الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس معنى القول بأن الربح ليس محدودًا التوسع في وضع أرباح تثقل كاهل المشترين
الشيخ: الإنسان لما يقول: حكم الشرع والله الربح ليس محدودًا، ليس معناه أن الإنسان يُشَلّح الناس تشليحًا؛ لأنه سوف ينشلح هو، لما يريد هو يرفع نسبة الربح سوف يفقر هو.
لكن الشرع لَمَّا ما حدد الربح؛ لأنه تجارة ممكن تطلع ممكن تنزل، ثم الربح تعرف يختلف بالنسبة للشيء المباع، الشيء المباع إذا كان كل يوم الإنسان بحاجة إليه، بطبيعة الحال يكون ربحه قليل، وعلى العكس بالعكس تماماً، وهذا شيء معروف اقتصادياً، ومن الحكمة البالغة أنه ما فرض نسبة مُعَيّنة في الربح، كما يقول بعض الناس ينقلوا عن بعض المشايخ أن له الثلث فقط، ما فيه شيء في الإسلام هكذا إطلاقاً، وليس معقول في الواقع أن يكون هذا التحديد، لأنه رب إنسان عنده شيء يعتبر من الآثار القديمة، هذا ممكن يربح أضعاف مضاعفة، أدى الثمن أضعاف مضاعفة، وبالعكس الملح بضاعة متيسرة إلخ، يشكو التجار من الرز مثلاً، يشكو أنهم لا يربحون لهم إلا ربع دينار أو نصف دينار، أو لا يربحون.
فالشيء الذي يُسْتَهلك بكثرة بطبيعة الحال يكون ربحه أقل، فلما يقال: إن الربح غير محدود ليس معناه أن الإنسان ينطلق ويضع من الأرباح ما لا تطيق الناس؛ لأنه سوف ترجع الخسارة عليه في الحقيقة، لأنهم سوف يتركوه ويُفَتِّشوا عن غيره، أي نعم.
(الهدى والنور /147/ 27: 00: 00)
حكم التسعير
مداخلة: الآن نعود إلى الأسئلة: يسأل عن حديث: «المسعر هو الله» يعني: هل هو صحيح؟
الشيخ: نعم الحديث هذا صحيح، أي: الأصل عدم التسعير؛ لأن الله هو المُسَعِّر كما جاء في الحديث الصحيح في تمامه.
ومعنى هذا: أن تكون حرية البيع والشراء قائمة على ساق وقدم، ولا يجوز للحاكم المسلم حقاً أن يتدخل في السوق العام؛ ذلك لأن المجتمع الإسلامي يُقاد بنظام فيه .. ويُرَبَّى فيه وسيلتان اثنتان، إحداهما: تربية نابعة من قلب المؤمن فهو يتقي الله عز وجل ولا يخالف أحكام دينه، والتربية ناشئة من الحاكم المسلم الذي المفروض فيه أنه يتحسس أحوال المسلمين، أو يتعرف على أحوالهم، ثم إذا وجد فيهم انحرافاً قَوَّمهم تارةً بلسانه وتارة بصوته وتارةً أخرى بسوطه، حسب الواقع الذي هو يطلع عليه أولاً، ثم يرى أن المصلحة الشرعية تقتضي نوعاً من تلك الوسيلة التي أشرت إليها آنفاً.
على هذا: البيع والشراء ينبغي أن يكون مطلقاً من الحاكم، ليس هناك قيد أو شرط؛ لأن ما جاء الله به على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم من قيود وشروط، هي كافية لتقويم المجتمع الإسلامي أن يمشي سوياً على صراط مستقيم.
لا بد أن بعض هؤلاء الأفراد الذين يعيشون تحت حكم هذا الحاكم المسلم .. المسلم حقاً قد يشذون ويخرجون عن الجَادَّة وعن الصراط المستقيم ولو في بعض الأحكام، هنا يتدخل الحاكم المسلم، ويَصْدُق فيه الأثر المروي عن عثمان بن عفان والله أعلم بصحته؛ لأننا نعتبره حكمة:«إن الله عز وجل يَزِعّ - أي: يمنع - ويُرَبِّي بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن» لأن القرآن إنما يُربي الناس المؤمنين فعلاً وحقاً، أما الذين في قلوبهم مرض أو زغل أو ضعف أو ما شابه ذلك، فهذا إنما يتولى تربيتهم السلطان.
هذا التسعير إنما منع منه شرعاً؛ هو لأجل أن الناس ينطلقون كما قلنا بوازع من قبلهم، مثلاً: قال عليه الصلاة والسلام: «لا يبع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق بعضهم من بعض» أي: البيع .. التسعير على حسب ما يرى صاحب البضاعة.
وأنتم تعلمون النظام ما يُسمى بالنظام الاقتصادي خاضع للعرض وللطلب، فلا يجوز حد سعر معين لبضاعة ما؛ لأن بضاعة عن بضاعة تختلف وحاجة عن حاجة تختلف إلى آخره.
ولكن إذا فسد مجتمعٌ ما وخرج عن هذه الوسيلة الأولى .. التربية بالأحكام الشرعية خرجوا عنها، ولم يعودوا يلتزمونها أي: ويحكمون بمقتضى أحكام الإسلام، حينئذٍ للحاكم المسلم أن يُسَعِّر تسعيراً، ليس نابعاً من حكم شخص أو شخصين فقط، وليس لهم معرفة أولاً: بأحكام الإسلام، وثانياً: بنظام الاقتصاد في الإسلام، وثالثاً: بواقع حاجات هذا المجتمع الإسلامي.
وإنما ينبغي أن يكون هناك لجنة أو هيئة أو وزارة تجمع من كل الاختصاصات من أهل العلم، حينئذٍ هؤلاء يدرسون الوضع، فيُسَعِّرون أشياء ويطلقون أشياء على ما هو الأصل.
ولكن هذا لا ينبغي أن يكون نظاماً مستمراً، كما الشأن في بلاد الكفر .. تسعير على طول الخط، لماذا؟ هنا يبدو لكم السر في القسم الأول من التربية الإسلامية: هم ليس عندهم أحكام شرعية يلتزمونها .. ليس عندهم وازع نفسي وقلبي هي التي توجههم الوجهة الصحيحة؛ ولذلك أصبح نظامهم في التسعير بطريقة مستمرة دائماً وأبداً.
الحاكم المسلم كما قلنا في بعض الأحكام السابقة في الجلسة السابقة، أيضاً أن الأصل في كذا وكذا، لكن يجوز أحياناً الخروج عن هذا الأصل بمصلحة، كذلك نقول في التسعير: المُسَعّر هو الله، سبب هذا الحديث لعلي ما ذكرته آنفاً قالوا:«سعر لنا يا رسول الله، قال: الله المسعر» سعر لنا .. وهو الحاكم، قال:«المسعر هو الله» أي: الأصل أن التسعير ينبغي أن يكون هكذا من الله عز وجل، حسبما يرزق العباد كثرةً وقلةً وإلى آخره.
أما الحاكم المسلم، فلا يجوز أن يصير إلى التسعير إلا لظروف خاصة معينة وبهيئة علمية تجمع ذوي الاختصاصات المختلفة، نعم.
مداخلة: وأظن عليه شيخنا! يُشرع أن يسمى عبد المسعر ..
الشيخ: نعم، نعم بالنسبة للاسم، نعم، إن الله هو المسعر.
مداخلة: نعم، حقيقةً؛ لأن هذا حتى يسمع الإخوان؛ لأن كثيرًا من التُّجار يخالفون عن تسعيرة الدولة، الدولة مثلاً تُسَعِّر هذه السلعة بدينار فالتاجر؛ لأنه يرى بأن هذا لا يُوَفِّي معه على رأيه يعني .. فيبيع السلعة هذه بدينار وخمسة قروش مثلاً، فطبعاً، لا شك أن هذا الخروج والمخالفة عن التسعيرة، لا شك أنه يُعَرِّضه للمسؤولية .. مسؤولية العقوبة، والعقوبة هنا تكون عقوبة صارمة أحياناً، قد لا يُعوض ما يدفعه لهذه المخالفة، أو بسبب هذه المخالفة من سنة .. لذا يا شيخنا أن هذه .. نعم.
الشيخ: أنا أقول: التسعير الذي يجب اتِّباعه عرفتم شرطه ولا أعيده، ولكن كما قلت بالنسبة للحاكم: إن عليه أن يراعي مصلحة الشعب الذي يحكمه ..
كذلك أقول بالنسبة للمحكوم، عليه أيضاً أن يراعي مصلحة نفسه، فإن كانت مصلحة نفسه تستوجب عليه أن لا يبيع بسعر التسعيرة الحكومية فله ذلك، لكن ينبغي أن يكون كذاك الحاكم، أي: هو لا يخرج عن النص: «إن الله هو المسعر» إلا لمصلحة، هذه المصلحة يراعي فيها مصلحة الشعب.
الآن هذا الفرد من أفراد الشعب، يرى كما جاء في السؤال السابق أنه إذا باع بثمن التسعيرة هو يتضرر، يا ترى! هو صادق في هذا القول؟ إن كان صادقاً فأقول أيضاً: يراعي هو مصلحته لكن ترى! هل مصلحته بأن يبيع بأكثر من التسعيرة دفعاً للضرر الناشئ من التزامه للتسعيرة، أم المصلحة تكون بأن لا يقع في تلك العقوبة .. هنا ينبغي أن يسدد وأن يقارب، هذا إذا كان صادقاً في قوله، وقد يكون الأمر ليس كذلك.
أي: مثلاً إنه يربح في كيلو من بضاعة كذا مثلاً .. يربح حسب بيعه الحر عشرة قروش أو عشر دنانير، هذا ليس مهم الموضوع، لكن الدولة سعرت أنه يربح دينار أو قرش مثلاً، فهو إذا يربح في هذا ليس يخسر، لكن هو يعتبر عدم ربحه العشرة
مقام الخمسة اعتبرها خسارة ويقول: أنا لا يناسبني هذه التسعيرة؛ لأنه سيلحقني ضرر، ما هو الضرر هنا؟ ليس الخسارة وإنما خسارة الشيء من الربح، هذا ليس خسارة هذا ربح!
أنا في اعتقادي لعله أولى بأيِّ بائع وبأيِّ تاجر أن يبيع ولو ما كان هناك تسعير جبري، أن يبيع بسعر أقل؛ لأن هذا نابع من القناعة .. القناعة في الربح، والقناعة كنز لا تفنى كما جاء في الحديث الضعيف سنده، والمعقول معناه ومتنه، إذاً: أعطيتك الجواب إن شاء الله؟
مداخلة: الحديث أيّ كتاب موجود؟
الشيخ: ما هو هذا؟
مداخلة: «المسعر هو الله» .
الشيخ: موجود في «سنن أبي داود» و «مسند الإمام أحمد» وغيره، والشيخ هنا يقول أيضاً: والترمذي، لكن أتبعها بقوله الله أعلم.
(الهدى والنور /732/ 21: 18: 00)
(الهدى والنور /732/ 35: 25: 00)