الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عبد البر. وقد أجاب عنه ابن القيم رحمه الله في رسالة «الصلاة» بما لا يدع مجالا للشك مطلقا أن الحديث لا يدل لذلك.
وخلاصته أن الحديث إنما قاله صلى الله عليه وسلم في حق المعذروين لا المفرط، ونحن نقول إن مثل هذا الدين يقبل القضاء، وأيضا فهذا إنما قاله عليه السلام في النذر المطلق الذي ليس له وقت محدود الطرفين وفي الحج الذي لا يفوت وقته إلا بنفاد العمر. راجع «ص 109 - 110» من الرسالة المذكورة وقد بسط القول في النزاع حول هذا المسألة وأطال بما لا مزيد عليه وذكر أدلة الفريقين تحقيقا وتعقيبا بما لا يوجد في كتاب فراجعه «85 - 122» .
[الثمر المستطاب «1/ 105»].
رد القول بقضاء الصلاة التي تُعُمِّد تركها
[روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال]: «يا علي مثل الذي لا يتم صلاته كمثل حبلى حملت، فلما دنا نفاسها أسقطت، فلا هي ذات ولد، ولا هي ذات حمل. ومثل المصلي كمثل التاجر لا يخلص له ربحه حتى يخلص له رأس ماله، كذلك المصلي لا تقبل نافلته حتى يؤدي الفريضة» . ضعيف.
[قال الإمام]: وقد شاع الاستدلال بالشطر الأخير منه «المصلي لا تقبل نافلته حتى يؤدي الفريضة» على ما يفتي به كثير من المشايخ من كان مبتلى بترك الصلاة وإخراجها عن وقتها عامدا بوجوب قضائها مكان السنن الراتبة فضلا عن غيرها، ويقولون: إن الله عز وجل لا يقبل النافلة حتى تصلى الفريضة! وهذا الحديث مع ضعفه لا يدل على ما ذهبوا إليه لوصح، إذ إن المقصود به فريضة الوقت مع نافلته، ففي هذه الحالة لا تقبل النافلة حتى تؤدي الفريضة، فلو أنه صلاهما معا كفريضة الظهر ونافلتها مثلا في الوقت مع إتيانه بسائر الشروط والأركان، كانت النافلة مقبولة كالفريضة، ولوأنه كان قد ترك صلاة أوأكثر عمدا فيما مضى من الزمان، فمثل هذه الصلاة لا مجال لتداركها وقضائها، لأنها إذا صليت في غير وقتها فهو
كمن صلاها قبل وقتها ولا فرق، ومن العجائب أن العلماء جميعا متفقون على أن الوقت للصلاة شرط من شروط صحتها، ومع ذلك فقد وجد من قال في المقلدين يسوغ بذلك القول بوجوب القضاء: المسلم مأمور بشيئين: الأول الصلاة، والآخر وقتها، فإذا فاته هذا بقي عليه الصلاة! وهذا الكلام لو صح أولوكان يدري قائله ما يعني لزم منه أن الوقت للصلاة ليس شرطا، وإنما هو فرض، وبمعنى آخر هو شرط كمال، وليس شرط صحة، فهل يقول بهذا عالم؟ ! وجملة القول: أن القول بوجوب قضاء الصلاة على من فوتها عن وقتها عمدا مما لا ينهض عليه دليل، ولذلك لم يقل به جماعة من المحققين مثل أبي محمد بن حزم والعز بن السلام الشافعي وابن تيمية وابن القيم والشوكاني وغيرهم. ولابن القيم رحمه الله تعالى بحث هام ممتع في رسالة «الصلاة» فليراجعها من شاء، فإن فيها علما غزيرا، وتحقيقا بالغا لا تجده في موضع آخر.
وبديهي جدا أن النائم عن الصلاة أوالناسي لها لا يدخل في كلامنا السابق، بل هو خاص بالمتعمد للترك، وأما النائم والناسي، فقد أوجد الشارع الحكيم لهما مخرجا، فأمرهما بالصلاة عند الاستيقاظ أوالتذكر، فإن فعلا تقبل الله صلاتهما وجعلها كفارة لما فاتهما، وإن تعمدا الترك لأدائها حين الاستيقاظ والتذكر كانا آثمين كالمتعمد الذي سبق الكلام عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم:«من نسي صلاة أونام عنها فليصلها حين يذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك» . أخرجه الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه. فقوله: «لا كفارة لها إلا ذلك» أي إلا صلاتها حين التذكر. فهو نص على أنه إذا لم يصلها حينذاك فلا كفارة لها، فكيف يكون لمن تعمد إخراجها عن وقتها المعتاد الذي يمتد أكثر من ساعة في أضيق الصلوات وقتا، وهي صلاة المغرب، كيف يكون لهذا كفارة أن يصليها متى شاء وهو آثم مجرم، ولا يكون ذلك للناسي والنائم وكلاهما غير آثم؟ ! فإن قال قائل: لا نقول إن صلاته إياها قضاء هي كفارة له، قلنا: فلماذا إذا تأمرونه بالصلاة إن لم تكن كفارة له، ومن أين لكم هذا الأمر؟ فإن كان من الله ورسوله فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، وإن قلتم: قياسا على النائم والناسي. قلنا: هذا قياس باطل لأنه من باب قياس النقيض على نقيضه وهو من أفسد قياس على وجه الأرض. وحديث أنس أوضح دليل على بطلانه إذ