الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والفقر إنما هو بعدل وعلم بل وبحكمة، فإذا آمن المسلم بهذه الحقيقة إيماناً جازماً فحينئذٍ تطيب له الحياة مهما كانت حياته صعبة، سواءً من جهة المال أو من قلة الصحة أو من ضغط الطغاة والحكام الظالمين أو نحو ذلك، فهو يصبر ويتدرع بالصبر، ويتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى الآية:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 3]، يتذكر معها قول النبي صلى الله عليه وسلم:«عَجَبٌ أمرُ المؤمن كلُّه، إن أصابته سراء حمد الله فشكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، فأمر المؤمن كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن» ، وبناءً على ما سمعتم من بعض كلمات الأستاذ أبو مالك -جزاه الله خيراً- خطر في بالي حديث، والآن جاءت مناسبته، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«ليس الغنى غنى العرض، ولكن الغنى غنى النفس» ، فمتى ما كان المسلم غني النفس فلا يجد ضرورة إلى أن يتعامل بالربا، والتعامل بالربا لا يكون فقط أن يأكل هو الربا، بل وأن يُطْعِم غيره الربا، ولذلك قال عليه السلام:«لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه» .
(الهدى والنور /676/ 42: 33: 00)
حكم
الزيادة مقابل الأجل
مداخلة: البيع المؤجل، يحق له أنه يرفع السعر؟
الشيخ: ما يحق، مايجوز، البيع المؤجل جائز لا شك، كالمهر المؤجل جائز، لكن مقابل التأجيل يرفع السعر ما يجوز، سواء في هذا أو ذاك.
(الهدى والنور / 355/ 13: 46: 00)
الزيادة مقابل الأجل
السؤال: ذهبت أنا وأحد الإخوة لمعرض السيارات، فاختار سيارة قيمتها ثمانية آلاف ريال، على أن يعطيني كل شهر ألف ومائتا ريال، وتكون عليه زيادة
خمسة آلاف، أي يكون عليّ ثلاثة عشر ألف ريال، وقد وصلني منها أربعة آلاف، فهل في هذا شيء من الحرام أم لا؟
الشيخ: مقابل ماذا أخذ الزيادة؟
مداخلة: يبدو أنه مقابل أنه أعطاه ..
الشيخ: القضية ربوية مكشوفة ما يحتاج إلى سؤال؛ لأن هذا قرض جَرَّ نفعاً.
مداخلة: لكن ممكن أن يقول السيارة بيني وبينه، ليس مالاً بمال، إنما مالاً ودخل سيارة في النصف؟
الشيخ: حيلة. هذا يقع فيه كثير من الناس اليوم.
مداخلة: .. التقسيط، كأنه يقصد بها التقسيط.
الشيخ: لا يجوز، قال عليه السلام:«من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو ربا» والشارع الحكيم قد حَرَّم الحيل الشرعية، وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.
فالحديث الذي جاء في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام: «لعن الله اليهود حُرِّمت عليهم الشحوم، فجملوها، ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله عز وجل إذا حَرَّم أكل شيء حَرَّم ثمنه» .
الشاهد من هذا الحديث: أن الله عز وجل لما حَرَّم على اليهود، كما قال في القرآن الكريم:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160]، كان من هذه الطيبات التي حُرِّمت على اليهود الشحوم.
فكان الواجب عليهم إذا ذبحوا الذبيحة أن يستفيدوا من لحمها، وأن يرموا بشحمها الأرض، فلم يصبر اليهود على هذا الحكم الإلهي العادل، فماذا فعلوا؟
أخذوا الشحوم فألقوها في القدور، ثم أوقدوا النار من تحتها، فأخذت شكلاً آخر، وبذلك زَيَّن لهم الشيطان سوء عملهم، وأَوْهمهم أن هذا الشحم صار شيئاً آخر غير الشحم المُحَرَّم، فأخذوا الشحم وجملوه، أي: ذَوَّبوه، وباعوه وأكلوا ثمنه.
الشاهد: أن الله عز وجل أَدَّبنا بمثل حديث نبيه هذا وأمثاله، أنه لا يجوز للمسلم أن يحتال على استحلال ما حَرَّم الله عز وجل بأدنى الحيل.
ونكاح التحليل الذي معلوم لدى الحاضرين إن شاء الله، هو نكاح توفرت فيه شروط النكاح المشروع عادةً، ولكن لماذا جعله الشارع الحكيم نكاحاً باطل، ولعن المُحَلِّل والمُحَلَّل له؛ لأنه لم يقصد به ما يقصد به عادة من الزواج الشرعي، الذي أشار إليه ربنا عز وجل في قوله تبارك وتعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
لَمَّا لم يكن المقصود من نكاح التحليل هو تحقيق هذا السكن، وهذه الأُلفة بين الزوجين، وإنما كان المقصود به تحليل ما حرم الله بقوله:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230].
وهذا تأديب لله عز وجل للذي يُطَلِّق زوجته الطلقة الثالثة، حتى لا يعتاد الناس أن يُطلِّقوا ثم يندموا على تطليقم، فيأتي هذا المُحَلِّل فيُعَجِّل رجوع المرأة إلى زوجها الذي طَلَّقها ثلاثاً، والله عز وجل يقول:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230].
تنكح نكاحاً شرعياً كما نعرف من قبل، فلما كان هذا المُحَلِّل يقصد تحليل ما حرم الله، كان ملعوناً في حديث الرسول عليه السلام المعروف:«لعن الله المُحَلِّل والمُحَلَّل له» .
والآن نعود إلى الصورة السابقة أو إلى بيع التقسيط.
لو أنا جئت إلى زيد من الناس غني، قلت له أقرضني ألف جنيه، أُريد أن أشتري سيارة، أقرضني ألف جنيه لوجه الله، يقول: أفعل لكن بشرط أن تعطيني
ألف ومائة مثلاً، هذا بإجماع علماء المسلمين حرام؛ لأنه ربا مكشوف، وقرض جَرَّ نفعاً، إلا أن ندخل الواسطة.
أنا أريد أن أشتري سيارة، ويقول لي: اذهب أنت واشتر السيارة، وأنا أدفع عنك، وهذه تُكَلِّف مثلاً عشرة آلاف، تدفعها ثلاثة عشر ألف ومائة، ما هو الفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى؟
لا فرق أبداً، سوى أنه دخلت السيارة واسطة لتحليل ما حَرَّم الله، وإلا النتيجة واحدة؛ لأنه لو أعطاني قيمة السيارة وأخذ مني رباً، هذا ربا مكشوف، لكن هو لا يرضى أن يعطيني السيارة، يقول: اذهب واشتر السيارة، ثم يأخذ مني قيمة سيارة وربا عليها، كل الدروب على الطاحون؛ لذلك قال عليه السلام:«من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو ربا» .
وأنا أدري أن بعض العلماء قديماً وحديثاً، يتأولون هذا الحديث بتأويل يخرجون به عن بيع التقسيط، ولهم في ذلك تآويل كثيرة.
لكن أنا من مذهبي ومشربي، أولاً: أنني أُفَسِّر الأحاديث بعضها ببعض، وثانياً: أرجع في تفسيرها إلى السلف، وبخاصة منهم من كان راوياً لبعضها.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد قوي عن سماك بن حرب، وهو من التابعين، روى عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة» وفي لفظ: «عن صفقتين في صفقة» فقال رجل لسماك راوي الحديث: ما بيعتين في بيعة؟ قال: أن تقول أبيعك هذا نقداً بكذا، ونسيئةً بكذا وكذا»، هذا هو بيع التقسيط.
يُفَسِّر به راوي الحديث سماك بن حرب حديث: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة» قال: أن تقول أبيعك هذا بكذا ديناراً مثلاً نقداً، وبكذا وكذا ديناراً ودرهمًا نسيئةً، هذا الدرهم مقابل ماذا؟ مقابل النسيئة.
فإذاً: لا فرق بين أن تكون الزيادة التي تُسَمَّى زيادة مقابل الأجل في البيع أو في القرض.
البيع هنا وسيط لاستحلال ما نهى الله عنه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
والذين يذهبون إلى إباحة بيع التقسيط، وهم يعلمون مثل هذه الأحاديث، يُفَسِّرونها بأن النهي عن بيعتين في بيعة إنما هو؛ لجهالة الثمن؛ لأن البائع يعرض ثمنين، ثمن النقد، وثمن الأجل.
فحينما ينفصل الشاري عن البائع بأحد الثمنين، يقولون -ولست معهم بطبيعة الحال- لأنه ينفصل ولم يتعين أيُّ الثمنين هو الذي اعتُمِدَ عليه بينهما.
أنا أقول: مثل هذا التأويل، أولاً: يخالف التعليل المذكور في الحديث الأول، ذلك لأن هذا التعليل الذي نقلته آنفاً عن بعضهم، هو تعليل بجهالة الثمن، وهذه الجهالة تُنافي العلة الشرعية.
وإذا دار الأمر في تعليل حكم شرعي بين علة عقلية وبين علة شرعية، لا شك أن العلة الشرعية هي التي يجب الاعتماد عليها، دون العلة العقلية.
ما هي العلة الشرعية؟ سبق ذكرها آنفاً في قوله عليه السلام «من باع بيعتين في بيعة» نهى عن بيعتين في بيعة، هذا يلتقي مع هذا الشطر من هذا الحديث.
«من باع بيعتين في بيعة» هذا حديث أبي هريرة، حديث ابن مسعود:«نهى عن بيعتين في بيعة» وأحدهما شاهد للآخر، ولكن في كُلٍّ من الحديثين فائدة لا توجد في الحديث الآخر، أما حديث أبي هريرة، فهي العلة النقلية، حيث قال عليه السلام:«من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو ربا» ، فأوكسهما أنقصهما ثمناً كما هو واضح، وإلا فإذا أخذ أكثرهما، فقد أخذ الربا.
«من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو ربا» هذا الحديث يعطينا فائدة أخرى غير العلة المنصوص عليها فيه، وهي أنها علة ربوية.
أما الفائدة الأخرى فهي أن البيع صحيح والزيادة باطلة، البيع صحيح والزيادة باطلة.
فأما الذين يُفَسرون حديث ابن مسعود: «نهى عن بيعتين في بيعة» بأنه لجهالة الثمن، فهم أولاً: يُعَلِّلون كما ذكرنا آنفاً بعلة تُخالف العِلَّة المنصوصة في حديث أبي هريرة، وثانياً: يُبْطِلون البيع، وحديث أبي هريرة ينفذه ولا يبطله، ولكنه يبطل الزيادة.
ثم يأتي مُؤَيِّداً لحديث أبي هريرة، رواية عن ابن مسعود موقوفة هذه الرواية عليه أنه قال:«صفقة في صفقتين ربا» .
فإذاً: نحن نأخذ العلة المنصوص عليها، وعلى الأقل نُفَضِّلها ونؤثرها على العلة التي لم يأت نص عليها أولاً، ثم هي مخالفة للعلة المنصوص عليها ثانياً.
وأخيراً أنها علة غير واقعة في تعامُل الناس، وبخاصة اليوم.
إذا جئنا إلى الذي اشترى سيارة ما على طريقة التقسيط، أين جهالة الثمن بعد الأخذ والرد والزيادة على الشراء بثمن التقسيط، ثمن نهائي، أنهاه التاجر، ثم كتب عنده في الدفتر الخاص بالحسابات، وكتب ما يسمونه بالكمبيالات .. إلى آخره.
كيف يصح أن يقال إنهما انفصلا على ثمن مجهول، أهو ثمن نقدي أم ثمن الأجل، هذا الحقيقة لا يوافقها واقع بيع التقسيط اليوم تماماً، بل أنا أقول هنا في الزمن القديم قبل وجود السندات والكمبياليات وما شابه ذلك، بدليل:
إذا جاء رجل يريد أن يشتري ناقة أو شاة أو نحو ذلك بثمنين، فسينفصلان على أحد البيعتين أو إحدى البيعتين، إن نقده الثمن فقد تحدد الثمن وانتهى الإشكال، وإن انصرف ولم ينقده الثمن، فبديهي جداً أنهما انصرفا على ثمن التقسيط الأجل، فأين جهالة الثمن؟ ذلك مفقود تماماً.
أخيراً: والبحث في هذا يطول ويطول جداً، أُريد أن ألفت النظر، أن هذه المعاملة أي بيع التقسيط دخيلة في الإسلام، دخيلة على المعاملات الإسلامية، هي
مبايعة أجنبية غربية من أقوام وصفهم الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم بأنهم: {وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة: 29].
فهؤلاء لا يُحَرِّمون ولا يُحَلِّلون، ونحن بسبب تقليدنا الأعمى لهؤلاء الكفار، استحسنَّا واستيسرنا بيع التقسيط فعلاً في قضاء مصالح الناس، ولكن ليس من القاعدة المقبولة في الإسلام، قولهم: الغاية تُبَرِّر الوسيلة.
فالذي أُريد أن أذكر به أن بيع التقسيط، رفع الشفقة والرحمة من قلوب الأغنياء على الفقراء، وكان من الممكن لكل التجار أن يكسبوا أجوراً وثواباً عظيماً جداً في أثناء كسبهم للمال الحلال، وبخاصة أن هذا الكسب الحلال مع الأجور والثواب العظيم من الله، أنفع لهم في العاجلة فضلاً عن الآجلة، كيف ذلك؟
لقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قرض درهمين يساوي صدقة درهم.
قرض مائتين دينار يساوي صدقة مائة دينار، إذا أقرضت أخاك المسلم مائتي دينار، فكأنما تَصَدَّقت بمائة دينار.
فلو أن التُّجار الذين وسَّع الله عليهم في أموالهم باعوا بسعر النقد في التقسيط، ولم يأخذوا زيادة على بيع النقد، وصبروا في الوفاء على إخوانهم المسلمين لله عز وجل، ليس لأخذ الزيادة التي سَمَّاها الرسول صراحة بالربا، وإنما تقرباً منهم إلى الله تبارك وتعالى، فتأملوا كم وكم يتوفر عندهم كل يوم من الصدقات دون أن يتصدقوا سوى أن يبيعوا بسعر النقد في بيع التقسيط، فيجمعون في كل يوم الأُلوف المؤلفة من الصدقات وهم لم يتصدقوا، هذا من ناحية الآجلة.
أما العاجلة: فانظروا الآن معي هذا السر الإلهي، حينما يريد ألَاّ يربح المسلم على أخيه المسلم مستغلاً حاجته، أكثر مما يستفيد البائع من الغني، إذا تصورتم معي تاجرين يبيعان بضاعة واحدة أحدهما يبيع بثمن واحد، لا فرق عنده بين ثمن النقد
وبين ثمن التقسيط، والآخر يأخذ زيادة على بيع التقسيط، أيُّ الرجلين تنفق بضاعته أكثر؟
مداخلة: الأول.
الشيخ: أنبئوني بعلم، تاجرين كلاهما يبيع بضاعة واحدة، وسعرهما في النقد واحد، لكن أحدهما إذا باع بالتقسيط يبيع بنفس سعر النقد، أما الآخر فيأخذ زيادة، الزبائن تكثر على الأول أم على الثاني؟
مداخلة: على الأول.
الشيخ: إذاً: لماذا لا يبيع الناس بسعر واحد، سعر التقسيط هو عين سعر النقد، ذلك هو الجشع وهو الطمع أولاً، ثم الرغبة عن أجر الآجلة التي ذكرناها آنفاً، أنه لو كان مثلاً يريد أن يبيع بسعر التقسيط زيادة ألف ريال مثلاً، فلم يأخذ منه هذه الزيادة، ماذا يكتب له؟ صدقة خمسمائة ريال، كتبت له هكذا؛ لأنه باعه وصبر عليه في الوفاء.
ولذلك فالأجر الذي يكسبه التاجر لو باع بسعر واحد ولم يأخذ الزيادة، ذلك له خير عاجلاً وآجلاً، ولكن أولاً الجشع والطمع وثانياً تقليدنا للأوروبيين الذين وصفهم رب العالمين كما ذكرنا آنفاً في القرآن الكريم:{وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 29].
وبسبب هذه المعاملة السيئة التي تَسَرَّبت بين التجار اليوم، كان من الأسباب التي ضَعَّفت الثقة والرباط الذي كان يكون في الأزمنة السابقة بين الأغنياء وبين الفقراء.
ومثل هذا التحكم هو الذي يُوَلِّد الانفجار، ويولد الأحزاب الشيوعية ونحوها، التي انقلبت على الأثرياء ليعودوا أخيراً فقراء كباراً وصغاراً، ذلك سبب من لا يقف عند ما أمر الله عز وجل من العدل والإحسان وحسن تعامل المسلمين بعضهم مع بعض.
ولعل في هذا القدر كفاية، والحمد لله رب العالمين.
مداخلة: قبل قراءة الأسئلة، نريد نُكمل المسألة الذي بحثتها أنت يا شيخ.
الشيخ: وهي؟
مداخلة: «من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا» .
الشيخ: تفضل.
مداخلة: البيع: عقد لازم، وإذا قال: اشتر هذا بكذا نقداً، أو بكذا نسيئة، سوف يكون البيع بيعتان في بيعة واحدة، ولكن لو حملنا الحديث على بيع العينة مثلاً، مثلاً اشتر بكذا نسيئة وأبيعه نقد، أو أبيعه نقدًا وأشتريه نسيئة، هنا بيعتان لازمتان في بيعة واحدة، فيكون له أوكسهما أو الربا.
الشيخ: من فسر هذا التفسير؟
مداخلة: الذي فسره هذا التفسير ....
الشيخ: من فسر تفسيرك هذا، أي: من حمل الحديث على بيع العينة؟
مداخلة: من العلماء؟
الشيخ: أنا ذكرت لك أيضاً من من العلماء، فسر التفسير الذي سمعته مني آنفاً، وتفسيرنا سلفي، وتفسيرك خلفي، وحسبنا هذا كما قال:
وحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بما فيه ينضح
لكني أعلم أنك سلفي مثلي، ألست كذلك؟
مداخلة: أرجو هذا.
الشيخ: وأنا أرجو معك، فلماذا ندع تفسير السلف، ومن الراوي الذي يروي الحديث مباشرة، لماذا ندعه؟ هذا مع كل ما ذكرناه، من أن بيع التقسيط فيه
استغلال لحاجة القاصر العاجز الذي لا يستطيع أن يدفع الثمن نقداً، وفيه تعويد التجار على الجشع المادي، والإعراض عن الأجر الأخروي.
وهذا فرق كبير جداً بين هذا التفسير وذاك التفسير، وأنا أذكر أن من الحكم المروية عن بعض الكتب الإلهية، وليس يهمنا هنا السند بطبيعة الأمر؛ لأننا نتكلم عن الحكم.
قالوا بأن عيسى عليه الصلاة والسلام وعظ ذات يومًا الحواريين، وذكر لهم بأنه سيأتي من بعده أنبياء كذا، ويأتي من بعده رسول اسمه أحمد، وهو آخر من يبعث من الرسل، قالوا له: فكيف نعرف الصادق من الكاذب؟ أجاب بقوله -وهنا الحكمة-: من ثمارهم تعرفونهم.
فنحن نعرف تمييز قول على آخر من حيث النتيجة والعاقبة، فإذا قيل بجواز بيع التقسيط، وأخذ الزيادة مقابل هذا الصبر في الوفاء، فيه ما أشرنا إليه من تطبيع التجار على الجشع والطمع، وعلى استغلال حاجة الضعفاء الذين لا يستطيعون أن يدفعوا ثمن الحاجة إلا بثمن.
وفيه أيضاً كما ذكرنا سابقاً: أن التاجر وهو عادةً لا ينصرف إلى عبادة الله وذكره، كما هو شأن غير التجار المتفرغين لذكر وعبادة الله.
فالله عز وجل قد أوجد لهؤلاء التجار هذه الفرصة، بأن يكسبوا أجوراً كما يقولون في بعض البلاد السورية، كالمنشار على الطالع والنازل، وهو لا يقعد أن يذكر الله ويصلي على نبيه، ويتلو القرآن؛ لأنه غير متفرغ، وإنما متفرغ للبيع والشراء، لا بأس من ذلك؛ لأنه مباح.
لكن قد أُفسح له المجال أن يكتسب من الحسنات ما لا يستطيعه أولئك المتفرغون للعبادة من الفقراء والمساكين، وذلك بأن يصبر في الوفاء على الشارين من عنده البضاعة، فيكتب له مقابل كل درهمين صدقة درهم، وعلى ذلك فقس.