الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اختلاف العلماء في حكم إجابة المؤذن وكيفية الإجابة
واعلم أن العلماء اختلفوا هنا في موضعين:
الأول: في حكم إجابة المؤذن: فذهب قوم من السلف وغيرهم إلى وجوب ذلك على السامع عملا بظاهر الأمر الذي يقتضي الوجوب، وبه قال الحنفية وأهل الظاهر وابن رجب كما في «الفتح» .
وخالفهم آخرون فقالوا: ذلك على الاستحباب لا على الوجوب حكى ذلك كله الطحاوي في «شرح المعاني» .
وفي «شرح مسلم» : «الصحيح الذي عليه الجمهور أنه مندوب» . وبهذا قال الشافعية وبعض علمائنا الحنفية.
قال الحافظ: «واستدل للجمهور بحديث أخرجه مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا فلما كبر قال: «على الفطرة» فلما تشهد قال: «خرج من النار» . قال: فلما قال عليه الصلاة والسلام غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب، وتعقب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد ويحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر، ويحتمل أن يكون الرجل لما أمر لم يرد أن يكون نفسه في عموم من خوطب بذلك».
قلت: ولعل من حجة الجمهور ما في «الموطأ» أن الصحابة كانوا إذا أخذ المؤذن بالأذان يوم الجمعة أخذوا هم في الكلام فإنه يبعد جدا أن تكون الإجابة واجبة فينصرف الصحابة مع ذلك منها إلى الكلام فراجع «الموطأ» .
ومثله ما رواه ابن سعد عن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال: رأيت عثمان بن عفان والمؤذن يؤذن وهو يتحدث إلى الناس يسألهم ويستخبرهم عن الأسعار والأخبار. وسنده صحيح على شرط الشيخين.
والموضع الثاني: اختلفوا في الإجابة كيف تكون على أربعة مذاهب:
1 -
أن يقول مثل قول المؤذن حتى في الحيعلتين وهو مذهب بعض السلف كما في «شرح المعاني 86» عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: «فقولوا مثل ما يقول» .
2 -
أن يقول مثل قوله إلا في الحيعلتين فيقول مكانهما: «لا حول ولا قوة إلا بالله» وهذا مذهب الجمهور الشافعية وغيرهم عملا بحديث عمر ومعاوية المفصل.
3 -
أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة. وهو مذهب بعض المتأخرين من الحنفية كابن الهمام وغيره وهو وجه عند الحنابلة قال الحافظ: «وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما» قال: «فلم لا يقال: يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلتين والحوقلة وهو وجه عند الحنابلة» .
4 -
أن يحوقل تارة ويحيعل تارة. وبه قال ابن حزم وبعض المحققين من متأخري الحنفية. وهو الحق إن شاء الله تعالى لأن فيه إعمالا للحديثين العام والخاص كلا في حدود معناهما وأما الجمع بينهما - كما في المذهب الثالث - ففيه تركيب معنى لا يقول به كل من الخاص والعام كما لا يخفى. وكذلك قال ابن المنذر: «يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا» .
وهذا التنويع له أمثلة كثيرة في الشرع كأدعية الاستفتاح وغيرها كما سيأتي بيان ذلك هناك وتقدم مثله في أنواع الأذان.
قال الشيخ محمد أنور الكشميري في «فيض الباري» : «فالسنة عندي أن يجيب تارة بالحيعلة وتارة بالحوقلة وما يتوهم أن الحيعلة في جواب الحيعلة يشبه الاستهزاء فليس بشيء لأنه في جملة الكلمات كذلك إن أراد بها الاستهزاء - والعياذ بالله - وإلا فهي كلمات خير أريد بها الشركة في العمل لينال بها الأجر فإنها نحو تلاف لما فاته من الأذان فلا بد أن يعمل بعمله ليشترك في أجره» . وقال في الحاشية بعد أن ذكر كلام ابن الهمام في «الجمع» : «وبالجملة كنت أقوم إلى نحو خمس عشرة سنة على