الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انكشف أمره بتنصب أيش الشتيمة، ليس على الراشي وإنما على أهل الدين، أنتوا هيك، أنتوا كذا أنتو كذا إلى آخره في هذه الحالة هذه.
مداخلة: ما يجوز
(الهدى والنور /134/ 12: 053: 00)
هل الجمارك من المكوس المحرمة
مداخلة: حديث: «لا يدخل الجنة صاحب مكس» أولاً صحة الحديث، ثانياً موضوع المكس، كل هذا والإشارة إلى الجمارك التي تؤخذ الآن بأنها مكوس وأصل المكس، وإن كان ينطبق على المكوس المأخوذ الآن ..
الشيخ: أما الحديث فإسناده ضعيف، لكن هناك في ذم المكس ما يغنينا عن الحديث الضعيف، تذكرون معي حديث الغامدية التي زنت فرجمها النبي صلى الله عليه وسلم، ولعل بعض الناس أساؤوا القول فيها فقال عليه الصلاة والسلام:«لقد تابت توبة لو تابها أهل المدينة لوسعتهم» كما في رواية، وفي الرواية الأخرى:«لو تابها صاحب مكس لغفر له» .
ففي هذا الحديث ذم الماكس، طبعاً المكس هي الضريبة، والمُكُوس هي الضرائب، ولا يُشْرَع في الإسلام حينما يكون إسلاماً مُطَبَّقاً ونظاماً مُحْكَماً، ليس نظاماً اسماً ليس مقروناً بالعمل، حينذاك سيجد المسلمون في شريعتهم ما يُغْنِيهم عن ضرائبهم ومكوسهم، ولكن مع الأسف الشديد صدق في عامّة حُكَّام المسلمين ولا أخص الحكام فقط بالذكر بل أَعُم معهم المحكومين، إنهم أعرضوا عن الحكم بما شرع الله، ولولا ذاك كان في شرع الله عز وجل ما يغنيهم عما يُعْرف اليوم بالنُظُم والقوانين الغربية، منذ بضعة أيام قليلة كنا في جمع وجاءت المناسبة للتحدث عن البدعة، وهي كما تعلمون إن شاء الله جميعاً كلها ضلالة بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فَجَرَّنا البحث فيها إلى لفت النظر إلى أن هناك للبدعة خاصة أصولاً يجب أن يعرفها كل طالب علم، كما يجب أن يعرف أصول الفقه، وأن عدم الجمع بين هذين
الأصلين أصول الفقه وأصول البدعة، يجعل الفقيه الأول يقع في الخطأ إن لم أقل الخطر، وكذلك العكس من كان عالماً بأصول البدعة، ولم يكن عالماً بأصول الفقه، كذلك يكون كالأول يقع في الخطأ إن لم أقل في الخطر.
والبحث ذاك كان طويلاً، ولا أُريد أن أشغل هذه الجلسة بإعادة ذلك البحث، ولكني أريد أن أتوصل إلى أنني تحدثت عن ما يعرف عند الفقهاء بالمصالح المرسلة.
وأقول متحفظاً: حينما أقول الفقهاء فلا أعني عامتهم؛ لأن المسألة فيها اختلاف، من أشهر الفقهاء الذين يقولون بالأخذ بالمصالح المرسلة هم المالكية، ثم يتلوهم الحنابلة.
والشاهد: أن هذه المصالح المرسلة هي قاعدة في الشريعة هامة جداً؛ لأنها تُساعد على استخراج أحكام جديدة لحوادث حديثة، لكن -وهنا الشاهد- من لم يضبط قاعدة الأصلين المذكورين آنفاً: أصول الفقه وأصول البدعة، ربما وقع أيضاً في الخطأ أو الخطر.
المصلحة المرسلة هي تشمل الحوادث والأسباب التي تَجِدّ مع الزمن، ويمكن أن يتوصل بها المسلم وبخاصة الحاكم إلى تحقيق مصالح للمسلمين، فهل هذه الوسائل التي يتحقق بها مصالح المسلمين هي تدخل بعامة أي: كلها في قاعدة المصالح المرسلة؟
الجواب: لا، لابد من التفصيل.
وصل بنا الكلام إلى أن المصالح المرسلة، وهي الأسباب الحادثة التي يُمكن أن يوصل بها أو بشيء منها فائدة ومصلحة للأمة، أن هذه القاعدة وهي المصالح المرسلة، لا يجوز الأخذ بها على إطلاقها، بل لابد من التفصيل، وهو كالتالي:
أولاً: يجب النظر في هذا السبب الحادث، هل كان المقتضي للأخذ به موجوداً في عهده صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فإن كان موجوداً ويظهر أنه لو طُبِّق حصل منه فائدة، ومع
ذلك فالرسول عليه الصلاة والسلام لم يأخذ بهذا السبب، حينذاك لا يجوز للمسلمين أن يأخذوا به بدعوى أن فيه مصلحة للأمة، وهذا أمر واضح؛ لأنه لو كانت هذه المصلحة شرعية كان قد جاء بها من نزل عليه الشرع كاملاً، كما قال عليه الصلاة والسلام:«ما تركت شيئاً يُقَرِّبكم إلى الله إلا وأمرتكم به» الحديث.
ومثاله: من الأمثلة المعروفة في كتب الفقه، ومثال آخر نذكره مما حدث في زمننا هذا: أما ما هو معروف في كتب الفقه، ومُنَبّه عليه على أنه لا يُشرع؛ للسبب الذي ذكرته آنفاً وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أخذ به، ألا وهو الأذان لغير الصلوات الخمس، صلاة العيدين مثلاً تعلمون جميعاً أنه لا يؤذن لها، ولو أننا أردنا أن نُحَكِّم تلك العقول التي جعلت الإسلام لباً وقشراً لقالت: إن فيه فائدة، الأذان يوم العيد فيه فائدة، لأن الناس يكونون عادة غافلين عن هذا الوقت، وبخاصة أولئك الناس الذين يَهرعون أو يُهرعون إلى زيارة القبور في الصباح الباكر، يحملون معهم الأغصان الخضراء بزعمهم، فينتهي الكثير منهم عن أداء فريضة صلاة العيد، فلو أنه كان هناك أذان لَنُبِّهوا أحسن تنبيه، فماذا كان موقف الفقهاء جميعهم تجاه هذا الأذان؟
لقد أجمعوا والحمد لله على ما قَلّ ما يجمعوا على مثله وهو أنه بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وليس الأذان لم يكن مشروعاً في ذلك العهد الأول وفي العهود التالية حتى اليوم والحمد لله باتفاق الفقهاء على بدعية الأذان، ولكن لم يكن أيضاً في العهد الأول الأنور ما يقوم مقام الأذان وهو كلمة الصلاة: الصلاة جامعة، أيضاً هذا لم يكن في عهد الرسول عليه السلام.
ومثل صلاة العيدين بل هو أهم منها، حيث يكون الناس إما في غفلتهم وانغماسهم في أعمالهم ودنياهم .. كذلك الأذان لبعض الصلوات التي تُشْرَع لمناسبة يكون الناس فيها في غفلتهم يعمهون، إما أن يكونوا في بيعهم وشرائهم وتجارتهم، أو يكونون غارقين في نومهم، أعني بذلك صلاة الكسوف والخسوف، إذا كسفت
الشمس في النهار فَقَلَّ من ينتبه لهذا الكسوف، إذا خسفت القمر أو خسف القمر كما هو نص القرآن الكريم في الليل، فأكثر الناس نائمون، فلو كان الدِّين بالرأي وبالعقل، لكان هنا وقت تشريع ما تقتضيه المصلحة المرسلة؛ لإيقاظ الناس من نومهم لصلاة الخسوف، وتنبيه الناس من غفلتهم في النهار لِيَتَوجَّهوا إلى المسجد ويصلون صلاة الكسوف أو الخسوف، مع ذلك حتى اليوم لا أحد والحمد لله من علماء المسلمين يرى شرعية الأذان لهذه الصلوات، ما هو السبب؟
السبب هو ما ذكرتُه آنفاً: كان المقتضي لتشريع مثل هذه الوسيلة ألا وهي وسيلة الأذان قائماً في عهده عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك فما سَنّ ذلك في المسلمين.
فتسنينا حينئذٍ هو ابتداع في الدين، هذا القسم الأول من المصلحة المرسلة أنه لا يُشرع الأخذ بهذه المصلحة، ما دام أن المقتضي للأخذ بما يُحَقّقها كان قائماً في عهده عليه الصلاة والسلام.
أما إذا لم يكن المقتضي قائماً في عهده صلى الله عليه وسلم، فهنا قد يتبادر إلى الذهن أن الأخذ بها مصلحة مشروعة، وليس الأمر أيضاً على هذا الإطلاق، بل على التفصيل التالي: هذا السبب أو كانت هذه الوسيلة التي إذا أخذ بها في زمن ما وحققت مصلحة للأمة، كان الموجب للأخذ بها هو تقصير المسلمين في القيام بشريعة الله ولو في بعض جوانبها، فحينئذٍ يكون الأخذ بهذه الوسيلة أيضاً كالوسيلة الأولى بدعة ضلالة، فلم يبق إلا القسم الثاني وهو الثالث، وهو ألَاّ يكون الدافع على الأخذ بهذه الوسيلة هو تقصير المسلمين، فحينذاك يُشْرَع الأخذ في هذه الوسيلة، ما دام أنها تُحَقِّق مصلحة شرعية.
تذكَّرت شيئاً أُنسيته {وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَاّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} قلت في تضاعيف كلامي: إنني سأضرب للحالة الأولى مثلين اثنين، مثل قديم عالجه العلماء وهو الأذان لصلاة العيدين، ومثل حالي، فأُنسيت أن أذكر المثل الحالي وهو عملي في زماننا اليوم، حيث تعلمون أن أكثر المساجد مُدَّت فيها خطوط بدعوى تسوية
الصفوف، هذا الخط مثال أيضاً واقعي للوسيلة التي تُحَقِّق مصلحة، فهل هذه من القسم الأول أم الثاني أم الثالث؟
أنا أقول: وضع الخط في المساجد العامة، هو كالأذان لصلاة العيدين وصلاة الاستسقاء والكسوف والخسوف، لا يُشرع، والسبب أنه مد الخط أمر مُيَسّر ولا يتخصص بهذا الزمن، لأنه ليس كاستعمال السيارة والطيّارة مما أخذ من جهود العلماء سنين طويلة حتى وصلوا إليها، فلا يجوز مد الخط في المسجد لهذا السبب: أولاً: أن الرسول ما شرعه وكان ميسراً له تسنينه، ثانياً: أن الاعتماد على الخطوط والخيوط الممدودة في المساجد، سواء كانت خطاً من خيط أو خطاً منسوجاً في البساط، فهو على كل حال خط، لو كان هذا مشروعاً لأخذ بالوسيلة البدهية وهو مد الخيوط كما يفعلون في أكثر المساجد، فهذا لا يُشرع لما ذكرته آنفاً في الأذان لهذه الصلوات، ولكن هناك شيء آخر ومهم جداً، وهو أن تمرين الناس وتعويدهم على أن يسووا الصفوف على الخط معنى ذلك أنهم إذا صلوا في مكان ليس فيه خط اضطربت صفوفهم ولن تستوي.
ونحن نعلم يقيناً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهتم كثيراً وكثيراً جداً في الأمر بتسوية الصفوف، ويبني على تنفيذ مثل هذا الأمر صلاح قلوب الأمة، وهذا أمر عظيم جداً، حيث كان عليه الصلاة والسلام مما يقوله حينما يأمرهم بتسوية الصفوف:«لتُسوون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم» ولا شك أن أولئك المأمورين من أصحاب النبي الكريم، كانوا يتجاوبون مع الأمر الصادر منه عليه الصلاة والسلام ويُسَوّون صفوفهم، فكيف كانوا يسوون صفوفهم .. على الخط، على الخيط؟ لا، كانوا يُسَوّون صفوفهم على خط وَهْمي، هم يحققونه ويجعلونه حقيقة واقعة، فيستوي صفهم وكما لو كان على الخيط، إن سمعتم بهذا التعبير، تسمعون يا أستاذ بهذا التعبير أم ما كنت معنا؟
مداخلة: أنا معكم.
الشيخ: تسمع بهذا التعبير.
مداخلة: أي نعم.
الشيخ: طيب، لماذا؟ لأنهم كانوا يهتمون بتنفيذ أمر الرسول عليه السلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما يسر لهم هذا الأمر الصعب تحقيقه فعلاً، كما يفعل اليوم بعض الأئمة أئمة المساجد أو بعض المسؤولين في وزارة الأوقاف، ما أدري من المسؤول حقيقةً عن هذه البدعة، لأن هذه بدعة يجب أن تكون بدعة ضلالة بإجماع الأمة، بما فيهم أولئك الذين يُقسمون البدعة إلى أقسام خمسة، لأن هؤلاء قد قالوا في البدعة الضلالة، إنها التي تخالف السنة، ولا شك أن مَدّ هذا الخط يخالف السنة، بدليل أننا إذا خرجنا إلى العراء لنصلي صلاة العيدين حسب السنة التي كان يخرج فيها إلى الصحراء أو نصلي صلاة الاستسقاء تجد الصفوف يعني شيء يدمي له الفؤاد تماماً، لا يُحْسِن الناس تسوية صفوفهم إطلاقاً، وبخاصة إذا كان الصف طويلاً مديداً على عرض الساحة التي اجتمعوا فيها للصلاة، لا يحسنون لماذا؟
لأنهم لم يتدربوا على تسوية الصف في المسجد ذو الجدران الأربعة، الذي يكون طوله مثلاً عشرة أمتار أو عشرين مترًا أو أكثر أو أقل، ولذلك فتكون تمرين الناس على تسوية الصف على الخيط صَدٌّ لهم على أن يعتادوا على هذه التسوية، دون التسوية التي كان يعتادها أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يوم كان يأمرهم في الحديث السابق، ومن مثل قوله عليه الصلاة والسلام:«سَوّوا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة» أو كما في بعض الروايات: «من حُسن الصلاة» .
إذاً: مد الخط اليوم صحيح يُحَقِّق مصلحة لهؤلاء المصطفين في المسجد، ولكن المصلحة الكبرى تضيع بها، ولذلك لا تُشْرَع هذه الوسيلة، وإن كانت تُحَقِّق مصلحةً.
أعود لأضرب مثلاً للوسيلة التي يَحْسُن أن نجعلها للنوع الثاني من المصالح المرسلة، وهي التي وجد السبب، ولكن الدافع إلى إيجاده هو تقصير المسلمين بالقيام ببعض أحكام الدين، مثاله وهنا الشاهد .. أين أبو محمد. جزاك الله خيرًا طولت بالك علينا كثير، لأن بعد هذه المقدمة كلها سيأتي الجواب عن سؤالك.
مداخلة: نسينا السؤال.
الشيخ: هنا يأتي البحث في الضرائب وفي المكوس، فأقول الآن ما هو المُسَوِّغ لتشريع إذا صح التعبير أيضاً ولنقل: إلى التقنين وفرض ضرائب على الأمة، ما هو الدافع؟
هو حاجة الدولة إلى أن يكون في خزينتها مال وفيرٌ لتقوم بمصالح الأمة، علماً كما نقول دائماً وأبداً، وكما قلنا في تلك الجلسة التي أشرنا لكم إليها آنفاً، وما تحدثنا بما وقع فيها من التفصيل حول البدعة، وإنما تسلسلت بالكلام حتى وصلتُ إلى هذه النقطة وهي المصالح المرسلة، فنقول: إن هذه الضرائب توضع لمصلحة الأمة
…
وإن كان في هذه المصالح مفاسد لابد من التنبيه عليها.
فإن كثيراً من هذه الأموال التي تُجْمَع باسم الضرائب وباسم تحقيق مصلحة للأمة، تُصرف فيما فيه مَضَرَّة للأمة، لكن لا ينبغي أن نشتط في الحمل على هذا الصرف، فلابد أن قسطاً كبيراً من هذه الضرائب تُصرف فعلاً في مصلحة الأمة، كتعبيد الطرق وتمديد الجسور ونحو ذلك، لكن ما هو السبب الذي تدفع الحكومات الإسلامية على فرض الضرائب؟
السبب هو إهمالهم للقيام بكثير من الأحكام الشرعية، أول ما يتبادر إلى الذهن أن الحكومات الإسلامية كلها أو على الأقل جُلّها، لم تجعل نظام الزكاة نظاماً مفروضاً في حكمهم ونظامهم، وبذلك خسرت الخزينة الملايين المملينة من الأموال التي كان باستطاعتها أن تجمعها بطريقة شرعية.
فإذاً: خسرت الدولة هنا ولا شك أموال كثيرة، كيف يُعَوِّضون هذه الخسارة بفرض ما ليس فرضاً، بل وما لا يكون جائزاً في الإسلام ألا وهي المكوس.
وهناك سبب آخر ومهم جداً جداً، ولكنه لا يبدوا لكثير من أذهان الناس أنه واضح، وأن له صلة وثقى بما نحن في صدده، أنه من الأسباب الشرعية لتكثير مال الدولة ليس كنظام الزكاة، لكنه في اعتقادي قد يكون أعظم من نظام الزكاة في بعض الأزمان، ويقيناً هو أعظم من نظام الزكاة لو طُبِّق في هذا الزمان، ما هو؟
الجهاد في سبيل الله، أقول: إن هذه الوسيلة لا ترتبط بداهة في الذهن أن لها صلة بهذا الموضوع، لكني أُذَكِّركم بحديث أول الجلسة، طرقتُ موضوع التشبه والجلوس على هذه المقاعد التي تجعل الإنسان يتكبر وهو لا يعرف التَكَبُّر، فيجلس هكذا متعنتراً إذا صح التعبير أيضاً.
فالمقصود ذكرت لكم في أول الجلسة بمناسبة التَشَبُّه والنهي عنه: «ومن تشبه بقوم فهو منهم» هذا طرف من الحديث الذي جاءت المناسبة الآن لأتلوه على مسامعكم بكماله وتمامه.
قال عليه الصلاة والسلام: «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعْبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي» هل هذا الرزق يعنيه عليه السلام هو رزقه، لا، هو يعني رزق أمته، «وجُعِل رزقي تحت ظل رُمحي، وجُعِل الذُّل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم» «بعثت بين يدي الساعة حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم» .
«وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري» لِمَ؟ جاء بيان ذلك في قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]. «وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري» ؛ لأنهم إما أن يكونوا أهل ذمة فهم يدفعون الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، وهذا من الأسباب القوية لإملاء خزينة الدولة بالمال الحلال لا بالمكوس المحرمة، وإن كانوا أهل حرب فذلك أغنى للمسلمين؛ لأنهم سيكسبون أموالهم ويسترقون رجالهم ونساءهم وصبيانهم، وكل هذه المكاسب بكل أنواعها هي مال للمسلمين يغنون بذلك.
ولهذا لعلكم قرأتم في بعض التواريخ أنه حصل في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، ما كاد يتحقق في زمنه نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي زمان يخرج الغنيّ بزكاته فلا يجد من يأخذه، لأن المسلمين صاروا كلهم أغنياء.
إذاً: هذا مثال للسبب الذي يؤخذ به ويُحقّق مصلحة إسلامية، لكن الذي دفع إلى هذا إلى الأخذ بهذا السبب في الوقت الذي يحقق مصلحة إسلامية وهي غنى الدولة، هو سبب تقصير المسلمين في تطبيق شريعة رب العالمين.
أما السبب عن النوع الثالث.
مداخلة: النوع الثاني من البدع.
الشيخ: من البدع أيضاً غير مشروع؛ لأنه مخالفة للسنة، أما السبب الثالث الذي وُجِد المقتضي وليسوا مسؤولين عنه.
أي: لم يكن السبب هو تقصيرهم في تطبيق جوانب من دينهم، فهو الذي يبحثه «الإمام الشاطبي رحمه الله» في كتابه العظيم «الاعتصام» لأنه يتحدث هناك بتفصيل عن المصلحة المرسلة، فيذكر أن من المصالح المرسلة أن الكفار إذا هاجموا ديار المسلمين، ولم يكن في خزينة الدولة من المال المجموع بالطرق المشروعة ما يكفي لرد اعتداء هؤلاء الكفار، فحينئذٍ يجوز للحاكم المسلم أن يفرض فريضةً على أغنياء المسلمين وليس على فقرائهم، وهذه أيضاً فارقة عظيمة بين الضريبة التي يفرضها الحاكم المسلم، حينما يوجد السبب الشرعي لفرضها وبين المكوس التي تُفْرَض اليوم، فهي لا تميز بين غني وفقير.
ففي هذه الحالة، حالة غزو الكفار لبعض البلاد الإسلامية، يجب على الحاكم أن يجمع من أموال أغنياء المسلمين ما به يتقوى على رد اعتداء المعتدي، هذا ما يتعلق بالجواب عن المكوس.
(الهدى والنور /480/ 30: 14: 00)