الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1608] باب بيان سبب
انحراف بعضهم في عقيدة المهدي ونزول عيسى
[قال الإمام]:
(كثيرٌ) من العلماء حينما يريدون أن يعالجوا بعض الانحرافات التي أصابت الجماهير قديماً وحديثا، إنما يعالجونها بانحراف مثله أو أخطر منه وضربت على ذلك مثلاً بعقيدة نزول عيسى عليه السلام.
أنا أذكر جيداً أنني حينما نشأت في طلب العلم، انتفعت بالسيد رشيد رضا وبمجلته المنار خاصة انتفاعاً كثيراً، بل أعتقد أنه لم يكن المفتاح الذي فتح لي طريقة السلف إلا هذه المجلة، لكن وجدت في كثير فيما بعد من مقالاته أنه انحرف في قليل أو كثير عما جاءت به السنة، والسبب في ذلك أنه كان ابتلي بمن يسمون بالقديانية، تعرفونهم، القاديانية الذين يسمون أنفسهم بالأحمديين، غلام أحمد القادياني، معروفون عند أهل السنة بالقاديانية، وهم يفرون من هذه النسبة إلى النسبة الأحمدية، فهم يقولون نحن أحمديون، ولهم هدف خبيث بالفرار من تلك النسبة إلى هذه؛ لأن النسبة الأولى إنما هي نسبة إلى البلدة التي خرج منها نبيهم الكذاب ميرزا غلام أحمد القدياني وهي قاديان، وينتسبون إلى أحمد لأن ميرزا غلام أحمد القادياني ليس اسمه أحمد وإنما هو غلام أحمد وهذا أسلوب في اللغة الهندية تفسيره خادم أحمد، فهو ليس أحمد وإنما هو خادم أحمد، والمقصود بأحمد هو نبينا عليه الصلاة والسلام، والأعاجم لهم مثل هذه النسبات افتخاراً بانتسابهم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فغلام أحمد هكذا عرف الرجل، ولكنه لما ادعى المهدوية ثم ادعى النبوة، وحمل على نفسه بعض النصوص الشرعية من الكتاب والسنة جرها جرًّا على نفسه، مثل قوله تعالى:
{وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (الصف:6) من هذا أحمد؟ هو محمدنا، لا، هو أحمدهم. هكذا .. وبناءً على ذلك حتى يصح له جر هذه الآية وحملها على ذاته غَيَّرَ اسمه في مؤلفاته، أنا هذا درسته شخصياً لأني ابتليت بمجادلة القاديانية هناك في دمشق سنين طويلة، فهو كان يكتب اسمه في مؤلفاته ميرزا غلام أحمد، أي خادم أحمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فحذف ميرزا غلام أحمد وقال اسمه أحمد لكي يضلل الناس أن هذه الآية تعنيني أنا وأنا اسمي أحمد، أما محمد النبي المبعوث رحمة للعالمين اسمه محمد وليس اسمه أحمد، هكذا أوهم المضللين به، أي نعم، ولذلك وإتماماً لإضلال شيخهم لهم يضلون العالم بأنهم أحمديون ليسوا منتسبين لأحمد بن عبد الله بن عبد المطلب وإنما لأحمد ذلك الكذاب.
هؤلاء كالمعتزلة بل وأشد إغراقاً في الضلال، لأنهم ينكرون ما هو معلوم من الدين بالضرورة، يؤمنون بكل الكتاب ولكن لفظاً وليس معنىً، ولا يخفى على أهل العلم أن اللفظ في كل الكلام فضلاً عن الكلام الإلهي ليس مقصوداً بذاته وإنما هو وسيلة للمعاني، وكما يقال: الألفاظ قوالب المعاني، فما الفائدة إذا آمن مؤمنٌ ما بآيةٍ ما ثم لف ودار عليها واستخرج لها من ضلاله معنى لا صلة لهذا المعنى باللفظ القرآني، هكذا كل الفرق الضالة شأنهم مع القرآن الذين لم يعلنوا الخروج عن الإسلام وإنما لا يزالون يدعون أنهم مسلمون ويؤمنون بالقرآن.
القاديانيون هكذا مثالهم، يؤمنون بألفاظ القرآن في كثير من نصوصه، ولكنهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه كما حكى ذلك ربنا في القرآن الكريم عن اليهود.
هم يعتقدون مثلاً بأن باب النبوة مفتوح بعد محمد عليه الصلاة والسلام، على الرغم من مثل قوله تبارك وتعالى في القرآن:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)، هم لا ينكرون أنه خاتم النبيين لكنهم ينكرون كما أنكر المعتزلة القدر وأنكروا الصفات الإلهية ونحو ذلك، فهم يقولون خاتم النبيين ليس معناه آخرهم، وإنما خاتم النبيين كالخاتم في الإصبع أو هو زينتهم.
طيب .. هذا موقفهم من القرآن .. ما موقفهم من الأحاديث المتواترة، بأنه لا نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام؟ ما استطاعوا تأويله حرفوه كما حرفوا القرآن، وما لم يستطيعوا نسفوه نسفاً وقالوا هذا مخالف للقرآن.
من أشهر الأحاديث التي تثبت أن لا نبي بعده عليه السلام حديث مخاطبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعلي حينما سافر إلى تبوك غازياً وترك علياً في المدينة، وبكى علي فآنسه عليه السلام بقوله:«أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي» قالوا هذا حديث صحيح لكن ما فهمتموه جيداً، لا نبي بعدي أي معي. أما بعده، أي بعد وفاته هناك نبي.
مثال آخر كيف يحرفون الكلم من بعد مواضعه.
مداخلة: فيهم ذكاء دول؟
الشيخ: ذكاء لكن ذكاء بدون عقل لا يفيد أبداً، ولذلك حكى ربنا عز وجل في القرآن الكريم عن الكفار والمشركين {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك:10)، لذلك الذكاء شيء والعقل شيء.
عفواً، أنا جعلت الاستطراد طويلاً جداً، يعني كنت أتكلم عن السيد رشيد رضا، وأنني استفدت منه، لكن رأيت منه بعض الانحرافات، منها بسبب رده على
القاديانيين، والقاديانيون يدعون من دعاويهم الباطلة أن ميرزا غلام أحمد القادياني هو عيسى المبشَّر به في الأحاديث وهذا أيضاً من تآويلهم الباطلة، «لينزلن فيكم عيسى ابن مريم حكماً عدلاً» ليس المقصود عيسى وإنما بمضاف محذوف تقديره مثيل عيسى، لف ودوران، من هو هذا المثيل؟ ميرزا غلام أحمد القادياني!!
السيد رشيد رضا رحمه الله كأنه شعر أنه ما استطاع أن يقيم الحجة عليهم حجة دامغة قاهرة إلا بالتشكيك بأحاديث نزول عيسى عليه السلام، كان من شان إيش يخلص الجمهور من التأثر بالقاديانية فلا عيسى ولا مهدي لذلك قلنا بالنسبة إليه مع فضله وعلمه:
أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل
وأنا كتبت في بعض ما كتبت من المؤلفات والكتب أن السبيل في كل هذه الأمثلة وسواها ليس هو التأويل الذي هو أخو التعطيل، وإنما هو فهم النصوص فهماً جيداً، من المسلمين حتى لا يقعوا في انحراف سلبي أو إيجابي
…
على هذا يجب أن تعالج كل العقائد الإسلامية الصحيحة، منها قضية نزول عيسى عليه السلام، أشكل الأمر على السيد رشيد رضا رحمه الله، ومنه استقينا نحن هذا المنهج في السلف والحديث وأشكل على كثير من علماء الأزهر كشلتوت وأمثاله، أنكروا عقيدة نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، لماذا؟ قالوا لأن كثيراً من الناس ادعوا العيسوية، فهذا غلام أحمد القادياني، كثير منهم ادعوا المهدوية، وجاركم هناك في السودان المهدوي هذا معروف، وفي التاريخ الإسلامي كثير ممن ادعى المهدوية وادعى العيسوية.
إذا سداً لباب هذه الدعوات الباطلة، بنريِّح الناس من عقيدة نزول عيسى عليه
السلام وخروج المهدي.
هذا خطأ، ومعالجة خطأ بخطأ مثله وشر منه.
أنا قلت في بعض ما كتبت رداً على أمثال هؤلاء أنا أخشى ما أخشى أن يأتي يوم يعالج فيه بعضهم الإلهية فينكرها لأن الفراعنة ما انتهوا بعد فبعضهم يدعي الألوهية، فلنريح الناس من هذه الدعوى، وهي من أبطل الباطل، ما في ألوهية وانتهت المشكلة، هل هذه طريقة صحيحة.
نحن نقول أخيراً .. نزول عيسى عقيدة صحيحة آمن بها السلف وتبعهم الخلف على هدى من ربهم، لكن ليس في هذه الأحاديث ولا في أحاديث المهدي عليهما السلام أن على المسلمين أن لا يعملوا لإسلامهم ولعزة دينهم حتى ينزل عيسى ويخرج المهدي، لا يوجد في هذه الأحاديث كلها ما يشعر بهذا الفهم الخاطئ الذي وقع فيه بعض المسلمين، ولذلك أنكر بعض المصلحين هذه الأحاديث من شان يزيحوا العثرة بزعمهم من طريق عامة المسلمين، "ما في فائدة أن ينزل عيسى ويخرج المهدي" هذا فهم خطأ كما فهم الجبريون من القدر، ووافقهم المعتزلة ثم أنكروا الجبر وأنكروا معه القدر.
ما دام لا يوجد في الأحاديث الصحيحة التي نزلت في عيسى عليه السلام وفي خروج المهدي ما يشعرنا بالتواكل على مجيئهما، إذاً يجب علينا أن نعمل، لأن عيسى إن نزل وجد الأرض مهيأة لقائد يقودُهم وإذا نزل عيسى عليه السلام والمسلمون كما هم اليوم -أنا أقول هذا الكلام مؤمناً به- سوف لا يستطيع عيسى أن يجمع المسلمين في لحظة، في يوم وليلة، يجمع المسلمين الصالحين منهم بطبيعة الحال حول قيادته لأنه سوف لا يكون في اعتقادي أحلم ولا أقدر على
جمع قلوب الناس حوله من نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو لبث في قومه عشرين سنة حتى استطاع أن أوجد هذه النواة التي غذاها الله عز وجل بقوته وعلمه ثم امتدت ظلالها كما تعلمون في التاريخ الإسلامي.
فإذاً عيسى عليه السلام، يجب أن لا نتصور أنه ينزل إلا والأرض قد هُيئت له لقبوله. إذاً ينبغي أن نفهم أحاديث النزول والخروج بأنها تحض المسلمين على العمل لإعادة الإسلام إلى مجده الغابر لا أن ينتظروا عيسى والمهدي ليعيد لهم المجد الغابر.
إذا آمنا هكذا ما المشكلة من أحاديث عيسى وخروج المهدي، لا إشكال أبداً، دائماً المشاكل تأتي من سوء فهم النصوص، وهذه الحقيقة نقطة مهمة جداً في العالم الإسلامي من حيث أنهم أساءوا فهم بعض النصوص فاساءوا فهم نصوص أخرى. ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعاً وإياكم للفهم الصحيح عن الله ورسوله.
سؤال: يا شيخ .. ابن خلدون يتكلم في أحاديث المهدي، ما رأيكم في أحاديث المهدي؟ يقول إنها ضعيفة كلها؟
الشيخ: أولاً، لا يخفاكم أن ابن خلدون هو مؤرخ وحكيم في التاريخ وليس عالماً بالحديث، وما أردت أن أقول: ليس متخصصاً في الحديث؛ بل هو ليس عالماً في الحديث.
من قرأ كتابته في التاريخ أو في مقدمة تاريخه حول أحاديث المهدي يجد هناك في بعض الأحاديث اعترافاً بالصحة، في هذا البعض، ولذلك فيخطئ كثير من الكتاب الذين كتبوا في هذه القضية ومنهم شيخ قطر -إذا سمعتم به
مداخلة: القرضاوي.
الشيخ: لا المحمود هذا.
مداخلة: آه الشيخ الكبير.
الشيخ: يخطئ كثيراً كهذا الشيخ حين يعزو إلى ابن خلدون أنه ضعف كل أحاديث المهدي، هذا خطأ ليس فقط على الحديث النبوي بل وخطأ آخر على ابن خلدون المؤرخ، ثم علم الحديث فيه الواقع دقائق هي التي صرفت كثيراً من العلماء عن الاشتغال بالحديث؛ لأنه يتطلب جهداً ودأباً قد لا يستطيعه أكثر النفوس ولو كانوا من أهل العلم والفضل.
أضرب لك مثلاً بين عالم يكتب بحثاً علمياً وكاتب يكتب مقالة أدبية كم الفرق بينهما؟
مداخلة: الفرق شاسع.
الشيخ: شاسع جداً، الذي يكتب مقالة أدبية، الأفكار المخزونة في مخه وفكره يسيل بها قلمه، لا يحتاج أن يراجع هذه الكتب التي يسميها الناس ظلماً الكتب الصفراء، ما يحتاج.
بينما الذي يريد أن يكتب ويحرر مقالةً علميةً خاصة في آخر الزمان الذين علمهم كأمثالنا في سطورهم وليس في صدورهم، هؤلاء بحاجة أن يراجعوا على الأقل يتثبت، أما ذاك الكاتب ما يحتاج إلى مراجعة أبداً، يكتب ويشحبر -يقولوا عندنا في الشام بهذا القلم الأسود- النسبة التي ذكرتها بين الكاتب العالم، والكاتب الأديب؛ هي النسبة بين
العالم المحدث المتخصص في الحديث والعالم، يحتاج إلى صبر ومراجعات كثيرة وكثيرة جداً، لماذا؟ لأن كثيراً من الأحاديث هي من القسم الذي يسميه علماء الحديث صحيح لغيره، حسن لغيره.
أحد العلماء كالترمذي مثلاً إذا قال في حديث ما حديث حسن -وهذا من الغرائب واللطائف التي لا ينتبه لها أكثر العلماء بل وكثير من المحدثين، إذا قال الترمذي في حديث: حسن؛ يعني: إسناده ضعيف، أسمعتم بهذا؟ إذا قال في حديثٍ ما: حديث حسن يعني أن إسناده ضعيف.
مداخلة: لم يصل إلى درجة الصحة؟
الشيخ: لا، أنا أقول إذا قال في حديثٍ ما: حديث حسن يعني: إسناده ضعيف، فما نقفز قفزة الغزلان بارك الله فيك، يعني ليس بصحيح، يعني أن إسناده غير حسن، ليس بصحيح: إذا قال الترمذي في حديث ما حديث حسن يعني هذا الحديث الذي حسنه الترمذي إسناده ضعيف، كيف هذا؟ هذا اصطلاح، على خلاف ما إذا قال في حديث آخر: حديث حسن غريب، فإنما يعني حديث حسن إسناده، كلمة غريب حددت المراد من قوله: حسن.
أما إذا عرى هذه الكلمة «حسن» عن لفظة «غريب» فهو يعني حسن متنه ضعيف إسناده، لماذا جاء هذا التحسين؟ من علمه أن لهذا المتن شواهد وطرق أخرى ارتقت به من الضعف الذي جاءه من هذا الإسناد.
إذاً من أجل ذلك قال علماء الحديث: إذا وقف طالب العلم على حديث إسناده ضعيف فهل يجوز له أن يقول حديث ضعيف، قالوا وقالوا، قالوا لا يجوز لأنه قد يكون له إسناد آخر إما أن يكون هذا الإسناد الآخر حسن لذاته أو صحيح لذاته أو على الأقل يجعل هذا الحديث الضعيف إسناده حسناً أو صحيحاً لغيره.