الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نهيه صلى الله عليه وسلم عنه ، فترك قوله ، وأخذ بالنهى ، فكذلك كان له فى هذه المسألة قولان: أحدهما: وقوع الطلاق بلفظ ثلاث.
وعليه أكثر الروايات عنه.
والآخر: عدم وقوعه كما فى رواية عكرمة عنه ، وهى صحيحة.
وهى وإن كان أكثر الطرق عنه بخلافها ، فإن حديث طاوس عنه المرفوع يشهد لها.
فالأخذ بها هو الواجب عندنا ، لهذا الحديث الصحيح الثابت عنه من غير طريق ، وإن خالفه الجماهير ، فقد انتصر له شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما ، فمن شاء تفصيل القول فى ذلك ، فليرجع إلى كتبهما ، ففيها الشفاء والكفاية إن شاء الله تعالى.
«فائدة» : حديث طاوس عن ابن عباس المتقدم برواية مسلم وغيره قد أخرجه أبو داود بلفظ: «كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر
…
». فزاد فيه: «قبل أن يدخل بها» .
وهى زيادة منكرة ، كما حققته فى «الأحاديث الضعيفة» «1133» .
(إرواء الغليل تحت حديث رقم (2055»
الرد على تقييد احتساب الطلقات الثلاث واحدة بما قبل الدخول على المرأة
«كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرا من إمارة عمر، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها، قال «يعني عمر» : أجيزهن عليهم». منكر بهذا السياق.
أخرجه أبو داود «2199» وعنه البيهقي «7/ 338 - 339» : حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان: حدثنا أبو النعمان: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن غير واحد عن طاووس: «أن رجلا يقال له: أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر؟ وقال ابن عباس: بلى كان الرجل .. » . قلت: وهذا إسناد معلول عندي بأبي النعمان واسمه محمد بن الفضل السدوسي ولقبه عارم، وهو وإن كان ثقة فقد كان اختلط، وصفه بذلك جماعة من الأئمة منهم أبو داود والنسائي والدارقطني وغيرهم، وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» «4/ 1/59»:«سمعت أبي يقول: اختلط في آخر عمره، وزال عقله فمن سمع منه قبل الاختلاط فسماعه صحيح» .
قلت: وهذا الحديث من رواية ابن مروان وهو أبو جعفر الدقيقي الثقة، ولا ندري أسمع منه قبل الاختلاط أم بعده؟ وهذا عندي أرجح، فقد خولف عارم في إسناده ومتنه. فرواه سليمان بن حرب عن حماد بن زيد فقال: عن أيوب عن إبراهيم ابن ميسرة عن طاووس به، إلا أنه لم يذكر فيه:«قبل أن يدخل بها» . أخرجه مسلم «4/ 182» والبيهقي «7/ 336» . وقال ابن أبي شيبة «5/ 26» : نا عفان بن مسلم قال: نا حماد بن زيد به. ورواه محمد بن أبي نعيم: نا حماد بن زيد به. أخرجه الدارقطني «443» ، وابن أبي نعيم صدوق. فهي زيادة شاذة إن لم نقل منكرة، تفرد بها عارم. ويؤكد ذلك أن عبد الله بن طاووس قد روى الحديث عن أبيه كما رواه سليمان بن حرب بإسناده عنه بدون الزيادة. أخرجه مسلم والنسائي «2/ 96» والطحاوي «2/ 31» والدارقطني «444» والبيهقي وأحمد «1/ 314» والحاكم أيضا «2/ 196» وقال:«صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، إلا أنهما وهما في استدراكهما على مسلم. قلت: فهذه الروايات الصحيحة تدل على أن عارما إنما حدث بالحديث بعد الاختلاط، ولذلك لم يضبطه، فلم يحفظ اسم شيخ أيوب فيه، وزاد تلك الزيادة فهي لذلك شاذة غير محفوظة لمخالفته الثقات فيها، وقد خفيت هذه العلة على العلامة ابن القيم؛ فصحح إسناد
الحديث في «زاد المعاد» «4/ 55» ، وانطلى ذلك على المعلق عليه «5/ 249 و 251» ، وأعله المنذري في «مختصر السنن» «3/ 124» بقوله:
«الرواة عن طاووس مجاهيل» . وإذا عرفت ذلك فلا يجوز تقييد لفظ الحديث الصحيح بها، كما فعل البيهقي، بل ينبغي تركه على إطلاقه فهو يشمل المدخول بها وغير المدخول بها، وإليك لفظ الحديث في «صحيح مسلم»:«كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم» . قلت: وهو نص لا يقبل الجدل على أن هذا الطلاق حكم محكم ثابت غير منسوخ لجريان العمل عليه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر، وأول خلافة عمر، ولأن عمر رضي الله لم يخالفه بنص آخر عنده بل باجتهاد منه ولذلك تردد قليلا أول الأمر في مخالفته كما يشعر بذلك قوله:«إن الناس قد استعجلوا .. فلو أمضيناه عليهم .. » ، فهل يجوز للحاكم مثل هذا التساؤل والتردد لوكان عنده نص بذلك؟ ! وأيضا، فإن قوله:«قد استعجلوا» يدل على أن الاستعجال حدث بعد أن لم يكن، فرأى الخليفة الراشد، أن يمضيه عليهم ثلاثا من باب التعزيز لهم والتأديب، فهل يجوز مع هذا كله أن يترك الحكم المحكم الذي أجمع عليه المسلمون في خلافة أبي بكر وأول خلافة عمر، من أجل رأي بدا لعمر واجتهد فيه، فيؤخذ باجتهاده، ويترك حكمه الذي حكم هو به أول خلافته تبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر؟ ! اللهم إن هذا لمن عجائب ما وقع في الفقه الإسلامي، فرجوعا إلى السنة المحكمة أيها العلماء، لا سيما وقد كثرت حوادث الطلاق في هذا الزمن كثرة مدهشة تنذر بشر مستطير تصاب به مئات العائلات.
وأنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض البلاد الإسلامية كمصر وسوريا قد أدخلت هذا الحكم في محاكمها الشرعية، ولكن من المؤسف أن أقول: إن الذين أدخلوا ذلك من الفقهاء القانونيين لم يكن ذلك منهم بدافع إحياء السنة، وإنما تقليدا منهم لرأي ابن تيمية الموافق لهذا الحديث، أي إنهم أخذوا برأيه لا لأنه مدعم بالحديث، بل لأن المصلحة اقتضت الأخذ به زعموا، ولذلك فإن جل هؤلاء الفقهاء لا يدعمون أقوالهم