الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمثل هذا الحديث حينئذٍ يوجب علينا أن نُجْري عملية تصفية على هذه الآثار التي تُرْوَى عن السلف في تكفير تارك الصلاة، فما كان منها غير ثابت استرحنا منها، ولا نُوْجِد تعارضاً بينها وبين الأحاديث الدالة على أن تارك الصلاة تركاً غير مقرون بالجحد إنه لا يكفر، ولا يرتد عن الدين، وما كان منها ثابتاً تأولناه كما نتأول الأحاديث المرفوعة التي تُرْوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتي يتبادر إلى الذهن أول ما يتبادر أنه ليس مُسْلِماً.
كالحديث المعروف مثلاً في صحيح مسلم وغيره: «من ترك الصلاة فقد كفر» فلا بد حينذاك من تأويل هذا الصحيح من المرفوع كذاك الصحيح من الموقوف، تأويلاً يتفق مع النص الصريح الذي ذكرناه آنفاً، حيث يُخْرَج من النار غير المصلين أيضاً.
هذه كلمة بمناسبة أن الآثار أيضاً ينبغي تحري الصحة فيها في كثير من الأحيان.
«الهدى والنور /350/ 05: 48: 00»
«الهدى والنور /351/ 45: 00: 00»
حكم تارك الصلاة
مداخلة: شخص تارك الصلاة ما حكمه؟
الشيخ: لاشك أن الصلاة هي الركن الثاني من الإسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام:«أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم عند الله تبارك وتعالى» .
فإقامة الصلاة هي من مصداق قول المسلم: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ لأنه حين يصلي فإنما يثبت بذلك أنه عبد بحق مطيع لله عز وجل الآمر بالصلاة في
غير ما آية، كمثل الآية:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43].
ومطيع للنبي صلى الله عليه وسلم الذي بالغ في الحض على المحافظة على الصلاة، حتى قال عليه الصلاة والسلام:«بين الكفر» وفي لفظ: «بين الشرك والرجل ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر» .
هنا لابد من أن نقف قليلاً عند لفظة: «فقد كفر» ما هو المقصود منها؟ «فقد كفر» هل يعني أن المسلم الذي يشهد من قرارة قلبه بأن الله واحد لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، إذا ترك الصلاة فقد ارتد عن دينه، هل هذا هو المقصود من هذا الحديث؟
الجواب: تارةً يكون مقصوداً هذا المعنى من الحديث، وتارة يكون المقصود معنىً آخر.
وليس هذا المعنى الآخر بالأمر السهل، وإنما هو خطير أيضاً، قد يؤدي بصاحبه إلى المعنى الأول، ما هو المعنى الأول؟ «من ترك الصلاة فقد كفر» إن جحدها، إن جحد شرعيتها، إن قال كما يقول بعض الشباب الذين رُبُّوا تربية غير إسلامية، ولو كانوا في عقر دارهم، لماذا الصلاة؟ ولماذا الوضوء؟ ولماذا الغسل؟ هذه الأمور شرعت في الجاهلية، شرعت لقوم ما يعرفون النظافة، ولا يعرفون الطهارة، عاشوا في القذارات وعاشوا مع البعران والأزبال ونحو ذلك، أما الآن ما شاء الله المدنية الحمامات في كل دار والدش للماء كله ميسر، فما في داعي لمثل هذه الطهارة من جهة، وما في داعي لمثل هذه الحركات، فالحركات الرياضية تغني الشعوب اليوم عن هذه الحركات البدنية التي شرع في زمن مضى وانقضى.
هؤلاء الشباب الذين قد يدور في أذهانهم هذه المعاني الكافرة، وقد يتجرأ بعضهم فيتلفظوا بها بألسنتهم، هؤلاء هم المقصودين مباشرة بقوله عليه السلام:«فقد كفر» أي: ارتد عن دينه.
أما المعنى الثاني: «فقد كفر» أي: قارب الكفر، وأشرف عليه إذا كان يؤمن بشريعة الصلاة، ويدين الله أي: يعبده بأن يعتقد بما شرع له من الصلاة، ولكن لسان حاله أحياناً، ولسان حاله دائماً يقول: الله يتوب عليَّ، قوله: الله يتوب عليَّ معناها: أنه معترف بذنبه مع ربه، معترف بأن هذه الصلاة يجب أن يؤديها، وليست كما قال الفريق الأول: هذا زمان مضى وانقضى، لا هذا يعترف بهذه الشرعية، لكنه مُقَصِّر في الإتيان بها، هذا لا يكفر كفراً يخرج به عن الملة، ولكن يخشى مع مضي الزمان أن يموت كافراً، لماذا؟ نحن اليوم نسمع كلمة في العلاقة بالأشياء المادية مثلاً: الصيانة ما معنى الصيانة؟ صيانة البَرَّادات الثلاجات السيارات، إلى آخره، السيارة ماشية ماشي حالها، لكن تريد صيانة، كل سفرة مثلاً طويلة أو كل سنة أو أو إلى آخره، وإذا لم يفعل هذه الصيانة كان مصير السيارة؟ أن تموت وتتلف.
وهكذا القلب الذي هو الموتور الذي يحيى به هذا الإنسان، أيضاً هذا القلب هو بحاجة إلى صيانة، لكن أكثر الناس لا يعلمون.
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما النعمان بن بشير صحابي ابن ماذا؟ صحابي، هذا النعمان بن بشير هو الذي مات في الحرب التي أشرنا إليها هذه، ذهب المغيرة إلى الهرمزان وتكلم معه بذاك الكلام الذي فيه عِزَّة الإسلام، كان هو قائد جيش المسلمين يومئذ، فقال لهم: إن أنا مت فيكون القائد فلان، وإن مات ففلان إلى آخره.
ولما هجم الجيش بعضهم على بعض وقع شهيداً، فرآه أحدهم فوضع رمحاً، ووضع عليه علماً مميزاً حتى يجدوه بسهولة، فوجدوه قد مات وقد طعن عشرات الطعنات.
هذا النعمان يروي عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إن الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه، وإن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه، ومن حام حول الحمى
يوشك أن يقع فيه» هذا الذي لا يصلي حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، تمام الحديث:«ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» .
هذه المضغة بالتعبير المادي بحاجة إلى صيانة، ليس فقط السيارة والبَرَّاد والثلاجة إلى آخره، هذا أولى وأولى أن يُصَان؛ لأنه كما أن القلب الذي نعرفه نحن عبارة عن مضغة، وأنه يمرض ويصح، فالأطباء دائماً وأبداً يحرصون كل الحرص أن يظل قلب الإنسان سليماً حتى يعيش سليماً، خاصة بالنسبة للشيوخ المُسِنِّين مثلي أنا؛ لأنه إن كان قلبه مريضاً فسرعان ما ساء بسبب تركه للصيانة، سيصبح ماذا؟ عدماً.
هذا القلب المادي الذي يُعْنَى به الأطباء الماديين عناية تامة جداً، أكثر من أي مكان من البدن؛ لأن البدن لا يستطيع أن يعيش إلا بهذا القلب، مهما فقد من عضوٍ، إلا هذا القلب إذا فقده فقد نفسه تماماً.
هذه العناية المادية بالقلب، يجب أن يُعْنَى بهذا القلب عناية أسمى وأسمى، وأعلا من عناية الأطباء الماديين بهذا القلب حتى يسلم، وحتى لا يُعَرِّض نفسه لما قال عليه السلام في الحديث السابق:«من ترك الصلاة فقد كفر» أي: عَرَّض نفسه للكفر.
هذا إذا آمن بشريعة الصلاة، أما إذا قال بلا صلاة بلا كذا، فهذا مصيرُه النار يُحشر مع فرعون وهامان والكفار جميعاً، في الدرك الأسفل من النار، هذا من أهمية الصلاة في الإسلام.
ولذلك فمن كان مبتلى، من كان مبتلى من الشباب، بل ومن الكهول أيضاً مع الأسف الشديد، من كان مبتلى بالصلاة، بتركها أو التهاون بها، فعليه أن يذكر هذه الحقيقة، وأن يحافظ على أداء الصلوات في أوقاتها.
وليس هذا فقط، وأرجو أن تنتبهوا ليس هذا فقط، بل وأن يصلوها في المساجد؛ لأن الله عز وجل يقول في صريح القرآن الكريم:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}