الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذه المسألة.
(الهدى والنور / 563/ 41: 29: 00)
بيع التقسيط
السؤال: تباع السلعة بسعرين، يعني: عندنا نظام أن تباع السلعة بسعرين، أحدهما نقداً والآخر بالقسط؟
الشيخ: هذا بلاء يشمل العالم الإسلامي مع الأسف في العصر الحاضر، ومع أنه نظام لم يكن معروفاً تعاطيه في قديم الزمان وفي بلاد الإسلام.
فمع الأسف يوجد هناك بعض الأقوال لبعض المذاهب المُتَّبعة اليوم، تُجيز بيع السلعة الواحدة بثمنين، ثمن النقد وثمن الأجل.
حتى إن بعضهم يقول: إن للأجل ثمناً، وهناك أقوال أخرى تعتبر أن الزيادة هذه مقابل الأجل، وزيادة على بيع النقد هذه الزيادة ربا، لا يجوز أخذها.
وأنا من سنين طويلة وطويلة جداً كنت مقتنعاً ولا أزال أزداد اقتناعاً؛ بأن هذا القول الأخير ألا وهو أن الزيادة مقابل التقسيط ربا، هو ربا حقيقة لسببين اثنين:
السبب الأول: النص من قوله صلى الله عليه وسلم على أن هذه الزيادة هي ربا.
وهناك أحاديث، من أشهرها حديثين اثنين، ويلاحظ الباحث والمُتَفِّقه فيهما أنهما يلتقيان في تحريم الزيادة ويفترقان في الإفادة من جانب آخر.
حيث أن كُلاًّ من الحديثين بعد التقائهما في التحريم يعطيان فائدة، الحديث الأول: هو حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا» من باع بيعتين في بيعة فله أنقصهما ثمناً أو الزيادة ربا.
فهذا الحديث يُصَرِّح بشيء لا يصرح به الحديث التالي، ألا وهو أن البيوع المنهي عنها شرعاً النهي عنها يفيد بطلان البيع.
أما هذا الحديث بالرغم عن أنه ينهى عن بيعتين في بيعة، فهو يُسَلِّك البيعة التي وقع فيها هذا الشرط، ولكنه يعتبر الشرط لاغياً، والبيع صحيحاً.
ذلك قوله: «فله أوكسهما أو الربا» هذه الحاجة نقداً بمائة، وتقسيطاً بمائة وعشرة مثلاً، البيع صحيح، لكن الشرط باطل، العشرة هذه الزيادة هي ربا، فإن أخذ البائع المائة فهي حقه وحلاله، وإن أخذ مائة وعشر فالزيادة هذه هي العشر هي ربا.
إذاً: الحديث هذا أفادنا فائدتين: صحة البيع وبطلان الزيادة.
نأتي إلى الحديث الثاني، فهو سيلتقي مع الحديث الأول في وصف البيعتين في بيعة، ولكنه يظل عند النهي الذي الأصل فيه إبطال البيع.
ذلك هو حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة. وفي لفظ: عن صفقتين في صفقة، إلى هنا يلتقي مع الحديث الأول، ينهى عن بيعتين في بيعة، وذاك يقول:«من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا» .
الفائدة التي جاءت في هذا الحديث أن راويه وهو سماك بن حرب سئل: ما بيعتين في بيعة؟ قال: أن تقول -وهنا الفائدة- أبيعك هذا بكذا نقداً وبكذا وكذا نسيئة، وهذا هو بيع التقسيط، أبيعك هذا بكذا نقداً بمائة، وتقسيطاً بمائة وعشرة، هذا هو بيعتين في بيعة.
لا يخفى على أحد، أن مثل هذه الأحاديث من المستبعد جداً ألَاّ تصل بعض أولئك الأئمة.
أما أن يستبعد أن لا تصل إلى الجميع، فهذا غير مستبعد، فكثير من الأئمة فاتتهم أحاديث كثيرة جداً.
وذلك يعود إلى سبب من سببين اثنين: إما ألَاّ تطرق هذه الأحاديث أسماعهم مطلقاً، أو أنها طرقت أسماعهم، ولكن بأسانيد لم تصح عندهم، ولذلك أعرضوا عن العمل بها، فهم على كل حال سواء كانوا على الاحتمال الأول أو الآخر فهم معذورون.
بعض هؤلاء الذين وصلت إليهم هذه الأحاديث، وأكثرهم من المقلدين المتبعين للأئمة المجتهدين، لما وقفوا على هذه الأحاديث، كان موقفهم منها موقف المُقَلّد مما سواها من النصوص.
فقد تأولوها بحيث أنها لا تتعارض مع مذهبهم الذي ينص على أن للأجل ثمناً، وأنه يجوز أخذ الزيادة مقابل الأجل، فماذا قالوا نهى عن بيعتين في بيعة؟
قالوا: هذا محمول النهي فيه على جهالة الثمن، أي: حينما يقول البائع: هذا بكذا نقداً وبكذا وكذا نسيئة، صار هنا ثمنين.
فحينما يقع البيع، يقع البيع على الجهل بالثمن؛ لأنه لم يكن محدداً، كان يتراوح في مثالها بين المائة والمائة وعشرة، هكذا قالوا.
لكن الحديث يعطينا نصاً أن علة هذا النهي في هذا الحديث أو في الحديث الآخر، ليس هو الجهالة بالثمن، وإنما هو الربا، لأنه قال:«فله أوكسهما أو الربا» .
بناء على ذاك التأويل جاؤوا بصورة هي ألصق ما تكون بما يسمى عند بعض الفقهاء بالحيل الشرعية، يقول: إذا جاءك الشاري يريد أن يشتري منك تلك الحاجة، وأنت تعلم أنه يريد أن يشتريها منك إلى أجل بالتقسيط، فقلت له: ثمنها مائة وعشر، هنا لا يوجد بيعتين في بيعة.
إذاً: هنا لا مخالفة للحديث، لكنكم لعلكم تشعرون معي، بأن هذا أولاً: هو تَمَسُّك باللفظ دون المعنى.
حقيقةً هنا لم يقع بيعتين في بيعة، لأنه ما عارض سعر النقد وسعر التقسيط، وإنما عارض سعراً واحداً هو سعر التقسيط، فهنا زال الغرر في رأيهم وبالتالي صح البيع.
أما إذا قلت نقداً بمائة وتقسيطاً، أو إلى أجل بمائة وعشرة هنا في جهالة في الثمن، فما دام أن الجهالة انتفت أي: انتفت العلة فانتفى المعلول، وهو النهي عن هذه البيعة.
عرفنا أن هذا بُنِي على علة جاؤوا بها من عند أنفسهم أولاً.
وثانياً: أن هذه العلة ليست منصوصة ثانياً، بل النص يخالفها تماماً، حيث جعل الزيادة رباً، ولم يجعل سبب النهي هو الجهالة التي تستلزم عند المتمسكين بهذه العلة تستلزم بطلان البيع.
وقد ذكرنا لكم آنفاً أن الحديث يفيد جواز البيع، ثم يعطينا العلة، بأن العلة هي الربا، فجاؤوا بهذه الشكلية.
والآن تتجلى لكم هذه الشكلية، لو جاء رجل يُريد أن يشتري هذه الحاجة، ويُعلم منه بأنه يريد أن يشتريها منه نقداً، فسيبيعها له بمائة.
إذاً: هو لماذا باع بسعرين، البيعة الأولى بزيادة عشرة في مثالنا، في البيعة الأخرى بنقص العشرة، قال: لأنه ما فيه هنا بيعتين في بيعة.
أي: العرض الصورة والشكل اختلفا، لكن هل في الإسلام مثل هذا التمسك بالشكليات؟
الشكليات كما أظن تعلمون معي جميعاً، الإسلام لا يقيم لها وزناً.
ومن أبرز الأمثلة في ذلك نكاح التحليل نصاً، والذي يسمى في بعض البلاد بالتجحيشة.
نكاح التحليل شروط النكاح المعروفة شرعاً قائمة، ذلك مثلاً معروف من قوله عليه السلام:«لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» فتلك المرأة التي طلقها زوجها ثلاثاً، فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره.
حينما جيء بمن سَمّاه الرسول بحق بالتيس المستعار، حينما جيء به تظاهر بأنه يريد أن يخطب المطلقة ولو بعد انتهاء عدتها، والزوجة وافقت، وولي أمرها وافق، والشهود أيضاً شهدوا.
فأركان النكاح الشرعي تَجَمَّعت وتوفرت، فهل اعتبر الشارع الحكيم هذا النكاح صحيحاً، أم اعتبره باطلاً؟
لا شك حيث قال عليه السلام: «لعن الله المُحَلِّل والمُحَلَّل له» ، فكلاهما ملعون.
ولذلك كل من بلغه هذا الحديث من الأئمة، وعلى رأسهم الإمام أحمد رحمه الله، حكم ببطلان هذا النكاح.
فإذاً: هنا يأتي قوله عليه السلام «إنما الأعمال بالنيات» فهذا النكاح الذي قام على الشروط المعروفة شرعاً، ماذا كان القصد من ورائه؟ تحليل ما حرم الله.
وعلى ذلك أمثلة كثيرة، ولا نطيل في ذلك، فأنتم تعلمون قصة اليهود، وصيدهم يوم السبت بطريقة الاحتيال، وهذا مذكور في القرآن الكريم.
وهناك حديث قد يخفى على البعض، يقول عليه الصلاة والسلام:«لعن الله اليهود، حُرِّمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه» .
والشاهد: قوله عليه السلام: «جملوها» أي: أخذوا الشحوم المُحَرّمة في اعتقادهم الحق هذه شحوم محرمة، وهذا منصوص في القرآن الكريم، {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160]. نص في آية أخرى الشحوم والحوايا ونحو ذلك.
فهم يعتقدون بأن أكل هذه الشحوم لا يجوز، فماذا فعلوا؟ أخذوها وألقوها في القدور وأوقدوا النار من تحتها، فأخذت شكلاً آخر، هذا الشكل زين لهم الشيطان أن الحكم اختلف، التحريم زال؛ لأن هذا لم يبق ذلك الشحم الذي حرمه الله في القرآن الكريم.
فلعنهم الرسول بالنص الصحيح: «لعن الله اليهود، حُرِّمت عليهم الشحوم، فجملوها -أي: أذابوها- ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه» .
فالرسول صلى الله عليه وسلم يحكم على هذه الزيادة مقابل أجل بأنها ربا.
فالقول الآن بأن العلة هو جهالة باطل؛ لأن الحديث يجعل العلة نبوية.
وبعضهم يقول بأن البيعتين هنا لم تتحقق فإذاً: خلصنا من مخالفة الحديث شكلاً، لكن العلة وهي العلة الربوية موجودة لا تزال قائمة، ولو في صورة بيعة واحدة، هذا من حيث النص.
نأتي الآن من حيث التَفَقُّه في عموم تعامل المسلمين بعضهم مع بعض، تعامل المسلمين الأغنياء مع الفقراء، تعامل المسلمين الأغنياء مع المتوسطين حالهم من المسلمين، هل هذا التعامل في أخذ الزيادة مقابل الصبر على الأخ المسلم في الوفاء، هذا يتجاوب مع الخُلُق الإسلامي والأخلاق الإسلامية؟
الجواب: لا، المسلم وُجِدَ في هذه الحياة هو لعبادة الله عز وجل كما نعلم جميعاً.
الكفار أذهانهم وأفكارهم وعقائدهم خاوية على عروشها، ليس فيها شيء من هذا المعنى التَعَبُّدي:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
فالمسلم في كل منطلقه في حياته فهو يتعبد إلى الله تبارك وتعالى، سواء في إتيانه ما أمره به أو في اجتنابه ما نهاه عنه.
فالآن: هؤلاء التجار لقد يسر الله لهم هذه الوسيلة، وسيلة المتاجرة وكسب المال بطرق مشروعة، كانوا يستطيعون أن يكونوا كأولئك الأغنياء الذين كانوا في
عهد الرسول عليه السلام، وجاء الفقراء يشكون حالهم بالنسبة لحال أولئك الأغنياء، فيقولون: يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويحجون كما نحج، ويتصدقون ولا نتصدق، قال:«أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من قبلك، ولم يدركم من بعدكم إلا من فعل مثلكم» ؟ ففرح الرسول الفقير لما سمع هذه البشارة، وهي كما تعلمون: ثلاثة وثلاثين عقب الصلاة.
فذهب هذا الرسول الفقير وبَشَّر الفقراء بما سمع من الرسول عليه السلام، ثم لم يطل الأمد بهم، حتى عاد رسولهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقول: يا رسول الله! ما كاد الأغنياء يسمعون بما قلت لنا إلا فعلوا مثل فعلنا، فقال عليه الصلاة والسلام:«ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» فضل الله للأغنياء ..
أنا أقول: هؤلاء الأغنياء الذين يستغلون حاجة المحتاجين، فيزيدون عليهم في الثمن، هذه مناسبة يتعرض لها الغني ربما مرات ومرات في اليوم.
يقول الرسول عليه السلام حضاً على عدم الزيادة مقابل الأجل، يقول:«قرض درهمين، يساوي صدقة درهم» .
رجل أقرض أخاه المسلم درهمين مائتين ألفين كما لو تصدق من جيبه حيث لا رجعة لهذه الصدقة إلى جيبه مرة أخرى بنصف ما تصدق به، هاهنا في مثالنا السابق
نقداً بمائة وتقسيطاً بعشرة، زائد عشرة، فلو أنه باعه بمائة تقسيطاً كأنه تصدق بخمسين ديناراً.
فتأملوا الآن لو أن الأغنياء كانوا مسلمين حقاً، كم يكونون ممن يغبطون من أولئك الفقراء الذين أجابهم الرسول عليه السلام بقوله:«ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» ؟
إذاً: إضافة هذه الزيادة، أولاً: هو أسلوب غربي مادي محض، لا يعرفه المسلمون من قبل، ثانياً: فيه تطبيع أغنياء المسلمين على التكالب على المادة، وعدم التطوع بإعانة الأخ المسلم ولو قرضاً.