، أي: ماؤه .. جرى النهر، أي: ماؤه، من هنا يصل ابن تيمية إلى الرد على المتأخرين الذين يتأولون آيات الصفات وأحاديث الصفات باللجوء إلى ارتكاب طريق التأويل وهو سلوك طريق المجاز، لكن ما الذي يضطرهم إلى ترك فهم المعاني من هذه الآيات وتلك الأحاديث المتعلقة كلها بالصفات أن تفسر على حقائقها؟ لا سيما وهم يقولون جميعًا المتقدمون منهم والمتأخرون: الأصل في كل عبارة أن تفسر على حقيقتها.
فمثلًا قوله تبارك وتعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (الفجر:22) لا، جاء ربك لا يجوز هذا الفهم، إذًا: جاءت رحمة ربك، جاء أي مضاف محذوف يقدمونه، وعلى ذلك فقس، نحن نقول: الحق كما نطق الحق في كتابه: {وَجَاءَ رَبُّكَ} (الفجر:22) لكن كيف يجيء؟ ما ندري.
وهذا البحث طرقه العلماء قديمًا وحديثًا، فنحن في مناسبة قريبة تعرضنا لمثله أيضًا، الخلاصة: أن الكلام العربي أول ما ينبغي أن يفسر به هو على الحقيقة، فقوله عليه السلام: «إذا وضع الميت في قبره فإنه ليسمع قرع نعالهم وهم