الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم ما يفعله المؤذنون من تلحين الصوت ومده، وفي أي أذان يُقال:«الصلاة خير من النوم»
؟
مداخلة: بسم الله الرحمن الرحيم.
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فضيلة الشيخ حفظكم الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما حكم ما يفعله كثير من المؤذنين حيث [يلحنون] أصواتهم ويمدونها مداً طويلاً، وهل الأذان في صلاة الفجر يقال فيه: الصلاة خير من النوم؟
الشيخ: من البدع التي نبه عليها الأئمة السابقون وعلماء الحديث والفقه وفي مقدمتهم إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله: التلحين والتطريب في الأذان؛ ذلك لأن أذان المؤذنين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فيه تطريب أو تلحين، فقد توارث السلف عن الصحابة أذانهم عن مثل بلال وعمر بن أم مكتوم وأبي محذورة السلام باللهجة العربية التي لا تطريب فيها.
وواضح فيما أعتقد لدى الجميع ما هو المقصود بالتلحين والتطريب وهو مد الصوت حيث لا يجوز المد فيه لغة ولا شرعاً، وقصره حيث يشرع المد، كل ذلك مراعاة للقواعد الموسيقية التي يقوم عليها نظام التطريب والتلحين، وقد جاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه أن رجلاً جاء إليه فقال: يا ابن عمر! إني أحبك في الله، فقال له: أما أنا فأبغضك في الله، قال: لم؟ قال: لأنك تلحن في أذانك وتأخذ عليه أجراً، تلحن: تطرب في الأذان وتأخذ عليه أيضاً أجراً، ففي هذا الأثر الثابت عن ابن عمر تنبيه صريح على أن المؤذن لا يجوز له أن يطرب في أذانه، وقد عرفتم التطريب، بل لستم في حاجة؛ لأنكم مع الأسف تسمعون الأذان من مصر ومن
بعض البلاد العربية أيضاً هذا الأذان الذي أبغض ابن عمر صاحبه؛ لأنه كان يلحن فيه ويطرب فيه.
الشيء الثاني: وهذا مهم جداً حيث ذكر له أن مما حمل ابن عمر على ألا يحبه في الله بل على أن يبغضه أنه يأخذ على أذانه أجراً، ولا شك ولا ريب أنه لا يجوز عند علماء المسلمين قاطبة دون أي خلاف يذكر منهم أنه لا يجوز أخذ الأجر على أي نوع من أنواع العبادات؛ ذلك لأن الله تبارك وتعالى قد ذكر في غير ما آية من القرآن الكريم أن العبادة لا تكون مقبولة إلا إذا كان خالصة لوجهه تبارك وتعالى، كما قال عز وجل:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وكما قال تبارك وتعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] قوله: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] يشمل الشرك بكل أنواعه، ومن ذلك الشرك في الإخلاص لله عز وجل، فإذا أتى الإنسان بعبادة ليس لوجه الله وإنما لقصد الأجر الدنيوي العاجل فذلك نوع من الشرك كما قال تبارك وتعالى في آية أخرى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} قال أهل التفسير: أي: فليعمل عملاً موافقاً للسنة، فإن أي عمل .. أي عبادة لا توافق السنة فلا تكون عملاً صالحاً، وفي ذلك أحاديث كثيرة حسبنا حديث واحد ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» .
فإذاً: العمل الصالح ينبغي أن يكون على السنة هذا هو الشرط الأول الذي ذكر في هذه الآية: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110].
والشرط الثاني: {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] أي: لا يبتغي بعبادة ربه أجراً دنيوياً، وعلى هذا فينبغي التنبيه أن من كان مؤذناً وله راتب، فلا ينبغي أن يأخذ هذا الراتب على أنه أجر على أذانه؛ لأنه قبل كل شيء خالف الله في أمره، في أن يكون في عبادته خالصاً لوجهه تبارك وتعالى، ثم يخسر فضيلة المؤذن التي جاء ذكرها في بعض الأحاديث الصحيحة.
فما يأخذه من الراتب يأخذه راتباً ولا يأخذنه أجراً لما سمعتم من أثر ابن عمر حيث قال له: أبغضك؛ لأنك تأخذ على أذانك أجراً وتلحن فيه.
والشطر الأول من هذه الجملة قد جاء الحديث الصريح الصحيح بذلك حينما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص أميراً على قبيلته بني فقيه، قال له عليه الصلاة والسلام:«أنت إمامهم واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجراً» فإذاً: لا يجوز للمؤذن أن يلحن في أذانه وإنما يرفع صوته به دون تمديد ودون تمطيط، إن كان في السؤال شيء آخر غير هذا.
مداخلة: الصلاة خير من النوم.
الشيخ: نعم، هذا السؤال الثاني: خير من النوم لم تأتي في حديث إلا في الأذان الأول أذان الفجر أما الأذان الثاني فليس فيه حديث إطلاقاً، هذا في الواقع من الأمور التي غيرت فيها السنة في أكثر البلاد.
[والدليل حديثان] أحدهما: من حديث أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع صوته وأعجبه علمه الأذان، وكان في تعليمه إياه بعد أن علمه الأذان من أوله إلى آخره كما هو معروف اليوم دون طبعاً بعض الزيادات من المقدمات أو المؤخرات في بعض البلاد، وإنما هو يبدأ كما في بلادكم هذه والحمد لله بالله أكبر الله أكبر وينتهي بلا إله إلا الله، قال له:«فإذا أذنت الأذان الأول في الصبح فقل: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم» هذا هو الحديث الأول وهو في صحيح ابن خزيمة وسنن النسائي وغيرهما من كتب السنن.
الحديث الثاني: رواه النسائي أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنه قال: «كان في الأذان الأول في الفجر: الصلاة خير من النوم .. الصلاة خير من النوم» هكذا يقول ابن عمر مخبراً عما كان عليه هذا الأذان في الصبح وهو الأذان الأول في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فمن كان في بلدة وباستطاعته أن يحيي هذه السنة فليفعل؛ لأنه يرجى له أن يكون قد أحيا سنة وله ذلك الأجر الكثير البليغ الذي جاء في قوله عليه السلام كما
في صحيح مسلم: «من سن في الإسلام سنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء» ..
لا بد من التنبيه على أن من أراد الإصلاح وتغيير بعض العادات والتقاليد لا بد له من التنبيه والتذكير والتوطئة لكي لا يكون لإحياء السنة رد فعل يعود على الناس بشر لا يكون في بالهم أو في حسبانهم، هذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين.