الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: عن أبي محذورة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر نحوا من عشرين رجلا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان
…
الحديث وهو صحيح وقد سبق في المسألة الرابعة.
ورواه ابن خزيمة في «صحيحه» كما في «بلوغ المرام» و «التلخيص» وأخرجه النسائي من طريق أخرى بلفظ: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت» فأرسل إلينا
…
الحديث وسنده مقبول.
وقد أخرجه أحمد وغيره بنحوه وسبق هناك وصححه ابن السكن كما في «التلخيص» .
[الثمر المستطاب «1/ 152»].
ما يُستحب للمؤذن
ويستحب للمؤذن أمور:
1 -
أن يؤذن على طهارة: والدليل عليه قوله عليه السلام:
«إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال: على طهارة» .
وقد سبق في الطهارة. وصححه ابن خزيمة وابن حبان كما في «التلخيص» .
وروى البيهقي والدارقطني في «الأفراد» وأبو الشيخ في «الأذان» من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: حق وسنة أن لا يؤذن الرجل إلا وهو طاهر ولا يؤذن إلا وهو قائم.
قال في «التلخيص» : «وإسناده حسن إلا أن فيه انقطاعا لأن عبد الجبار ثبت عنه في «صحيح مسلم» أنه قال: كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي ونقل النووي اتفاق أئمة الحديث على أنه لم يسمع من أبيه».
وأما حديث: «لا يؤذن إلا متوضئ» فضعيف لا يصح.
أخرجه الترمذي من طريق معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري عن أبي هريرة مرفوعا به.
ومعاوية هذا ضعف كما قال الحافظ. والزهري لم يسمع من أبي هريرة كما قال الترمذي.
ثم أخرجه من طريق يونس عن ابن شهاب به قال: قال أبو هريرة: لا ينادي بالصلاة إلا متوضئ. وقال:
قلت: فهو لا يصح مرفوعا ولا موقوفا لوجود الانقطاع في الطريقين.
ثم قال الترمذي: واختلف أهل العلم في الأذان على غير وضوء فكرهه بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وإسحاق ورخص في ذلك بعض أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد.
2 -
وأن يقف قائما: وفيه أحاديث:
الأول: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال قال: ثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين - أو قال: المؤمنين - واحدة
…
» فذكر الحديث فجاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله إني لما رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت رجلا كأن عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن، ثم قعد قعدة، ثم قام مثلها إلا أنه يقول: قد قامت الصلاة ولولا أن تقول الناس إني كنت يقظان غير نائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لقد أراك الله خيراً فمر بلالا فليؤذن» .
قال: فقال عمر: أما إني قد رأيت مثل الذي رأي ولكني لما سبقت استحييت.
أخرجه أبو داود من طريق شعبة عن عمرو بن مرة: سمعت أبن أبي ليلى به.
وهذا سند صحيح رجاله رجال الستة.
وقد أخرجه الطحاوي من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة به نحوه.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» كما في «نصب الراية» :
فقال: ثنا وكيع: ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله
…
الحديث نحوه إلا أنه قال: فقام على حائط.
أخرجه الطحاوي وابن حزم عن وكيع به مختصرا. وقال ابن حزم: «وهذا إسناد في غاية الصحة» .
وكذلك رواه ابن خزيمة والبيهقي عن وكيع.
وهذه الرواية تبين ما أبهم في رواية شعبة وهو أن قوله: أصحابنا إنما أراد به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا صححها ابن حزم وابن دقيق العيد أيضا كما في «التلخيص» و «نصب الراية» . وهي ترد قول من أعل الحديث بالانقطاع أو الإرسال لظاهر بعض الروايات عن ابن أبي ليلى فقد رواه المسعودي عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل نحوه. وقد سبق في المسألة الأولى ويأتي قريبًا.
وكذلك رواه أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به.
رواه أحمد والدارقطني بلفظ: نزل على جذم حائط.
وأخرجه الطحاوي من طريق عبد الله بن داود عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن زيد به. فأسقط من السند ذكر معاذ أو أحد من الصحابة.
وأخرج الدارقطني نحوه من طريق أخرى عن عمرو وقال: «وابن أبي ليلى لا يثبت سماعه من عبد الله بن زيد وقال الأعمش والمسعودي: عن عمرو بن خالد بن مرة عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل ولا يثبت والصواب ما رواه الثوري وشعبة
عن عمرو بن مرة وحصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى مرسلا».
كذا قال وقد علمت أن رواية وكيع عن الأعمش متصلة صحيحة الإسناد ولعل الدارقطني لم يقف عليها والذي نقطع به أن ابن أبي ليلى قد سمع هذا الحديث عن جمع من الصحابة لم يسمهم فكان أحيانا يسنده إليهم وأحيانا يسنده إلى صاحب القصة وهو عبد الله بن زيد وأحيانا إلى بعض رواتها من الصحابة كمعاذ وكان يفعل ذلك وإن لم يسمعها منهما باعتبار أنه سمعها مسندا إليهما فلا يضر هذا الإرسال حينئذ كما لا يخفى ومن شاء زيادة تحقيق في ذلك فليراجع تعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على كتاب «أصول الأحكام» لابن حزم.
الحديث الثاني: عن وائل بن حجر قال: حق وسنة أن لا يؤذن الرجل إلا وهو طاهر ولا يؤذن إلا وهو قائم وقد مضى قريبا.
قال ابن المنذر: «أجمع أهل العلم أن القيام في الأذان من السنة» . وراجع «الفتح» .
3 -
على مكان عال: وفيه أحاديث:
الأول: حديث عبد الله بن زيد في أذان الملك قال: فقام على المسجد فأذن. وفي رواية على حائط وفي أخرى جذم حائط. وقد سبق ذكرها قريبا. «والجذم» بالكسر والفتح: الأصل: أراد بقية حائط.
الثاني: عن امرأة من بني النجار قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المسجد وكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر فإذا رآه تمطى ثم قال: اللهم إني أحمد
…
الحديث.
أخرجه أبو داود عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عنها.
وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس ولذلك قال النووي: إسناده ضعيف». وأما قول الحافظ في «الفتح» :
«وإسناده حسن» .
فغير حسن ولو سكت عليه كما فعل في «التلخيص» لكان أحسن.
لكني وجدت له طريقا أخرى فقال ابن سعد في «الطبقات» : أخبرنا محمد بن عمر: ثني معاذ بن محمد عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: أخبرني من سمع النوار أم زيد بن ثابت تقول:
كان بيتي أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد وقد رفع له شيء فوق ظهره.
ومحمد بن عمر هو الواقدي: ضعيف.
الثالث: عن ابن عمر قال: كان ابن أم مكتوم يؤذن فوق البيت.
أخرجه أبو الشيخ عن عبد الله بن نافع عن أبيه عنه.
ذكره الزيلعي والعسقلاني وسكتا عليه.
وعبد بن نافع هذا ضعيف كما في «التقريب» .
ويشهد لمعاني الحديث حديث ابن عمر رضي الله عنه: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان: بلال وابن أم مكتوم الأعمى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» .
قال: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا. «متفق عليه» واللفظ لمسلم.
وأخرجاه أيضا من حديث عائشة وقد سبق تخريجه في المسألة «6» .
الرابع: عن أي برزة الأسلمي قال: من السنة الأذان في المنارة والإقامة في المسجد.
أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عنه.
وهو في «سنن سعيد بن منصور» مثله.
وسكت عليه الحافظان المذكوران آنفا فإن كان السند إلى سعيد سلم من علة فهو إسناد صحيح.
ثم رأيت البيهقي أخرجه في «سننه» من طريق خالد بن عمرو قال: «ثنا سفيان عن الجريري به» وقال: «وهذا حديث منكر لم يروه غير خالد بن عمرو وهو ضعيف منكر الحديث» .
الخامس: عن عقبة بن رافع مرفوعا: «يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة
…
». الحديث.
وقد مضى في المسألة التاسعة. فإن «الشظية» قطعة مرتفعة في رأس الجبل. وفيه إشارة إلى استحباب الأذان على المكان المرتفع ولو كان على الجبل.
«4» ويستقبل القبلة: وفيه حديثان:
الأول: حديث عبد الله بن زيد في نزول الملك بالأذان قال: بينا أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة فقال: الله أكبر الله أكبر
…
الحديث.
وقد مضى في المسألة الأولى وهو من رواية المسعودي عن عمر بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ والمسعودي كان اختلط إلا أنه قد توبع على هذه الجملة.
قال إسحاق في «مسنده» على ما في «التلخيص» : ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: جاء عبد الله بن زيد فقال: يا رسول الله إني رأيت رجلا نزل من السماء فقام على جذم حائط فاستقبل القبلة
…
فذكر الحديث.
الثاني: عن سعد القرط مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن بلالا كان يؤذن مثنى مثنى
ويتشهد مضعفا يستقبل القبلة فيقول
…
فذكره.
أخرجه الطبراني وسنده ضعيف كما سبق في النوع الثاني من الأذان.
وأخرجه الحاكم بلفظ: وإن بلالا كان إذا كبر بالأذان استقبل القبلة
…
الحديث.
وسكت عليه هو والذهبي.
5 -
ويرفع صوته: «فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة» و «له أجر من صلى معه» .
وهذا من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. رواه عنه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري: أن أبا سعيد الخدري قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع
…
الحديث. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. وقد خرجته في «التعليق الرغيب» .
وللحديث شواهد من حديث ابن عمر بإسناد صحيح وأبي هريرة بسند حسن والبراء بن عازب بإسناد صحيح وقد خرجتها هناك ولفظ حديث البراء: «والمؤذن يغفر له مدى صوته وصدقه من سمعه من رطب ويابس وله أجر من صلى معه» .
6 -
ويجعل أصبعيه في أذنيه: وفيه أحاديث:
الأول: عن أبي جحيفة قال: رأيت بلالا يؤذن ويدور وأتتبع فاه ههنا وههنا وأصبعاه في أذنيه
…
الحديث.
أخرجه أحمد قال: ثنا عبد الرزاق: أنا سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه.
وأخرجه الحاكم عن أحمد والترمذي عن محمود بن غيلان: ثنا عبد الرزاق به.
ثم رواه من طريق إبراهيم بن عتبة عن الثوري ومالك بن مغول عن عون ابن أبي جحيفة بنحوه. وقال: «قد اتفق الشيخان على إخراج حديث مالك بن مغول
وعمر بن زائدة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه في ذكر نزوله صلى الله عليه وسلم الأبطح غير أنهما لم يذكرا فيه إدخال الأصبع في الأذنين والاستدارة في الأذان وهو صحيح على شرطهما وهما سنتان مسنونتان». ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
وذلك يدل على أن عبد الرزاق لم يتفرد بذكر الأصبعين والاستدارة فيه بل تابعه على ذلك كله الحسين بن جعفر وهو الحسين بن منصور بن جعفر النيسابوري وهو ثقة فقيه وإبراهيم بن عتبة كذا في الأصل والصواب: عيينة بمهملة ثم مثناة تحتية ثم نون وهو أخو سفيان بن عيينة وهو صدوق يهم كما في «التقريب» .
وتابعه -أيضا- مؤمل بن إسماعيل عن سفيان. أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» نحوه كما في «نصب الراية» و «الفتح» وكذا رواه ابن خزيمة كما في «التلخيص» قال: ورواه أبو نعيم في «مستخرجه» وعنده: «رأى بلالا يؤذن ويدور وأصبعاه في أذنيه» وكذا رواه البزار.
وكذلك لم يتفرد به الثوري عن عون بل تابعه مالك بن مغول كما سبق في رواية الحاكم وهو ثقة ثبت. وقد أخرج حديثه هذا مسلم لكن ليس فيه وضع الأصبعين.
وتابعه أيضا حجاج بن أرطأة عند ابن ماجه والدارمي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم.
وإدريس الأودي أخرجه الطبراني وحماد وهشيم جميعا عن عون به. أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب الأذان كما في «نصب الراية» و «التلخيص» .
وبالجملة فالحديث بهاتين الزيادتين صحيح وقد قال الترمذي بعد أن خرجه: «إنه حديث حسن صحيح» .
والمراد بالاستدارة فيه: الاستدارة بالرأس فقط لا بسائر الجسد كذلك جاء مفسرا في «الصحيحين» وغيرهما ويأتي قريبا.
الحديث الثاني: عن عبد الله الهوزني: قال: قلت لبلال: كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم
…
فذكر الحديث وفيه قال بلال: فجعلت أصبعي في أذني فأذنت.
ذكره الحافظ في «الفتح» وقال: «إنه من أصح شواهد الحديث الأول» . وقال: «رواه أبو داود وابن حبان من طريق أبي سلام الدمشقي أن عبد الله الهوزني حدثه به» .
قلت: الحديث في «سنن أبي داود لكن لم يسق الحديث بتمامه بل قال في موضع منه: فذكر الحديث. وفي آخره: وقص الحديث. إشارة إلى اختصاره ولذا فليس فيه قول بلال: «فجعلت
…
إلخ».
فالظاهر أنه من جملة المختصر عنده وسنده هكذا: ثنا أبو توبة الربيع بن نافع: ثنا معاوية - يعني ابن سلام - عن زيد أنه سمع أبا سلام: ثني عبد الله الهوزني به.
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم سوى عبد الله الهوزني وهو ابن لحي وهو ثقة مخضرم.
الثالث: عن سعد القرظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه قال: «إنه أرفع لصوتك» .
أخرجه ابن ماجه والطبراني في «الصغير» من طريق عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد: ثني أبي عن أبيه عن جده.
وأخرجه الحاكم بإسقاط سعد من السند.
وهذا سند ضعيف فيه ضعف وجهالة وقد سبق له حديث آخر بهذا السند في النوع الثاني من الأذان.
وبه أخرجه الطبراني في «الكبير» بلفظ: «إذا أذنت فاجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أرفع لصوتك» .
الرابع: عن عبد الله بن زيد في حديث رؤيا الملك قال: لما كان الليل قبل الفجر غشيني نعاس فرأيت رجلا عليه ثوبان أخضران وأنا بين النائم واليقظان فقام على سطح المسجد فجعل أصبعيه في أذنيه ونادى
…
الحديث بطوله.
أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عنه كما في «التلخيص» و «نصب الراية» وقال: «ويزيد بن أبي زياد متكلم فيه» .
وعبد الرحمن عن عبد الله بن زيد تقدم قول من قال: «فيه انقطاع» .
هذا وقد قال الترمذي بعد أن ساق الحديث الأول: «وعليه العمل عند أهل العلم يستحبون للرجل أن يدخل المؤذن أصبعيه في أذنيه في الأذان. وقال بعض أهل العلم: وفي الإقامة أيضا يدخل أصبعيه في أذنيه وهو قول الأوزاعي» .
وفي «الفتح» : «قال العلماء: في ذلك فائدتان: إحداهما: أنه قد يكون أرفع لصوته ثانيهما: أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد أو كان به صمم أنه يؤذن» .
«تنبيه» : لم يرد تعيين الأصبع التي يستحب وضعها وجزم النووي أنها المسبحة وإطلاق الأصبع مجاز عن الأنملة.
7 -
ويلتفت يمينا برأسه عند قوله: حي على الصلاة وشمالا عند قوله: حي على الفلاح ولا يستدير.
وفي حديث أبي جحيفة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم وقال: فخرج بلال بوضوئه فمن نائل وناضح قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه قال: فتوضأ وأذن بلال قال: فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يقول يمينا وشمالا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح
…
الحديث.
أخرجه مسلم من طريق وكيع: ثنا سفيان: ثنا عون بن أبي جحيفة عن أبيه.
وبهذا السند أخرجه أحمد نحوه.
وأخرجه أبو داود من طريق قيس بن الربيع ووكيع عن سفيان جميعا بلفظ: فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر
…
الحديث.
وإسناده صحيح كما قال النووي: ورواه النسائي عن وكيع أيضا مختصرا بلفظ: فأذن فجعل يقول في أذانه هكذا ينحرف يمينا وشمالا.
والبخاري والدارمي عن محمد بن يوسف: ثنا سفيان به بلفظ: أنه رأى بلالا يؤذن فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا بالأذان.
وكذا رواه النسائي أيضا عن إسحاق الأزرق عن سفيان.
قال النووي: «مذهبنا أنه يستحب الالتفات في الحيعلة يمينا وشمالا ولا يدور ولا يستدبر القبلة سواء كان على الأرض أو على منارة، وبه قال النخعي والثوري والأوزاعي وأبو ثور، وهو رواية عن أحمد، وقال ابن سيرين: يكره الالتفات وقال مالك: لا يدور ولا يلتفت إلا أن يريد إسماع الناس وقال أبو حنيفة وإسحاق وأحمد في رواية: يلتفت ولا يدور إلا أن يكون على منارة فيدور.
واحتج لمن قال يدور بحديث الحجاج بن أرطأة عن عوف بن أبي جحيفة عن أبي جحيفة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح فخرج بلال فأذن فاستدار في أذانه. رواه ابن ماجه والبيهقي.
واحتج أصحابنا بالحديث الصحيح السابق أنه لم يستدر وأما حديث الحجاج فجوابه من أوجه: أحدها: أنه ضعيف لأن الحجاج ضعيف ومدلس والضعيف لا يحتج به والمدلس إذا قال: عن لا يحتج به لو كان عدلا ضابطا والجواب الثاني: أنه مخالف لرواية الثقات عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه فوجب رده الثالث: أن الاستدارة تحمل على الالتفات جمعا بين الروايات».
وأقول: هذا الجواب الأخير هو الذي يجب المصير إليه أما الأول والثاني فضعيف لثبوت الاستدارة من طرق وقد سبق بيانها قريبا.
واختلف: هل يستدير في الحيعلتين الأوليين مرة وفي الثانية مرة أو يقول: حي على الصلاة عن يمينه ثم حي على الفلاح عن شماله وكذا الأخرى؟
قال ابن دقيق العيد: «ويرجح الثاني لأنه يكون لكل جهة نصيب منهما» . قال:
«والأول أقرب إلى لفظ الحديث» كما في «الفتح» .
قلت: ويؤيد الأول حديث سعد القرظ في أذان بلال: ثم ينحرف عن يمينه فيقول: حي على الصلاة مرتين ثم ينحرف عن يساره فيقول: حي على الفلاح مرتين ثم يستقبل القبلة فيقول: الله أكبر
…
الحديث. وفيه ضعف.
8 -
وأن يكون أذانه أول الوقت كما كان يفعل بلال: كان يؤذن إذا زالت الشمس لا يخرم ثم لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإذا خرج أقام حين يراه.
أخرجه مسلم وأحمد واللفظ له من طريق زهير عن.
وهو في «المسند» و «سنن أبي داود» وغيرهما من طرق أخرى عن سماك مختصرا ولعله يأتي في الإقامة.
قوله: لا يخرم أي: لا يترك شيئا من ألفاظه كذا في «النيل» .
وهذا المعنى محتمل ولكن الأرجح عندي أن المعنى لا يخرم: أي لا ينقص ولا يؤخر عن الوقت وهو وقت زوال الشمس، والدليل على هذا الشطر الثاني من الحديث فإنه يقول: إن بلالا كان يؤخر الإقامة حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم. وقد وجدت بعد ذلك ما يؤيد هذا من الرواية وهو ما رواه الطيالسي: ثنا قيس عن سماك بن حرب عن جابر قال: كان بلال يؤذن حين تدحض الشمس وربما أخر الإقامة قليلا وربما عجلها قليلا فأما الأذان فكان لا يخرم عن الوقت.
فهذا نص فيما رجحنا، والله أعلم.
والحديث فيه المحافظة على الأذان عند دخول وقت الظهر بدون تقديم ولا تأخير وهكذا سائر الصلوات إلا الفجر كما تقدم.
[الثمر المستطاب «1/ 153»].