الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مراجعة ما تضمنه كتاب "فتح الملك العلي
" (1)
طالعتُ كتابَكم "فتح الملك العلي"(2) فرأيت أنكم نحوتُم فيه نحو تلقي حديث "أنا مدينة العلم" بالقبول. ولا بدع في ذلك، فقد سبقكم إلى ذلك كثيرٌ من المحدثين، كما أن كثيرًا منهم نبذوه بالعراء وكثيرًا رموه بأنه وضع وافتراء.
وتبين من حاصل أقوالهم فيه أنَّ منكريه لم يقتصروا على الطعن في رجال أسانيده، بل تجاوزوا ذلك إلى الحكم على ذات الحديث، فقالوا فيه أقوالًا شديدة مثل: موضوع، منكر، لا أصلَ له، كذب، كم خلق افتضحوا فيه، لم يروه عن أبِي معاوية [الضرير] أحدٌ من الثقات.
ومثلُ هذا الحكم لا يصدر عن أصحابه من الحفاظ إلا بعد التقَصِّي والاستقراء لجميع أسانيده، فإذا لم يجدوا فيها مظنةَ الصحة استخلصوا من
(1) مصدر هذا المقال كتاب "تحقيقات وأنظار". وقد جاء في التقديم له الفقرةُ الآتية، ومن الراجح أنها بقلم محرر المجلة التي نشر فيها. إلا أن معدَّ الكتاب لم يذكر اسمَ تلك المجلة، ولا مكانَ صدورها، فضلًا عن العدد الذي نشر فيه المقال وتاريخه. وهذا - للأسف - صنيعُه في كلِّ المقالات التي اشتمل عليها الكتاب المذكور. ونص الفقرة المشار إليها:"عرف القراء مما قد أشرنا إليه في أعداد ماضية بخصوص الكتاب المذكور أن فضيلة الأستاذ الأكبر كان قد راجع مؤلفه وأبان له وجوه الضعف في هذا الكتاب، وقلنا إننا سوف ننشر تلك المراجعة الآن، وقد وافانا البريد بها، فننشرها شاكرين". ومحور المراجعة هو حديث: "أنا مدينة العلم، وعليٌّ بابها".
(2)
العنوان الكامل للكتاب هو "فتح الملك العلي بصحة باب مدينة العلم علي"، لمؤلفه أحمد بن محمد بن الصديق الغماري، المغربي مولدًا ونشأة، المصري منزلا. وقد صدر الكتاب عن المطبعة الإسلامة بمصر سنة 1354 هـ، وهو رسالة صغيرة في أربع وعشرين صفحة.
استقرائهم حكمًا كليًّا يتعلق بذات الحديث المروي، وليس حكمًا جزئيًّا متعلقًا بأسانيده، وهذا مقامٌ شديد في الحكم. ونظيره قولُ الإمام أبي عبد الله البخاري في باب مَنْ أُهْدِىَ له هديةٌ وعنده جلساؤه [فهو أحق بها]:"ويُذكر عن ابن عباس أن جلساءَه شركاؤه، ولم يصح"، (1) أي لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعين البخاري سندًا، بل جزم بعدم صحة المروي.
ولأجل حكمهم على ذات حديث: "أنا مدينة العلم" بالوضع، صار هذا الحديثُ سببَ الطعن في أبِي الصلت، (2) حتى إنك لتجد في كلام بعضهم الاعتراضَ على مَنْ عدَّل أبا الصلت بقوله: أليس قد روى حديث "أنا مدينة العلم"، كما ذكره الحاكم في المستدرك عن العباس بن محمد الدوري عن صالح بن حبيب. (3)
ثم إن جماعةً تظاهروا على أن أبا الصلت وضع هذا الحديث عن أبي معاوية، وذكر قليلٌ منهم أن أبا معاوية حدَّث به ثم كف عنه. وعلى كل حال، فكثرةُ الاختلاف فيه وشدة عناية الأئمة بالفحص عن رواته يُؤْذِنُ بأنه حديثٌ لم يكن معروفًا عند الحفاظ، وأنه طلع على هذه الأمة طلوع الشواظ.
(1) صحيح البخاري، "كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها"، ص 422.
(2)
هو أبو الصلت عبد السلام بن صالح بن أيوب بن ميسرة الهروي الخراساني، مولَى عبد الرحمن بن سَمُرة القُرشي. رحل في طلب الحديث إلى البصرة، والكوفة، والحجاز، واليمن، وسمع حماد بن زيد، ومالك بن أنس، وعبد الوارث بن سعيد، وعبد الرزاق الصنعاني، وسفيان بن عيينة، وغيرهم. وقدم بغداد، وحدث بها. كان من أصحاب الإمام علي بن موسى الرضا ابن الإمام بن موسى الكاظم وخادمه، وروى عنه. استقربه المأمون وجعله من خاصته، وخرج معه في بعض المغازي. كان يرد على أصحاب الفرق من المرجئة والجهمية والقدرية، وناظر بشرًا المريسي وغيره من أهل الكلام بين يدي المأمون غير مرة. توفّي أبو الصلت سنة 236 هـ، كما ذكر الخطيب البغدادي.
(3)
وقد علق الذهبي على كلام الحاكم النيسابوري: "وأبو الصلت ثقة مأمون"، بقوله:"لا والله، لا ثقة ولا مأمون". المستدرك على الصحيحين، "كتاب معرفة الصحابة"، الحديث 4700، ج 3، ص 147.