الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تُغطي به المُحِد رأسها». فأقول: هذا المعنى هو صريح في رواية أحمد؛ فإنها بلفظ: «البسي ثوب الحداد ثلاثاً، ثم اصنعي ما شئت» . ولكن في رواية أخرى له «6/ 369» بلفظ: «لا تُحِدِّي بعد يومك هذا» . وهو شاذ عندي بهذا اللفظ، لمخالفته للطرق المتقدمة من جهة، وللحديث المتواتر عن جمع من أمهات المؤمنين وغيرهن- من جهة أخرى- الصريح في أن المتوفى عنها زوجها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً، وهو مخرج في «الإرواء» «2114» . فذهب بعض العلماء إلى أن هذا الحديث المتواتر ناسخ لحديث الترجمة، ومنهم أبو جعفر الطحاوي. فأقول: لو كان الحديث محفوظاً باللفظ الثاني؛ لكان القول بالنسخ مما لا بد منه، أما والمحفوظ إنما هو باللفظ الأول:«تسلبي ثلاثاً» ؛ فهو أخص من الحديث المتواتر، فيستثنى الأقل من الأكثر، أي: تحد بما شاءت من الثياب الجائزة غير السواد؛ إلا في الثلاثة أيام، وهذا هو اختيار الإمام ابن جرير، قال- رحمه الله:«فإنه غير دالٍّ على أن لا إحداد على المرأة، بل إنما دلَّ على أمر النبي إياها بالتسلب ثلاثاً، ثم العمل بما بدالها من لبس ما شاءت من الثياب مما يجوز للمعتدة لبسه؛ مما لم يكن زينة ولا طيباً؛ لأنه قد يكون من الثياب ما ليس بزينة ولا ثياب تسلُّب، وذلك كالذي أذن صلى الله عليه وسلم للمتوفى عنها أن تلبس من ثياب العصب وبرود اليمن؛ فإن ذلك لا من ثياب زينة، ولا من ثياب تسلُّب» . قلت: وهذا هو العلم والفقه والجمع بين الأحاديث، فعضَّ عليه بالنواجذ.
والله هو الموفق لا رب سواه.
(السلسلة الصحيحة (7/ 2/ 684 - 686).
مكث المعتدة من موت زوجها في البيت الذي كانت فيه عند موته
[قال صديق خان]: «والمكث في البيت الذي كانت فيه عند موت زوجها أو بلوغ خبره» ؛ لحديث فريعة بنت مالك - عند أحمد، وأهل السنن - وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم -، قالت: خرج زوجي في طلب أعلاج له،
فأدركهم في طريق القدوم، فقتلوه، فأتى نعيه، وأنا في دار شاسعة من دور أهلي، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة عن أهلي من دور أهلي، ولم يدع نفقة، ولا مالا ورثته، وليس المسكن له، فلو تحولت إلى أهلي وإخوتي؛ لكان أرفق بي في بعض شأني؟ قال:«تحولي» ؛ فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني - أو أمر بي -، فدعيت فقال:«امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله» ، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا.
وفي بعض ألفاظه: أنه أرسل إليها عثمان بعد ذلك، فأخبرته، فأخذ به.
وقد أعل هذا الحديث بما لا يقدح في الاحتجاج به.
وأخرج النسائي، وأبو داود - وعزاه المنذري إلى البخاري -، عن ابن عباس في قوله - تعالى -:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} : نسخ ذلك بآية الميراث بما فرض الله - تعالى - لها من الربع والثمن، ونسخ أجل الحول أن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا».
وقد ذهب إلى العمل بحديث فريعة: جماعة من الصحابة فمن بعدهم، وقد روي جواز الخروج للعذر عن جماعة من الصحابة فمن بعدهم، ولم يأت من أجاز ذلك بحجة تصلح لمعارضة حديث فريعة.
وغاية ما هناك روايات عن بعض الصحابة؛ وليست بحجة؛ لا سيما إذا عارضت المرفوع.
[علق الألباني]:
قلت: وبخاصة أن هناك آثارا أخرى عن ابن عمر، وغيره - مخالفة لها، وموافقة للمرفوع -: رواها عبد الرزاق في «المصنف» «7/ 29 - 36» .
وهذا المرفوع الآتي عن مجاهد - مع إرساله -؛ فيه عنعنة ابن جريج، ومن المعلوم أن الآثار إذا اختلفت؛ فالأخذ بما وافق منها الحديث المرفوع أولى؛ ولا سيما