الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكمة المشرقية:
تحيّر الباحثون في ماذا يُراد بالحكمة المشرقية، فإن الشيخ يذكر في كتبه طائفة "المشرقيين"، حتى ظنت ظنونٌ أن الحكمة المشرقية هي عينُ حكمة الإشراق. وقد تعرض الذين ترجموا حياة الشيخ في جريدة أسماء كتبه أنه ألّف كتابًا سماه "الحكمة المشرقية"، وألّف "نقض الحكمة المشرقية"(1)، وكتابًا سماه "الإنصاف" بين المشرقيين والمغربيين، (2) كلُّ هذه من الكتب الثابتة النسبة إلى الشيخ، ذكرها تلميذه أبو عبيد الجوزجاني (3) الذي كان أشدَّ الناس ملازمةً للشيخ، ونقلها عنه مترجموه.
فأما كتاب "الحكمة المشرقية" فقالوا إنه لم يتمّه، وأما "نقض الحكمة المشرقية" فلا يُعرف، وأما كتاب "الإنصاف" فانتهبه عساكرُ السلطان مسعود (4) في اليوم التالي الذي وصل فيه السلطان إلى أصفهان في جملة ما انتهبوه من رحل الشيخ ابن سينا، فلم يوقف له على أثر بعد. (5)
(1) كذا في الأصل، وفي الأمر غرابة؛ إذ كيف يصنف ابن سينا كتابين: واحدًا في الحكمة المشرقية يدعو إليها والآخر في نقضها؟ ولعلَّه جرى تصحيف من ناشر المقال أو سهو من المصنف نفسه، فربما يكون النقض للحكمة المشائية التي يبدو أن الشيخ الرئيس بدأ يميل عنها في كتاب "الإشارات والتنبيهات"، وعليه يكون الصواب في هذا الكتاب المنسوب جنبًا مع كتاب "الحكمة المشرقية" هو "نقض الحكمة المشائية".
(2)
انظر تحقيقًا جيدًا حول هوية هذا الكتاب ومضمونه ومصيره في قنواتي، جورج شحاتة: مؤلفات ابن سينا (القاهرة: دار المعارف بمصر، 1950)، ص 16 - 17.
(3)
هو أبو عبيد عبد الواحد بن محمد الجوزجاني، صحب ابن سينا، وتلمذ له، وخدمه خمسًا وعشرين سنة. كان فقيهًا حكيمًا، كتب فهرسًا بمصنفات أستاذه، كما كتب له سيرة صار عليها المعوَّل في معرفة أطوار حياة هذا الفيلسوف. وكذلك صنف كتاب تفسير مشكلات القانون، وكتاب شرح رسالة حيّ بن يقظان، وكلاهما من مؤلفات أستاذه. تُوُفِّيَ بهمدان سنة 438 هـ.
(4)
هو السلطان مسعود بن سبكتكين الغزنوي، ملك خراسان وما وراء النهر. ولد سنة 361 هـ وتوفِّيَ سنة 432 هـ. وكان دخولُه أصفهان سنة 431 هـ بسبب ثورة أهلها عليه حين كان بخراسان، فعمد إليها وفتحها عنوة. - المصنف.
(5)
قاله القفطي. - المصنف. وفضلًا عن الكتب المذكورة، فإن لابن سينا مصنفاتٍ أخرى ضاعت مع ما ضاع من تراثه الفكري والعلمي، منها "الحاصل والمحصول" في الفقه والتفسير والزهد، =
ونحن هيأنا لك فيما قدّمناه مفتحًا تتعرف منه كيف تولّدت الحكمةُ المشرقية للشيخ ابن سينا. فالحكمة المشرقية طريقةٌ من الحكمة تغايرها الحكمةُ المغربية، فليست هي حكمة الإشراق؛ لأن تلك تقابلها الحكمةُ المشائية. والحكمة المشرقية لا تعتزي إلى اليونان؛ لأن الشيخ قال في مقدمة الكتاب - الذي هو موضوع بحثنا والذي سنتحدث عنه أخيرًا - ما نصُّه:"ثم قابلنا جميع ذلك بالنّمَط الذي يسميه اليونان المنطق، ولا يبعد أن يكون له عند المشرقيين اسم غيره"، (1) ولأن الشيخ قد ألف كتابًا سَمّاه "الإنصاف بين المشرقيين والمغربيين". (2)
فعلمنا من جميع ذلك أنه يعني بالمغربيين اليونان، وأنه يعني بالمشرقيين غيرَهم، وعلمنا أيضًا أن المشرقيين قومٌ يسكنون شرقَ بلاد اليونان، فعلمنا إذن أنه لا يريد بالحكمة المشرقية الحكمة المصريّة القديمة التي هي من أمهات الحكمة اليونانية، إذ تعلّم فيها سائرُ الحكماء من طاليس إلى أفلاطون؛ لأن الحكمة المصرية القديمة تلاشت.
ولا يعني الحكمة المصرية الحديثة، وهي الإسكندرانية المنسوبة إلى البطالسة؛ لأنها شعبةٌ من الحكمة اليونانية. ولا يريد حكمةَ أهل سيرينييك - أي بَرْقَة القديمة (3) -
= و"البر والإثم" في الأخلاق، "ولسان العرب" في اللغة. انظر في ذلك: البيهقي، ظهير الدين: تاريخ حكماء الإسلام، تحقيق محمد كرد علي (دمشق: مكتبة الترقي، 1365/ 1946)، ص 57 و 65 - 67؛ القفطي، جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف: إخبار العلماء بأخبار الحكماء، نشرة بعناية إبراهيم شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1426/ 2005)، ص 307 - 311.
(1)
صفحة 3 من الكتاب المعنون منطق المشرقيين. - المصنف. ابن سينا: منطق المشرقيين، ص 20.
(2)
ذكر ابن أبي أصيبعة كتاب الإنصاف وقال إنه "عشرون مجلدة شرح فيه جميع كتب أرسططاليس وأنصف فيه بين المشرقيين والمغربيين". ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء (بيروت: دار الثقافة، 1398 - 1399/ 1978 - 1979)، ج 3، ص 27.
(3)
سميت سيرينييك نسبة إلى قاعدة البلاد المسماة سيرين [Cyrene] التي سميت بعد حين قرينة، وهي مدينة أسست في القرن السابع قبل المسيح، أسسها جماعة من أهل جزائر "طيرا" من جزائر =
التي تعلّم فيها أفلاطون وأرستيبوس، (1) ولا حكمة بلاد إيطاليا التي تعلم فيها فيثاغورس؛ (2) لأن هذه الأقطار غربٌ لبلاد اليونان.
فلم يبقَ إلا أن يكون المشرقيُّون إما الهنود وإما الفرس؛ لأن هاتين الأمتين كانتا أمتي حكمة. فالشيخ لا يريد الهنود؛ لأن حكمة الهند لم يترجم منها إلا قليلٌ في التربية الرّمزية، مثل "كليلة ودمنة"، وجمل منقولة في معنى بلاغة الكلام. (3)
أما الفرس فقد كانت لهم حكمةٌ واسعة، وظهر منهم أساطين فيها من عهد معلِّم الحكمة الأول عندهم وهو كيومرث، (4) ثم انتقلت بتوالِي الأزمنة إلى زرادشت وتلميذَيه جاماسب وفرشاوشير وإلى بزرجمهر. (5) غير أن الحكمةَ الفارسية لم تصل إلى عصر الشيخ منتظمةً مدونة، ولم يبق للفرس بعد انقراض ملكهم من آثار حضارتهم العلمية إلا بقيةُ كتب الدين، مثل "كتاب الزند" لزرادشت الذي هو كتاب ديانة المجوس، وهم فئة قليلة حينئذٍ ببلاد الفرس. قال قطب الدين الشيرازي
= الأرخبيل اليوناني، وقد ازدهرت حضارتها وصارت مقر علوم، ونشأ بها الحكيم أريستيب [Aristippus] تلميذ سقراط ومعاشر أفلاطون، وقصدها جماعة من الفلاسفة. - المصنف.
(1)
أريستيب Aristippus (435 - 366 ق. م.)، فيلسوف يوناني، كان معروفًا بكونه من أبرز أتباع سقراط. ينسب إليه أو إلى حفيده وسميِّه تأسيس المذهب القوريني (Cyrenaic School) القائم على فكرتي الذاتية واللذة أو المنفعة.
(2)
فيثاغورس [Pythagoras] الحكيم الجليل، أصله من جزيرة ساموس. درس الحكمة في إيطاليا، فصارت طريقته في الحكمة تُدعى إيطالية. ولد سنة 564 ق. م، وتوفِّيَ سنة 484. - المصنف.
(3)
كانت علاقة الحكمة الهندية بالحكمة اليونانية ضعيفة، وإن كان بعضُ الفلاسفة اليونان زار الهند مثل بيرهون [Pyrrhon، Pyrrho] إمام الفلسفة السفسطائية. إلا أن ذلك مع قلته قد دخل في الفلسفة اليونانية، ولم يكن طريقة ممتازة. - المصنف. وقد عاش بيرهون الإيلي، الذي يعد من قدامى أئمة الفلسفة الشكية المطلقة في اليونان، بين سنتي 360 و 275 قبل ميلاد المسيح. أسس ما أصبح يعرف بالمدرسة البيرونية القائلة بتكافؤ الأدلة وباستواء الاحتمالات في كل شيء. وقد زار الهند وفارس خلال مرافقته للإسكندر في بعض حملاته عليهما.
(4)
كيومرث أو جيومرث Kiomarth هو أوّل ملوك الفرس حسب الشاهنامة، وهو الإنسان الأوّل حسب كتاب زرادشت الأفستا (Avasta) والذي نسلت منه الأمم الآرية.
(5)
شرح الشيرازي، ورقة 6. - المصنف. شيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص 17.
في "شرح حكمة الإشراق": "وقد أتلفت حكمتَهم - يعني الفرس - حوادثُ الدهر، وأعظمُها زوال الملك عنهم، وإحراق الإسكندر الأكبر من كتبهم وحكمتهم". (1)
فليست الحكمةُ المشرقية - فيما أرى - سوى ما فاض به عقلُ الشيخ من المعارف والأذواق التي مَحّص بها كلتا الحكمتين الإشراقية والمشائية، وأخذ من خلاصتها مصححاتٍ قيّمة كما قدمناه لك، وأضاف إليها ما بلغ إليه من تراث الحكمة الفارسية أصولًا قليلة مما تناقلته الأفاضلُ بطريق التلقين. وإذ كانت لم تصل إليه الحكمةُ الفارسية متناسقةً اضطُر إلى تخيّلها وترسّمها بما أمكنه، ثم مزج ذلك ببعض ما لأهل التصوف الإسلامي من الأذواق والكشوفات، مما شهد بصحته العقلُ السليم. وخوَّلَه ذلك أن فنّ التصوف أثر مشرقي رُكِّب على قواعد الزهد الإسلامية، ثم رصّعها الشيخُ ببراهينه وبلاغة تعبيره. ويشهد لذلك أنه عدَل في كتاب "الإشارات" عن بعض المصطلحات الفلسفية، وعوّضها بالمصطلحات الصوفيّة، مثل التعبير عن الحكيم بالعارف. (2)
ومزج الشيخُ بين حكمة الإشراق والحكمة الفارسية، فركّب منهما الحكمةَ المشرقية؛ إذ كانت حكمةُ الإشراق أقربَ إلى الحكمة الفارسية من الحكمة المشائية. قال الشيرازي في "شرح حكمة الإشراق": "وكان اعتمادُ الفارسيين في الحكمة على الذوق والكشف، وكذا قدماء اليونان، خلا أرسطو وشيعته، فإن اعتمادهم على
(1) شرح الشيرازي، ورقة 7. - المصنف. شرح حكمة الإشراق، ص 17. وهناك بعض الاختلاف بين ما أورده المصنف وما في النسخة المطبوعة، حيث جاء بلفظ: "وقد أتلفت حكمتَهم حوادثُ الدهر، وأعظمُها زوالُ الملك عنهم، وإحراق الإسكندر الأكبر من كتبهم وحكمتهم".
(2)
صفحة 374 من الإشارات بشرح الطوسي طبع الآستانة عام 1290. - المصنف. ابن سينا: الإشارات والتنبيهات، القسم الرابع، ص 58 - 78 و 96 - 110.
البحث والبرهان". (1) وقال في ذكر عِلم الفُرس: "وهو بعينه ذوق فضلاء اليونان، وهاتان الأمتان متوافقتان في الأصل". (2)
وأحسب أن مسائلَ النمط التاسع والنمط العاشر من كتاب "الإشارات"(3) هو ما يعنيه الشيخ ابن سينا بالحكمة المشرقية، فإن كتاب "الإشارات" هو آخرُ ما ألّفه الشيخ، كما صرّح به الصَّفَدي في "الوافِي في الوفيات". (4) وقد وجدتُ من كلام الحكيم أبي بكر ابن الطفيل الأندلسي (5) موافقًا لي على هذا الحسبان؛ فإنه قال في صدر رسالة "حي بن يقظان":"سألتَ أيها الأخ. . . أن أبثّ إليك ما أمكننِي [بثُّه] من أسرار الحكمة المشرقية التي ذكرها الشيخ [الرئيس] أبو علي ابن سينا. . . إلخ". (6) ثم ذكر كلامًا لأبي بكر بن باجة (7) في طريق تحصيل العلم، (8) ثم قال عقِبه:
(1) شرح الشيرازي، ورقة 4. - المصنف. شرح حكمة الإشراق، ص 11.
(2)
شرح الشيرازي، ورقة 7. - المصنف. شرح حكمة الإشراق، ص 11.
(3)
وفيهما تحدث ابن سينا عن "مقامات العارفين" و"أسرار الآيات"، الإشارات والتنبيهات، القسم الرابع، ص 47 - 164.
(4)
الصفدي، صلاح الدين خليل بن ايبك: الوافي بالوفيات، تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1420/ 2000)، ج 12، ص 250.
(5)
هو الحكيم أبو بكر محمد بن عبد الملك المعروف بابن طفيل (بضم الطاء وفتح الفاء) القيسي، الأندلسي. أصله من بلد وادي إش قرب غرناطة. توفي في مراكش سنة 581. انظر الإحاطة. - المصنف. ابن الخطيب، لسان الدين: الإحاطة في أخبار غرناطة، تحقيق محمد عبد الله عنان (القاهرة: مكتبة الخانجي، ط 1، 1394/ 1974)، ج 2، ص 478 - 482.
(6)
أمين، أحمد (محقق): حي بن يقظان لابن سينا وابن طفيل والسهروردي (القاهرة: دار المعارف بمصر، 1952، سلسلة ذخائر العرب)، ص 57؛ حي بن يقظان: النصوص الأربعة ومبدعوها، دراسة وتحقيق يوسف زيدان (القاهرة: دار الشروق، ط 1، 2008)، ص 125 - 126. والرابع هو ابن النفيس، وما بين الحاصرتين ليس في نشرة أحمد أمين.
(7)
هو الحكيم أبو بكر محمد بن يحيى، المعروف بابن باجة (بتشديد الجيم، كلمة من عجمية الأندلس بمعنى الفضة)، ويُعرف أيضًا بابن الصايغ (بصاد مهملة وغين معجمة)، السَّرقُسطي، الأندلسي، الفيلسوف الكبير، والشاعر المفلق. توُفِّيَ في مراكش 533 وقيل سنة 532. ترجمه ابن خلكان، وهو مذكور في قلائد العقيان. - المصنف.
(8)
وكلام ابن باجة الذي أشار إليه المصنف هو قوله: "إذا فهم المعنى المقصود من كتابه ذلك، ظهر عند ذلك أنه يفهم ذلك المعنى في رتبة يرى تفسه فيها مباينًا لجميع ما تقدم، مع اعتقادات أخر =
"وهذه الرتبة التي أشار إليها أبو بكر يُنْتَهَى إليها بطريق العلم النظري والبحث الفكري، ولا شك أنه بلغها ولم يتخطَّها. وأما الرتبة التي أشرنا إليها نحن أولًا فهي غيرُها، وإن كانت إياها، بمعنى (1) أنه لا ينكشف فيها أمرٌ على خلاف ما انكشف في هذه، وإنما تغايرها بزيادة الوضوح ومشاهدتها بأمر لا نسميه قوةً إلا على المجاز، إذ لا نجد في الألفاظ الجمهورية ولا في الاصطلاحات الخاصة أسماءً تدل على الشيء الذي يُشاهَدُ به ذلك النوعُ من المشاهدة". (2)
ثم ذكر كلام الشيخ في "الإشارات" في أحوال العارفين، (3) ثم قال:"فهذه الأحوال التي وصفها إنما أراد بها أن تكون له ذوقًا لا على سبيل الإدراك النظري المستخرَج بالمقاييس وتقديم المقدمات [وإنتاج النتائج] ". (4)
وقال الشيرازي في ديباجة "شرح حكمة الإشراق": "ليس كلُّ العلوم تحصل بالقيل والقال، بل منها ما لا يحصل إلا بتلطيف السِّر والحدس من الأحوال، وعلى هذا نبه الشيخ الرئيس [بلغه الله منتهى مقامات الأبرار بحق المْصطَفَيْن الأخيار] في مواضع من "الإشارات" [وكذا في الشفاء والنجاة] بقوله: "تلطّف من نفسك" وبقوله: "فاحدس من هذا" وأمثالهما". (5) فهذان الحكيمان يوجهان في بيان حكمة ابن سينا إلى كتاب "الإشارات".
خفتت الحكمةُ المشرقية بخمود تلك النفس المشعة - نفس الشيخ أبي علي رحمه الله. حتى جاء الشهابُ السهروردي، فترسَّم طُولَها، (6) وبنى على أسسها، ودل
= ليست هيولانية، وهي أجل من أن تُنسَبَ إلى الحياة الطبيعية، بل هي أحوالٌ من أحوال السعداء منزهةٌ عن تركيب الحياة الطبيعية، خليقةٌ لأن يقال لها أحوال إلهية يهبها الله سبحانه وتعالى لمن يشاء من عباده". المصدر نفسه، ص 58 (نشرة أمين) وص 127 (نشرة زيدان).
(1)
تفسير لكونها عينها وكونها غيرها؛ أي في أنَّها يحصل بها من العلم ما يحصل بالأخرى. وأما المغايرة بينهما، ففي طريق تحصيله وشدة وضوحه. - المصنف.
(2)
حي بن يقظان، ص 59 (نشرة أمين) وص 127 (نشرة زيدان).
(3)
ابن سينا: الإشارات والتنبيهات، القسم الرابع، ص 76 - 85.
(4)
حي بن يقظان، ص 60 (نشرة أمين) وص 128 (نشرة زيدان).
(5)
شرح حكمة الإشراق، ص 2. وما بين حاصرتين لم يورده المصنف، واستكملناه من النسخة المطبوعة.
(6)
كذا في الأصل، ولعل مراده أنه تابعها وسار عليها.
على امتزاجها بحكمة الإشراق في مواضع من كتابه المسمى "حكمة الإشراق" فقال: "وعلى هذا (أي على سلوك طريقة الرّمز) تبتنِي قاعدةُ الشرق في النور والظلمة التي كانت طريقةَ حكماء الفرس، وهي ليست قاعدةَ كَفَرة المجوس وإلحاد مانِي، (1) وما يفضي إلى الشرك بالله تعالى". (2)
وسَمَّى حكماءَ الفرس بحكماء الشرق، فقال في مقالة التناسخ:"وهي (أي الصيصية) (3) أولُ منزل للنور الأسفهبذ (4) على رأي حكماء الشرق". (5) وعنى بحكماء الشرق حكماءَ الفرس، لقوله في موضع آخر:"وبهما تتم الخلافتان الصغرى والكبرى؛ (6) فلذلك أُمِر الفرسُ بالتوجه إليها فيما مضى من الزمان". (7) وقال أيضًا: "والأضواء المينوية (أي الروحانية) ينابيع الْخُرَّة والرأي التي أخبر عنها زرادُشت، ووقع خِلْسة للملك الصِّدَّيق كيخسرو المبارك فشاهدها، وحكماء الفرس متفقون على هذا، وهي الأنوار التي أشار إليها أنبادقليس (8) وغيره". (9)
(1) مانِي متفلسف أصله من الصين، ولد سنة 215 م، وجاء إلى فارس في سلطنة سابور بن أردشير (242 - 273) فنفاه سابور إلى بلاد الهند. ثم عاد إلى فارس في ولاية بهرام بن سابور فقتله بهرام، وفي ذلك خلاف. قال ماني بإلهين: النور والظلمة. - المصنف.
(2)
شرح حكمة الإشراق، ص 17.
(3)
الصيصية في اصطلاحه هي الجسد. - المصنف.
(4)
هو بالفارسية الرئيس المدبر. - المصنف.
(5)
ورقة 172 من شرح حكمة الإشراق. - المصنف. شرح حكمة الإشراق، ص 459.
(6)
الخلافة الصغرى خلافة النار عن الشمس، والكبرى خلافة الإنسان عن الخالق المشار إليها بقوله تعالى:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]. - المصنف.
(7)
شرح حكمة الإشراق، ص 418. والضمير "هما" في عبارة "وبهما" يعود على النار والنفس.
(8)
أنبادقليس حكيم يوناني من تلامذة فيثاغورس، والشيرازي يذكر أنه أستاذ فيثاغورس. كان يتردد بين صقلية وأثينا. توفي في أثينا. ويقال: إنه ألقى بنفسه في بركان قرب أثينا. - المصنف.
(9)
شيرازي: شرح حكمة الإشراق، ص 357 - 358. وما بين القوسين من شرح الشيرازي. ومعنى الْخُرة كما نقل الشيرازي عن كتاب الألواح للسهروردي إشارة إلى ما "يُسمَّى كيان خرة، وهو ألَقٌ في النفس قاهرُ تخضع له الأعناق".
ولمَّا ذكر السهرورديُّ الشمسَ وفضلَها على الكواكب، قال الشيرازي في شرحه:"ولهذه الفضائل والكمالات ذهب أربابُ المكاشفات العقلية وأصحابُ المباحثات الشرقية من حكماء الشرق إلى وجوب تعظيمه". (1) وهو يعني حكماء الفرس؛ لأنهم عبدوا الشمسَ بعنوان كونها ربَّ النور، وتُسمَّى بهذا الاعتبار رخش.
وقال الشيرازي في موضع آخر: "إن المصنِّف (يعني السهروردي) قد أحيا كَلِمَهم ومذاهبَهم (أي الفُرس) في هذا الكتاب، وقد أتلفَت حكمتَهم حوادثُ الدهر وأعظمُها زوالُ الملك عنهم. والمصنِّف لما ظفر بأطراف منها ورآها موافقة للأمور الكشفية الشهودية، استحسنها وكملها". (2) وقد يعني السهروردي بالمشرقيين جميعَ حكماء الشرق من فرس وبابليِّين وهنود، وقد وقفتُ له على هذا الإطلاق في قوله:"فكذا الغاسق مشتاق إلى النور، قال يوذاسف (3) ومن قبله من المشرقيين: إن باب الأبواب لحياة جميع الصياصي العنصرية الصيصية الإنسية". (4)
فبان لنا أن السهروردي اقتبس طريقةَ الحكمة المشرقية من الشيخ ابن سينا، وأن طريقته تمتاز عن طريقة الشيخ بالتصريح ببعض قواعد رياضة النفس عند المشارقة، وبإيداع الكلمات الفهلوية (5) في قواعد الحكمة، كما سَمَّى النور الفعّال في
(1) ورقة 7 من شرح حكمة الإشراق. - المصنف. شرح حكمة الإشراق، ص 345. في المطبوع "الكلمات" بدل "الكمالات"، وواضح أنه خطأ لم يتنبه إليه المحققان. والمقصود بالفضائل والكمالات فضائل الشمس وكمالاتها بالنسبة إلى سائر الكواكب.
(2)
ورقة 7 من شرح حكمة الإشراق. - المصنف. المصدر نفسه، ص 17.
(3)
يوذاسف فيلسوف أصله من الهند، وتنقل حتى استقر بالعراق وأرض بابل. وهو مؤسس دين الصابئة، ويقول بالتناسخ. - المصنف. وقال عنه الشيرازي في شرحه (ص 459):"فيلسوف تناسخي من الهند، وقيل إنه من هل بابل العتيقة، عالم بالأدوار والأكوار. وقد استخرج سني العالَم، وهي ثلاثمأة [كذا، وهو قطعًا خطأ] ألف وستون ألف سنة، وحكم بأن الطوفان يقع في أرضها، وحذر قومه بذلك. وقيل: هو الذي شرع دين الصابئة لطهمورث الملك".
(4)
أي الجسم الإنساني. - المصنف.
(5)
أي كلمات من اللغة البهلوية (Pahlavi) أو الفارسية القديمة.