الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وهى مدرجة فى الحديث ليست من كلامه صلى الله عليه وسلم قال الحافظ فى «التلخيص» «ص 65» : «قال المحب الطبرى فى «الأحكام» : «يحتمل إدراج هذه اللفظة الأخيرة» .
قلت: وهو الذى ألقى فى نفسى وتبين لى بعد أن تتبعت مصادر الحديث فلم أجدها عند غير مسلم، والله أعلم.
[إرواء الغليل تحت حديث رقم «252»]
بماذا يكون المصلي مدركًا للصلاة في وقتها
[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]: «إذا أدرك أحدكم أول سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك أول سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته» .
[قال الإمام]: الحديث يعطينا فوائد هامة: الأولى: إبطال قول بعض المذاهب أن من طلعت عليه الشمس وهو في الركعة الثانية من صلاة الفجر بطلت صلاته! وكذلك قالوا فيمن غربت عليه الشمس وهو في آخر ركعة من صلاة العصر! وهذا مذهب ظاهر البطلان لمعارضته لنص الحديث كما صرح بذلك الإمام النووي وغيره. ولا يجوز معارضة الحديث بأحاديث النهي عن الصلاة في وقت الشروق والغروب لأنها عامة وهذا خاص، والخاص يقضي على العام كما هو مقرر في علم الأصول. وإن من عجائب التعصب للمذهب ضد الحديث أن يستدل البعض به لمذهبه في مسألة، ويخالفه في هذه المسألة التي نتكلم فيها! وأن يستشكله آخر من أجلها! فإلى الله المشتكى مما جره التعصب على أهله من المخالفات للسنة الصحيحة! قال الزيلعي في «نصب الراية» «1/ 229» بعد أن ساق حديث أبي هريرة هذا وغيره مما في معناه:
«وهذه الأحاديث أيضا مشكلة عند مذهبنا في القول ببطلان صلاة الصبح إذا طلعت عليها الشمس، والمصنف استدل به على أن آخر وقت العصر ما لم تغرب
الشمس».! فيا أيها المتعصبون! هل المشكلة مخالفة الحديث الصحيح لمذهبكم، أم العكس هو الصواب! . الفائدة الثانية: الرد على من يقول: إن الإدراك يحصل بمجرد إدراك أي جزء من أجزاء الصلاة ولو بتكبيرة الإحرام وهذا خلاف ظاهر للحديث، وقد حكاه في «منار السبيل» قولا للشافعي، وإنما هو وجه في مذهبه كما في «المجموع» للنووي «3/ 63» وهو مذهب الحنابلة مع أنهم نقلوا عن الإمام أحمد أنه قال: لا تدرك الصلاة إلا بركعة. فهو أسعد الناس بالحديث. والله أعلم. قال عبد الله بن أحمد في مسائله «ص 46» : «سألت أبي عن رجل يصلي الغداة، فلما صلى ركعة قام في الثانية طلعت الشمس قال: يتم الصلاة، هي جائزة. قلت لأبي: فمن زعم أن ذلك لا يجزئه؟ فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أدرك من صلاة الغداة ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك» . ثم رأيت ابن نجيح البزاز روى في «حديثه» «ق 111/ 1» بسند صحيح عن سعيد ابن المسيب أنه قال: «إذا رفع رأسه من آخر سجدة فقد تمت صلاته» . ولعله يعني آخر سجدة من الركعة الأولى، فيكون قولا آخر في المسألة. والله أعلم. الفائدة الثالثة: واعلم أن الحديث إنما هو في المتعمد تأخير الصلاة إلى هذا الوقت الضيق، فهو على هذا آثم بالتأخير، وإن أدرك الصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا» . رواه مسلم «2/ 110» وغيره من حديث أنس رضي الله عنه.
وأما غير المتعمد، وليس هو إلا النائم والساهي، فله حكم آخر، وهو أنه يصليها متى تذكرها ولو عند طلوع الشمس وغروبها، لقوله صلى الله عليه وسلم «من نسي صلاة «أو نام عنها» فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك، فإن الله تعالى يقول:{أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} ». أخرجه مسلم أيضا «2/ 142» عنه، وكذا البخاري. فإذن هنا أمران: الادراك والإثم: والأول: هو الذي سيق الحديث لبيانه، فلا يتوهمن أحد من سكوته عن الأمر الآخر أنه لا إثم عليه بالتأخير كلا، بل هو آثم على كل حال، أدرك الصلاة، أو لم يدرك، غاية ما فيه أنه اعتبره مدركا للصلاة بإدراك الركعة، وغير مدرك لها إذا لم يدركها، ففي الصورة الأولى صلاته صحيحة مع الإثم، وفي الصورة الأخرى صلاته غير صحيحة مع
الإثم أيضا، بل هو به أولى وأحرى، كما لا يخفى على أولي النهى. الفائدة الرابعة: ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «فليتم صلاته» ، أي لأنه أدركها في وقتها، وصلاها صحيحة، وبذلك برئت ذمته. وأنه إذا لم يدرك الركعة فلا يتمها. لأنها ليست صحيحة، بسبب خروج وقتها، فليست مبرئة للذمة. ولا يخفى أن مثله وأولى منه من لم يدرك من صلاته شيئا قبل خروج الوقت، أنه لا صلاة له، ولا هي مبرئة لذمته. أي أنه إذا كان الذي لم يدرك الركعة لا يؤمر بإتمام الصلاة، فالذي لم يدركها إطلاقا أولى أن لا يؤمر بها، وليس ذلك إلا من باب الزجر والردع له عن إضاعة الصلاة، فلم يجعل الشارع الحكيم لمثله كفارة كي لا يعود إلى إضاعتها مرة أخرى، متعللا بأنه يمكنه أن يقضيها بعد وقتها، كلا، فلا قضاء للمتعمد كما أفاده هذا الحديث الشريف وحديث أنس السابق:«لا كفارة لها إلا ذلك» .
ومن ذلك يتبين لكل من أوتي شيئا من العلم والفقه في الدين أن قول بعض المتأخرين «وإذا كان النائم والناسى للصلاة - وهما معذوران - يقضيانها بعد خروج وقتها، كان المتعمد لتركها أولى» ، أنه قياس خاطئ بل لعله من أفسد قياس على وجه الأرض، لأنه من باب قياس النقيض على نقيضه، وهو فاسد بداهة، إذ كيف يصح قياس غير المعذور على المعذور والمتعمد على الساهي. ومن لم يجعل الله له كفارة، على من جعل الله له كفارة! ! وما سبب ذلك إلا من الغفلة عن المعنى المراد من هذا الحديث الشريف، وقد وفقنا الله تعالى لبيانه، والحمد لله تعالى على توفيقه. وللعلامة ابن القيم رحمه الله تعالى بحث هام مفصل في هذه المسألة، أظن أنه لم يسبق إلى مثله في الإفادة والتحقيق، وأرى من تمام هذا البحث أن أنقل منه فصلين أحدهما في إبطال هذا القياس. والآخر في الرد على من استدل بهذا الحديث على نقيض ما بينا. قال رحمه الله تعالى بعد أن ذكر القول المتقدم:«فجوابه من وجوه: أحدها المعارضة بما هو أصح منه أو مثله، وهو أن يقال: لا يلزم من صحة القضاء بعد الوقت من المعذور - المطيع لله ورسوله الذي لم يكن منه تفريط في فعل ما أمر به وقبوله منه - صحته وقبوله من متعد لحدود الله، مضيع لأمره، تارك لحقه عمدا وعدوانا. فقياس هذا على هذا في صحة العبادة، وقبولها منه، وبراءة الذمة بها من أفسد القياس» . الوجه
الثاني: أن المعذور بنوم أو نسيان لم يصل الصلاة في غير وقتها، بل في نفس وقتها الذي وقته الله له، فإن الوقت في حق هذا حين يستيقظ ويذكر، كما قال صلى الله عليه وسلم:«من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها» رواه البيهقي والدارقطني.
فالوقت وقتان: وقت اختيار، ووقت عذر، فوقت المعذور بنوم أو سهو، هو وقت ذكره واستيقاظه، فهذا لم يصل الصلاة إلا في وقتها، فكيف يقاس عليه من صلاها في غير وقتها عمدا وعدوانا؟ ! الثالث: أن الشريعة قد فرقت في مواردها ومصادرها بين العامد والناسي، وبين المعذور وغيره، وهذا مما لا خفاء به. فإلحاق أحد النوعين بالآخر غير جائز. الرابع: أنا لم نسقطها عن العامد المفرط ونأمر بها المعذور، حتى يكون ما ذكرتم حجة علينا، بل ألزمنا بها المفرط المتعدي على وجه لا سبيل له إلى استدراكها تغليظا عليه، وجوزنا للمعذور غير المفرط. «فصل»: وأما استدلالكم بقوله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك» فما أصحه من حديث. وما أراه على مقتضى قولكم! فإنكم تقولون: هو مدرك للعصر، ولو لم يدرك من وقتها شيئا البتة. بمعنى أنه مدرك لفعلها صحيحة منه، مبرئة لذمته، فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وتقبل منه، لم يتعلق إدراكها بركعة، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن من أدرك ركعة من العصر صحت صلاته بلا إثم بل هو آثم بتعمد ذلك اتفاقا. فإنه أمر أن يوقع جميعها في وقتها، فعلم أن هذا الادراك لا يرفع الإثم، بل هو مدرك آثم، فلو كانت تصح بعد الغروب، لم يكن فرق بين أن يدرك ركعة من الوقت، أو لا يدرك منها شيئا. فإن قلتم: إذا أخرها إلى بعد الغروب كان أعظم إثما. قيل لكم: النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين إدراك الركعة وعدمها في كثرة الإثم وخفته، وإنما فرق بينهما في الإدراك وعدمه. ولا ريب أن المفوت لمجموعها في الوقت أعظم من المفوت لأكثرها، والمفوت لأكثرها فيه، أعظم من المفوت لركعة منها. فنحن نسألكم ونقول: ما هذا الإدراك الحاصل بركعة؟ أهذا إدراك يرفع الإثم؟ فهذا لا يقوله أحد! أو إدراك يقتضي الصحة، فلا فرق فيه بين أن يفوتها بالكلية أو يفوتها إلا ركعة منها.
السلسلة الصحيحة «1/ 1/ 137 - 142»