الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهاد في سبيل الله قائماً ومنشوراً وكانت المغانم تملأ خزائن الدولة، الدولة تُوَزِّع عطاءً على الناس حتى من لم يكن موظفاً منهم فيها، فهذا هو المخرج ممن كان إماماً أو مؤذناً أو خطيباً أو مدرساً في المدارس، وكان علمه علماً شرعياً دينياً لا يجوز له أن يأخذ عليه أجراً، عليه أن يأخذه بغير معنى الأجر؛ بما ذكرناه من الأدلة القاطعة، التي توجب على كل مسلم أن تكون عبادته خالصة لوجه الله تبارك وتعالى.
(الهدى والنور/656/ 43: 00: 00)
(الهدى والنور/656/ 13: 32: 00)
أخذ الأجرة لمدرسي القرآن الكريم والتربية الإسلامية
مداخلة: والله يا شيخ نحن أتينا نريد .. كل منا في نفسه أسئلة، ولعلي أبدأ بما يسر الله، السؤال الأول الذي في نفسي: عن أخذ الأجرة على تعليم القرآن بالنسبة لمدرسي التربية الإسلامية في هذا الزمن، ومن مواد التربية الإسلامية القرآن، فهل يجوز أخذ الأجر على هذا التدريس أم ما الصواب؟
الشيخ: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ومن الله تبارك وتعالى نستلهم التوفيق للصواب من القول والصالح من العمل.
فأقول: معلوم باتفاق العلماء، أنه لا يجوز أخذ الأجر على أيِّ نوع من أنواع العبادات المحضة، سواء كان القرآن أو الحديث أو الفقه أو أيَّ علم من علوم الشريعة، التي يَتَعَبّد المسلم بها ويتقرب إلى الله تبارك وتعالى، والأدلة كثيرة ما أظن تخفى على أحد من طلاب العلم، ومن أشهرها قول ربنا تبارك وتعالى في القرآن الكريم:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وقوله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
وقد ذكر علماء التفسير في هذه الآية، بأن العمل الصالح يُشترط فيه شرطان، أخذاً من هذه الآية الكريمة {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
الشرط الأول: أن يكون عمله على وفق السنة، فإذا كان مخالفاً لم يكن مقبولاً، ولو كان صاحبه مخلصاً فيه لله عز وجل، ومن الأدلة على ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» .
والشرط الثاني، وهذا هو بيت القصيد من هذا البحث: أن يكون مخلصاً في هذا العمل الذي وافق السنة.
فالإخلاص شرط في كل عبادة؛ حتى تكون مقبولةً عند الله عز وجل، والشرط الآخر أن تكون هذه العبادة موافقة للسنة وليست مخالفة لها.
فإذا اختل أحد هذين الشرطين لم يكن العمل صالحاً.
إذا كان هذا أمراً معروفاً، فحينئذٍ يُعرف الجواب عن ذاك السؤال، أنه لا يجوز أخذ الأُجْرة مطلقاً على أيِّ عمل يقوم به المسلم، ما دام هذا العمل عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله عز وجل، أو بعبارة قد تكون أدق: يفترض أن يكون أن يتقرب بهذا العمل إلى الله تبارك وتعالى.
إذا كانت هذه القضية واضحة بَيِّنة في أذهان طلاب العلم، عُدْنَا إلى الجواب عن السؤال المطروح آنفاً باختصار: لا يجوز أخذ الأجر على تعليم القرآن، ولكن هنا شيء لا بد من لفت النظر إليه، ألا وهو: أن الأجر حينما يقال: أجر فهو حَقٌ يطلبه صاحب العمل من المعمول له والمقدم إليه، فبهذا المعنى لا يجوز أن يُؤْخذ أجر على تلاوة القرآن وتعليمه وسائر الأعمال التعبدية كما ذكرنا آنفاً.
إذا كان هذا كذلك، نقول: أما إذا قُدِّم مال ما من جهةٍ ما، سواءً كانت هذه الجهة حكومية أو من أيِّ فرد من أفراد الأمة، قُدِّم هذا المال راتباً أو هبة أو جعالة ولم يأخذه المعلم سواء كان كما قلنا آنفاً للقرآن أو للحديث أو نحو ذلك من العلوم،
إذا أخذ ذلك ليس بمعنى الأجر أي أنه قام بعمل يستحق عليه شرعاً أجراً، وإنما أخذه بأنه قُدِّم إليه ممن قَدَّم هذا المال، فأخذه لا أجرة وإنما هبة .. جعالة .. راتباً .. ونحو ذلك من المعاني التي تُخالف معنى الأجر مقابل الشيء.
وفي اعتقادي أيضاً، أنه لا إشكال في هذا التفريق، فيما إذا رجعنا إلى مثل قوله عليه الصلاة والسلام:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» إلى آخر الحديث المعروف.
فالعمل الواحد يختلف حكمه باختلاف النية، فالنية لها علاقة كبيرة جداً في تصحيح العمل أو في إفساده.
ومن الأمثلة التي يذكرها بعض العلماء في شرح حديث النية: أن رجلاً ما يأتي شهوة وهي له حلال بل ويكون مأجوراً عليها، وآخر يأتي نفس الشهوة يكون مأزوراً تجاهها، والعمل واحد وإنما اختلفت النتيجة باختلاف النية.
فمن أوضح الأمثلة في ذلك هو النكاح والزنا، ففي كُلٍّ من هذين الأمرين يأتي الشخص شهوته ولكن في النكاح يكون مأجوراً وفي الزنا يكون مأزوراً، والعمل هو هو، ويضربون على ذلك مثلاً: فرجل أتى خطأً غير زوجته، وهو يظنها زوجته فلا وزر عليه في ذلك، والعكس بالعكس تماماً، في رجل أتى جامع زوجته وهو يظنها غريبة عنه، إنما أتاها لقضاء شهوته بالحرام، وبعد أن فرغ منها تَبَيَّن له أنها زوجته، فهو آثم مع أنه جامع زوجته وقضى وطره منها؛ ذلك لأن الأول كانت نيته أن يأتي زوجته لكنه أخطأ في الواقع، فلم يُصِبه شيء من الوزر، والعكس في المثال الثاني تماماً.
وتفصيل هاتين الصورتين ليس من الصعب لكل سامع أن يعرف حقيقة ذلك.
إذا عرفنا هذه الحقيقة، وهو أن العمل الواحد يختلف باختلاف النية، حينئذٍ يكون معالجة المسألة التي طرحتها بإصلاح النية، فمن كان وُكِّل إليه أمر تعليم الدين ورُتِّب له راتب أو معاش، فتصحيح هذا العمل يكون بأن لا يأخذ ما يُقَدَّم
إليه بمعنى الأجر الذي يستحقه مقابل أي عمل دنيوي، وإنما يأخذه كما ذكرنا آنفاً من معاني الهبة أو الجعالة أو الراتب.
فالدولة مثلاً حينما تكون غنية وتكون متمسكة بالأحكام الشرعية وقائمة على تنفيذها، لها أن تُقَدِّم لكل فرد من أفراد المسلمين راتباً يكفيه عن السعي والضرب في الأرض؛ ليتفرغ لعبادة الله عز وجل، والقيام بما يجب عليه من تربية أهله وذويه ومن حوله.
فهذا هو جواب العمل الذي ينبغي أن يكون عليه القائمون بتعليم المسلمين، أيّ علم من العلوم الشرعية، هذا ما عندي جواباً عن ذاك السؤال.
مداخلة: جزاك الله خيراً يا شيخ، لكن هذه المعاني معنى [الأجر] والهبة تختلط أحياناً في نفس الإنسان، فيقوى أحدها فترة والآخر فترة، يشعر أحياناً أنه يأخذ هذا أجراً وأحياناً يشعر أنه يأخذه هبة.
الشيخ: المسألة بارك الله فيك هي ليست بالشعور، وإنما بتصحيح ما في القلوب.
فأنا قلت آنفاً: معالجة القضية هو: أن ينوي المسلم حينما يأخذ هذا المال، لا يأخذه أجراً؛ لأنه إن فعل ذلك أبطل عمله، كما ذكرنا آنفاً: أن هناك في قبول العمل ليكون صالحاً شرطين اثنين:
فالشرط الأول: هو الإخلاص لله عز وجل، فهذا أمر يتعلق بالعقيدة، وبما وقر في قلب هذا الإنسان الذي قُدِّم إليه هذا المال، أما هو يشعر بكذا ويشعر بكذا هذا أمر طبيعي جداً، فقد يقوم إنسان يصلي ركعتين لله عز وجل فتتحول نفسه من الإخلاص في هذه العبادة إلى يتظاهر أمام الناس بأنه رجل صالح وهو بذلك يبطل هذه العبادة التي ليس لها علاقة بأخذ مادي إطلاقاً ولكن لما تصور ما في قلبه من النية في هذه العبادة التي كان المفروض فيها أن تكون خالصة لوجه الله عز وجل أن يرائي الناس فيها فذلك إما أن يبطل عمله بالكلية وإما أن يقلل من أجر هذه العبادة على نسبة قوة الرياء فيها وضعف الرياء فيها.
فالشعور الذي أنت ذكرته أمر واقع في نفوس كثير من الناس، لكن البحث الآن هو: كيف نجعل ما قد يُبْتَلى به بعض الناس، من الأخذ لمالٍ ما مقابل علم ما أو تعليم ما هو إصلاح هذه النية.
هذا هو الجواب.
(الهدى والنور /336/ 10: 38: 00)