الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا عَلَى أَنَّ المُصِيبَ إِمَامُنَا
…
أَجْلَى دَلِيلٍ وَاضِحٍ لِلْمُهْتَدِ (1)
فابن السبكي ظهر بمظهر التعصب المذهبي، وأتى بدليل مصنوع بيده، فكان هو واضعَ الدعوى وواضعَ الدليل، وقد غفل عن أن هذا يعطل عليه وجودَ مجدد في المائة الأُولَى. ثم إنا نرى مُعظم مَنْ عَدَّهم السبكي مجددين لا يزيد معظمُهم على أن كانوا مدونين مذهبَ الشافعي، وليس ذلك كافيًا في وصف المجدد، وأين معنى التجديد من معنى التدوين؟
رأي مجد الدين ابن الأثير في تعيين المجددين
وفِي أول نوازل الأقضية والشهادات من كتاب "المعيار المعرب" للشيخ أحمد بن يحيى الونشريسي:
"وفِي جامع الأصول لفخر لدين المبارك بن عبد لكريم بن الأثير ما نصُّه: قد تكلم العلماءُ في تأويل هذا الحديث، كل واحد في زمانه، وأشاروا إلى القائم الذي يجدد للناس دينَهم كلَّ مائة سنة. وكأَنَّ كلَّ قائل قد مال إلى مذهبه، وحمل تأويل الحديث عليه. والأولَى أن يُحمل الحديثُ على العموم، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَنْ يجدد لها دينها"، لا يلزم منه أن يكون المبعوثُ على رأس المائة رجلًا واحدًا، وإنما قد يكون واحدًا، وقد يكون أكثر منه؛ فإن لفظة "مَنْ" تقع على الواحد والجمع. وكذلك لا يلزم منه أنه أراد بالمبعوث الفقهاءَ خاصة، كما ذهب إليه بعضُ العلماء، فإن انتفاع الأمة بالفقهاء وإن كان انتفاعًا عامًّا في أمور الدين، فإن انتفاعهم بغيرهم أيضًا كثير، مثل أولِي الأمر، وأصحاب الحديث، والقراء، والوُعَّاظ، وأصحاب الطبقات من الزهاد. فإن كلَّ قوم ينفعون بفنٍّ لا ينفع به الآخر، إذ الأصل في حفظ الدين حفظُ قانون السياسة، وبث العدل والتناصف الذي تُحقَنُ به الدماء، ويُتمكن من إقامة قوانين الشرع، وهذه وظيفة أولي الأمر.
(1) المرجع نفسه، ص 203.
وكذلك أصحابُ الحديث: ينفعون بضبط الأحاديث التي هي أدلة الشرع، والقراء ينفعون بحفظ القراءات وضبط الروايات، والزهاد ينفعون بالمواعظ والحث على لزوم التقوى والزهد في الدنيا. فكل واحد ينفع بغير ما ينفع به الآخر.
لكن الذي ينبغي أن يكون المبعوثُ على رأس المائة رجلًا معروفًا، مشهورًا، مشارًا إليه في كل فن من هذه الفنون. فإذا حُمل تأويلُ الحديث على هذا الوجه، كان أولَى وأبعد عن التهمة وأشبه بالحكمة. فإن اختلاف الأئمة رحمة، وتقرير أقوال المجتهدين متعيِّن. فإذا ذهبنا إلى تخصيص القول على أحد المذاهب، وأَوَّلنا الحديثَ عليه، بقيت المذاهبُ الأخرى خارجةً عن احتمال الحديث لها، وكان ذلك طعنًا فيها. فالأحسن والأجدرُ أن يكون ذلك إشارةً إلى حدوث جماعة من الأكابر المشهورين على رأس كل مائة سنة، يجددون للناس دينَهم، ويحفظون مذاهبَهم.
ونحن نذكر الآن المذاهبَ المشهورة في الإسلام التي عليها مدارُ المسلمين في أقطار الأرض، وهي مذهب الشافعي، وأبِي حنيفة، ومالك، وأحمد، ومذهب الإمامية، ومَنْ كان المشار إليه من هؤلاء على رأس كل مائة سنة، وكذلك من كان المشار إليه من باقي الطبقات. وأما مَنْ كان قبل هذه المذاهب المذكورة، فلم يكن الناسُ مجتمعين على مذهب إمام بعينه، ولم يكن قبل ذلك إلا المائة الأولى. وكان على رأسها من أولِي الأمر عمر بن عبد العزيز، ويكفي الأمةَ في هذه المائة وجودُه خاصة؛ فإنه فعل في الإسلام ما ليس بخافٍ.
وكان من الفقهاء بالمدينة: محمد بن علي الباقر، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسالم بن عبد الله بن عمر. وكان بمكة منهم مجاهد بن جبر، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح. وكان باليمن طاووس، وبالشام مكحول، وبالكوفة عامر بن شراحيل الشعبي، وبالبصرة الحسن البصري ومحمد بن سيرين. وأما القراء على رأس المائة الأولى، فكان القائم بها عبد الله بن كثير. وأما المحدثون فمحمد بن شهاب الزهري، وجماعةٌ كثيرة من التابعين وتابعي التابعين.
وأما مَنْ كان على رأس المائة الثانية، فمن أولِي الأمر المأمون بن الرشيد، ومن الفقهاء الشافعي والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحاب أبي حنيفة، وأشهب بن عبد العزيز من أصحاب مالك. وأما أحمد فلم يكن يومئذ مشهورًا؛ فإنه مات سنة إحدى وأربعين ومائتين. ومن الإمامية علي بن موسى الرضا، ومن القراء يعقوب الحضرمي، ومن المحدثين يحيى بن معين، ومن الزهاد معروف الكرخي.
وأما مَنْ كان على رأس المائة الثالثة، فمن أولي الأمر المقتدر بأمر الله، ومن الفقهاء أبو العباس بن سريج من أصحاب الشافعي، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي من أصحاب أبِي حنيفة، . . . (1) من أصحاب مالك، وأبو بكر بن هارون الخلال من أصحاب أحمد، وأبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي (2) من الإمامية. ومن المتكلمين أبو الحسن الأشعري، ومن القراء أبو بكر محمد بن موسى ابن مجاهد، ومن المحدثين أبو عبد الرحمن بن شعيب النسائي، ومن الزهاد أبو بكر الشبلي.
وأما مَنْ كان على رأس المائة الرابعة فمِنْ أولِي الأمر القادرُ بالله، ومن الفقهاء أبو حامد أحمد بن طاهر الإسفراييني من أصحاب الشافعي، وأبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي من أصحاب أبي حنيفة، وأبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر من أصحاب مالك، وأبو عبد الله الحسين بن علي بن حامد من أصحاب أحمد، ومن الإمامية المرتضى الموسوي أخو الرضي الشاعر. ومن المتكلمين القاضي أبو بكر بن
(1) بياض في الأصل كما ذكر محققُ الكتاب.
(2)
هو أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي، من كبار علماء الشيعة الإمامية في زمان ما يعرف عندهم بالغيبة الصغرى. ولد في زمن الإمام الحادي عشر في قرية كُلين من قرى الري، ويرجح أن ولادته كانت سنة 259 هـ. تلقى تعليمه الأولى في على يدي والده وبعض علماء كلين، ثم انتقل إلى مدينة الري التي كانت تعج بالعلماء والدعاة من مختلف الفرق والمذاهب الدينية ومنها انتقل إلى قم التي كانت في عهده مركزًا علميًّا مهمًّا في مجال علم الرواية والحديث. توفي الكليني سنة 329 هـ، عن عمر يناهز السبعين عامًا، ودفن في باب الكوفة ببغداد.
الطيب الباقلاني والأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك. (1) ومن المحدثين محمد بن عبد الله النيسابوري المعروف بالحاكم ابن البَيِّع، (2) ومن القراء أبو الحسن علي بن أحمد الحمامي، ومن الزهاد أبو محمد بن علي الدينوري.
وأما مَنْ كان على رأس المائة الخامسة، فمن أولِي الأمر المستظهر بالله، ومن الفقهاء الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي من أصحاب الشافعي، والقاضي فخر الدين الأرسابندي المروزي من أصحاب أبي حنيفة، . . . (3) من أصحاب مالك، وأبو الحسن علي بن عبد الله بن الزاغوني من أصحاب أحمد. ومن المحدثين رُزين بن معاوية العبدري، ومن القراء أبو العز محمد بن الحسين بن بندار القلانسي.
هؤلاء كانوا المشهورين في هذه الأزمنة المذكورة. وقد كان قُبيل كل مائة أيضًا مَنْ يقوم بأمور الدين، وإنما المرادُ بالذكر مَنِ انقضت المائةُ وهو حيٌّ، عالم، مشهور، مشار إليه". (4)
(1) ويمكن أن نضيف إليهما القاضي عبد الجبار بن أحمد في موسوعته الضخمة "المغني في أبواب التوحيد والعدل" وفي غيرها من المصنفات في الأصلين وفي غيرهما من العلوم.
(2)
هو محمد بن عبد الله بن محمد بن حَمْدَوَيْه بن نُعَيْم بن الحكم، أبو عبد الله ابن البيِّع، الضبي، الطهماني، النيسابوري، الشافعي، الإمام الحافظ، الناقد العلامة، شيخ المحدِّثين، صاحب التصانيف. ولد سنة 321 هـ بنيسابور وبها نشأ وتلقى تعليمه الأول. سمع الحديث في موطنه، وارتحل إلى العراق وهو ابن عشرين سنة، حدث عن والده، وعن كثيرين منهم محمد بن علي المذكر، ومحمد بن يعقوب الأصم، ومحمد بن يعقوب الشيباني بن الأخرم، ومحمد بن القاسم العتكي، وأبي جعفر محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي، وأبي أحمد بكر بن محمد المروزي الصيرفي، وأبي الوليد حسان بن محمد الفقيه، وعبدالله بن دُرُسْتُوَيْه، وغيرهم. وحدث عنه الدارقطني وهو من شيوخه، وأبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو العلاء الواسطي، ومحمد بن أحمد بن يعقوب، وأبو ذَرِّ الهَرَوِيّ، وأبو يعلى الخليلي، وأبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القُشَيْري، وأبو صالح المؤذن، وغيرهم كثيرون. قيل توفِّيَ سنة 403 هـ.
(3)
مرة أخرى بياض في الأصل كما ذكر محقق الكتاب، ومن حق أن يتساءل: لِمَ وقع هذا السقط للمرة الثانية عند تسمية أصحاب مالك؟
(4)
ابن الأثير الجزري، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد: جامع الأصول وأحاديث الرسول، تحقيق عبد القادر الأرناروط (بدون مكان نشر: مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ومكتبة دار البيان، =