الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذلك يقال عن كل العبادات منها ما ذكر من الإمامة والخطابة والتأذين، وكذلك التعليم للعلوم الشرعية.
وهو ولهذا ينبغي على كل من كان مكلفاً بشيء من هذه الوظائف الدينية، أو كان متطوعاً كما قلت في سؤالاً فإذا جاءه شيء فلا يأخذه على أنه حقٌ له أجرٌ، كما لو صنع أيَّ شيء من أمور الدنيا.
وهنا يردنا قوله عليه السلام لعمر بن الخطاب كما جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه مال خص عمر بن الخطاب بشيء منه، فيقول: يا رسول الله أعطه من هو أحق به مني، فيقول له عليه السلام:«يا عمر ما آتاك الله من مال فخذه» «ما آتاك الله من مال ونفسك غير مشرفة إليه، فخذه وتموله، فإنما هو رزق ساقه الله إليك» «ونفسك غير مشرفة إليه، فخذه وتموله، فإنما هو رزق ساقه الله إليك» .
إذاً: كل من كان قائماً بأمرٍ ديني يبتغي من وراء ذلك المثوبة عند الله عز وجل، فجاءه شيء من مال فلا بأس أن يأخذه، لكن لا أجراً، وإنما هو كما قال عليه السلام لعمر:«إنما هو رزق ساقه الله إليك» .
وَوَجَّه في رواية أخرى إلى طريقةٍ قد يغفل عنها بعض ذوي النفوس الزكية الشريفة التي لا تطمع في مال الآخرين، فيتعفف ولا يأخذ ما جاءه من مال، فيقول الرسول عليه السلام معلماً له؛ ليكون سبباً لكسب الثواب عند الله، بطريقة قبضه لهذا المال الذي جاءه دون إشراف نفس منه إليه، يقول له:«خُذْه وتَمَوّله وتصدق به» ، فأنت إن كنت محتاجاً أنفقت على نفسك، وإن كنت غنياً صرفته إلى ناس فقراء ومساكين فيُكتب لك الأجر، هذا هو الجواب عَمّا سألت من الأسئلة.
(الهدى والنور/754/ 22: 34: 00)
حكم أخذ الأجرة على تعليم تفسير القرآني أو علم التجويد
السؤال بالنسبة لتحريم أخذ الأجرة على القرآن أو تعليم القرآن، فأريد أن
أستوضح عن تعليم القرآن، هل يدخل في ذلك تفسير القرآن، تعليم تفسير القرآن أو تعليم تجويد القرآن؟
الشيخ: الجواب: كل العبادات لا يجوز أن يؤخذ عليها أجر، كل العبادات، منها ما جاء النص العام فيدخل في النص العام، كل عبادة وكل ما كان ديناً، كمثل قوله تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]، وكذلك قوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
الآية الأولى صريحة الدلالة في الموضوع: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5].
أما الآية الأخرى فتحتاج إلى شيء من الشرح والبيان مما ذكره علماء التفسير، فقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110]، قالوا: فالعمل الصالح هو الموافق للسنة، أي: فما كان مخالفاً للسنة فهو ليس عملاً صالحاً، وهذا قد جاء في أحاديث كثيرة تتراً عن النبي صلى الله عليه وسلم، كمثل قوله في الحديث المشهور والمعروف في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» .
والأحاديث في هذا المعنى معروفة إن شاء الله، فلا حاجة لإطالة الكلام بذكرها، فقوله تعالى:{فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110] أي: موافق للسنة، {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] أي: لا يطلب أجر تلك العبادة من غيره تبارك وتعالى، والأحاديث التي تأمر بإخلاص النية في الطاعة والعبادة، هي أيضاً كثيرة ومشهورة.
فهذا النص القرآني بعد شرحه مع النص الأول، كلاهما نص عام على أن العبادة لا تكون عبادة إلا بشرطين اثنين:
الشرط الأول: أن يكون على وجه السنة.
والشرط الثاني: أن يكون خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى، فهذه النصوص عامة تشمل كل عبادة.
أما بالنسبة للقرآن فهناك نصوص خاصة، من أشهرها وأصحها قوله عليه الصلاة والسلام:«تعاهدوا هذا القرآن، وتغنّوا به، قبل أن يأتي أقوام يتعجلونه ولا يتأجلونه» ، يتعجلونه: أي: يطلبون أجره للعاجل، ولا يتأجلونه أي: لا يطلبون الآجل في الآخرة.
فلهذا كُلّه لا يجوز لمسلم أن يبتغي من وراء عبادة يقوم بها أجراً إلا من الله تبارك وتعالى، وعلى هذا فليست القضية متعلقة بتلاوة قرآن فقط، وبصورة خاصة على الحالة التي وصل إليها بعض القراء اليوم، حيث صدق فيهم نبأ الرسول الكريم المذكور آنفاً:«قبل أن يأتي أقوام يتعجلونه ولا يتأجلونه» ، فالمسألة أعم وأوسع من ذلك بكثير.
فلا فرق بين من يتلوا القرآن للتلاوة فقط ويأخذ أجراً، وبين من يعلم القرآن ويأخذ عليه أجراً، وبين من يفسر القرآن ويأخذ عليه أجراً، وبين من يعلم الحديث ويأخذ عليه أجراً، وبين من يؤم ويؤذن و .. و .. ويخدم المسجد، كل هذه عبادات لا يجوز لأي مسلم أن يبتغي من وراء ذلك أجراً إلا من عند الله تبارك وتعالى.
إذا عُرِفت هذه الحقيقة، وهي حقيقة لا ينبغي أقول وكدت أن أقول: لا خلاف فيها، كدت أن أقول: لا خلاف فيها، ثم لم أقل؛ لأنني تذكرت خلافاً في جزئية واحدة، ألا وهي القرآن الكريم، فإن بعض المذاهب المتبعة اليوم، تقول: يجوز أخذ الأجر على القرآن، ولهم في ذلك حجة صحيحة رواية وليست صحيحة دراية؛ أما أنها صحيحة رواية فلأنها في صحيح البخاري، أما أنها ليست صحيحة دراية أي: لا يصح الاستدلال بهذه الرواية مع صحتها في .. الاحتجاج على ما يناقض تلك الأدلة القاطعة بخاصة وبعامة، أنه لا يجوز أخذ الأجر على أيِّ عبادة وبخاصة منها القرآن الكريم؛ ذلك الحديث هو قوله عليه الصلاة والسلام:«إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» هذا الحديث في صحيح البخاري كما ذكرنا.
وإنما قلنا: إنه لا يجوز الاستدلال به دراية مع صحته رواية؛ لأن لهذا الحديث مناسبة جاءت مقرونة مع الرواية نفسها، وهو في صحيح البخاري كما قلنا من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه:«أنه كان في سرية مع جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فَمَرُّوا بقبيلة من القبائل العربية، فطلبوا منهم أن ينزلوا عليهم ضيوفاً فأبوا، فنزلوا بعيداً عنهم، فَقَدَّر الله تبارك وتعالى أن أرسل عقرباً فلدغت أمير الجماعة، فأرسل أحد أتباعه إلى هؤلاء الذين أرادوا أن ينزلوا عليهم فأبوا، فقال: انظروا لعلهم عندهم شيء؛ لأنهم من أهل الحضر، فجاء الرسول من قِبَل ذلك الأمير فعرض عليه أن يعالجه، ولكن اشترط عليه رؤوساً من الغنم -أنا نسيت الآن إما عشر وإما مائة- وهو رئيس قبيلة وغني، فقبل ذلك، فما كان منه إلا أن رقاه بالفاتحة، بعد أن مسح بالبصاق مكان اللدغ، فكأنما نشط من عقال، -هكذا يقول في الحديث- فأخذ الجُعْل وأتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، محتاطاً لعله لا يجوز أن يستفيد منه، فقال له عليه الصلاة والسلام -الحديث السابق- إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» .
فاختلف العلماء هنا، فالجمهور أخذ بالحديث مُفَسَّراً بالسبب، والشافعية أخذوا بالحديث دون ربطه بالسبب، وهذا هو السبب في الخلاف.
وينبغي أن يكون معلوماً لدى كل طالبٍ للعلم، أن من الضروري جداً لمن أراد التَفَقُّه ليس في السنة فقط، بل وفي القرآن أيضاً أن يعرف أسباب نزول الآيات وأسباب ورود الأحاديث؛ فقد ذكر علماء التفسير أن معرفة سبب نزول الآية، يساعد الباحث على معرفة نصف معنى الآية والنصف الثاني يؤخذ من علم اللغة وما يتعلق بها من معرفة الشريعة.
كذلك نقتبس من هذا فنقول: أيضاً كثير من الأحاديث لا يمكن فهمها فهماً صحيحاً إلا مع ربطها بأسباب ورودها، منها هذا الحديث، وهنا أحاديث كثيرة أيضاً لا يمكن أن تُفْهَم فهماً صحيحاً إلا بربط الرواية مع سببها، فحينما فصل الحديث:«إن أحقَّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» عن سبب وروده أعطى الإباحة
العامة: «إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» ، فسواء كان الأجر مقابل التلاوة أو كان مقابل تعليم القرآن أو تفسير القرآن وهكذا، فالحديث عام، ولكننا إذا ربطناه بسبب الورود تخصص هذا العموم بالوارد، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء، وبخاصة منهم علماء الحنفية، حينما فسروا هذا الحديث:«أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» في الرُّقية، فأضافوا هذه الجملة في الرقية أخذاً لها منهم من سبب ورود الحديث.
وهذا الأخذ لابد منه؛ لكيلا يصطدم التفسير إذا كان من النوع الأول بقواعد إسلامية عامة ذكرناها آنفاً من بعض الآيات وبعض الأحاديث، وهذا من القواعد الأصولية الفقهية، أنه إذا جاء نص سواء كان قرآناً أو كان سنة، فلا يجوز أن يؤخذ على عمومه إلا منظوراً إليه في حدود النصوص الأخرى التي قد تُقَيِّد دلالته فَتُخَصِّصه، هذه كقاعدة لا خلاف فيها عند علماء الفقه والحديث، بل علماء المسلمين جميعاً.
وإنما الخلاف ينشأ من سببين اثنين: إما ألَاّ يرد الحديث مطلقاً إلى بعضهم، أو أن يرد إليه مطلقاً، دون السبب الذي يوضح معناه كما نحن في هذا الحديث بالذات.
ولعله يحسن أن نضرب مثلاً آخر؛ لأن له علاقة بكثير مما يُثار اليوم ويجري النقاش حوله، ويستدل عليه بقوله صلى الله عليه وسلم:«من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، دون أن ينقص من أجورهم شيء» .. إلى آخر الحديث.
فإن جماهير العلماء اليوم وقبل اليوم ببضع قرون، يُفَسِّرون هذا الحديث تفسيراً على خلاف ما يدل عليه سبب وروده، فيقولون معنى الحديث:«من سن في الإسلام سنة حسنة» أي: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، وعلى ذلك يضطرون أن يخصصوا عموم قوله عليه السلام في الحديث السابق ذكره:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» .
وكذلك يفعلون بالحديث الذي هو أوضح في الدلالة على عموم وشمول الذم لكل بدعة، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» ، فحينما وقعوا في تأويل الحديث السابق:«من سن سنة حسنة» ، بمن ابتدع فالإسلام بدعة حسنة، اضطروا توفيقاً بين ذاك الحديث وهذا المفهوم للحديث ولا أقول: بين ذاك الحديث وهذا الحديث؛ لأنه في الحقيقة لا تنافر ولا تنافي بينهما، وإنما جاء التنافر والتنافي بين ذلك الحديث العام الذي لا إشكال فيه:«كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» وبين الفهم الخاص لمن سن في الإسلام سنة حسنة أي: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، فقالوا: إذاً: قول: «كل بدعة ضلالة» من العام المخصوص، وحينئذ يكون معنى الحديث: ليس كل بدعة ضلالة، فما هو معنى الحديث إذاً الذي تأولوه بالبدعة؟
الحقيقة أننا نستطيع أن نفهم الحديث فهماً لا يتنافى مع العموم المذكور: «كل بدعة ضلالة» من نفس المتن أولاً، ثم نبتغي دعماً لهذا الفهم من سبب وروده ثانياً؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال في الحديث:«من سَنّ في الإسلام» وصفها في الطرف الأول من الحديث بالحسنة، وفي الطرف الثاني الذي استغنيت عن ذكره لشهرته بقوله: سنة سيئة، فإذاً: هذا الحديث يَدُلّنا أن في الإسلام سنة حسنة وفي الإسلام سنة سيئة، هنا يأتي السؤال: ما هو سبيل معرفة السنة الحسنة والسيئة السيئة، أهو العقل والرأي المحض، أم هو الشرع؟ ما أظن أن قائلاً يقول هو العقل والرأي، وإلا ألحق نفسه ولا أقول نلحقه بالمعتزلة، ألحق نفسه بالمعتزلة الذين يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين، هؤلاء المعتزلة هم الذين عرفوا منذ أن ذروا قرنهم وأشعوا فتنتهم بقولهم: إن العقل هو الحكم، فما استحسنه العقل فهو الحسن، وما استقبحه العقل فهو القبيح، أما رد أهل السنة والجماعة بحق فإنما هو على نقيض من ذلك، الحسن: ما حَسّنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع.
إذاً: حينما قال عليه الصلاة والسلام: «من سَنّ في الإسلام سنة حسنة» أي: شرعاً: «ومن سن في الإسلام سنة سيئة» أي: شرعاً، فالشرع هو الحكم في أن نعرف أن هذه سنة حسنة وهذه سنة سيئة.
إذا كان الأمر كذلك، حينئذٍ لم يبق مجال للقول بأن معنى الحديث:«من سَنّ في الإسلام سنة حسنة» بدعة حسنة، فنقول: هذه بدعة لكنها حسنة! ما يدريك أنها حسنة؟ إن جئت بالدليل الشرعي فعلى الرأس والعين، والتحسين ليس منك وإنما من الشرع، كذلك إن جئت بالدليل الشرعي على سوء تلك البدعة، فالشرع هو الذي حكم بأنها سيئة، وليس هو الرأي.
فهذا الحديث إذاً من نفس كلمة «حسنة» و «سيئة» نأخذ أنه لا يجوز تفسير الحديث بالبدعة الحسنة والبدعة السيئة التي مرجعها الرأي والعقل، ثم يندعم هذا الفهم الصحيح لهذا المتن الصحيح، بالعودة إلى سبب ورود الحديث -وهنا الشاهد- الحديث جاء في «صحيح مسلم» و «مسند الإمام أحمد» وغيرهما من دواوين السنة من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه قال:«كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه أعراب مجتابي النِّمار مُتَقَلِّدي السيوف عامتهم من مُضَر، بل كلهم من مضر، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تَمَعَّر وجهه أي: تَغَيَّرت ملامح وجهه عليه الصلاة والسلام حزناً وأسفاً على فقرهم الذي دل عليه ظاهر أمرهم، فخطب في الصحابة وذكر قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10]، ثم قال عليه الصلاة والسلام: تصدق رجل بدرهمه بديناره بصاع بُرّه بصاع شعيره» ، تصدق هو فعل ماضي، لكن هذا من بلاغة اللغة العربية أي: ليتصدق، فأقام الفعل الماض مقام الفعل الأمر أي: إشارة إلى أنه ينبغي أن يقع ويصبح ماضياً، ليتصدق أحدكم بدرهمه بديناره بصاع بره بصاع شعيره، «وبعد أن انتهى عليه الصلاة والسلام من خطبته، قام رجل ليعود وقد حمل بطرف ثوبه ما تيسر له من الصدقة من طعام أو دارهم أو دنانير وضعها بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رأى أصحابُه الآخرون ماذا فعل صاحبهم، قام كل منهم ليعودوا بما تيسر لهم من الصدقة، قال جرير: فاجتمع أمام النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقة كأمثال الجبال، قال: فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تَنَوَّر وجهه كأنه مذهبة» ، قالوا في تفسير هذا التشبيه:«كأنه مذهبة» أي: كالفضة المطلية بالذهب، في
أول الأمر لما رآهم عليه
الصلاة والسلام قال: تَمَعَّر وجهه أسفاً وحزناً، لكن لما استجاب أصحابه لموعظته له .. «فلما استجابوا له عليه الصلاة والسلام تنور وجهه كأنه مذهبة، وقال: من سن في الإسلام سنة حسنة» .. إلى آخر الحديث.
الآن نقول: لا يصح بوجه من الوجوه أن يُفَسّر الحديث بالتفسير الأول: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة؛ لأننا سنقول: أين البدعة التي وقعت في هذه الحادثة، وقال عليه الصلاة والسلام بمناسبتها: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة؟ لا نرى هناك شيئًا من هذا القبيل إطلاقاً، بل نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم آمراً لهم بالصدقة مذكراً لهم بآية في القرآن الكريم كانت نزلت عليه مسبقاً وهي:{أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [المنافقون: 10] وأكد ذلك ببعض حديثه: «تصدق رجل بدرهمه بديناره بصاع بره بصاع شعيره» .
إذاً: ليس هناك إلا الصدقة، والصدقة عبادة، تارة تكون فريضة وتارة تكون نافلة.
فإذًا: لا يجوز أن نقول: معنى الحديث من ابتدع؛ لأنه لم يقع هنا بدعة، ولكن لو رجعنا إلى لفظة: سَنَّ في اللغة العربية للمسنا منها شيئاً جديداً في هذه الحادثة، لكن ليست هي البدعة، الشيء الجديد هو قيام هذا الرجل أول كل شيء، وانطلاقه إلى داره ليعود بما تيسر له من صدقة، فأصحابه الآخرون فعلوا مثل فعله فسن لهم حسنة، لكن هو ما سن بدعة، سن لهم صدقة، والصدقة كانت مأمور بها من قبل كما ذكرت آنفاً، قد أكون أطلت قليلاً أو كثيراً، ولكن أرى أن هذا البيان لابد منه لكل طالب علم؛ ليفهم النصوص الشرعية فهماً صحيحاً؛ حتى لا يضرب بعضها ببعض، فقوله عليه الصلاة والسلام الذي أخذ بظاهره بعض العلماء، فأباحوا أخذ الأجر على القرآن مطلقاً، لا يصح فهمه على هذا الإطلاق، بل ينبغي أن نربطه بالسبب وهو الرُّقية، فلا يكون حينذاك أخذ الأجر المنصوص في الحديث لمجرد تلاوة قرآن أو تعليمه، بل للرقية بالقرآن الكريم.
ويؤكد هذا أخيراً ولعلي أكتفي بهذا الذي سأذكره: أن رجلاً علَّم صاحباً له في عهد النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فأهدى إليه قوساً، ولكنهم عوداً إلى حديث أبي سعيد، لماذا توقف أبو سعيد من الاستفادة من الأجر الذي أخذه من أمير القبيلة، وهذا الرجل الثاني لما أهديت له القوس توقف؟ حتى سأل الرسول عليه السلام لماذا توقف هذا وذاك؟ لأنهم كانوا فقهاء حقاً، وكانوا يفهمون مثل الآية السابقة:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] فأبو سعيد قرأ القرآن ورأوا أنها مقرونة بالرقية، وهذا الآخر عَلَّم صاحبه القرآن، فخشي أن يكون ذلك منافياً الإخلاص في عبادة الله عز وجل، فكان من ذلك أن أبا سعيد تَوَرَّع عن الانتفاع بالأجر الذي أخذه مقابل الرقية حتى قال له عليه السلام ما سمعتم، أما هذا الرجل الثاني الذي عَلَّم صاحبه القرآن لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر له بأنه علمه فأهدى إليه قوساً، قال:«إن أخذتها طُوِّقت بها ناراً يوم القيامة» .
فإذاً: تعليم القرآن إذاً بهذا الحديث والحديث الآخر: «يتعجلونه ولا يتأجلونه» لا يجوز إطلاقاً.
إلى هنا أكتفي لما سبق من بيان، أن القرآن تعليماً وقراءة لا يجوز أخذ الأجر عليه ككل العبادات.
ولكن هنا ملاحظة لابد من ذكرها ولو بإيجاز: الأجر كما تعلمون حق مقابل عمل يقوم به الإنسان، هذا النوع من الأخذ المسمى لغة وشرعاً أجراً، هو الذي يَحْرُم شرعاً، ولكن إذا كان هناك نوع من المال يُعطى لمن يقوم ببعض، لنقول الآن بالعرف الحاضر الوظائف الدينية من قِبَل الدولة أو من قِبَل بعض الأثرياء والأغنياء وما أقلهم في هذا الزمان الذين يشعرون بأن عليهم أن يمدوا يد العون والمساعدة لبعض الفقراء، بل والأقوياء الذين تفرغوا لخدمة الإسلام بعمل ما، خدمةً للإسلام، فتعطي لهم الدولة، لا يجوز أولاً: للدولة أن تُسَمِّي هذا أجراً، ولا يجوز للآخذين لهذا الشيء أن يأخذوه أجراً، وإنما يأخذوه بمعنى آخر هو مثلاً الهبة أو الجعالة أو العطاء، كما كانوا في السلف الأول حينما كان الإسلام قوياً، وكان