الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبهذه المناسبة أنصح القراء بالرجوع إلى رسالة الأخ الفاضل عبد الرحمن عبد الخالق: «القول الفصل في بيع الأجل» فإنها فريدة في بابها، مفيدة في موضوعها، جزاه الله خيرا.
السلسلة الصحيحة (5/ 419 - 427).
بيع الأجل (التقسيط)
مداخلة: شيخ، ما هو رأيكم في بيع الأجل؟
الشيخ: أي نعم، لقد بحثت هذه المسألة بحثاً حتى قُضِي الأجل.
الحقيقة: كَرَّرنا الكلام في هذا كثيراً وكثيراً جداً.
والخلاصة: المتبادر من السؤال حتماً، ليس هو ما يبدو من اللفظ، وإنما ما يَكْمُن وراء اللفظ؛ لأنه أنا لو تمسكت بلفظك لقلت: هذا خير من بيع النقد بيع الأجل خير من بيع النقد.
لكن المقصود: الزيادة المُقَابَل بها الأجل، هذا هو المقصود، هذه الزيادة أنا لا أراها؛ لسببين اثنين:
أولاً: النص.
ثانياً: الاستنباط والنظر الصحيح السليم.
أما النص فهما حديثان، أحدهما «نهى عن بيعتين في بيعة» .
وقد سئل أحد رواة الحديث في مسند الإمام أحمد، وهو سماك بن حرب: ما بيعتان في بيعة؟ قال: أن تقول أبيعك هذا نقداً بكذا، ونسيئة بكذا وكذا، هذا هو بيعتين في بيعة.
الحديث الثاني: قال عليه السلام: «من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو ربا»
أنا أقول في هذه المناسبة: نستفيد من كُلٍّ من الحديثين فائدة يشترك في الدلالة عليها كلاهما معاً.
ثم نستفيد من كُلٍّ من الحديثين ما لا يستفاد من الحديث الآخر.
أما الفائدة المشتركة فهي النهي عن بيعتين في بيعة.
أما الفائدة التي تَفَرّد كل من الحديثين بها دون الآخر، فمن الحديث الأول: تفسير بيعتين في بيعة. نفهم من الحديث الأول تفسير بيعتين في بيعة، وهو أن تقول: أبيعك هذه المسجلة نقداً بمائة كذا، ونسيئة بمائة وكذا.
إذا فهمنا هذه الفائدة من الحديث الأول، لننظر ما هي الفائدة في الحديث الآخر، حيث لا نفهمها في الحديث الأول، هي اعتبار الحديث الأول الزيادة رباً أولاً، وهذا صريح منه.
والشيء الآخر -وهو هام جداً-: الحديث الأول باعتباره نهى عن بيعتين في بيعة، والأصل في المناهي في المعاملات الدلالة على البطلان، ففهمنا من الحديث الثاني خلاف ذلك، حيث أجاز بيعتين في بيعة، ولكنه أبطل الزيادة؛ لأنه قال:«فله أوكسهما أو ربا» ، فقوله:«له أوكسهما» معنى أن البيع ماشي؛ لأنه أباح له أن يأخذ هذا الوكس، النقد، لكن إذا أخذ الزيادة فقد أكل الربا.
فمن هذا الحديث وذاك نخلص بهذه النتيجة: أن بيع التقسيط المعروف اليوم هو ربا، هذا الذي قلته أولاً.
ثانياً: النظر الصحيح والسليم يقتضينا أن نقول بما فهم من هذين الحديثين، ذلك لأنه لا خلاف بين مسلمين، ولا أقول فقيهين، أنه إذا جاء شخص عند بائع الحاجة -لنقل السيارة- وقال له: يا فلان أقرضني كذا دنانير، ألف .. ألفين .. ثلاثة
…
على أني أعطيك ربح زيادة كذا، حيقول: لا، هذا حرام، هذا ربا؛ لذلك قلت: في هذا المثال لا يختلف فيه اثنان، لكن إذا قال له: بعني هذه السيارة قال له: بالتقسيط كذا، وبالنقد كذا، هو طلب منه من قبل ثمن السيارة، قرض حسن،
ليشتري منه السيارة، وقال: أعطيك زيادة مثلاً مائة دينار، قال: لا، هذا ربا. فلما باعه تقسيطاً بدل المائة طلب منه خمسمائة، أيش الفرق بين هذه الصورة، وتلك الصورة؟
شخص واحد تأتيه تطلب منه أربعة آلاف دينار قرضًا إلى سنة، وبتقول له: أنا بعطيك من طيب نفسي مائة دينار، هذاك رجل صالح، طيب بيقول: لا، هذا ربا، هذا ما يجوز.
لكن إذا عاد فقال له: بعني هذه السيارة، بيقول له: هذه أربعة آلاف نقداً، وأربعة آلاف وخمسمائة نسيئة. إيش الفرق فيما إذا أعطاه أربعة آلاف، وأخذ أربعة آلاف وخمسمائة، وبين إدخال هالمتاع، هالسيارة واسطة في سبيل استحلال تلك الزيادة. لا فرق بين هذا وهذا إطلاقاً، سوى التمسك بما يسمى عند بعضهم بالحيل الشرعية، وهي في الحقيقة أحق بأن تسمى بالحيل اليهودية الذين ذمهم الله عز وجل في كتابه ولعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أحاديثه، كمثل قوله عليه السلام:«لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها، ثم باعوها، وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حَرّم أكل شيء حرم ثمنه» . ماذا فعل اليهود، حرمت عليهم الشحوم، لا هذا حرام ما بيجوز، لا أكله ولا بيعه، فجملوها أي: ذَوَّبوها، ثم باعوها وأكلوا أثمانها، ما الفرق بين المحرم نصاً وبين ما فعلوه هم تأويلاً؟
ومثلما يقولوا عندنا بالشام: لا فرق سوى تغيير الشكل من أجل الأكل، بيقولوا عن بعض الصوفية لما بيغيروا ثيابهم: تغيير شكل من أجل أكل، فهذول غيروا الصورة اليهودية من شان يحلوا ما حَرَّم الله بأدنى الحيل.
الآن نحن ناس صالحين ما نأكل الربا، لكن بطريقة اللف والدوران إدخال واسطة في الموضوع هو المتاع، هذا جائز.
وتعدى الأمر هذه الصورة المختلف فيها إلى صورة أخرى، يدخل وسيط غني بين الشاري والبائع التاجر، فبيقول: إنت روح خذ أيّ سيارة بِدّك إياها، وأنا بشتري لك إياها، بس أنا كأجر للتوسط هذا، بِدّي بدل الأربعة آلاف، أربعة آلاف
وأربعمائة، الوكالة بتأخذ منه أربعة آلاف وخمسمائة، الوسيط هذا بيروح يدفع ثمن السيارة للوكالة أربعة آلاف، وبيقبض من الشاري بعد سنة أربعة آلاف وأربعمائة.
مداخلة: طيب، البنك الإسلامي ..
الشيخ: شو هاي الأربعمائة، هاي الزيادة، {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وهو وسيط خير ما شاء الله، فساعد أخوه المسلم وراح اشترى له سيارة من الوكالة بأربعة آلاف، لكن أخذ مقابل أربعة آلاف أربعمائة بدل خمسائة من الوكالة وهو أخذ أربعمائة، من شان يضارب صاحب الوكالة، وقال: اللي بِدّه يروح عند البنك أو غيره رأساً بيشتري من عند الوكالة، لكن البنك حيطلب أقل، هو ربحان على كل حال، لأنه بدل ما يعطي أربعة آلاف نقدًا يأخذها أربعة آلاف وأربعمائة، لا، هذا حرام ما يجوز.
إذاً: هو يدخل وسيط مثل هذه الوساطة.
هذا وجه النظر.
ثم نذكر أخيراً فضيلة قضاء حاجة المسلم، وفضيلة الصدقة، وأنه كما جاء في بعض الأحاديث:«قرض درهمين يساوي صدقة» فلو أنت أقرضت مسلماً مائتي دينار، كأنما تصدقت وأخرجت مائة دينار من جيبك لوجه الله، بطل القرض الحسن من بين تجار المسلمين اليوم.
مع أن التاجر هذا بيستطيع أنه يكسب يتجارته اللِّي بيكسب فيها المال الحلال، يكتسب بها من الحسنات كأمثال الجبال، وربما لا يُحَصِّلها قائم الليل وصائم النهار، وهو كالمنشار عالطالع والنازل؛ لأنه إذا باع بالنقد استفاد، إذا باع بالتقسيط بنفس سعر النقد، استفاد حسنات وصدقات.
بطل هذا القرض الحسن، وخرج من أيدي المسلمين؛ بسبب ما حل بين أيديهم من بيع التقسيط الذي لا يعرفه السلف، بل ولا الخلف، لا يعرفونه كنظام في التعامل وفي التجارة، إنما هو بضاعة وفدت إلينا من بلاد الكفر والضلال، الذين
وصفهم الله عز وجل بقوله: {وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة: 29].
هذا وجهة نظري في هذه المسألة.
مداخلة: يا شيخ أنت بدأت كلامك بقول سماك: [فله] أوكسهما [أو الربا]، فهل قول سماك نص في هذا يعني؟
الشيخ: لا هو مش نص، هو تفسير من الراوي، وهي المسألة مختلف فيها.
هذا التفسير لو جاءنا من إمام كسفيان الثوري، فما نسأل نحن من أين جاء به، نقول: هذا رجل إمام في الفقه، إمام في الحديث، إمام في اللغة، فنستفيد منه هذه الفائدة، بضميمة أنه هذا التفسير له ما سبق مما يؤيده استنباطاً ونظراً.
فكثير من العلماء، حتى في النهاية تجد هذا التفسير، في «النهاية في غريب الحديث والأثر» ، تجد هذا التفسير، حتى في حديث: «نهى عن بيع
…
» بقول ابن الأثير: إنه هذا بمعنى بيعتين في بيعة، وهو أن تقول: أبيعك هذا بكذا نقداً، وبكذا وكذا نسيئة.
مداخلة: يا شيخنا، أيضاً الإمام «النسائي» في الجزء الثامن من «السنن» بَوَّب على حديث: نهى عن بيعتين في بيعة، قال: باب النهي عن بيعتين في بيعة، وهو أن يقول: أبيعك هذه ..
الشيخ: نعم، أنا جامعهم هذولا في مكان يعني، يوماً ما إذا وجدنا فراغاً واستعداداً أنه نخرج رسالة.
في رسالة تنفع في هذا الصدد، وإن كانت ما هي مستوعبة للبحث، لأخونا «عبد الرحمن عبد الخالق» المقيم في الكويت.
(الهدى والنور / 32/ 19: 49: .. )