الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرق بين إذاعة الأذان وإذاعة الإقامة
[أود التنبيه على مسألة] تتعلق بمكبر الصوت هذا: فقد اعتاد المسلمون أن يستغلوا هذه الوسيلة التي خلقها الله تبارك وتعالى في العصر الحاضر فاستعملوه فيما ينبغي وفيما لا ينبغي، وهنا التنبيه الثاني:
لا شك أنه يشرع للمؤذن أن يكون صيتاً وأن يكون جهوري الصوت؛ لأنه قد جاءت أحاديث كثيرة تؤكد ذلك بل وتذكر أن صوت المؤذن مهما بلغ من حجر أو شجر أو مدر إلا كان له شاهداً يوم القيامة؛ ولذلك جاء في قصة ابتداء شرعية الأذان ولعل الكثيرين منكم يعرفها وقرأها من كتب السنة، أو على الأقل سمع بها من بعض العلماء الفضلاء.
خلاصة تلك القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان يصلي بالناس جماعة لم يكن قد شرع الأذان بعد، فكان بعضهم يذكر بعضاً في مثل ما يفعل بعض الناس اليوم في بعض البلاد من قولهم: الصلاة الصلاة، هكذا كان من قبل شرعية الأذان، ثم بدا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ وسيلة يعلم بها الناس بحضور وقت الصلاة فجعهم وأتمروا وتشاوروا فأدى كل فرد ما كان عنده من رأي، فكان من هذه الآراء ثلاثة:
الرأي الأول: أن توقد نار عظيمة تبدو للناس البعيدين فيفهمون من ذلك أن هذه شعار لحضور وقت الصلاة، فرفض النبي صلى الله عليه وسلم رفضاً باتاً وقال:«هذه شعار المجوس» .
وثانٍ: اقترح بالضرب بالبوق قال عليه السلام: «هذا شعار اليهود» .
وثالث قال: نضرب عليه بالناقوس، فأبى ذلك أيضاً عليه الصلاة والسلام وقال:«هذا شعار النصارى» .
ثم انفض المجلس دون أن يتخذوا قراراً فرأى أحد الصحابة الذين كانوا من جملة من حضر المجلس رأى في المنام أنه بينما كان يمشي في طريق من طرق المدينة رأى رجلاً في يده ناقوس فقال له: أتبيعني هذا الناقوس يا عبد الله! قال: لم؟ قال:
لنضرب عليه في وقت الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ ثم قام على جذم جذر، أي: على جدار مهدوم، وقد بقي منه شيء فوق الأرض فعلى عليه ووضع أصبعيه في أذنيه، وقال: الله أكبر الله أكبر هذا الأذان المعروف لديكم والحمد لله، ثم نزل من ذلك الجذم إلى الأرض وأقام الصلاة.
فلما أصبح الرجل قص رؤياه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه رؤيا حق فألقه -هنا الشاهد- على بلال فإنه أندى صوتاً منك» لذلك اتفق العلماء على أن المؤذن ينبغي أن يكون صيتاً ندي الصوت جهوري الصوت بحيث أنه يبلغ إلى أبعد مكان عن المسجد، فلما وجدت هذه الوسيلة التي تبلغ الصوت إلى مسافات بعيدة ما شاء الله أجمع العلماء عملياً على شرعية اتخاذ هذه الوسيلة؛ لأنها تؤكد تلك الغاية التي شرحها الرسول عليه السلام في الأحاديث المشار إليها وهي تبليغ الصوت إلى أبعد مكان ممكن، فهذا في الأذان أمر مرغوب مشروع، استعمال هذه الوسيلة في الأذان فقط أمر مرغوب مشروع؛ لأنه يحقق غاية مشروعة، لكن ليس الأمر كذلك في أمرين اثنين مما هو واقع في هذه المساجد التي تستعمل فيها هذه الوسيلة:
الأمر الأول: إذاعة الإقامة بهذا الجهاز، فهذا لا يشرع؛ لأن الإقامة لم تكن في مكان الأذان؛ لأنه ليس المقصود بالإقامة إبلاغها إلى أبعد مدى كما هو الشأن في الأذان وإنما الإقامة إعلام خاص للذين في المسجد فهم ينهضون للصلاة فليس هناك حاجة إلا نادر جداً جداً في مسجد كبير ويكون المصلون فيه جمعاً غفيراً جداً بحيث أن كثيرين ممن هم بعيدين في يمين الصف أو شماله .. في مثل هذا المسجد الكبير يمكن أن يقال باستعمال هذا المكبر للصوت في الإقامة، أما في المساجد التي ليست في تلك التوسعة فلا ينبغي أن نشغل الناس خارج المسجد بمثل هذه الإقامة؛ لأن الإقامة إعلام خاص متعلق بمن كان في داخل المسجد، ولا ينبغي لنا أن نحسن ما لم يحسنه الشارع فنقول كما قيل لبعض ما ذكرت بهذا، قيل: أليس من الأحسن أن نسمع الإقامة أيضاً لمن كان خارج المسجد، نقول: من مثل هذا التحسين فتح على المسلمين باب الابتداع في الدين.
ومن هنا جاء ما يعرف عند علماء الكلام أن المعتزلة يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين، المعتزلة من الأمور التي خالفوا فيها أهل السنة أنهم يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين، معنى ذلك يصرحون بما يأتي من البيان يقولون: ما حسنه العقل فهو حسن وما قبحه العقل فهو قبيح وأهل السنة يقولون بخلاف ذلك وقولهم هو الحق: ما حسنه الله تبارك وتعال فهو الحسن وما قبحه الله فهو قبيح، فلا يجوز للمسلمين أن يشغلوا عقولهم بالتحسين والتقبيح العقليين من ذلك ما نحن في صدده الآن وقد قيل لي قول فرددته بما يأتي:
قيل: ما المانع من أن نسمع الإقامة كما نسمع الأذان؟ الجواب: لماذا فرق الشارع الحكيم بين الأذان فجعله على ظهر المسجد أو في مكان مرتفع وجعل الإقامة في المسجد؟ أليس هو أعلم بما ينفع الناس؟ لا شك في ذلك أبداً، ولذلك ينبغي أن نؤمن إيماناً جازماً أن هذا التشريع الإلهي الذي جاء به نبينا صلوات الله وسلامه عليه هو تشريع كامل لا مجال لأحد أن يستدرك عليه قيد شعرة، كيف وقد قال ربنا تبارك وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] وقال نبينا صلوات وسلامه عليه: «ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه» فتفريق الشارع الحكيم بين الأذان والإقامة هو فيه حكمة سواءً نحن أدركناها أو لم ندركها علينا أن نقف كما قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] فالأذان الذي شرعه الرسول عليه السلام كان على ظهر المسجد لتحقيق الغاية وهي تسميع الناس إلى أبعد مسافة، أما الإقامة فلأمر ما جعلها داخل المسجد ولم يجعلها على ظهر المسجد، فنحن اليوم وهنا بيت القصيد كما يقال حينما نذيع الأذان بمكبر الصوت نحقق غاية شرعية ولكننا حينما نذيع الإقامة بمكبر الصوت هذا مخالف حكماً شرعياً فنرجو الانتباه لهذا حتى لا نتعدى شريعة الله تبارك وتعالى.
والتنبيه الثاني أهم من هذا وهو يتعلق بنفس هذا المكبر: وهو أن عامة الأئمة
في المساجد يذيعون قراءتهم بمكبر الصوت فيحرجون الأمر على الناس الذي يكونون في بيوتهم وفي محلاتهم وفي مطامعهم ومعاملهم والنساء في البيوت قد يكن في شغل شاغل ويكون الناس كذلك الذين هم خارج المسجد لا يستطيعون أن يحققوا أدباً قرآنياً حيث ربنا تبارك وتعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204] وقد وقع شيء من هذا الإشكال لنا ونحن في الطائف فقد كنا مسافرين وعزمنا أن نجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير فتهيأنا ولما دخلنا في صلاة أظن وإذا بالإمام دخل في صلاة العشاء وصوته بقراءة القرآن شوش علينا فضلاً عن أنه شوش أيضاً على غيرنا ممن لا يكون عنده استعداد لسماع القرآن، فإذاعة صوت الإمام حينما يقرأ القرآن في المسجد إلى خارج المسجد هو أيضاً اعتداء وتجاوز لحدود الله وإحراج للناس وإيقاعهم في أحد أمرين:
إما أن يدعو حديثهم .. أن يدعو عملهم ليتفرغوا لتحقيق الآية السابقة.
وإما أن يظلوا كما هو الواقع ماضين في كلامهم في أعمالهم، فإذاً هذا التسميع لهذه الآيات لمن؟ ينبغي أن يكون محصوراً لمن كان في المسجد ولذلك أنا أقترح أحد شيئين على حسب المسجد، إن كان المسجد ليس فيه جمع كبير وصوت الإمام جهوري فلا حاجة لاستعمال هذا المكبر، وإن كان المسجد كبيراً والناس كثير فحينئذ يرفع الصوت بمقدار ما يسمع من كان مقتدياً وراء الإمام ولا يخرج الصوت إلى خارج المسجد، هذا ما أردت التذكير به، وأرجوا الله عز وجل أن ينفعنا بما نذكر به بعضنا بعضاً.
مداخلة: هل يشمل هذا خطبة الجمعة؟
الشيخ: خطبة الجمعة أي: إذاعاتها أيضاً؟ هو كذلك ما ينبغي أن تذاع، كل ما كان خاصاً بالمسجد لا يخرج خارج المسجد، وما كان شاملاً لمن كان خارج المسجد فكما قلنا بالنسبة يشرع إذاعته بالمذياع.